هل يحتاج إيريك غيرتس لأن يكشف بطريقة أو بأخرى عن العرض الفلكي الذي وضع على طاولته من ناد إماراتي ليؤكد إحترافيته أولا وإلتزامه المطلق بمضامين عقد يربطه بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ثانيا وحرصه الكبير على أن ينجح المشروع الكروي الذي من أجله جاء الرجل إلى المغرب؟
صرف غيرتس النظر عن العقد الفلكي تماما كما صرف النظر عن عروض أخرى معلنة أو مبطنة، وتماما كما كان في كل مرة يسأل فيها إن كان المقام سيطول به في المغرب بعد تدفق الطلبات، ينتفض ويرد بما تيسر له من عبارات حادة وجافة:
«سأقول للمرة الألف أنني جئت للمغرب للإشراف على المنتخب المغربي وقد كبر عندي الإقتناع بأهمية الخطوة، بل وتأكد لي أنني بصدد تجربة رياضية غنية، لذلك لن أرحل عن المغرب إلا بعد أن أنهي عقد الإرتباط..».
هذا الإرتباط الذي يتحدث عنه غيرتس مستعينا بكثير من الإستعارات التي تتوخى إبراز جانب الصدق في الكلام، ليس فقط إرتباطا قانونيا يحترم الرجل فيه ما هو مشرع، ولكنه أيضا إرتباط روحي ومعنوي، فغيرتس منذ أن قادته زيارات إلى المغرب أحاطتها الجامعة بسرية كاملة قبل الإفصاح عن التعاقد وهو يتنفس هواءا من طبيعة مختلفة، فقد وجد هنا بالمغرب جاذبية ومغناطيسا ومناخا طبيعيا وإنسانيا يشجع على العمل، يحرض على الإبداع ويدفع دفعا نحو النجاح. قبل أسابيع عندما إستجوبت لقراء «المنتخب» إيريك غيرتس في سبر جريئ لأغوار مباراة عنابة أمام الجزائر وإستقراء إستباقي لموقعة مراكش، تفرست جيدا ملامح الرجل، تقاسيم وجهه، وأيضا المساحات التي يخترقها نظره فوجدته مختلفا كل الإختلاف عن مجالستي له مع الزملاء بدري، السالمي وبلعيد في إحدى حلقات «الضيف الخامس» على قناة «الرياضية» ولم نكن وقتها قد خضنا مباراة عنابة، فقد كان للرجل ملمحين مختلفين، ملمح حزين ومجزوع لهذا الذي أصاب أسوده في عنابة أمام الجزائر من سهام التحكيم «المنحاز» وملمح متوثب، شغوف ومستعجل للأخذ بثأره الرياضي.
كان غيرتس وهو العارف بقيمة لاعبيه وبقوة مشروعه الرياضي وبتوازن فكره التكتيكي، يرى في الفوز على الجزائر بمراكش ضرورة تحتمها الحاجة للثأر رياضيا من الذي كان بعنابة ويحتمها الطموح الشعبي للتأهل لنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2012، ويحتمها المشروع الرياضي الذي من أجله جاء الرجل متعاقدا ومرتبطا مع الجامعة، فغير الفوز كان سيسقطنا في بؤرة الأحزان، سيعيدنا ثانية للنفق المظلم ولربما كان سيفصل تحت الإكراه غيرتس عن الفريق الوطني ويدخلنا مجددا دوامة البحث عن بديل..
تلزمنا الأمانة أن نقدر كمغاربة هذا الإلتزام الأخلاقي الذي أظهره غيرتس وهو يتقيد بأحكام الإرتباط المعنوي والأدبي قبل القانوني مع الجامعة ومع الفريق الوطني، علما بأن ما يمكن أن يحصل عليه من العرض الفلكي المقدم إليه من ناد إماراتي يساعده على أداء ما قد يكون منصوصا عليه كغرامة جزائية عند فسخ العقد من أحد الطرفين..
وتلزمنا مسؤوليتنا كإعلاميين رياضيين بعد الذي قدمه الفريق الوطني من أداء أنطولوجي ورائع دليلا على تعافيه بأن نضفي على غيرتس تلك العالمية التي قال بعضنا متجنيا أنها جلباب فضفاض ألبسته إياه الجامعة، وبأن نسهم معه في إعادة بناء صرح الفريق الوطني الذي لا يهتز أمام النتائج العارضة.
-----------------
هناك من يقول كيف يسهم الإعلام الرياضي مع غيرتس ومع الجامعة في تقويم صحيح للفريق الوطني، ليتطابق مع قدراته وإمكاناته ويفتح مجددا هوامش للفرح وهذا الإعلام يتحرش بغيرتس ويصدر في حقه بلاغات تنديد وشجب!
لا يمكن أبدا أن نجمع بين أمرين لا وجه شبه يوجد بينهما، فما نبديه من مساندة مطلقة مع مشروع بناء الفريق الوطني مؤسسة على النقد الملتزم والبناء الذي يمثل للعمل التقني والتدبيري قيمة مضافة لا علاقة له بما يجب أن نكون عليه من حرص جماعي على إحترام الإختصاصات، وعندما يلح غيرتس على تهييء كل ظروف الإشتغال بطريقة إحترافية، فإننا كإعلام رياضي نلح أيضا لتعمل المنظومة الرياضية بشكل صحيح على أن نعطى كامل الضمانات ليكون عملنا الصحفي المواكب للمباريات وللأحداث الرياضية مستوفيا للشروط المتعارف عليها، ومن تلك الضمانات أن يرتبط المدرب والناخب الوطني مع الإعلام بعلاقة مطبوعة بالإحترام، مهما كانت حرارة تلك العلاقة، وأن يكون فضاء الندوات الصحفية التي يأتي إليها المدربون واللاعبون في العادة قبل وبعد المباريات حكرا فقط على الصحفيين المعتمدين ضمانا لحوار تطبعه الإحترافية وليس الفولكلورية.
لغيرتس الحق كل الحق في أن يكيف علاقته برجال الإعلام كيفما يشاء من دون الخروج عن الإطارات الموضوعة دوليا لهذه العلاقة، ولغيرتس كل الحق في أن يعامله الإعلام الرياضي بكامل الإحترافية التي تستحضر النقد الموضوعي وتعدم ما عداه..