لعله جديرا بالذكر أنه أثناء زيارتي للعاصمة موسكو كانت الشمس تشرق عند 7:45 صباحا، وتغرب عند 4:40 مساء، ولأن توقيت الإمارات يسبق موسكو بساعة، لذا تمكنت من الاستيقاظ مبكرا والتمتع بإفطار شهي، ثم نزلت إلى بهو الفندق لانتظار تجمع الزملاء من الصحفيين القادمين لحضور المؤتمر الصحفي ذاته. حسنا، لعلها البرودة الشديدة، لكن الالتزام الدقيق بالمواعيد شيء لم أجده خلال زيارتي القصيرة، فالحافلة تأخرت في الوصول، وتأخر كذلك بعض الصحفيين في النزول، والذين وصلوا في ساعة متقدمة من الفجر.
خلال الساعة التي قضيتها في انتظار الانطلاق، لم أملك سوى ملاحظة بعض الأشياء، مثل أن غالبية الشباب الأوروبي باتوا يدخنون بشراهة، ولا يخالفهم في ذلك شباب موسكو، ولعل ذلك مرده برودة الجو، التي تجعل هؤلاء الشباب يطيلون شعورهم، حتى تدخل الدفء إلى رؤوسهم. كانت درجة الحرارة 1 تحت الصفر، وكانت قطرات الماء تهبط متجمدة، في شكل خماسي بديع، وما أن تلمس بذرة الثلج هذه يدي، حتى تبدأ تذوب، وتتحول من شكل صلب إلى سائل، فتبارك الله أحسن الخالقين!
مدخل قسم السياح من الكرملين
كان البرنامج يقضي بأن نذهب في جولة سياحية للتعرف على جنبات موسكو، وحتما كان الميدان الأحمر أول شيء نبدأ به، ثم تل الكرملين، ثم كنائس موسكو وأهم مبانيها، من القديم للجديد، وللأسف لم أتمكن من زيارة محطات مترو الأنفاق والتي تشتهر بها موسكو لأنها تحفة معمارية فنية تخلب الألباب، لكن هذه لا يمكن زيارتها بدون دليل، كذلك وجدت قبل سفري تعليقات العديد من المسافرين على مواقع انترنت، تجزم أن من الأفضل تجنب التجول في شوارع موسكو بدون خريطة واضحة دقيقة وحديثة، وكذلك تجنب ضباط الشرطة والعسكر الروس، لأنهم يتصيدون السياح – ربما طمعا في بعض الرشى، لكني لم أمر بتجربة مماثلة، إذ أني أسقطت فكرة التجول الحر في شوارع موسكو بسبب هذه القصص.
قباب ذهبية!
إذا كانت القاهرة مدينة الألف مئذنة قديما، فحتما موسكو مدينة الألف كنيسة حاليا، ورغم الحرب الشعواء التي شنها الحكام الشيوعيون على كل أشكال الدين والتدين، لكن أهل موسكو بقوا متمسكين بدور الكنيسة المهم في حياتهم، ولهذا تجد قباب الكنائس تلمع باللون الأصفر، لون الذهب، والذي يتبرع به عادة زوار الكنائس الروسية. رغم أن بقائي في موسكو امتد يوما واحدا، لكني خلال جولاتي كلها لم أجد سوى امرأتين ترتديان الحجاب، في المطار، ولم أجد أي مئذنة أو مسجد، لكن لعلي لم أتجول في ربوع موسكو بما يكفي.
مدخل المخبأ
ثم جاء وقت الذهاب إلى مكان عقد المؤتمر الصحفي، وهو ما أردت مشاركتهم إياه، مخبأ حربي روسي يقع على عمق 65 متر تحت الأرض، تحول الآن إلى متحف لأساليب الحرب الباردة، وأخبرنا منظمو المؤتمر أن هذا المخبأ يحمل اسما معناه شيء أرضي رقم نيف وخمسين، وأن إجمالي هذه الأشياء الأرضية يفوق المائتين، ولعلمي بتغلغل العقيدة الروسية الحربية في العديد من الدول العربية، فلا شك عندي من تواجد مخابئ مماثلة في بلادنا العربية، الأمر الذي يعيد إلى ذاكرتي الشائعات الكثيرة التي كانت تنتشر وقت حفر مترو الأنفاق في القاهرة على سبيل المثال، ومن يدري، ربما عاش البعض منا حتى يوم نكتشف فيه تواجد مثل هذه المخابئ في بلادنا العربية بعد تحولها إلى متاحف مماثلة!
مجسم لتوزيع المخبأ
تدخل إلى بوابة المخبأ فتجدها عادية، تعتمد على أبواب خشبية لا تختلف عن باب أي منزل تقليدي، ولديك خياران، إما السلم تهبط عبره حتى 18 طابقا تحت الأرض، أو تنتظر مصعدا بطيئا صغيرا بعض الشيء تهبط فيه. لمزيد من الحبكة الدرامية، ولإشباع فضول الزوار، ما أن تصل لأعمق مستوى، حتى تجد الأضواء معتمة، وتلاحظ ضوضاء مترو أنفاق موسكو تتردد بين جنبات الأنبوب المعدني العملاق الذي يفصل بينك وبين قوة ضغط هائلة بسبب ثقل التربة عند هذا العمق، وكان من الطريف أن يبدأ معلق الحفل المؤتمر بالقول: لو اندلعت حربا نووية في الأعلى، فأنتم في أكثر مكان آمن على الأرض، وأما إذا حدث أي انفجار هنا، فأنتم هالكون لا محالة!
ممر داخلي صغير
رغم أن حفر أنفاق مترو موسكو بدأ في حقبة الثلاثينات، لكنهم اضطروا للهبوط تحت طبقات الطين والماء الجوفي، ثم تمادوا في الهبوط بسبب الحرب العالمية الثانية، والتي جعلت أهل موسكو يحتمون بمحطات مترو الأنفاق والتي عملت بمثابة الملاذ الآمن لهم، ثم جاءت فترة الحرب الباردة والسباق النووي، فأصبح الهبوط أكثر و أكثر من الأساسيات، ولهذا لا عجب أن تجد ضوضاء مترو الأنفاق عند مستوى 65 متر تحت الأرض.
صراحة، هذا المخبأ جعلني أفكر، لو حدث فعلا وانفجرت قنبلة نووية (أقوى بمئات المرات من هيروشيما) وقضت على الأخضر واليابس، فهل أريد فعلا أن أعيش ما تبقى لي من عمر في أنفاق مظلمة كئيبة، تكفي مئونتها للعيش حتى أشهر ثلاث، يجب بعدها الصعود بحثا عن الطعام والشراب وربما الهواء؟
وأما لماذا كان اختيار هذا المكان، وماذا كان المنتج قيد الإعلان، فكل هذا ليس وقته الآن!
على صعيد آخر، لمست مؤخرا إتجاها متزايدا في التعليقات، إذ يصر البعض على ذكر أسماء مدوناتهم، الأمر الذي دفع غيرهم لتقليدهم، فظهرت أعراض وباء المنتديات، مثل مشكوور ويسلموا، ولذا أدعو كل معلق لوضع اسمه فقط، وسأحذف ما زاد عن ذلك، حتى لا يفلت زمام الأمور!