|
بـن لادن.. بقاياك للبحر
الناقل :
elmasry
| العمر :42
| الكاتب الأصلى :
منى أبوالنصر -
| المصدر :
www.shorouknews.com
منى أبوالنصر -
بن لادن
لم تكن تفاصيل حياته أقل إثارة بأى حال من خبر وفاته قتلا على يد القوات الأمريكية، ولا يبدو أن موته سيوارى سيرته لاسيما وأنه خلّف وراءه تنظيما تنبأ هو يوما أن بعد موته ستسير أعداد لا تحصى على دربه من بعده.
أسامة بن لادن، الذى خصصت واشنطن يوما 25 مليون دولار مكافأة لمن يدلى بمعلومات تقود إلى القبض عليه، كان وبلا منازع أحد أكثر الشخصيات إثارة بالنسبة للباحثين والصحفيين الغربيين، وكان تفقُد عالمه الخاص من الموضوعات التى استغرقت الكثيرين بما فيها من أسرار ووعورة بحثية وتقصى لمعلومات عادة ما كانت محفوفة بالمخاطر.
هذا الرجل الذى بات شبحا مرعبا هدد الولايات المتحدة الأمريكية فى عقر دارها بتبنى أخطر الهجمات على المصالح الأمريكية، وبات «حشرة فى أذن الفيل»، حسب تعبير الصحفى الأمريكى الشهير جوناثون راندل، بدءا من تفجيرات 11سبتمبر 2001 التى استهدفت مركز التجارة العالمى، وكان المتهم الأول فى الهجوم على الجنود الأمريكيين بالسعودية عام 1995 و1996، كما اتهم بتدبير الهجمات على السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا عام 1998 ما أدى إلى مقتل 224 شخصا، واتهم تنظيم القاعدة فى أكتوبر 2000 بالمسئولية عن الهجوم على المدمرة الأمريكية كول فى اليمن، ما أدى إلى مقتل 17 شخصا.
هذا السجل الحافل بالعمليات المناهضة للكيان الأمريكى بوجه خاص كان يتخللها خطابات تهديد ووعيد من جانب بن لادن عادة ما كانت تبث عبر فضائية «الجزيرة» القطرية وكانت تتلقفها وسائل الإعلام فى العالم، وكثيرا ما تسربت شائعات موته تتبعها تأكيدات بكذب هذه الشائعات.
وفى وسط كل هذا الزخم كانت الكتب تتوالى محاولة قراءة هذا الكيان المتكامل المدعو «أسامة بن لادن» بزيه البدائى ولحيته الرمادية التى لا يمكن أبدا أن تشى لك بتاريخه كمليونير سعودى، ولا يحيلك سوى لهيئة مواطن أفغانى فقير، وتتقلب بين الوجهات وأنت تقرأ عن تاريخ صنيعة المخابرات الأمريكية التى انقلب عليها وأصبح كالسحر الذى انقلب على ساحره، وقدراته التنظيمية المرعبة فى تجنيد وحشد آلاف الأنصار لتنظيمه الجهادى.
من تأليف زوجته الأولى وولده عمر
كان التحدى الأكبر أمام المؤلفين الغربيين هو تتبع جذور هذا «الأسامة» التى انحدر منها كما ظهر فى كتاب «The Bin Ladens» «آل بن لادن» الذى حاول الغوص فى تأثير هذه العائلة العربية فى الحقبة الأمريكية المعاصرة، وهو من أهم ما كتب عن هذه العائلة للكاتب ستيف كول،الذى سبق وحصل على جائزة بوليتزر الصحفية الرفيعة، وكذلك كتاب «Growing up bin Laden» «نشأة بن لادن»، وهو كتاب يتمتع بخصوصية ميّزته عن غيره، حيث إن مؤلفى الكتاب هما زوجته الأولى نجوى وولده عمر، وصاغه الصحفى جين ساسون، ما يعطى انطباعا بمحاولة غربية للإسهام فى تكريس بن لادن كعدو أول للغرب.
ويعتبر هذا الكتاب حديثا نسبيا حيث إنه إصدار 2010، واحتفى به بشدة فى الصحف العالمية واعتبره النقاد بمثابة «قصة حقيقة توارت خلف الستار فى المملكة العربية السعودية»، واستخدم الحكى الدرامى فى الكتاب على لسان بطليه وهما زوجته، التى انجب منها بن لادن 11 من أبنائه، وولده عمر الذى يعتبر الرابع بين أبنائه، ولم يلتق والده منذ أن رحل إلى أفغانستان.
تقرأ فى الكتاب مفارقات عدة كعدم تصديق الابن عمر أن والده هو المسئول عن تفجيرات سبتمبر حتى خرج والده بنفسه ليؤكد ذلك عن طريق شريط صوتى أذيع على مسمع ومرأى من العالم أجمع، وقال «كنت أتمنى أن يكون العالم كله على خطأ وألا يكون والدى هو المسئول عن ذلك»، وتطرق إلى رغبة أبيه فى أن ينضم جميع أبنائه إلى تنظيم القاعدة ويساندونه فى الجهاد، إلا أن ولده عمر كان من أبرز الرافضين لهذه الدعوة وكان يرى أن والده «يكره أعداءه أكثر مما يحب أبناءه».
عائلة النفط
كتب أخرى حاولت تتبع ذلك الخيط العقائدى الذى يدفع هذا التنظيم إلى تبنى أفكاره الجهادية تلك، من بين ذلك كتاب جيسيكا ستيرن Terror in the Name of God أو «إرهاب باسم الله»، وتساءل فى مضمونه عما يمكن أن يدفع أعضاء القاعدة إلى القتل، ولعل كتاب « Osama» للصحفى الأمريكى جوناثون راندل من أهم ما استعرض نشاط بن لادن قبل الحادى عشر من سبتمبر ويستكشف ما عرضه أسامة بن لادن على السعوديين من أن تتولى قوات «القاعدة» إخراج صدام حسين من الكويت عام 1991.
كتاب راندل، الذى عمل مراسلا لصحيفة واشنطن بوست طيلة 30 عاما، ترجم إلى اللغة العربية وأصدرته دار الشروق، وأوضح كيف أن حياة بن لادن تختصر الصدام الحتمى بين إسلام القرن الحادى والعشرين والغرب، واصفا رحلة ابتعاده عن الغرب وعن «عائلة النفط» السعودية التى تشكل عائلته جزءا لا يتجزأ منها، وكان كتاب « Usama bin Laden's Al-Qaida» من أسبق الكتب التى هدفت للتعريف بماهية تنظيم القاعدة الذى لم يعرف عنه الكثيرون حول العالم شيئا إلا عبر هجمات سبتمبر، وأعد هذا الكتاب عدد كبير من الباحثين الأمريكيين معتبرين أنه دليل أمام الباحثين والدارسين لشبكة إرهابية تعتبر هى «واحدة من أبرز تحديات المجتمع الدولى فى القرن الحادى والعشرين».
أسامة بن لادن الذى أعرفه
أما كتاب كتاب «The longest war» «الحرب الأطول» فيعتبر من أحدث الكتب التى تناولت تحليلات مطولة حول مستقبل تنظيم القاعدة، ومؤلف الكتاب هو الصحفى الشهير بيتر بيرجن الذى كان من أول من استطاعوا الالتقاء بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وإجراء حوارات معه كان أولها عام 1997، واستطاع أن يسجل بعد هذا الحوار ملاحظاته الخاصة وتحليلاته التى استوحاها من هذه «التجربة» الصحفية الخاصة من خلال كتابيه «حرب مقدسة» Holy War، و«أسامة بن لادن الذى أعرفه» The Osama bin Laden I Know، ومؤخرا صدر له «الحرب الأطول ــ الصراع المستمر بين أمريكا والقاعدة» The Longest War، الذى يستكمل فيه تحليله للحرب التى تخصص فى تغطيتها بين الولايات المتحدة وتنظيم القاعدة.
هذا الملف المتخم بأوراق الحرب التى شنتها إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش على أفغانستان فى أعقاب تفجيرات سبتمبر، من الملفات الزاخرة بالتحليلات السياسية الغربية، وإن كان معظمها خرج من جعبة المحللين والمعلقين السياسيين الذين كتبوا ومن وجهة النظر الأمريكية، فيما يتميز بيرجن، محلل شئون الأمن القومى بـ CNN بكونه الأقرب إلى عالم بن لادن الغامض بشكل خاص وعالم تنظيم القاعدة بشكل عام من خلال خبرته المباشرة معهم، وحاول خلال الكتاب الجديد الخوض فى دهاليز الصراع بين القاعدة من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة أخرى.
حسابات خاطئة
فى الكتاب اعتبر المؤلف أن نشاط تنظيم القاعدة فى العراق شكّل «حسابات خاطئة» ارتكبها هذا التنظيم الجهادى، بل ويعكس هذا التنظيم فى بلاد الرافدين «انحدارا» فى قدرات القاعدة التنظيمية، كما أشار بيرجن إلى أن الولايات المتحدة حتى الآن «مهووسة» بالعراق بشكل يجعل جهودها غير قادرة على التصدى للقاعدة أو لنفود بن لادن.
فى «نيويورك تايمز» كتب توماس ريكس، وهو صاحب مؤلفات فى الشأن العسكرى الأمريكى، تقريرا نقديا عن كتاب «الحرب الأطول» استهله بقوله «لسنوات وأنا أحاول أن أقرأ كل رواية جديدة حول تأثير أحداث 11 سبتمبر على حياتنا، كان بعضها رصينا فعلا وبعضها لم يرضنى لأننى كنت أرى أن مؤلفيها بذلوا جهدا كبيرا من أجل كتابتها ولكن كان الأمر لا يكتمل دائما، ولكننى بعد قراءة كتاب بيتر بيرجن الجديد حول حرب الولايات المتحدة والقاعدة أدركت أننى كنت طالما أقرأ فى النوع الأدبى الخاطئ، فلم تكن أية رواية مؤثرة بالدرجة التى كتب بها «الحرب الأطول» الذى يمثل تاريخ عصرنا».
الكتاب ــ الذى يقع فى 473 صفحة ــ يضم مجموعة من الصور المتميزة والحصرية، ويرصد تطلعات تنظيم القاعدة من وجهة نظره، وكذلك تفصيلات لهجمات سبتمبر وردود أفعال إدارة بوش حيالها التى اعتبرها «ردود أفعال مذعورة» متمثلة فى غزو كل من أفغانستان والعراق، وكذلك تناول الدور الباكستانى الذى ذهب المؤلف إلى أنه دور سلبى بشكل مستمر، ومسلسل التفجيرات فى كل من لندن ومدريد.
تطرق الكتاب إلى رصد أحداث تفجيرات سبتمبر من وجهة نظر خبراء استخباراتيين أمريكيين متخصصين فى دراسة «القاعدة» لسنوات، وكذلك تطرق لسوء تقدير بن لادن عام 2001 الذى كان يعتقد بـ«سذاجة» أن الغرب كان فى هذا الوقت ضعيفا كالكتلة السوفييتية آنذاك، وظن أنه بضربته تلك يمكن هزيمته بسهولة، وأعتقد أيضا أن ردود أفعال هجمات سبتمبر ستكون إما انسحاب غربى من الشرق الأوسط أو مجرد هجمات صاروخية غير فاعلة، واعتبر المؤلف أن بن لادن لم يكن ملما بفهم الثقافة الغربية كما ينبغى.
علاوة على أنه على الرغم من أن الإدارة الأمريكية آنذاك شهدت أسوأ فشل عسكرى فى التاريخ الأمريكى لم يقدم أحد استقالته ولم يعلن أحد تحمله للمسئولية أمام الشعب، وكما أشار إلى عمليات التعذيب السرية داخل السجن التى تبنتها هذه الإدارة، وشن هجوما ضاريا على كولن باول الذى وصفه بـ«الأحمق» الذى كان يجب أن يقدم استقالته فى 2001، علاوة على أنه كان صاحب واحدة من أكثر الخطب «المضللة» فى التاريخ الأمريكى التى دعا فيها للحشد من أجل الحرب.
|