لست أدري أكان بتوصية من الصديق محمد بن همام وسأقول فيما بعد لماذا أصفه بالصديق أم باجتهاد من الجامعة أن تحاط زيارة العربي الوحيد الذي أشهر على الملإ منافسته للقرش السويسري بلاتير على رئاسة الفيفا للمغرب، بكل هذا التكتم الشديد والمبالغ فيه..
جاءني الخبر ملفوفا في ورق مختوم بهذه العبارة «سري للغاية» وهالني أيا كانت الأسباب التي دعت إلى هذا التكتم الشديد، أن لا تستثمر هذه الزيارة على النحو الذي يفيد بن همام أولا ويعطي للمغرب الحق ثانيا في الجهر بمساندته المطلقة لإبن العروبة، ثم يصفي حسابا قديما لنا كمغاربة مع «البوص» بلاتير، فما كان هذا التلميذ النجيب والنابغة في مدرسته جواو هافلانج قاسيا على بلد مثلما كان قاسيا على المغرب..
تمنيت لو أن الجامعة وهي تستقبل على طاولة العشاء مساء الأربعاء الماضي السيد محمد بن همام قد هيأت للرجل برغم أجندته المضغوطة الظروف ليؤثت مؤتمرا صحفيا يرسل خلاله من المغرب رسائل بدلالات كثيرة وعميقة إلى كل العالم، منها ما تختص بهذه الثورة النمطية التي يريد بن همام أن يحدثها داخل أروقة الفيفا التي يقيم فيها بلاتير إلى اليوم حظرا للتجوال وللكشف عن الأسرار، ومنها ما تجيب على دهاء مبطن باشره بلاتير هذه الأيام وقد بات مهددا في ولاية رابعة يتمنى أن تكون هي الأخيرة له على رأس مؤسسة كونية يجتمع بداخلها وعلى حواشيها ملايين العاشقين، تستمد قوتها في أنها الوحيدة التي لم تتأثر بالأزمة الإقتصادية التي أسقطت عروشا وأثرياء فلكيين..
قبل نحو سنتين عندما كنت بقطر مدعوا لحضور نهائي كأس الأمير من قبل قناة الدوري والكأس، وجدت زميلا قديما هو محمد المحشادي الأمين الأزلي على أسرار بن همام، يدعوني إلى غذاء على الضيق يجعمني وزمرة من زملائي الإعلاميين الرياضيين بالسيد محمد بن همام الذي عرفته أول الأمر مع زميلي مصطفى بدري قبل نحو 28 سنة، وكان وقتها مسيرا داخل نادي الريان القطري، يتملكه طموح كبير لأن يصبح رقما صعبا في معادلة كرة القدم بقطر وبعدها بالخليج العربي.. تعمقت علاقات بن همام وكبر طموحه، وخبر بذكائه الكبير العديد من الأسرار، وللأمانة فقد إختار دائما الدخول من الأبواب، لذلك كانت كل خطوة من خطواته تحسب بدقة متناهية، فلا مكان عند الرجل للمجازفة وحتى للمزايدة..
في ذلك الغذاء وكان محمد بن همام قد حسم لصالحه معركة ضارية نشبت بأروقة الإتحاد الأسيوي لكرة القدم الذي يرأسه بإجماع قل نظيره منذ 9 سنوات، وكان طرفها الآخر ذوو القربى، رميت بسؤال محمول على العفوية..
«متى يفكر بن همام في المنافسة على رئاسة الفيفا؟» ضحك بن همام بالطريقة التي عهدتها بها وابتلع السؤال والجواب، وكانت إيماءات الوجه تعبر عن أشياء كثيرة، فالرجل لم يكن على عداوة مع بلاتير، قد يكون مختلفا عنه ومختلفا معه، لا يقبل أحيانا بثعلبيته وبسلطويته وأحيانا أخرى بديكتاتوريته التي ترتفع عادة لتخرس الألسنة التي تطول ولتقطع الرؤوس التي تينع.
وما فاجأني أبدا أن يقرر محمد بن همام المنافسة على رئاسة الفيفا، كما لم يكن تفاجئنا جميعا كل الأسباب التي قدمها بن همام لترشيحه، فالرجل رئيس قاري ولا أحد على الإطلاق يمكن أن يلغي طموحه في أن يكون يوما رئيسا للفيفا، ثم إنه يمثل لكرة القدم وللفيفا تلك الحاجة الماسة للتغيير، لضخ الدماء الجديدة، وأيضا لتحقيق إنعطافة قوية في مسار الفيفا، فبن همام يعد بتوزيع عادل للثروات ويعد بمقاربة جديدة لأسلوب الإستثمار، ويعد أيضا بقطع رؤوس الفساد وما أكثرها داخل الفيفا ومن حولها.. ويعد وهذا هو الأهم بالمساواة بين القارات إنهاء لعهود الإحتكار المطلق للأورو أمريكيين..
ولم يمكن إلا من مكر الصدف أي يهيء بلاتير وقد وثق من ثبات بن همام على المنافسة على لقب البوص الكبير ردا فوريا لزعزعة القطري وهو من كان يتصور أن يكون آخر الرجال الذين يريدون تعكير صفو ما هو فيه من نعيم الفيفا، ذاك الرد جاء من زيارة غير بريئة لبلاتير إلى أن إنجلترا التي لا يضعه رجال كرتها في بؤبؤة العين بعد الصفعات الكثيرة التي نالوها منه، تفجرت بعدها قنبلة إختار لها أصحابها التوقيت، تقول أن قطر قدمت رشوة بقيمة مليون ونصف المليون دولار للسيد عيسى حياتو رئيس الإتحاد الإفريقي لكرة القدم ليضمن لها أصواتا خلال سباقها الأخير لتنظيم كأس العالم 2022..
وبموازاة مع ذلك راجت أخبار أخرى تقول بأن بلاتير زار أستراليا ودعا إتحادها ليكون مستعدا عند أقرب إشارة منه ليكون بديلا لقطر في تنظيم كأس العالم 2022 في حال ما إذا تبثت تهم تقديم الرشاوى، والواقع أن بلاتير رفع هذا السلاح لترهيب قطر، فتناشد إبنها بن همام بالإنسحاب..
والذي يعرف الحدود التي يمكن أن يصلها دهاء بلاتير في الإجهاز على من يجرؤ على منافسته على رئاسة الفيفا، كما كان الحال مع عيسى حياتو رئيس الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، والذي اعتبر وقتها مرشحا فوق العادة للأفارقة وللأوروبيين لما كان له من سند قوي من رئيس الإتحاد الأوروبي آنذاك جوهانسون، سيعرف بطبيعة الحال المدى الذي يمكن أن يصله دهاء بلاتير في التشويش على بن همام وفي تحريض الآخرين على معاداته..
من غريب الصدف أيضا أن يكون بن همام قد زار المغرب لموقعه وقوة تأثيره ومرجعيته القارية وصداقاته الدولية لحشد أكبر عدد ممكن من الأصوات، وبعد تلك الزيارة بأيام يطلع علينا رئيس الإتحاد الدولي جوزيف بلاتير ضيفا على الزميل جلال بوزرارة في برنامجه "لماتش" اليوم الإثنين على قناة ميدي 1 تي في، ليوجه بطريقة مشفرة إلى المغاربة وإلى المغاربيين رسالة رد على بن همام تقول بأن الفيفا تحتاج إلى التطوير لا إلى التغيير، وبأن الفيفا تسير بطريقة شفافة مكشوفة أمام الجميع وبأن أكبر ضمانة للإستقرار المالي للفيفا أن يظل بلاتير على رأسها..
ومهما برع بلاتير في نسخ خيوط دهائه، فإن المغاربة بقوة العروبة وبقوة الإنتماء هم مع بن همام عملا بالمقولة المأثورة أنا وإبن عمي على الغريب..