أعتقد أن الفوز بمباراة كرة القدم وحده وإن كانت به تتحقق البطولات والانتصارات، إلا أنه لا يحقق مجداً أو
تاريخاً، فهناك عناصر أخرى يجب أن تكون وتتحقق وهي التي تجعل هذا الفريق مميزاً، وهذا النادي كبيراً.. ولا يشكل هذا التباين صداماً بين الصورة المطلوبة والنتيجة المتحققة كما قد يظن البعض من مجمل العبارة.
لقد لمست أمس الأول من خلال زيارة مختلفة لملعب محمد بن زايد بنادي الجزيرة السبب الأهم الذي يجب من أجله أن يفوز الجزيرة أولاً بالدوري، وثانياً وهذا هو الأهم وجدت الإجابة على السؤال الذي كان
يطاردني طوال أعوام، لماذا الجزيرة يُعد واحداً من أهم وأبرز أنديتنا ويحمل اسماً مميزاً في دنيا كرة القدم بالإمارات، رغم أن سجله من البطولات محدود للغاية ولا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
ولفهم هذه المعادلة ربما كان يجب أن أقوم بهذه الزيارة من قبل وأشاهد هذه اللمسات التي تقف خلف الصورة التي قد يظهر جزء منها على شاشات التلفزيون أو يراه بعض المتفرجين، ويجب هنا أن أقول إن المشهد الذي
شغلني في ملعب محمد بن زايد “ملعب نادي الجزيرة” لا يجب أن تضمحل صورته تحت أي ظرف، ويمثل هذا المشهد الحضاري الرائع طريقاً جديداً يجب أن تكتشفه بقية أنديتنا وتمثله في الوقائع، حيث يتحول واقعنا
الرياضي إلى هذا الرقي وهذا التقدم الذي يجعل أنديتنا تقف على قدم المساواة مع الأندية العالمية بدون أن تندهش أو تستصعب.
المشهد كانت بدايته مباراة كرة قدم عادية تمثل حلقة في سلسلة مباريات الدوري، وبحكم طبيعة عملي اقتضى الأمر أن أتوجه قبل ثلاث ساعات إلى ملعب المباراة لكي أقف على بعض جوانب النقل والتغطية وكنت أعتقد أنني سأكون وحدي في الملعب مع فريق عمل “أبوظبي الرياضية”، إلا أن المفاجأة التي أسرتني وفاقت متعتي
بالأهداف الثلاثة الملعوبة التي سجلها الجزيرة في ملعب الشارقة، تتمثل في قيمة ما شاهدته من استقبال يقوم به فريق من متطوعي نادي الجزيرة، استقبال لكل الجماهير وتفتيشهم بشكل دقيق، رأيت تنظيماً رائعاً لا أراه إلا في الأفلام فقط، ولأن مباريات كرة القدم الآن لم تعد هي الدقائق التسعون بل يتشكل معها شكل دخول الفرق والموسيقى التي تُعزف قبل انطلاق المباراة والبالونات، كل هذا يمثل لوحة المتعة التي يجب أن يلقاها كل متفرج يترك منزله وكوب الشاي والقهوة والأصدقاء ويتحمل عناء التوجه إلى ملعب المباراة.
وهذا ما وعاه الجزيرة وقدمه بكل دقة ورحابة وذكاء، فخارج الملعب، كانت الأجواء احتفالية ممتعة تُسرُّ الناس بعدة فرق فنية وألعاب وكرنفال ممتع، هذا قبل الدخول وفي الملعب كل شيء مرسوم وبدقة، المقاعد والجلوس، بل إن مشهد الجماهير المتباينة مختلفة الجنسيات التي يعيبها البعض على الجزيرة أراها قمة التميز والنجاح، فهؤلاء الناس موجودون معنا في أرض الإمارات، وأن يتشكل وجودهم داخل المدرج فهذا ما
يجب أن نعمل عليه جميعاً، ودعوني أسأل كم واحداً منا يشجع ريال مدريد أو برشلونة أو مانشستر أو الأرسنال؟ دون أن يعيب هذا على أحد، فالبعض يراها ميزة وتميزاً له، وهذا ما فهمه الجزيرة ونجح في أن يجعل مدرج ملعب محمد بن زايد يتلون بكل هذه الألوان الجميلة التي شكّلت جزءاً مهماً من الصورة الواجبة، ثم مشهد دخول اللاعبين مع الأطفال ومع أرض الملعب وألوان المدرج شكّلت لوحة التميز والإبهار، لذا أعتقد أن الجزيرة هو الأحق ليس بالدوري، ولكن بما هو أهم من درع الدوري، درع التميز والامتياز.
( البعد الخامس )
- ليس بحجم وعدد البطولات وحدها تُصنع الأمجاد ولكن بقدر التأثير والتميز والإبداع
- الصورة التي يقدمها الجزيرة في ملعبه تجعله أهم وأكبر نادٍ الآن ليس في الإمارات وإنما في المنطقة.