الجيش أعلن حمايته لمطالب الثوار منذ الساعات الأولى للثورة
القاهرة، مصر (CNN)-- يبدو أن ميدان التحرير لن يستعيد صورته السابقة لأحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني قريباً، حيث يشهد الميدان الواقع في وسط العاصمة المصرية القاهرة، صراعاً محتدماً، بين مئات المعتصمين الذين ينادون بتحقيق "أهداف الثورة"، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد، في أعقاب إسقاط نظام الرئيس السابق، حسني مبارك.
وتحول هذا الصراع إلى ما يشبه "لعبة عض الأصابع"، في ضوء البيان الذي أصدره المجلس العسكري مؤخراً، متضمناً تحذيرات مما اعتبرها "محاولات القفز على السلطة"، و"الخروج على الشرعية"، بعد قيام عشرات المحتجين بإغلاق ميدان "التحرير"، ومنعوا موظفي "مجمع التحرير"، من دخول المبنى، فيما هدد آخرون بـ"تعطيل" الملاحة في قناة السويس.
وبدأت الأمور تتصاعد مجدداً، بعدما قررت إحدى المحاكم إطلاق سراح عدد من ضباط الشرطة المتهمين بـ"قتل" المتظاهرين، خلال أحداث ثورة 25 يناير، الأمر الذي أدلى إلى اندلاع مواجهات بمحافظة السويس، كما دفع عدد من القوى السياسية إلى توجيه دعوة لتنظيم "مظاهرة مليونية"، شهدها ميدان التحرير في الثامن يوليو/ تموز الجاري، تحت شعار "جمعة الثورة أولاً."
وبعد يوم من المظاهرة المليونية، أعلن رئيس حكومة "تسيير الأعمال"، عصام شرف، عن إصداره تعليمات إلى وزير الداخلية، منصور العيسوي، بإنهاء خدمة الضباط المتهمين بـ"قتل الثوار"، وهو الطلب الذي ردت عليه مجموعة من الحركات التي تمثل "شباب ثورة 25 يناير"، بتصعيد الاعتصامات في ميدان التحرير، وفى المحافظات، لحين تحقيق مطالب الثورة.
وإزاء تفاقم الأوضاع، أصدر المجلس العسكري بياناً جدد فيه تأكيده على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم "في حدود القانون"، كما حذر في الوقت نفسه، من محاولة البعض "القفز على السلطة"، أو "تجاوز الشرعية"، وهو البيان الذي رفضه أيضاً "ائتلاف شباب الثورة"، كما دعت بعض الحركات السياسية إلى مسيرة مليونية أخرى، تحت شعار "جمعة الإنذار الأخير."
أجندات خاصة
وعلى عكس كثير من شباب الثورة، يرى الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، حسن أبو طالب، أن خطاب المجلس العسكري "أعاد الأمور إلى نصابها"، قائلاً: "لقد أعلن المجلس بوضوح تصديه لأعمال العنف، والشغب، والبلطجة، والخروج عن القانون، الذي يمارسه بعض المتظاهرين، كما أوضح خارطة الطريق للمرحلة المقبلة، والتحضير لإجراء انتخابات برلمانية، ثم وضع دستور جديد، ثم انتخابات رئاسية، وبعدها يتم تسليم البلاد إلى مؤسسات الشعب المنتخبة."
وعن وصف البعض لخطاب المجلس العسكري بأنه "شديد اللهجة"، قال الخبير الإستراتيجي، في تصريحات لـCNN بالعربية، إن "لهجة الخطاب تتناسب مع العنف الذي حدث في المظاهرات، لكنه في الوقت نفسه أكد على احترامه لحرية الشعب في إبداء رأيه بكافة الوسائل المشروعة، مع عدم الخروج عن القانون، وأكد استمراره في سياسة الحوار بين كافة الأطراف وهذا شيء جيد يُحسب لهم."
وأشار إلى المجموعة التي تواصل اعتصامها في ميدان التحرير، قائلاً: "هناك قلة قليلة من الشباب يواصلون اعتصامهم، وأعتقد أن البعض يعمل لحساب أجندات خاصة، والبعض الآخر مغرر به، فبعض رجال الأعمال الذين رفضوا نتائج الاستفتاء، ويريدون خلط الأوراق، ودخول الدولة في متاهات وانفلات أمني، استطاعوا بأموالهم إغراء بعض الشباب وتجنيدهم للخروج بهذا الشكل."
وفيما أشار أبو طالب إلى مشاركة ما يزيد على 600 ألف شخص في مليونية "الثورة أولاً"، فقد أكد أن معظم التيارات الشبابية والشعبية رفضت الاعتصام في ميدان التحرير، ولم يبقى سوى العشرات أو المئات، هم من أرادوا الاعتصام، ثم قاموا بغلق مجمع التحرير، وهددوا بأشياء كثيرة "خارجة عن القانون"، مما استدعى تدخل الجيش، من خلال ذلك البيان، لتوضيح الأمور لهؤلاء المعتصمين.
رسالة تهديد
أما عمرو صلاح، عضو "ائتلاف شباب ثورة 25 يناير"، فيؤكد أن استجابة المجلس العسكري لمطالب الثورة حتى الآن "غير كافية"، مشيرا إلى أن البيان الذي تلاه مساعد وزير الدفاع، اللواء محسن الفنجري، كان يحمل "رسالة تهديد للمتظاهرين"، مطالبا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتمسك بهدوئه، والاستجابة لمطالب الثورة، مشدداً على قوله إن "إرادة الشعب والثوار ستنتصر في النهاية."
وقال صلاح لـCNN العربية، إن المعتصمين قاموا بتأمين ميدان التحرير، وفتحه أمام الموظفين، حتى لا يتم اتهامهم بتعطيل مصالح المواطنين، نافياً المبالغة في المطالب، وتصعيد الموقف مع المجلس العسكري، مضيفاً أن مطالب الثوار "عامة ومشروعة"، خاصةً فيما يتعلق بتطهير الداخلية والقضاء، وعلانية محاكمة المتهمين من رموز النظام السابق، وإقالة المحافظين، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
وأشار عضو ائتلاف الثورة إلى أنه لا يستطيع توقع ما ستؤول إليه الأمور بين الثوار والمجلس العسكري، ولكنه يثق بأن "إرادة الشعب دائماً ما تنتصر، وأن المجلس العسكري ليس أمامه سوى الاستجابة إليها."
الحوار مع من؟
من جانبه، قال البرلماني السابق عن جماعة "الإخوان المسلمون"، حمدي حسن: "لا أرى في خطاب المجلس العسكري تصعيداً، بل كان يحمل شقين هامين، الأول: تحذير من يحاول القفز على السلطة، والالتفاف حول نتائج استفتاء 19 مارس (آذار) الماضي، وكذلك تحذير الأشخاص الذين يحاولون الانحراف عن المظاهر السلمية للاحتجاج، وتحويلها إلى مظاهرة عنيفة تضر بالمصالح العليا للوطن."
وعن الشق الثاني للبيان، أضاف القيادي الإخواني لـCNN بالعربية، أنه "يحمل تأكيداً لموقف المجلس العسكري تجاه بعض الأمور، أهمها عدم وجود نية لدى المجلس العسكري، للتخلي عن السلطة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، وأنه سيظل ملتزماً بإدارة شؤون البلاد إلى حين انتخاب سلطة جديدة، والتمسك بالشرعية الدستورية التي وردت في البيان الدستوري."
وفيما اعتبر حسن أن المجلس العسكري "لا يريد التصعيد بل التوضيح والتحذير"، فقد قسم المعتصمين في ميدان التحرير إلى "مجموعتين مختلفتين"، الأولى تنادي بـ"مطالب مشروعة"، على حد قوله، مثل الإسراع في بعض المحاكمات، والمطالبة بحقوق أسر "الشهداء"، واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن الضباط المتورطين في قضايا "قتل الثوار" أثناء أحداث ثورة 25 يناير.
ورغم أن البرلماني السابق أقر بـ"شرعية" تلك المطالب، فقد وصف آلية رفعها بأنها "غير صحيحة"، مشيراً إلى أن بعض المعتصمين يريدون اتخاذ قرارات فورية، ذات طابع استثنائي بعيدة عن القانون، والمجلس العسكري ورئيس الوزراء لا يريدون فعل شيء خارج القانون، حتى يكون له مشروعية.
أما المجموعة الثانية، فتضم أولئك الذين ينادون بـ"العصيان المدني"، وقاموا بمنع الموظفين من دخول مقر أعمالهم، ووجهوا تهديدات بتعطيل الملاحة في قناة السويس، والتعرض لمترو الأنفاق، وأضافت أنه "من الصعب قبول مثل هذه التهديدات، لأن هذه الفئة من المعتصمين، لا تهمهم الثورة، أو المضي قدماً في تحقيق أهدافها، ويجب أن يتعامل المجلس العسكري معهم بكل حزم."
وعن رؤيته لحل للخروج من المأزق الراهن، اعتبر حسن أن "الحوار هو الحل الأمثل في هذه المواقف، لكن للأسف هناك مجموعة من المعتصمين يرفضون فكرة الحوار، ويريدون فرض مطالبهم على باقي الأطراف"، كما أكد على ضرورة معرفة من يمثل هؤلاء المعتصمين، قبل الحوار معهم، قائلاً إن "الحوار يجب أن يكون مع ممثلين حقيقيين للمجتمع."
إصلاحات جزئية
في المقابل، اعتبر الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية وأحد المهتمين بالشأن العام، أن المجلس العسكري "لا يستجيب للمطالب الشعبية إلا بضغط من الثوار"، كما أنه لا يتحرك وفقاً لخطة واضحة المعالم، لافتاً إلى أن خطواته في الإصلاحات تسير في الطريق الصحيح، ولكنها جزئية وليست كافية.
وأشار نافعة، في تصريحات لـCNN بالعربية، إلى وجود ما أسماه "تمييز" في محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، من خلال "عدم معاملتهم كمتهمين ومجرمين"، مسؤولين عن إراقة دماء آلاف القتلى والجرحى، فضلاً عن عدم نقل مبارك إلى سجن مزرعة طرة.
وطالب نافعة القوى السياسية بالانتظار لمعرفة ما إذا كانت الأمور ستحتاج إلي مظاهرات أخري، أم ستسير وفق منهج آخر، في ظل التعديل الحكومي، فضلا عن الخطوات التي وعد بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة من ناحية الضوابط التي ستسير عليها لجنة صياغة الدستور، مشدداً على أن "الإرادة الشعبية ستنتصر في تحقيق أهدافها."
وأعرب أستاذ العلوم السياسية عن قلقه من "مخاطر تتعلق بالثوار"، من بعض المندسين بينهم لتصعيد الموقف باتجاه المجلس العسكري، مثل منع دخول الموظفين لمجمع التحرير، وقطع طريق السويس والعين السخنة، وتهديد المجري الملاحي لقناة السويس، وقال إنها "كلها أمور استفزازية، تثير غضب المواطنين ضد الثوار."
وفيما دعا نافعة إلى "اليقظة" من هؤلاء الذين يريدون إظهار الثوار وكأنهم خارجون عن القانون وينتمون للبلطجية، فقد استبعد إمكانية اتخاذ المجلس العسكري إجراء ضد المتظاهرين، مشيراً إلى أن ما تضمنه خطاب المجلس العسكري الأخير، لا يخرج عن التحذير والتهديد، ولن يكون له مكان على أرض الواقع.