قديماً قالوا من سرّه زمن ساءته أزمان.. وفي الكرة، من سره فريقه في وقت من الأوقات، سيأتي عليه يوم، يتجرع مرارة الحسرة والهزيمة، ويعض أصابعه ندماً على أيام زمان، فلا شيء يبقى على حاله، والكرة «غالب
ومغلوب»، ومعهما تتبدل الأسماء والصفات والأدوار، ولكن تبقى الكرة هي الكرة.. تلك الساحرة.. المجنونة.
أمس ومع تباشير ساعات الصباح الأولى، تسمر الملايين حول العالم، يشاهدون كلاسيكو الكرة الأرضية، بين ريال مدريد و برشلونة على ملعب الأول، يرسمون سيناريوهات المواجهة الكبرى وكيف ستكون، وينقسمون بين
من يتوقع فوز البارسا لأنه بات طبيعياً في الفترة الأخيرة، وكانت آخر فصوله خماسية نارية وقياسية نالها النادي الملكي على ملعب البارسا، وبين من يتوقع أن يثأر الريال. وانطلقت المباراة، دون أن تحافظ على شيء من
توقعات أولئك وهؤلاء، سوى في أنها كانت مثيرة، كعادة مباريات الفريقين، لتنتهي بالتعادل بهدف لكل فريق، سجلاهما من ضربتي جزاء، بعد سيطرة شبه كاملة لبرشلونة الذي لم يستثمر جيداً طرد البيول لاعب ريال
مدريد، ليحقق الأخير التعادل في الدقائق الأخيرة عن طريق رونالدو وهو ناقص العدد.
صديق عزيز لي أرسل إلي رسالة بعد المباراة، يقول فيها: المكسب الوحيد للريال أنه تجنب خسارة كانت ستؤثر على معنوياته في بقية المباريات، وخسارة البارسا في أنه لم يحقق الانتصار السادس على التوالي على ريال
مدريد، مثلما فعل فيه الأخير، يوم كان الزمان زمانه والكلمة كلمته. أما عشاق الريال حول العالم، وبالطبع هنا، فكان أبرز ما لديهم أنهم أبدوا ضجرهم وحنقهم من مدربهم مورينيو، وللحقيقة لا عذر لديهم إطلاقاً في مشاعرهم
تلك، وأعتقد من وجهة نظري أن مورينيو هو الفائز الوحيد من تلك المباراة، فلو فتح اللعب لربما مني فريقه بخماسية جديدة، لأن الرجل يدرك في قرارة نفسه أن ذلك هو زمن البارسا، حيث لم يعد بإمكان أحد أن يقف في وجهه،
في ظل تلك النخبة العبقرية من اللاعبين، وخط الوسط الرهيب والممتع والمذهل، وكان يدرك أن عليه ضرورة الخروج من مواجهة «القطار الكتالوني» بأقل الخسائر، والبحث عن تطبيق استراتيجية جديدة، تمكنه مستقبلاً من
اللعب أمام هذا الإعصار، الذي قدر عليه أن يلاقيه خلال الأسابيع المقبلة أربع مرات، لا سيما وأن الأمور في الدوري باتت تقترب كثيراً من البارسا الذي يتفوق على الريال بفارق ثماني نقاط، وأن هناك ثلاث مواجهات مقبلة
ستجمعهما معاً خلال أسبوعين، ولن يسمح مورينيو بأن يكون صيداً سهلاً وحملاً وديعاً يلتهمه البارسا، وإنما قد يسمح بأن يبدو كالحذر في انتظار الفرصة التي ينفذ منها إلى قلب العاصفة.
ليس شرطاً أن تكون الكرة ممتعة، وحتى البارسا أيام زيدان ورونالدو لم يكن ممتعاً لأنه كان زمن الريال، ومن يستحق المساءلة عما حدث أمس الأول هو جوارديولا الذي كان متقدماً بهدف ويلعب أمام فريق ناقص عدداً،
وأتاح له الفرصة ليتعادل حتى لو كانت المباراة بملعب ريال مدريد. الأيام المقبلة، والمواجهات الثلاث الآتية، هي التي ستقول هل كان مورينيو على حق أم لا، وهل كان فعلاً يجرب أسلوباً جديداً وخطوة سيبني عليها المزيد، أم
أن الأمر مجرد حدس خاطئ، ولا حيلة للمدرب الثعلب في زمن النادي الكتالوني.
خلاصة القول إن الزمن هو الذي فرض تلك المعادلة المأساوية، وأحكم تلك العقدة الدرامية، فلو كان الريال في أي دوري في العالم، لما وقف في طريقه أحد، ولكن مشكلته أن برشلونة موجود، وفي «حضرة» البارسا قد يطالب
المنافسون بالفُرجة، مثلما نفعل أمام الشاشات.
كلمة أخيرة
قد يحزن عشاق الريال أو يفرح أحباب البارسا لكن الجماهير مثلنا حول العالم يجب أن تدرك أنها محظوظة ب 4 أعياد في 18 يوماً.