أرسل لي أبو بكر يسألني النصيحة، فلقد مل من وظيفته الحالية، ويريد أن يتحول إلى شيء أفضل، لكنه لا يعرف الطريق أو السبيل. هممت أن أرد عليه، لكني لاحظت أن ما سأقوله له سبق وكتبته في ردودي على آخرين سألوني ذات السؤال، وعليه وجدت أن الوقت حان لمقالة خاصة أضع فيها أفضل حل وجدته لهذا السؤال الذي بدأ يردني بشكل متكرر.
لا أفضل من الحل الذي سمعته في محاضرة براين تريسي، حيث نصح من لا يعرف النشاط أو العمل أو المجال الذي يريد أن يعمل فيه ويبدأ منه نشاطه التجاري، أن يجلس وحده في جو هادئ محبب إلى نفسه، غرفته أو على الشاطئ أو أي مكان يدخل السرور على قلبه، وأن ينقطع عن العالم المحيط ساعة أو اثنتين، وأن يحرص على توفير كل أسباب الراحة والهدوء والاسترخاء، فلا يترك هاتفه يزعجه أو قريب يطلبه، وأن يجعل رفيقه في جلسة الاسترخاء هذه الكثير من الورق والأقلام.
شرط نجاح هذه الطريقة، هي إدخال العقل في حالة ذهنية إيجابية تماما، قائمة على سؤال افتراضي: ماذا كنت لأفعل لو كان كل شيء في هذه الدنيا متاح لي، ولا يوجد شيء اسمه مستحيل أو ممنوع، بمعنى، هب أن كل ما تريده وتتمناه ستجده في التو، ماذا لو كنت تملك مالا لا نهاية له، وتعيش في بلد لا يضع أي شرط أو عقبة أمام مشروعك، ماذا كنت لتفعل وقتها؟
مرة أخرى أكرر، احذف السلبية تماما من هذه التجربة، وكن إيجابيا لما فوق السماء، وكن ملك التفاؤل، واحذف كلمات مثل صعب التحقيق ومستحيل الحدوث. هل تريد أن تكون مثل بيل جيتس، ما الخطوات اللازمة لذلك؟ هل تكره مديرك الغبي الذي لا يحسن تصريف الأمور، لو كنت مكانه، ماذا كنت لتفعل؟ لا تنظر تحت قدميك فتفكر في وظيفة أو أن تكون أجيرا، السماء وما بعدها يجب أن تكون حدود تفكيرك، فكر في أن تكون مدير شركتك الخاصة، بل مجموعة شركاتك، وتوقف عن التفكير في استحالة حدوث هذا أو ذاك، كفانا من قيود وضعناها نحن على أنفسنا فمنعتنا من الانطلاق وتحقيق ما نستحقه.
في أحد كتبه، ذكر أستاذنا إبراهيم الفقي حكاية الفيل، الذي منذ صغره عوده آسروه على ربط قدمه بكرة حديدية ثقيلة، فلما كبر خلصوه من هذه الكرة، لكن هو نفسه لم يتخلص من قناعته بوجودها فبقي مكانه ظانا أن الكرة لا زالت مربوطة بقدمه.
أريدك أن تكتب كل ما سيخطر على بالك من أفكار، لا تترك فكرة إلا وكتبتها، تريد أن تكون غنيا؟ جميل، وكيف سيأتي المال؟ حتما عن طريق تجارة وبيع وشراء، فما النشاط التجاري الذي تريد أن تعمل فيه؟ تحب الكمبيوتر، فهل تحب تجميعه أم العمل عليه؟ وأي البرامج تجد فيها اللذة التي تنسيك عناء العمل الطويل؟ تريد أن تنفع الناس؟ كيف؟ لو أعطيت الفقير كل مالك لأنفقه ثم عاد يسأل غيرك، فماذا لو علمته حرفة تعطيه المال فيتحول غنيا ويعطي بعد أن كان يأخذ؟ أي حرفة تستطيع تعليمها له وتكون مطلوبة وتحقق له الدخل؟
ستظن بي السخافة إن لم يكن الغرور، ولن تنصفني حتى تجرب هذه الجلسة وتفعلها ثم تعود فتشكرني. في أول جلسة، ستجد بعض الصعوبة، لأنك ربما جزمت من البداية أنها فكرة سخيفة مثل كاتبها، ولكن كم من سخفاء مثلي ثبت أنهم كانوا على حق، وهب أني كنت على باطل، فماذا ستخسر؟ بعض الوقت الجميل تقضيه من هذه الدنيا، وقت عشت فيه وأنت ملك تأمر فتطاع، ولو كان ذلك في عالم الخيال…
هذه التجربة لن تعرف لها قدرها حتى تجربها، ففي البداية ستضع فكرة أو اثنتين، ثم تمضي متخيلا الخطوات التي كنت لتتخذها لتنفذ كل فكرة، وتمضي تكتب كل ما يخرج من هذه الخلايا الذهنية في المخ كل منا والتي يؤكد كل من درسها على قدراتها الخارقة التي لا تجد من يستغلها، هذه الخلايا التي تمثل قدرة الخالق على إتقان كل شيء، سبحانه وتعالى.
بعد أن تنتهي من أول جلسة، لا تتسرع فتحكم على الناتج، إذ عليك أن تكررها مرات ومرات ما دمت حيا، لكن في المرة الثانية ستجد العقل أقل مقاومة للدخول في هذه الحالة من اللامستحيل، وستجد نفسك بئر أفكار لا ينضب، وستجد أن الورق بدأ لا يكفي لتسجيل كل لديك، وهكذا…
بعد تعدد هذه الجلسات، ستبدأ تلاحظ بعض التكرار في أفكارك، وهذه هي إجابتك، ستجد أنك تحب مجال ما، وتحوم من حوله تريد أن تصيبه، وستجد لديك قدرة ما، مثل البيع أو التسويق أو الابتكار أو التصميم أو غيرها، وبنظرة سريعة على كل ما كتبته أنت، ستجد لديك قائمة لا تقدر بمال، قائمة توضح لك ما تريده، وما ستنجح فيه حتما إن أنت فعلتها ونفذت ما جاء في هذه القائمة.
أقولها لنفسي ولك عزيزي القارئ: لا تتوقف بالتفكير عند حدود وظيفة أو عمل بأجر، ولكن فكر على نطاق كبير، لماذا لا تبدأ شركتك الخاصة في المجال الذي تحبه، فكل الأغنياء العصاميين بدأوا بفكرة، وليس معنى أن تبدأ شركتك أن تبدأ من القمة، وتقول لي لا أملك مالا لأشتري أثاثا وأستأجر مكانا، ابدأ من سرير نومك واجعله مكتبك، والفراغ أسفل السرير هو مخزنك، ورأس مالك هو ما ادخرته أو اقترضته من أقاربك وأصدقائك، ولا تفكر فقط في الفشل، لكن فكر في سعادتك وأنت مدير نفسك، وفكر ماذا لو أصبت النجاح وبدأت تبيع وتشتري وتربح، وتقدم خدماتك مقابل أجر وبدأت تنمي قاعدة كبيرة من العملاء الراضين عما تقدمه لهم.
حتى لو فشلت، ستجد مخزونا من الذكريات الثمينة من الحرية، وستجد عقلك وقد تغير، وأصبح يريد أن يعود ليحلق في سماء الحرية التجارية، وستجد نفسك تفكر في كيفية الحصول على المال من التجارة، وستجد نفسك وقد تغيرت، لقد كسرت الطوق، وأدركت من داخلك أن الحرية حق لك تتمتع به.
يا أبا بكر، فكر في بدء نشاطك التجاري الخاص خارج أوقات العمل، فأنت رب أسرة ولا تملك أن تخاطر بسهولة، وستسألني أي نشاط تجاري تبدأ به، وأرد عليك: هذه المقالة هي لك !
خاطرة: سبق لي وكتبت فكرة تشبه هذه، فجاء أحد التعليقات السخيفة، لو كنت أملك مليون لجلست في البيت وتنعمت وما عملت، ولن أعلق سوى بالسؤال: طريقة تفكير مثل هذه، هل تستحق أن تقود شركة ناجحة، أو يقودها الغير؟ وحتى لو كان التعليق من باب الفكاهة والكوميديا، قل لي أين سينتهي مآل صاحب هذا التعليق بعد 25 سنة من الآن؟ حتما سيكون خبيرا في التعليقات الكوميدية الساخرة، فقط، لا أكثر ولا أقل. دعك من الهزل ومن الكوميديا والسخرية السلبية، فهذه لا تؤسس شركات ناجحة.
والآن، من سيكون أول من جرب، وعاد ليعلق، ليشاركنا بما اكتشف؟