الكاتب والأخطاء النحوية والإملائية في النص
لا يخفى على أي منا بان الأخطاء اللغوية في النصوص الأدبية هي حتمية مهما حاولنا تحاشيها حيث أن هناك وكما تعلمون نوعين منهم
الأول: ويتعلق بالأخطاء المطبعية وهذه تكون ظاهرة للعيان وواضحة كوضع حرف قريب منه في اللحن بدلا من آخر أو تكرار الهمزة على نبرة وفوق الألف أو وصل الحروف ببعضها أو حلول حرف مكان آخر قريب منه على الطابعة ليعطي في النهاية معنا آخر. الخ الخ
والثاني: ويتعلق بالإعراب وتصريف الأفعال في الجمل ووضع الصفة في مكانها ووزنها وإعادة الصفة للموصوف والمنعوت للناعت ووضع الهمزات وتتبع الفعل والفاعل والمفعول به وصرف كل منهم إلى مكانه ليؤدي عمله ويظهر اختصاصه.الخ
وهناك نوع ثالث من الأخطاء وهي الأخطاء الصامتة التي لا يتناولها في النقد احد وهي اختفاء علامات التشكيل ( كالضم والكسرة والشدة والسكون وفي أحيان كثير الهمزة) حيث يضطر الكاتب إلى إسقاطها إما عن قصد رفعا لحرج قد يصيبه أو لسهولة كتابتها دون التوقف في كل مرة يبحث عن الهمزة أو علامات الرفع والنصب والكسر والشدة ليتركه معتمدا على ثقافة القارئ ومعرفته للغة ومقدرته على فهم الكلمة المقصودة في نصه.
هذه المقدمة تضاف إليها مشكلة أخرى ألا وهي التصحيح اللغوي عن طريق البرامج ( كوورد مثلا) حيث يوقعك -لافتقاده إلى التقنيات اللازمة والضرورية للتصريف اللغوي ويفتقر إلى قاموس صحيح حيث تعتمد الشركات المنتجة والمحدثة له على ما يرفدها به مختصون اللغة العربية من مواد- في أحيان كثيرة في الشك فيما تكتب. وهذا ما يحصل معي في الغالب عندما اعرض نصي للتصحيح اللغوي فاكتشف بعد الانتهاء منه إلى استبدال حرف بدلا من آخر وسقوط همزة بدلا من المدة أو يضعك في حيرة باستبدال كلمة بأخرى لم تستخدمها في حياتك وتتساءل هل هي حقا موجودة في اللغة العربية ومستخدمة وهل وضعها صحيح أم لا إلى آخر هذه التساؤلات حتى أنني وعندما عدت إلى نصوصي القديمة والمكتوبة أثناء مرحلتي الإعدادية تفاجئت بعدم وجود مثل هذه الأخطاء لاعتمادي على الكتابة بالقلم من ناحية وانغماسي بكثرة المطالعة -التي هجرتها منذ زمن وعدت إليها أخيرا والتي تشحن الذاكرة بالمفردات والكلمات والمعاني حتى إذا ما احتجنا إليها كتبناها دون أن نعرف لماذا كتبت هكذا وما هي مكانتها من الإعراب أو الصرف.؟!
وقلة هم الكتاب والمبدعين من يعطي كثير أهمية لذالك -ولو شعروا بالأسى لعدم تمكنهم منها- وتوقفوا عن ممارسة الكتابة لأجلها لان الكتابة شيء كالموسيقى والرسم هي موهبة قبل كل شيء وهي حالة من الغيبوبة تصيبنا ونحن نمارسها فإذا ما استيقظنا بعدها وجدنا نصا غريبا عما تمنيناه وكأنه من فعل فاعل خاصة إذا ما كان ينم عن حذق في التفكير وفطنة وإبداع فنحتضنه وندافع عنه ونحميه حتى يصل بنا الأمر لتجاهل الأخطاء فيه وكأنها وجدت لتبقى هكذا شئنا أم أبينا.؟!
في البداية كنت أتساءل كيف يمكن لإنسان أي إنسان أن يمتنع عن الكتابة أو المطالعة خاصة إذا ما كان يتمتع بقدر عال من الإعجاب بالأعمال الأدبية وحب يتجاوز حد المتابعة بدافع الفضول إلى البحث عن غذاءه الروحي الذي يحتاجه وهذا ما يقودنا بالتالي إلى نقدنا لتلك الأعمال خاصة إذا ما شعرنا بان هناك أخطاء تشوه النص وتسيء له
انه يلاشك حرصنا على أن يتمتع النص المعروض أمامنا بحد أدنى من الشروط لكي يكون مستساغا ومقبولا ويحمل إلى عقل وقلب قارئه المتعة والفائدة والتسلية.
وسؤالي ذاك اخذ بي إلى ما وراء الإعجاب والهواية وحب المطالعة...إلى البحث عن الكمال.!
الكمال في لغة النص،... الكمال في الصيغة،... الكمال في الحبكة،... وأخيرا الكمال الذي يجب أن يتمتع به الكاتب -أمام قراءه ونقاده- من خلق ولطافة ولباقة تصل حد الإذعان.؟!
شيء يشبه الطاعة مابين الطالب ومعلمه.؟!
فالأديب أو المبدع أو الفنان-هو كتلة من المشاعر يحمل هما عاما وريشة ومحبرة لنقل وتصوير هذا الهم ونقله إلى الآخرين بعبرته وتجربته فيضحك أحدا هنا ويثير الهلع هناك يعلم ويهذب سلوك هذا هنا ويثير غيظ الآخر هناك، يبكي،... يحزن،... يدخل الأمل إلى النفوس،... يحرض الناس على الثورة،... يدلهم على السعادة وينقلهم إلى عوالم من الخيال تملؤه المتعة والفائدة والسرور دون أن يتحركوا قيد أنملة من أماكنهم فتجدهم وهم ممدون على الشاطئ أو في الحافلة أو في أسرتهم وهم يذرفون الدموع أو يبتسمون ويضحكون وكأنهم في حضرة مهرج أو في صحبة محب. ويتلمسون بعضا من أمالهم وأمانيهم في تجارب مبدعيهم فيغفون على وقع الكلمات الساحرة ليستيقظوا وقد خبا صوت الشر في نفوسهم وأصبحوا أكثر دعة وتفهما ومحبة للآخرين.؟!
ومن هنا يأتي أهمية تدارك الأخطاء في أعمالنا والعمل على تصحيحها والحفاظ على اللغة العربية سليمة ومتينة خاصة عندما نحاول أن نلقي بنصوصنا إلى النشر ونضعها بين يدي القارئ لمطالعتها وأحببنا أن نكون من طلائع الأدب وقدوة له وذلك لسبب جوهري وهام جدا ألا وهو تعويد القارئ على تكوين مفردات وجمل صحيحة وضمها إلى قاموسه اللغوي حتى يصبح فيما بعد قادرا على التعبير بلغته بشكل صحيح ومتقن دون أن يعرف السبب.
لان اللغة قبل أن تكون عبارة عن حروف وإشارات ورموز وأفعال وكلمات هي قبل كل شيء أخر روح وقلب ومشاعر ووسيلتنا للتعبير عن هواجسنا وأمالنا وأحلامنا إنها بكل بساطة لساننا.
والهاوي الموهوب الذي يكتب دون إذن بتلك اللغة التي أتقنها وعرفها ومارسها طوال حياته قد لا يدرك بان هناك لغة أخرى متعارف عليها لكتابة النصوص الأدبية حيث لا مجال للأحرف الأعجمية ولا للمفردات العامية ولا للأخطاء الإملائية ويكتشف إذا ما قابل احد المتمرسين باللغة بان كتاباته كلها تعج بالأخطاء ولا تصلح للمطالعة أو النشر وبان عليه أن يعود مرة ثانية إلى الإعدادية ليحفظ أصول التعبير وشروط الإعراب وبحور الشعر.
وحتى لا أخوض حديثا طويلا حول اللغة وقد جندت لها مئات آلاف من الأحاديث والمقالات والنقد والمقابلات للحفاظ عليها كما هي دون تطوير بدعوى الحفاظ عليها من الضياع. أعود لأتساءل أليس الإنسان هو من وضع قوانينها.؟
من هذا المنطلق ارتأيت وقد وقع بين يدي كتاب قيم لا يمكن أن أمر عليه دون أن أضعه بين يد الآلاف ممن يبحثون عن المعرفة حول اللغة العربية وأصول كتابتها خاصة وان مؤلفه العلامة الكبير والمفكر الأستاذ محمد الأفغاني حيث بين المؤلف نهجه في مقدمة الكتاب فيقول: ((جريت في تفصيل مواد الكتاب على خطة غير بعيدة فعنيت بالشواهد وانتقيتها بليغة من عيون كلام العرب في عصر السلامة، تنمية لملكة الدارس وتوسيعاً لآفاقه في إدراك أحوال أمته، لكون هذه الشواهد مصورة أحوال مجتمعات أصحابها أصدق تصوير، تصويراً لا نجده - بهذه الدقة والصفاء - حتى في كتب التاريخ نفسها، وهي متى استوعبت أعْوَد على الملكات من كثير من القواعد المحفوظة والتعليلات المكلفة. وجنبت الدارس الأقوال المرجوحة والمذاهب الضعيفة، مختاراً ما ثبتت صحته على الامتحان.)) وهذا الكتاب هو (الموجز في قواعد اللغة العربية)