جاء اختيار اللواء منصور عيسوي وزيرا للداخلية، إعلانًا لانتصار إرادة ثورة 25 يناير في اختيار رجل مناسب لهذه الوزارة البالغة الأهمية في ظل مرحلة من أشد المراحل خطورة في تاريخ مصر الحديث.
ورغم أجواء الضباب المحيطة بالمشهد الأمني وصعوبة الظروف الراهنة والتخوف المتبادل بين الشرطة والشعب، إلا أن تجارب اللواء عيسوي في مواقعه السابقة تعطي أملا عريضا في أن يتجاوز بوزارةالداخلية هذه الفترة الأسوأ في تاريخها.
فمنصور عيسوي سبق أن شغل منصب مدير أمن القاهرة في فترة من فترات الموجات الإرهابية،واستطاع أن يحكم السيطرة الأمنية عليها، وأن يضع الخطط التي ساهمت في الحد من الموجة الإرهابية في منتصف التسعينيات الأول.
كما نجحت سياسته العملية إبان عمله كمدير لأمن القاهرة، في حل كثير من المشاكل ذات الحساسية بين الشعب والشرطة أو الحكومة ككل، كمشكلة سوق روض الفرج التي كانت أكبر سوق تجارية في الجمهورية، وكادت تتحول إلى أزمة متفجرة بسبب قرار الحكومة بنقلها إلى سوق العبور الجديدة، حيث تم تداول المشكلة كقضية في المحاكم الإدارية وغيرها، ولم يفلح أي حل للقضية على كل المستويات الأمنية والقضائية والإعلامية سوى بالحوار المباشر مع تجار السوق.
ثم جاءت انتخابات مجلس الشعب في عام 1995 ،لتنصح أجهزة أمنية بإبعاده عن منصبه في مديرية أمن القاهرة فلا يمكن أن يتم تزوير الانتخابات في ظل مدير أمن من نوعية منصور عيسوي ذلك الذي لا يسمح أسلوب عمله وشخصيته بالتزوير، فتم ترقيته مساعد أول لوزير الداخلية لقطاع الأمن كحل لإبعاده بأي وسيلة، ثم المجيء باللواء حبيب العادلي من موقع عمله وقتها كمساعد لوزير الداخلية لمنطقة القناة، لتتم العملية الانتخابية تحت مظلة من العادلي وبعيدًا عن أخلاقيات عيسوي ذلك الذي اختير فيما بعد محافظا لمحافظة المنيا المشتعلة والتي كانت تشهد صراعات عنيفة بين أجنحة الجماعات الإسلامية والأمن.
وكان الصراع هناك لحظة توليه قد وصل إلى درجة اقتربت فيها عناصر من الجماعات الإسلامية المسلحة من فرض سيطرتها على مناطق بكاملها، خاصة في مركز ومدينة ملوي وهى المركز التجاري الأول في صعيد مصر كله، وكانت الحياة بكل أشكالها قد أصيبت هناك بالشلل التام خاصة عندما تم فرض حظر التجول هناك كأول حالة حظر تجول بسبب أعمال إرهابية منذ اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، فقد كانت الحوادث والاشتباكات تقع يوميا.
وجاء قرار الحظر ليعلن عجز أجهزة الأمن آنذاك عن السيطرة على الأوضاع، لا سيما أن وزارة الداخلية تحت قيادة اللواء حسن الألفي قد فقدت تعاطف الجماهير بسبب الممارسات القمعية التي كانت أجهزة الأمن تنتهجها، وتوسيع دوائر الاشتباه والقبض على أعداد غفيرة من المواطنين عشوائيا، وحجزهم في أماكن مجهولة دون أدنى التزام بالقوانين.
وكانت الأيام القليلة التي قضاها عيسوي محافظا قد صورت له الأمور على حقيقتها، إذ لم يعتمد على التقارير الأمنية التقليدية وتوجه مباشرة إلى الجماهير التي ضاقت بكل شيء.
ثم إن التقارير الأمنية في الحقيقة كانت تنقل أوهاما عن أعداد وأحوال العناصر الإرهابية، و سيطرتها على الأوضاع.
ولكن في حقيقة الأمر كانت التقارير تعكس حالة الخوف التي تنتاب الضباط أنفسهم من الواقع الذين ابتعدوا عنه بالحقيقة وواجهه العيسوي مباشرة والذي كان قد استطاع بالتجربة المباشرة والنزول الفعلي إلى الشارع حل أكثر من مشكلة أمنية في كل المواقع التي خدم فيها كبيرا وصغيرا.
وربما كان العيسوي قد اكتسب خبرته تلك في التعامل المباشر مع الجمهور من خلال عمله سنوات طويلة في حقل الأمن العام في المراكز والأقسام وكمدير لأهم مديريتين أمنيتين ( القاهرة والجيزة) ومديرا للمنطقة المركزية التي (تضم القاهرة والجيزة والقليوبية).
ولكن منصور عيسوي بعد تمكنه من حقائق الأوضاع، عرض على حسن الألفي زيارة مركز الصراع الدموي فيمحافظة المنيا بل وفي ملوي نفسها، حيث كانت شوارعها تتحول ليلا إلى شوارع للرعب والموت.
وبالفعل لبى الألفي الدعوة وزار المدينة المشتعلة وتجول بصحبة العيسوي في شوارع ملوي وسط جموع الجماهير التي التفت حول الاثنين في إعلان واقعي عن رفع حالة الحظر التى بدا أنها كانت بلا أي داع فقد اضمحلت الحوادث بعد إلغاء الحظر وتلاشت، لتؤكد أن الأمور كانت تدار بواسطة أخيلة أبعد ما تكون عن الواقع.
وربما كان نجاح العيسوي في المنيا هو السبب في إبعاده عنها وعن المسئولية الرسمية برمتها ، حيث كان قد طرح وقتها اسمه بقوة كترشيح بشكل غير رسمي، ليخلف الألفي في وزارة الداخلية. رغم أن الطرح لم يكن له به أدنى صلة، ولكن كانت السياسة التي تسير بها داخلية الألفي تتجه بها وبالوزير نحو الهاوية بسبب انتشار الفساد وتذمر الضباط من أسلوب معاملة بعض قيادات الوزارة الذين كانوا ينكلون بالضباط لأسباب ليس لها علاقة بالعمل، وسقوط كثير من الضباط في معارك بسبب تلك السياسة، كل هذه الأسباب جعلت الضباط وقطاعات كثيرة من الشعب يأملون في مجيء العيسوي وزيرا للداخلية، فهو الذي كان يقال عنه في الأوساط الشرطية إنه " آخر الرجال المحترمين".
ولكن تصديه لمافيا الفساد في المنيا، خاصة مافيا الأراضي من بعض قيادات الحزب الوطني ونوابه وتخوف قيادات بوزارة الداخلية من طرح اسمه كوزير للداخلية وأسلوبه الصريح الذي وصل إلى الحدة مع مسئول كبير في رئاسة الجمهورية ، كل ذلك أدى لاستبعاد ترشيحه وزيرا بل وبقائه محافظا، فما كان إلا أن صدر أمر من الرئيس السابق بإحالته إلى المعاش ليأوي إلى الظل كجندي تلقى الأمر بإنهاء المهمة ويسر يومها إلى بعض المقربين إليه بأنها الفرصة التي كان ينتظرها منذ زمن، ليتفرغ لقراءة كتب لم يتح له ضيق الوقت بأن يفتحها وظل منصور عيسوي بعيدا عن الحياة الرسمية والأضواء إلى أن عاد مواكبا للأحداث الأخيرة في محاولة البحث عن وزير يتحمل مسئولية مصر المحروسة بعقلية أمنية غير تقليدية ووجه لم تكرهه الجماهير وليس ثمة ثارات بينه وبين أي فصيل منها اللهم إلا الفاسدين.