ما بين الوضع الحالي المحزن، وبين انشغالي بجمع مادة كتابي المقبل عن التسويق، لا أجد وقتا لأبحث عن مادة جديدة، غير أني كنت أجريت حوارا عبر البريد مع فريق عمل لعبة أبو حديد المصري، أول لعبة مصرية ثلاثية الأبعاد بجهود تكاد تكون فردية. دار هذا الحوار عبر البريد الإلكتروني، ولأن كل دفعة من الأسئلة كانت تأتي إجاباتها بعد مرور أسبوع أو اثنين أو أكثر، لذا ستجد الحوار غير مترابط بدرجة كبيرة، ومرد ذلك لانشغال مصطفى عاشور، الذي تبرع للرد على أسئلتي الكثيرة.
س: أود في البداية معرفة موجز عن كل عضو في الفريق الذي أسس الشركة
مصطفى عاشور، 27 سنة، أحمد الديب، 26 سنة، أحمد صبري، 27. الثلاثة خريجو هندسة كمبيوتر، جامعة القاهرة، وكلهم يحملون لقب شريك إداري في شركتهم الناشئة، وأما عمل كل واحد منهم فيشمل كل شيء، من البرمجة والاختبار ومقابلة العملاء والرعاة، إلى الأمور الإدراية.
س: كيف جاءتكم الفكرة وما هي الخطوات التي اتخذتموها لتحويلها من فكرة إلى واقع؟
الفكرة بدأت منذ الدراسة في الجامعة، حيث كان حلمنا دخول مجال ألعاب الكمبيوتر، لأننا وجدنا هذا العالم مليء بالإثارة على المستوى التقني والفني، وبدأنا نقرأ أكثر في مجال الألعاب واكتشفنا أن الأمر بمثابة المحيط العميق، فلكي تصمم لعبة ما فأنت بحاجة لجيوش من التخصصات المختلفة، من مبرمجين إلى مصممين فنيين وخبراء كتابة سيناريو وقصة وملحنين وغيرهم.
لأن الأمر كان أكبر منا، قررنا أن نبدأ بالجزء التقني والذي لنا باع فيه من الخبرة، ومن هنا جاءت فكرة المحرك الفيزيائي Physics Engine وهو ببساطة هو مكون برمجي مسؤول عن حركة الأجسام داخل الألعاب، وبذلك بدأنا نعمل عليه أثناء الدراسة الجامعية. بعد التخرج فكرنا في تأسيس ستوديو تصميم ألعاب، لكننا انخرطنا في وظائف ذات علاقة بالبرمجة، حتى جاءت مسابقة الأعمال والتي تقدمنا لها وفزنا فيها، وبعد هذا الفوز جاء قرار تأسيس شركتنا الخاصة.
س: مشاريع كثيرة في مصر (والعالم العربي) لم ترى النور بسبب انعدام التمويل والمستثمرين، كيف تخطيتم هذه العقبة؟ وما هي نصائحكم لمن يبحث عن تمويل مشروعه الجديد؟
انعدام التمويل و المستثمرين مشكلة حقيقية، في الدول الأخرى، تجد Venture Capital أو رأس المال المخاطر، وهو عبارة عن مستثمر (أو مجموعة منهم) مستعد لتمويل فكرة تجارية جديدة في مقابل نصيب من ملكية الشركة، وفي أغلب الأحيان يكون هدف هذا المستثمر بيع نصيبه هذا بعد فترة تتراوح من 3 – 10 سنوات، حسب نشاط الشركة، بأضعاف ما استثمره في البداية. هذا النوع من المستثمرين نادر جدا في المنطقة العربية، خاصة في ظل انعدام قصص النجاح في مجال الكمبيوتر في الوطن العربي والتي تغري المستثمرين بالمخاطرة في مشاريع مماثلة.
الاستثمار في شركات الكمبيوتر الناشئة فيه مخاطرة أعلي من المجالات الأخرى، لأنك لو اتستثمرت في مصنع مثلا، وخسر المصنع، فلا زال عندك جزء من استثماراتك في صورة ماكينات وأرض ومكاتب الخ.. أما في حالة البرامج والتطبيقات، فلن يتبقي شيء .. علي الناحية الثانية، سيتحقق عائد كبير جدا (أعلي من اغلبية المجالات الأخرى) في حال الشركة نجحت على نطاق كبير، عملا بالقاعدة التي تقول أنه كلما زادت المخاطرة، كلما زادت الأرباح.
في حالتنا، حصلنا على مساعدة من برنامج الحاضنات التكنولوجية التابع لوزارة الاتصالات المصرية، ومن صندوق تنمية التكنولوجية tdfcomp.com
س: في البداية بدأتم بشخصية بوحة، ثم بسبب بعض مشاكل الترخيص تحولتم لشخصية بديلة، ما هي طبيعة هذه المشاكل، وما هو تبريركم لها؟ وهل كان هذا التحول عن شخصية بوحة مفيدا للشركة فيما بعد؟
عندما خطرت لنا فكرة بوحة، ذهبنا للشركة المنتجة للفيلم ( النصر- الماسة – أوسكار) وقابلنا محمد رمزي من طرف الشركة، وعرضنا له الفكرة ونالت إعجابه، واتفقنا شفهيا علي المضي في تصميم اللعبة، وحتى ظهر معنا في برنامج البيت بيتك في التلفزيون المصري، وقال أنه معجب جدا بالفكرة وبالشباب و كلام من هذا القبيل..، المهم بدأنا برمجة اللعبة، وحين قاربنا على الانتهاء، رجعنا إليه فإذا به يقول لنا أن الشخص المسئول عن مثل هذه الأمور هو هشام عبد الخالق صاحب شركة الماسة ( لاحظ أنهم ثلاث شركات متضامنين).
قابلنا الأستاذ هشام، والذي أظهر إعجابه بالفكرة والتنفيذ، وحدث أن اختلفنا علي نسبة الشركة مقابل حقوق التوزيع والملكية الفكرية (رغم أن الشركة لم تمول أو تستثمر أي مليم في اللعبة). اتفقنا في نهاية الأمر علي كل البنود وأساليب التوزيع ونسب تقسيم الأرباح الخ..
ثم قيل لنا أنهم سيراجعون عقد الفيلم لفهم من يملك الحقوق تحديدا، ثم اختفوا لفترة طويلة وحين تمكنا من الاتصال بهم قالوا لنا إن الشركاء اجتمعوا وقرروا أنهم لن يدخلوا مجال ألعاب الكمبيوتر! لماذا؟ لم يخبرونا السبب! لماذا لم يقولوا هذا من البداية ؟؟ قبل أن يضيع عامان من البرمجة والتصميم والجهد؟؟
رأى البعض أن السبب هو أن هذا الأمر جديد تماما على الجميع، ولم يعرف أحد هل حقوق شخصية بطل الفيلم مع كاتب السيناريو أم مع الممثل أم شركة الإنتاج، لكننا لم نعرف على وجه الدقة. من فضل الله أن سيناريو اللعبة لا علاقة له بالفيلم، فقررنا أن نغير اسم اللعبة من بوحة إلى أبو حديد، ونطرح اللعبة لكي نعرف هل سنكمل المسيرة ونطرح ألعاب كمبيوتر تالية، أم ما حدث لنا يكفي وأن علينا التحول إلى أفكار أخرى. على العموم كنا متوقعين حدوث مشاكل لنا، وهذه ضريبة يدفعها من يحاول عمل شيء جديد في بلادنا..
س: أنتم بدأتم بالبرمجة من أجل أجهزة الكمبيوتر، فماذا عن ألعاب جافا لأجهزة الموبايل وماذا عن ألعاب فلاش التي تعمل داخل متصفح انترنت؟
أثناء عملنا، اتصل بنا العديد من الأطراف، ناقشت معنا تصميم لعبة موبايل مصرية أو عربية، وناقشوا تحويل أبو حديد للعبة موبايل من ضمنهم شركات كبيرة مثل فودافون و ART و أوراسكوم. المشكلة أن كل هذه الأطراف لم تكن مستعدة للمساهمة في تكاليف اللعبة، وكانوا يريدون فقط المشاركة في الأرباح، أي أننا ننتج اللعبة على حسابنا، وهم يوفرونها للتنزيل من خوادمهم، ثم نقتسم الأرباح، و يكونوا هم أصحاب النسبة الأكبر من العوائد!!
لكن الأنكى أنك عندما تسأل هذه الشركات عن متوسط توزيع ألعاب الموبايل عندهم، لا يعطيك أحد أي إحصائيات أو أرقام، وبعد البحث اكتشفنا أن ألعاب الموبايل لا تدر العائد المرجو على الاستثمار في مصر والعالم العربي.
س: ما هي الخطوات التي اتخذتموها للتسويق والترويج لمنتجاتكم؟ (اللعبة + المحرك الفيزيائي)
بالنسبة إلى المحرك الفيزيائي عقدنا إتفاقيات مع شركات تطوير ألعاب عديدة، وسافرنا إلى معارض مطوري الألعاب في أمريكا، وأما اللعبة فتوصلنا إلى اتفاقيات رعاية مع شركة Intel وشركة TE Data مقابل وضع دعايات لهم داخل عالم اللعبة، ومقابل دعايات مشتركة، كما تحدث عنا عدد من وسائل الإعلام المصرية من مجلات وتليفزيونات، واعتمدنا على التسويق عبر كلمات المديح في المنتديات، واشترينا دعايات في موقع فيس بوك وفي الجول وجوجل وياهو.
س: هل السوق العربي مستعد حاليا لقبول لعبة عربية الفكرة والتصميم؟ وهل الشباب العربي مستعد لدفع مقابل مالي في لعبة ما، في حين يغرق في القرصنة والبرمجيات التي لا يدفع لها مقابل؟
حاولنا تفادي القرصنة عبر خطوتين، استعمال تقنية حماية قرص اللعبة ضد النسخ، وعبر وضع الدعايات والإعلانات في اللعبة، حتى يكون لدينا أكثر من مصدر للدخل والربح، وفعلا دخلت معنا كما ذكرنا من قبل شركة انتل وتي إي داتا، لكن المشكلة في السوق العربي هو غياب الناشر، حيث في العادة يتكفل ستوديو التصميم بالإنتاج، في حين يتكفل الناشر بالدعاية والتمويل والتوزيع وكل الجوانب التجارية. نحن أن يكون ناشرنا هو شركة الإنتاج السينمائي، لكن فشلنا لظروف خارجه عن إرادتنا، وبالتالي أحد مشاكلنا الكبرى هي عدم القدرة علي توزيع اللعبة علي أكبر عدد ممكن من المنافذ.
س: موقع الشركة اكتفى باللغة الانجليزية، فماذا عن العربية؟
موقع اللعبة باللغه العربية و الانجليزية اما موقع الشركة و ال Physics Engine فالهدف منه هو وضعنا علي خريطة مصنعي الألعاب في العالم و بالتالي فاللغة الانجليزية هي الاتجاه المنطقي.
وهنا حيث سكت الكلام، وللأسف فلن تجد نهاية تجارية سعيدة، فرغم تحقيق الثلاثي لأرباح لا بأس بها وتنزيل ديمو اللعبة أكثر من 120 ألف مرة، لكنهم شديدو التردد حاليا في مجال تكرار المحاولة مع لعبة تالية، ويفكرون جديا في قبول عرض بالعمل لدى شركة أخرى وتجميد خططهم وأعمالهم.