بتـــــاريخ : 12/31/2010 6:56:57 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 670 0


    قبل أن تطلب مني المشورة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :


    كنت أتمنى ألا أكتب يوما تدوينة مثل هذه، لكن الأمر زاد عن حده ولم أعد قادرا على الاستمرار في موازنة الأمور، ولعلك لاحظت تأخري مؤخرا في الكتابة وعدم انتظامي فيها، سبب ذلك أني بدأت أتلقى يوميا ما يزيد عن 25 رسالة بريدية، وضعفها في السخاميات، ولعل هذه ضريبة يدفعها من يوفر عنوانه البريدي على المشاع. ما حدث هو أنه في الآونة الأخيرة بدأ فريق من زوار المدونة يستشيروني في التسويق لمشاريعهم: سواء الفعلية أو المستقبلية، سواء التي ينون فعلا إطلاقها، أم لا زالوا في ريبهم يترددون.
    شيئا فشيئا بدأ الأمر يخرج عن سيطرتي، إذ وجدت بعضا ممن يرسل يطلب الرأي، يقسو علي في الطلب ويريد ردا فوريا، وإن تأخرت فأنا صاحب سيء الصفات، وأما البعض ممن صدقتهم الرأي فلقد وجدت منهم العناد الذي يهدف لشيء واحد: إثبات أن رأيه هو أفضل من رأيي، ولا مانع من إثبات أني أنا الجاهل غير المدرك لما يقول. البعض الآخر وجدته يطلب مني خطة عمل، ولما وفرتها له، وجدته يتعلل كما الأطفال، فهذا موظف لا يملك مالا يسجل به نطاقا / دومين لشركته، وهذا تعرض لحادث أليم فانكسرت يده أو رجله أو مات عزيز له، ولأن المصاب جلل، فلا وقت سوى للحزن والأسى ونسيان مثل هذه الاستشارة التي تعب صاحبها في التفكير فيها.

    موقف آخر آلمني، إذ طلب أحدهم مني الرأي في موقعه، فقلت له لقد فهمت الغرض من موقعك كذا، في حين أنه كذا كما فهمت منك عبر رسالتك، وهذا خطأ تسويقي اسمه عدم وضوح الهدف من الموقع، فماذا كان جزائي؟ أذكر الكلمات جيدا: ماذا أفعل لك إذا كان هدف الموقع ظاهرا وأنت لا تراه. فجأة وأنا صاحب الرأي الصريح غير المداهن أجد نفسي أدافع بأني لست بالأعمى. أزيدك من الألم آهات، في النسخة الحديثة من الموقع، أضاف صاحبنا خانتين توضحان هدف الموقع، وصحح غموض الهدف التسويقي لموقعه، ولم يهتم حتى برسالة يشكرني فيها، فلعله هو قلعة العلم ومنجمه، وأنا من خانته عيناه فلم يرى ذلك.
    مشورة أخرى قلت فيها أن طريقة تصميم موقع الشركة يعود خمس سنوات للوراء بسبب أسلوبه الفني البدائي، وأن الوقت الآن وقت مواقع ويب 2.0، فوجدت قذائف هاون ونابلم تتساقط على بريدي، في صورة تساؤلات ومن قال أننا متأخرين أو أننا لسنا ضمن ويب 2.0 فنحن نستعمل تقنية كذا ولعلك لم تلاحظ استعمالنا لكذا وكذا، ويبدو أن العيب من متصفحك إذ قد يكون قديما، أو أن حاسوبك خربا فدعني أساعدك على إصلاحه. وسبحان من يغير ولا يتغير، فجأة من شخص يُطلب منه الرأي، إلى شخص عليه أن يدافع عن نفسه وعن وجهة نظره.
    موقف آخر وجدت نفسي فيه متفاعلا مع صاحب الاستشارة، ومكثت أفكر وأتدبر وأقلب في كتب التسويق بحثا عن فكرة تنفعه، وبعدما قضيت ساعتين أو يزيد من الليل على لوحة المفاتيح وبين صفحات الكتب وانترنت، وأنتهيت من خطة العمل، وإذا بصاحبنا يختفي في ظروف ليتها كانت غامضة، ولا يتكلف عناء الهجوم علي ولن أقول الشكر أو حتى إشعاري بقراءته لما كتبته.
    موقف آخر مماثل، وبعدما انتهيت من كتابة خطة تسويقية أخذت مني قسطا طويلا من الوقت، وإذا بي أفاجئ أن طالب الاستشارة ليس بيده الأمر، وأنه حين عرض خطتي على والده أو مديره، رفضها هذا الأخير شر الرفض، وبالطبع، لابد من عبارات لطيفة لتكميم أفواه الشكوى، مثل جزاك الله كل الخير، وإني أحبك في الله، ومع احترامي لكل هذه الكلمات، لكني لا أحترم نوايا القلوب التي قالتها، فهي لم تقلها لوجه الله، بل لإسكات الأفواه، والله العالم بالنوايا، لكن الأفعال خير دليل على النوايا.
    أما أطرف موقف جعلني أشعر بأني ضحية احتيال، هو رسالة من طالب / طالبة جامعية عربية، أرسلت لي سؤالا في مادة التسويق، وكان المطلوب وضع خطوط عامة لخطة تسويقية تشتمل على مسح السوق وتقصي آراء بعض العينات من المستهلكين ومن ثم تحديد أوجه المنافسة وغير ذلك، وبعدما أجبت على كل الجوانب واجتهدت، وبعدما كنت أتلقى من صاحب / صاحبة الرسالة أربع وخمس رسائل في اليوم الواحد، فجأة انقطع الإرسال تماما، وكانت الخاتمة حين أرسلت رسالة بعدها بفترة أسأل عن نتيجة إجاباتي على سؤال الجامعة، فوصلتني رسالة غاضبة فحواها أنه لا يجب على شاب مطاردة فتاة بهذه الطريقة. نعم، لا تكف الحياة عن مفاجأتنا كل يوم!
    بعد قرابة سنتين أو يزيد من الرد على رسائل طلب النصيحة، وجدت أن غالبية الرسائل التي ناصبني فيها أصحابها العداء أو العناد، هي من بلدي مصر، ولا أبتعد عن الحقيقة كثيرا حين أقول أن طالب الاستشارة المصري يريد في الأغلب سماع مقولة أن ما يفعله هو عين الصواب وقلبه وعقله وذروة سنامه، وأنه هو عبقري العباقرة ونابغة النوابغ، أو تارة أجده مغلوبا على أمره، يتلقى مني الرد والنصيحة ويمصص شفتيه ويقول أنه لا يستطيع تنفيذ ما فيها، أو أنها غير قابلة للتنفيذ في واقعه الشخصي أو المصري.
    نعم، هناك فئة قليلة من طالبي النصيحة استمتعت بالعمل معها ووجدتها تنفذ ما أقوله لها، لكن المشكلة أن هذه الفئة تنشغل عني بعد فترة من الزمن، ولا تخبرني بما حدث معها ولا كيف صارت الأمور، وهذا يجعلني أتوقف لأفكر: ماذا استفدت أنا في نهاية المطاف؟
    لعل الحكمة تقتضي أن أفكر بداية فيما خسرته... فعلى عكس ما يظن البعض، أتعامل مع هذه الرسائل بخوف شديد، لعلمي أن صاحبها يستأمنني على مستقبله، ولذا تجدني أنقطع في تفكير طويل، وأتخيل وأتفكر وأتدبر، حتى أجلس لأكتب ما أراه الصواب، وكم من ليال سهرتها ولم أكتب مقالتي المعتادة لنشرها في المدونة من أجل مثل هذه الرسائل، والنتيجة هي التجاهل بعد فترة، والتأخر في التدوين وتأليف الكتب.
    على الجانب الآخر، ما كسبته هو معرفة تفاصيل حادث أليم وقع لهذا أو ذاك، ومعرفة صلة القرابة بين الميت أو المريض وبين طالب الاستشارة، وقراءة كيف أن الدنيا اجتمعت على طالب المشورة فجعلته مغلوبا على أمره لا يمكنه فعل أي شيء لإصلاح شأنه، وغيرها الكثير من وسائل وأسباب الاعتذار… أو ما أريد قوله أني لم أستفد شيئا فعليا، فحتى من استفاد من مشورتي انشغل عني ولم يبقني على إطلاع، وتركني في الظلام الدامس، لا أعرف هل أوردته موارد الهلاك، أو أبلغته قمة جبل النجاح.
    وعليه، ومع زيادة المبررات والاعتذارات مؤخرا، وجدت نفسي بحاجة لاتخاذ قرار قاطع مؤلم، فلا فائدة من هذه الاستشارات، فلا أصحابها ينفذون ما فيها، ولا أنا استفدت منها، بل خسرت زواري وقرائي لتأخري في الكتابة لهم – قرائي الذين كنت أستطيع تقديم مادة علمية مفيدة لهم لو استغليت هذا الوقت في الكتابة والقراءة، وإذا كانت فئة عريضة ممن سبق لهم الحصول على مشورتي تراني أنا الجاهل الأعمى، فلا حرج علي بعدها إن أنا قررت وقف هذه الاستشارات.
    وعليه فلقد قررت: إذا كنت تريد مشورتي ورأيي، فعليك أن تدفع لي مبلغ 250 دولار أمريكي لا ترد، ترسلها لي عبر حوالة على ويسترن يونيون، بعدها أسمع لك وأفكر وأشير عليك، وما ستحصل عليه هو رسالة بريدية متوسطة الطول، لا تنسيق فيها ولا تجميل، أوضح لك بعض النقاط التي ربما أثارت حنقك علي، وأحب هنا أن أذكر أن آخر طالب مشورة نصحته بأن يخرج من المجال الذي يعمل فيه، إلى مجال تجاري آخر المنافسة فيه أقل، ما يعني أن طالب النصيحة مقابل المال ربما حصل مني على رد لا يتوقعه!
    هل هو الغرور؟
    أعلم أني لن أسلم على أي وجه، سواء أعطيت رأيا أم حبسته، سواء قمت بالتوقف عن كل ما أفعله في حياتي وركزت فقط في حل مشاكل طالب الاستشارة أم لم أفعل، سواء قدمت الاستشارة بالمجان أم بالمقابل، فما تعلمته مما سبق أنك حين تقدم شيئا بدون مقابل، فأنت تجعل نفسك رخيصا مثل ما تقدمه، وتعطي الفرصة لطالب هذا الشيء المجاني للهجوم عليك ونعتك بما تكره.
    هذا، ولدي في بريدي الآن قرابة 50 رسالة غير مقروءة، منها خمسة طلبات استشارة – تزيد أو تقل، أعتذر أني لن أرد على أصحابها، ومن يُـرِد أن يلومني فليفعل، ومن يُـرِد أن يهددني أنه لن يعود لقراءة مدونتي وكتبي فليفعل، ومن يُـرِد الهجوم علي فليفعل، وأما أنا فلقد سئمت قراءة عبارات الاعتذار والأسى على النفس، وأريد أن أتعامل مع الإيجابيين الشجعان، الذي يملكون الشجاعة للتغيير، تغيير النفس قبل الغير وقبل تغيير المجتمع المحيط، الشجعان الذين يعرفون أن فيهم صفات يجب أن تتغير، وأن من يصدقهم الرأي لا يخرج أمراضه النفسية، بل هو الرأي الصادق الصريح، فكلمة صديق مشتقة من الصدق، لا المداهنة واللف والدوران والدهاء والحيلة والكذب.
    نعم، أدرك أن هذه المقالة ستقع كالصدمة على البعض، وأن منهم من سينقطع عن القراءة لي بعدها، ولا بأس في ذلك، فمحاولة إرضاء كل الناس غاية لا سبيل لتحقيقها في هذه الدنيا، وإذا كان خالق السماوات والأرض لم يحصل على نسبة الأغلبية من المؤمنين به من عباده من البشر، وهو الأحق بها عز وجل وأهلها، فهذه الحقيقة تجعلني أدرك أن جمهوري قليل، من النخبة، وأن بضاعتي لا تناسب كل البشر، وأن العبرة ليست بعدد القراءات، بل بتأثير هذه القراءة على أصحابها، وأنني إذا تركت أثرا إيجابيا على عشرة من القراء في كل مقالة، فيجب أن أكون أسعد الناس.
    أخيرا، أحب أن أنوه أني تقريبا انتهيت من ضم 6 قصص نجاح إلى مسودة كتابي السادس – الباقة الثانية من 25 قصة نجاح، وعليه فسأترك مقالات التسويق جانبا في الوقت الحالي، بسبب زيادة عدد قراء مقالات النجاح وقصص الناجحين في المدونة، وسأركز في مقالاتي المستقبلية على النجاح والناجحين… وأعتذر إن كانت مقالتي هذه قد تركت فيك أي أثر سلبي، فرغم تقدم الطب الحديث، في بعض الأحيان يكون البتر هو الحل الوحيد لإنقاذ بقية الجسد!

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()