الحمد لله مالك الملك ، وملك الملوك ، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ أما بعد :
فإن موضوع هذا المقال يتمثل في محاولة الوقوف على المعنى الحقيقي للانتماء في يومنا الوطني الذي نعيش هذه الأيام ذكراه الثامنة والسبعين ( 78 ) ، ولاسيما أننا نُدرك تماماً أنه يومٌ تاريخيٌ يُعبّرُ عن توحيد كيان المملكة المبارك إن شاء الله تعالى ، ويروي للأجيال ملحمةً كُبرى كان فارسها الأول الملك / عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ( رحمه الله ) .
وانطلاقًا من أن في حياة الأمم والشعوب بعض الأيام المجيدة الخالدة في ذاكرة أبنائها ؛ فإننا في هذه البلاد الغالية ( المملكة العربية السعودية ) نفتخر بيومنا الوطني الذي نعُده مناسبةٍ غاليةٍ وعزيزةٍ إلى نفوسنا لأنه يعني لنا الكثير ، ويُمثل لنا رمزاً خالدًا وذكرىً مُتجددة .
ولأننا في مثل هذا اليوم من كل عامٍ نسترجع بكل فخر واعتزاز فصول ملحمة رائعة ورائدة ، كان فارسها الملك المؤسس / عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله تعالى - ، الذي أسس بفضل الله تعالى ثم بإيمانه وجهاده وجهده ، وتخطيطه المدروس هذا الكيان العظيم المتمثل في المملكة العربية السعودية .
وفي هذه المناسبة المجيدة نشعر ببهجة كبيرة بيوم الوحدة الوطنية وتأسيس هذا الكيان الكبير ، الذي يعيش - من فضل الله تعالى - في أوج الجِد وقمة المجد .
وعلينا جميعاً أن نتعامل مع هذه الذكرى بمزيد من الجد والاجتهاد ، والعمل الدائب جنبًا إلى جنب مع قيادتنا الحكيمة ، حتى نواصل البناء والعطاء ، وتعميق معنى الانتماء لهذا الوطن ، والتعاون الدائم على البر والتقوى .
وفي يومنا الوطني الثامن والسبعين كنت أتمنى ألاّ يكون احتفاؤنا بهذا اليوم مجرد احتفاءٍ بذكراه السنوية من خلال ما تبُثُه وسائل الإعلام فقط .
أو من خلال بعض الأناشيد الوطنية التي تُبثُ عبر قنوات التلفاز ، وموجات الإذاعة .
أو من خلال تلك الأحاديث والمقالات التي تمجد تاريخ المؤسس الراحل / الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ .
أو من خلال الموضوعات الصحفية التي تتحدث عن الخطط التنموية والحضارية للمملكة .
أو من خلال تلك الأعلام والشعارات الخضراء التي ترفعها الأيدي وتُلوح بها في الشوارع و الساحات .
أو من خلال تلك الأشرطة والزينات الملونة التي تنتشر في ذلك اليوم على كل موقعٍ في الأسواق والمحلات والميادين .
أو من خلال تلك اللقاءات الحوارية التي ترفع بعض الشعارات والعبارات الإعلامية الرنانة .
أو من خلال تلك المسيرات والرقصات والاستعراضات الجوفاء التي تجوب الشوارع والطرقات وتُعطل حركة السير في مختلف المدن والقرى .
أو نحو ذلك من المظاهر الشبابية الصبيانية التي - أعلم يقيناً ويعلم معي كل منصفٍ - أنها مظاهر زائفة ، وأنها - بلا شك - تُفقد ذلك اليوم معناه الحقيقي الذي يُفترض أن نحرص على غرسه في النفوس ؛ فالانتماء الذي يُفترض أن ننشُده عندما نحتفي باليوم الوطني يعني لنا جميعًا الكثير ، ويستوجب منا الكثير ؛ فهو أكبر في معناه ، وأعمق وأسمى في دلالاته من كل ما سبق ذكره من مظاهر سطحيةٍ ومكرورة وباهتة .
وفيما يلي بعض التصورات والآمال التي أتمنى أن نعيها وأن نعمل بها عندما نحتفي بهذا اليوم في المستقبل إن شاء الله تعالى ، ومنها :
= اليوم الوطني يوجب علينا جميعاً أن نحمد الله تعالى ، وأن نشكره بالقول والعمل والنية على ما نحن فيه من النعم الكثيرة التي لا يمكن أن نُحصي عددها ، والتي من أجلَّها وأعظمها أننا ولله مزيد الحمد والشكر والثناء نعيش في وطنٍ واحدٍ مُتجانسٍ آمن مُطمئنٍ مُستقر .
= اليوم الوطني يعني التأكيد على تمسكنا قيادةً وشعباً بالعقيدة الإسلامية السمحة ، التي نعلم جميعاً أنه لا عز لنا ، ولا مجد ، ولا فخر ؛ إلا بالتمسك الصادق والعمل الواضح الصريح بموجبها بها في كل شأنٍ من شؤون الحياة ، وكل جزئيةٍ من جزئياتها .
= اليوم الوطني يعني أن يُحب الإنسان وطنه الذي يعيش فيه ، وأن يترجم هذا الحب أقوالاً صادقةً ، وأفعالاً نافعةً خيرة . وألاّ يدّخر جهداً في خدمته ونُصرته بكل ما يستطيعه ويملكه من إمكاناتٍ وطاقاتٍ وقدراتٍ و استعدادات .
= اليوم الوطني يعني أن يظل الإنسان السعودي محورًا فاعلاً وفصلاً ثابتًا في كافة خطط وبرامج التنمية الشاملة لكافة مناحي الحياة .
= اليوم الوطني يعني أن يتحقق للإنسان السعودي المزيد من الوعي الحضاري الذي يؤهله لتحقيق معنى الانتماء ، وإدراك أهمية دوره الإيجابي والفاعل في استمرار مسيرة الخير والعطاء والبناء لهذا الوطن الغالي بإذن الله تعالى .
= اليوم الوطني يعني الحفاظ على دواعي وأسباب الأمن والاستقرار داخل الوطن ، وعدم السماح لأي عابثٍ أو حاقدٍ أو حاسدٍ أو دخيلٍ بالإخلال بأمن الوطن أو المزايدة على ذلك ، واستشعار هذه المسؤولية العظيمة عند كل فردٍ من أفراد المجتمع ، فيصبح الجميع بذلك عيوناً ساهرةً لحماية الوطن وحفظ أمنه واستقراره وخيراته .
= اليوم الوطني يعني التأكيد على المزيد من الإخلاص والجدية في العمل ، وبذل الجهود الكفيلة - إن شاء الله تعالى – بكل ما من شأنه تحسين الإنتاج وجودة المخرجات في مختلف المجالات والميادين العلمية والعملية .
= اليوم الوطني يعني أن يعي كل مواطنٍ صغيراً كان أو كبيراً ، ذكراً أو أُنثى ، متعلماً أو غير متعلم ، دوره الفاعل في مهمة بناء الوطن وتنميته ، انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم :” كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته ” .
= اليوم الوطني يعني إتاحة الفرصة لأبناء الوطن ( الجادين والمُخلصين ) حتى يُحققوا معنى الانتماء الصحيح للوطن ، وتنشئتهم منذ الصغر على حب العمل الجاد والمُثمر ، ودعوتهم المنصفة للمشاركة في مختلف القضايا الاجتماعية ، ومنحهم كامل الثقة في أنفسهم للنقاش والحوار الهادف ، والمشاركة الفاعلة في إبداء الآراء ووضع الحلول ، حتى يتحقق ارتباطهم بالوطن ، ويصدق انتماؤهم له .
= اليوم الوطني يعني تكريس معنى ومفهوم الوحدة الوطنية في نفوس أبناء المجتمع جميعاً ، ولاسيما أن بلادنا معنيةٌ بتحقيق الأنموذج الرائع والمثل الحقيقي لتلك الوحدة التي دمجت شمال البلاد بجنوبها ، وربطت شرقها بغربها ، فكانت نتيجة ذلك وحدة الأرض والفكر والمشاعر و الطموحات والآمال .
= نعم ، إن الانتماء للوطن يمكن أن يتحقق في أجمل صوره وأروع معانيه ، عندما نعلم ونتيقن أن اليوم الوطني ليس يوماً واحداً في العام ، ولا ينحصر في وقتٍ مُتكررٍ كل عام ، كما أنه ليس مناسبةًٌ تنتهي بانتهاء تاريخها المحدد ؛ لكنه عند الصادقين المخلصين يومٌ يمتد ويستمر كل أيام العام ، فكان لزاماً علينا أن نُجدد التذكير فيه بما علينا من واجباتٍ تجاه هذا الكيان ، وأن نعمل على تعزيز الانتماء الحقيقي للوطن بأن نُترجم الأقوال الرائعة إلى أفعال خيِّرة ، وأن نحول الطموحات والآمال إلى حقائق وأعمال .
وما أكثر ما يحتاجه منا هذا الوطن الغالي ، ولاسيما أننا يجب أن نقف فيه مع كياننا العظيم للنظر والتأمل في هذه الأسئلة الثلاثة لتي تقول :
- كيف كنا في الماضي ؟
- وأين نحن الآن ؟
- وإلى أين نتجه في المستقبل ؟
وبعد ؛ فما أجمل و ما أروعٌ أن نرى هذا الوطن في يومه الوطني وهو يسعدُ بحضارةٍ إسلاميةٍ أصيلةٍ ومُعاصرة ، تنطلق في عالميتها من منهج وتعاليم ديننا الإسلامي الخالد الذي يقوم الأمر فيه على هدي كتاب الله العظيم ، وسنة رسوله الكريم، المدعومة بعزيمة ( أبي بكرٍ الصديق )، وعدل ( عمر بن الخطاب ) ، ومصحف ( عثمان بن عفان ) ، وسيف ( علي بن أبي طالب ) ، وعلم ( عبد الله بن عباس ) .
وختامًا : أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا في وطننا الغالي خاصةً ، وأوطان المسلمين عامةً لما يُحبه ويرضاه من القول والعمل والنية ، وأن يُديم علينا نعم الأمن والإيمان ، والاستقرار والازدهار ، والحمد لله رب العالمين