الشيطان الذي نعرفه أفضل من الشيطان الذي لا نعرفه... هذا هو المبدأ الذي حاول النظام البائد زرعه فينا طوال ثلاثين عاما، وحاول زرعه لدى العالم من حولنا. اقتنع البعض بهذه المقولة، واستسلم الآخرون لها، وقاومها آخرون.
الشيطان الذي نعرفه وضع أسسًا واضحة ومنظمة لمشروع الشر والفساد في مصر: الشيطان الأكبر له النصيب الأوفر، يسلب الجزء الأعظم من الثروة، يمارس القدر الأعنف من القسوة والقهر، ثم يأتي الصف الأول، ثم الصف الثاني، ثم الصف الثالث, هكذا في شكل هرم مقلوب ينتهي بأناس يكتفون بخمسة جنيهات أو حتى بسيجارة على سبيل الرشوة.
هذا الهرم المقلوب يتدرج في جشعه وقسوته، وفق منظومة شيطانية عجيبة التشكيل والتنظيم، ووفق قواعد متفق عليها ولا خلاف بشأنها بين اللصوص.
من الأساليب القذرة: شيطنة النظام، أي إفساد كل عناصره، والاحتفاظ بأدلة الفساد لدى المستوى الأعلى من الفساد، بحيث يضمن هذا المستوى ولاء المستوى الأدنى، وإلا فتحت الأدراج وخرجت أوراق الإدانة، ودخل الخارج من المنظومة الشيطانية السجن وحده؛ دونا عن بقية عناصر المنظومة الذين كان يجب أن يسبقوه إلى ظلمات السجون.
الشيطان الذي نعرفه ندرك ويدرك معنا أنه إذا صمتنا عن فساده وجشعه وظلمه، فلن يصيبنا أكثر مما أصابنا، وندرك ويدرك معنا أن في قلبه بعض الرحمة؛ فلن يتركنا نموت من الجوع؛ بل سيرمي إلينا بكسرة خبز (قد تكون مسرطنة), وبشربة ماء (قد تكون ملوثة)؛ لأننا إذا متنا لن يجد خدمًا له، ولن يجد من يهتف له، ولن يجد شعبًا يحكمه ويمارس عليه ساديته.
أما الشيطان الذي لا نعرفه فليس لدينا أي إدراك لما يمكن أن يفعله بنا بعد أن يحكمنا، فربما لن نجد كسرة الخبز المسرطنة أو شربة الماء الملوثة.
أما العالم من حولنا فقد خوفه الشيطان الذي نعرفه ويعرفونه بالشيطان الذي لا نعرفه ولا يعرفونه (والإنسان عدو بالفطرة لما يجهله)؛ فاكتسب دعمهم وتأييدهم .
لقد جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير لتساوي بين الشيطان الذي نعرفه والشيطان الذي لا نعرفه وترجم الاثنين معًا.