كان أمس الأول يومنا ويوم اسماعيل مطر، فقد كانت «الاتحاد» أول من تذكر «سُمعة» في يوم عيده وتتويجه على عرش أفضل الهدافين في تاريخ ناديه الوحداوي، بعد أن سجل هدفه السادس والستين، متقدماً
بثلاثة أهداف على محمد سالم الذي تربع على هذا العرش طويلاً، قبل أن يتسلم فتى العنابي الأسمر «أبو علياء» راية التألق من بعده.
وطوال أكثر من ساعتين، دار الحوار في «الاتحاد» مع اسماعيل مطر، لكنني أزعم أنه كان حواراً غير
تقليدي بالمرة، استمعنا إليه وكأننا لا نود النشر، بل أحسسنا كذلك طوال مجريات الحوار لأنه تحدث إلينا، كما يتحدث إلى «ربعه» في ليالي البر والسهر و«الفضفضة».
كثيراً ما كان يصمت «سمعة»، لكنه حتى في صمته كان يوجه رسائل، وكان ينظر إلينا، ولسان حاله أنتم تعلمون ما أقصد، والحال يغني عن الكلام.. كان اسماعيل شديد العفوية في كل شيء.. كان مطر الصغير والكبير، ذو الأحلام التي تحقق بعضها وتأجل بعضها الآخر وانتهى بعضها.
مازلت أذكر كيف طالع الإحصائيات التي أعدها زميلنا راشد الزعابي عن تاريخ مشاركات اسماعيل مع الوحدة، وكيف تلقفها «سمعة»، وكأنه يمسك بألبوم ذكرياته، وكيف تسمر عند التواريخ، يستحضر الصور
والمشاهد، وربما لو تركناه معها، لذرف دمعة أو أكثر، وبالرغم من صغر سنه، إلا أن حاله كحالنا، نتوق إلى أيامنا الصبا، وكيف كنا بلا أغلال تكبلنا وتكبل مشاعرنا.. ننطلق في براءة وعفوية، غير عابئين باليوم أو الغد.
تحدث اسماعيل كثيراً، لكن الكثير مما قاله بين السطور كان عن اسماعيل الإنسان، هذا الصبي الذي غيّر الكثير من المفاهيم، وداعب الفريق الأول بقلعة الوحدة الحصينة وهو ابن ال15 ربيعاً.. هذا الذي أوجد في ملاعبنا حالة خاصة، ونجماً تتعلق به قلوبنا.
كان اسماعيل الإنسان، يرفض أن تتخلى عنه الجماهير لأنه قصر في مباراة، وما لم يقله أن من أسعد، يستحق أن نصبر عليه، وألا نبيعه في أول كبوة.. ومن يتألق يوماً قد يخفت يوماً، لكن مشاعرنا في كل الأحوال لا يجب أن تخبو، وإنما عليها أن تكون كالتاريخ تستحضر كل الصور وكل العطاءات.
سألته: هل اسماعيل 2007، وما قبلها، هو العبء الذي يعاني منه «سُمعة»، وفهمني حتى وإن تنصل من السؤال وأجاب عنه بدبلوماسية، وأدركت لماذا؟.. لأنه وهو الذي اعتاد أن يصنع الفرحة، يرفض أن يعترف في وقت ما بأنه غير قادر على صناعتها، حتى لو لم يكن منوطاً به أن يسجل، فالناس هكذا تريده.
وكم كان «سُمعة» قاسياً على نفسه وعلينا، حين تحدث عن أكثر ما أحزن نفسه.. لقد كان هذا المشجع الذي نادى عليه من المدرجات يريد استبداله.. هكذا ببساطة نتخلى عن سُمعة.. هكذا ببساطة ننسى.. هكذا ننظر إلى صانع السعادة في زمن كان رهاننا على السعادة واللقب يعدل الدنيا، فما صار من الماضي، ما كان يجب أن تصير المحبة أيضآً من الماضي.
رفقاً بنفسك يا «سُمعة»، وافرح بإنجازك، واعلم أنك من علامات الكرة في بلادنا، وأنه لو لم يكن في سجلك غير ما قدمت فيكفيك.. افرح يا «سُمعة»، فكل لاعب نسأ عن ناديه، أما أنت فلاعب كل الأندية، وحبيب كل الجماهير.
كلمة أخيرة:
هناك أناس لا يمكن أن ننساهم.. هؤلاء من صنعوا ذكرياتنا السعيدة.