بعد يوم واحد بلغ عدد محبي صفحة كلنا اسامة بن لادن 29,461 مشتركاً
"عاش بطلاً و قتل شهيداً...إن كانوا قد قتلوا أسامة فسيولد ألف أسامة." علق أحدهم على صفحة الفيسبوك "كلنا أسامة بن لادن" التي ظهرت بعد ساعة واحدة من إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما نبأ مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، و أبرز أعلام الحركة الجهادية العالمية .
بعد يوم واحد بلغ عدد محبي الصفحة 29,461 مشتركاً ، بالإضافة ألى أكثر من خمسين صفحة أخرى تحمل نفس الاسم بمئات من "المحبين".
واختلفت التعليقات على مقتل بن لادن على المواقع الاكترونية للصحف والشبكات الاعلامية العربية. و لكن الرجل الذي يراه الغرب ارهابياً شريراً يراه البعض في مناطق أخرى بطلا و رمزا.
و قتل بن لادن على أيدي قوات البحرية الأمريكية (سيلز) ، ثم القاء جثته في البحر ستدعم نظرة المتعاطفين معه، فمفتي مصر السابق – الشيخ نصر فريد واصل – أعلن أن أسامة بن لادن شهيد لأنه قتل بيد الأعداء، و المفتي بالطبع ليس من مؤيدي القاعدة كحال الأغلبية الساحقة من المسلمين.
هل هي بداية النهاية؟
و بعيداً عن العالم الافتراضي و الجدل الفقهي يبقى السؤال الأهم : هل القضاء على بن لادن يعني بداية نهاية القاعدة ؟ لا توجد إجابة لهذا السؤال أكثر دقة من "ربما" ! توجد فعلاً حالات انتهت فيها منظمات مسلحة – أو تقلص نشاطها كلياً – بعد مقتل قائدها الكاريزمي، منها مثلاً حالة منظمة أوم شينريكيو اليابانية التي قادت الهجوم بغاز السارين على محطات مترو أنفاق طوكيو في 1995 وانتهى نشاطها المسلح بعد اعدام شوكو أساهارا مؤسسها و زعيمها.
ولكن المؤكد في دراسات الأمن و علوم الصراع هو أن القاء القبض على قادة المنظمات المسلحة ومحاكمتهم بعدالة هو مؤشر أفضل على انتهاء هذه التنظيمات أو تحولها كلياً.
وتتضاعف احتمالات النهاية أو التحول عندما يعلن القادة المسجونون نبذ العمل المسلح، و عندما يدعوا أتباعهم لوقف العنف . د. مانويل جوزمان – قائد منظمة الدرب المضئ الماوية في بيرو، وعبد الله أوجلان – زعيم حزب العمال الكردستاني ، ومايكل ماكيفيت – مؤسس الجيش الجمهوري الحقيقي في ايرلندا الشمالية – كلهم مروا بتجربة التخلي عن العمل المسلح و دعوة أتباعهم للعمل السلمي بعد محاكمتهم و سجنهم.
مولد شهيد
و على الجانب الآخر ، قتل زعيم كاريزمي على يد أعدائه يعني بلا شك ولادة شهيد ، و يشهد على ذلك تشي ارنستو جيفارا، و مالكوم اكس (الحاج مالك شاهباز) ، و غيرهم .
والحركات الإسلامية المسلحة لها تصنيف منفصل في دراسات الأمن و علوم الصراع لخصوصياتها ورغم ذلك فهي تشارك بعض الحركات السالف ذكرها في بعض الأنماط .
فمن ذلك العلاقة بين مقتل الزعيم ونهاية التنظيم وهي علاقة معقدة تحددها عدة عوامل من أهمها: هيكل التنظيم ، ومطابقة و أهمية الايديولوجية للواقع ، ومسببات العمل المسلح .
فالتنظيمات اللامركزية التي تحمل ايديولوجيات تعبرعن مرارة الواقع غالباً ما تنجو بعد فقدان قيادتها االكاريزمية بالمقارنة بالتنظيمات المركزية.
و نموذج القاعدة فيما بعد 11 سبتمبر بعيد كل البعد عن المركزية فتنظيم أبي مصعب الزرقاوي في العراق هو خيرمن يمثل ذلك . فالتنظيم أخذ اسم "القاعدة" و أعطاه ذلك الشرعية عند البعض، و كذلك قدرة أكبر على التجنيد و الحشد و الدعاية أما تنظيمياً فكان مستقلاً.
فعندما طلب الدكتور أيمن الظواهري وقف استهداف الشيعة لم يستجب أبو مصعب، بل و صعد.
ونموذج "الفروع المستقلة" لا ينطبق على العراق فقط، و انما على الجزائر و اليمن و الصومال و شمال مالي و منطقة الساحل الإفريقي.
و يوجد أيضاً نموذج عمل آخريسيمه البعض "الجبهة الايديولوجية" : خلايا أو أفراد يضمون أنفسهم للتنظيم، أو يبدؤون العمل المسلح بعد إيمانهم بالايديولوجية دون الحاجة لمن يدعوهم أو يجندهم أو يقودهم للعمل.
وفي نماذج العمل السالف ذكرها جميعاً – سواء "الفروع المستقلة" أو "التجنيد الذاتي" أو "التحرك الذاتي" – ربما يكون أسامة بن لادن المقتول بالسلاح الأمريكي أكثر إلهاماً و أقوى تأثيراً و أوسع نفوذاً من أسامة بن لادن المختبئ من هذا السلاح .
ففي أغسطس 1966 أعدم نظام الرئيس جمال عبد الناصر المفكر الإسلامي سيد قطب لينهي نفوذه و تأثير أفكاره. وفي 2011 لازال نفوذ الأخير موجودا، و أفكاره أوسع انتشاراً أكثرمن ستينيات القرن الماضي.
ذكر سيد قطب احصائية صغيرة مهمة في مذكراته . فمن بين 98 معتقلاَ من الإخوان المسلمين أيد 35 أفكاره الجديدة الموجودة في كتابه "معالم على الطريق"، و رفضها 23 معتقلا ، و تردد خمسون.
لم ينجح إذن المفكر الكبير في إقناع أغلبية من الإسلاميين المعتقلين بالأفكار الراديكالية رغم التقارب الايديولوجي و ظروف السجن العصيبة و علو شأنه و منزلته بينهم.
و عندما أعدم المفكر ولد الشهيد، و لم نعد نتكلم عن التأثير في العشرات وانما عشرات الآلاف، و من أجيال متتالية منها جيل أسامة بن لادن.
أعدِمَ سيد قطب على يد زعيم قومي عربي مسلم ، أما أسامة بن لادن فقتل على يد قوات احتلال أمريكية. و الحقيقة الأخيرة سيكون لها تأثيرها خاصة في باكستان و البلاد الإسلامية.
التخلي عن العمل المسلح
وتخلي قيادات الحركات الجهادية عن العمل المسلح أثناء المحاكمات و بعد سنوات السجون يعتبر نمطاً الآن شهدته مصر في حالتي الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد (أو تيار كبير فيه)، و كذلك ليبيا في حالة الجماعة الإسلامية المقاتلة، وبلدان أخرى.
وهذه القيادات لم تنبذ العمل المسلح كسلوك فقط ، و انما نزعت عنه الشرعية الدينية و الفكرية كذلك.
وفي 2006 انهيت دراسة أجريتها عن آليات تحول المنظمات المسلحة الى العمل السلمي بعدة خلاصات ، إحداها مفاده أن قتل القيادات الروحية الملهمة (بعكس القيادات العملياتية) لأية تنظيم مسلح سيعتبر نصرا سياسيا على المدى القصير للحكومات المعنية (و خاصة الديمقراطيات منها ، حيث يتركز تفكير السياسيين فيها على أربع أو خمس سنوت سنوات ليعاد انتخابهم ) و لا يركز على المدى الطويل).
و لكن هذا القتل سيجعل عمليات التحول من العمل المسلح للعمل السلمي أكثر صعوبة، و لن يبيد بالضرورة التنظيم المعني. فعلى المدى الطويل آثار المحاكمة العادلة أفضل كثيرا من القتل، ليس فقط للأسباب الأخلاقية و القانونية رغم أهميتها البالغة، و انما أيضاً لأسباب براجماتية عملية بحتة .
(*) د.عمر عاشورأستاذ محاضر في العلوم السياسية ومدير برنامج الدراسات العليا في سياسة الشرق الأوسط في جامعة إكستر البريطانية . وهو مؤلف كتاب "تحولات الجماعات الإسلامية المسلحة" الصادر من روتليدج في لندن و نيويورك.