بتـــــاريخ : 12/28/2010 1:06:11 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1102 0


    وردة الصحراء الجميلة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :

    ترك لي معلق من سوريا تعليقا لطيفا على مقالتي قبل الماضية، مفاده أن المقالة فاشلة، وأن المدونة فاشلة، وصاحبها فاشل، وجميع المقالات التي فيها فاشلة، وكذلك جميع المعلقين، وختم المعلق تعليقه بأن حكم على نفسه بالفشل لأنه ترك تعليقا على هذا المستنقع من الفشل. بالطبع، بعد سنوات من التدوين، تلقيت فيها العديد من هذه التعليقات، حتى أصبحت محصنا ضدها، لي من المناعة ما يجعلني أتوقف أمام هذا التعليق تحديدا بالتفكير. (حتى لا ندخل في معارك جانبية، ولنركز على هدفنا الأكبر، أحذف دائما مثل هذه التعليقات الكوميدية).
    بداية، هذا التعليق يحير العقل، فلو حكمنا بصحة هذا الحكم، فلماذا ترك هذا الشاب كل هذه الجمل الطويلة؟ بمعنى، الإنسان الطبيعي العاقل، إذا وجد شيئا لا يريحه، تركه وانصرف. كذلك، من لديه عقل متبحر في أسرار الكون وأحوال الخلق، سيجد استحالة أن يتم أي شيء أو يكتمل في هذا الكون. لا وجود لحالة اكتمال مائة في المائة. لا وجود لرجل صالح تماما، ولا وجود لشرير تام، والأمر صراع بين الخير والشر، التمام والنقصان. أي أننا إذا حكمنا بأن محدثكم فاشل، فحتما وأنه قال شيئا ذا فائدة على مر هذه السنوات الطوال، من هذا الباب، وتحت مظلة نظرية الاحتمالات، أي أن هذا الحكم الذي أطلقه صاحبنا فاسد، وفساده من حيث أصل التفكير، ومن حيث غياب ما يؤكده من شواهد من الحياة.
    لكني لم أكتب هذه المقالة من أجل ما سبق. هذه النظرة السوداوية، التي ترى الكون باللون الأسود – والأسود فقط، ليست بحالة فردية، وليست بالتي تسكن عقول الآحاد أو العشرات أو المئات، بل الملايين. حين كنت طالبا في المدرسة الثانوية، كنت أسير لفترة قبل أن أبلغ مدرستي، وكنت ورفاقي ننظر بعين الغل إلى كل راكب سيارة، وأما هذا الذي كان يقود الفاخرة الغالية، فهو اللص الذي اشتراها من المال الحرام. هذه النظرة كنت نظرة المجتمع الذي نشأت فيه، ولو قاومتها لنبذني هذا المجتمع، وهو ما لا يقدر عليه يافع صغير.
    ثم جاء يوم استمعت فيه إلى محاضرة صوتية للشهير هارف إيكر، تعرض فيها للنقطة ذاتها، والتي يبدو أن الشعب الأمريكي يشاركني فيها (وأقصد بها الحكم على كل غني بأنه لص)، ثم طلب هارف من المستمعين أنهم إذا كانوا يريدون أن يصبحوا يوما من الأغنياء، فعليهم أن يحبوا الأغنياء، وأن يحبوا لُعب الأغنياء كذلك (كناية عن السيارات الفارهة في هذا المثال) وأن يتقبلوا إمكانية كونهم أغنياء يوما ما، لأنه إذا كانت تلك نظرتهم الحالية إلى الأغنياء، فإن عقلهم لن يساعدهم لكي يصبحوا من هؤلاء يوما. طلب هارف من المستمعين في المرة التالية التي يروا فيها سيارة فارهة أن يبتهجوا، ويستحضروا المشاعر الإيجابية، وأن يشيروا لقائد السيارة بأنهم أصدقاء له، ينتمون إلى الطبقة ذاتها. لقد كانت محاضرة جميلة لا تريدها أن تنتهي!
    عودة إلى أمر صاحبنا، والذي حيرني فيه هو حرصه على متابعة مدونتي، فليس هذا تعليقه الأول، وليس هو الأول الذي يحرص على متابعتي وترك تعليقاته السلبية هذه، حتى بدأت إذا وجدت تعليقات سلبية كهذه تأكدت من أن المقالة ناجحة وأنها تحرك مياها راكدة آسنة. فكرت طولا وعرضا، ولم أجد ما يبرر هذه المتابعة ممن حكم علي بالفشل، وهذا الحرص على ترك تعليقات يمكن بسهولة لبرمجيات تحسس السخام اصطيادها وحجبها، ما يعني أن الهدف ليس تلويث أو تشويه المدونة.
    ما الغرض إذا؟ يغلب على ظني أن أصحاب هذه التعليقات إنما يحاولون طلب الاستغاثة لكن بشكل غير مباشر. وعليه، ولأن هذه الرسائل تعبر عن حال الملايين منا، دعوني أجتهد لأن أرد عليها، لكن بشكل عقلاني أرجو أن يعطي مردودا إيجابيا. ردي على كل هؤلاء ببساطة هو: وردة الصحراء.
    اتفقنا من قبل على أن الله عز وجل لم يخلق أي شيء في هذا الكون عبثا أو لهوا، وإنما كل شيء له سبب وله غاية وهدف، وإنما عجزنا عن فهم هذه الغاية سببه قلة حيلة عقولنا، وليس انعدام هذه الغاية والعلة. الآن وكما ترى في الصورة المرافقة لسطور هذه المقالة، ستجد وردة جميلة، في صحراء قاحلة جرداء. لن نسأل عن الكيفية، فالله أكبر من أن يحتاج لسبب، لكن سؤالي هو لماذا؟ لماذا خرجت هذه الوردة الوحيدة في هذه الصحراء؟
    cracked earth and daisy photo
    هل لبث الأمل في نفوس البشر؟
    هل للتأكيد على ألا نفقد الرجاء في رحمة الله؟
    هل لتوضيح أن حتى الصحراء يمكن للورد الجميل أن ينبت فيها، فلا نيأس من ري الصحراء؟
    هذا ما وجدته وقد أكون مصيبا هذه المرة!
    وحتى اختصر المسافة على صاحب هذا التعليق وصاحب مثل هذه النظرة السوداء. لنفترض أني فاشل، وأن المدونة فاشلة، أليس من جعل هذه الوردة تخرج في قلب الصحراء، متحدية كل أسباب الموت، قادر على أن يجعل في صحراء مدونتي مثل هذه الورود؟ هل بحثت عنها، أم أن هذا الحكم العام سهل ومريح ومن ثم فإن الأمر أصله الكسل ليس إلا.
    حين تبحث في معنى كلمة الفشل في اللغة العربية، ستجده من ضمن معاني الخوف والجبن، ولا أظن من يضع مقالة مثل هذه يتحدث فيها باستطراد عن تعليق مثل هذا يمكن أن تصفه بالجبن والفشل. أعرف أني أثير مخاوف الكثيرين حين أخبرهم بأن النجاح ممكن، وأن الفشل يمكن علاجه والتخلص منه، أعرف أن تحول فاشل إلى ناجح شيء مخيف ومربك ومرعب، تماما مثلما هجم السجين على السجان يريد قتله حين أراد طرده خارج السجن لانتهاء مدة حبسه. لقد برمج السجين عقله على قبول السجن والسجان، ومن يغير له هذه البرمجة سيجد منه المقاومة الشديدة، والاتهامات بالفشل والكفر والقدح والذم.
    • حين تضيق بك السبل، وتظن أنك فاشل، تذكر الوردة الوحيدة التي تقف في قلب الصحراء، لا تخذلها، لا تجعلها تخرج لهذه الدنيا بدون فائدة ملموسة، كن مثل هذه الوردة الشجاعة التي وقفت صامدة في قفر الصحراء. حتى لو كنت تعيش في صحراء الفشل، هناك وردة جميلة تقف في انتظارك، ابحث عنها، ولا تيأس من العثور عليها!
    •  
    • حين ذكرت أن المعلق جاء من سوريا فجل غرضي هو أن أعرفه بنفسه، لكنه ليس سوريًا، بل وافدا يعيش على أرضها، فضحه لكنته الواضحة في كتابته، ولمحبي الفتنة، أؤكد على إحترامي لكل أهل سوريا، فلي منهم الصديق والأخ، ولم أرى منهم سوى كل خير، ولله الحمد. كذلك، كنت أود أن أنشر اليوم الثالث من التحدي، لكني لاحظت أن البعض جاء متأخرا فلم يدرك المقالة الأولى، وعليه وجب التمهل ليلحق أكبر عدد ممكن بالركب، ولا عجب من هذا التأخر من مدون فاشل يكتب في مدونة فاشلة ويقرأ له بانتظام … الباحثون عن الورود… طابت ليلتكم يا شباب!

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()