بتـــــاريخ : 12/28/2010 12:20:27 AM
الفــــــــئة
  • التقـنيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1518 0


    درس في التسعير من متجر ابل

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :

    وأما تدوينتي اليوم، فتحتاج منك إلى عقل متفتح وذهن يقبل التمرد على الأمر الواقع، وتقول القصة التي طيرتها أخبار أمس وأول أمس أن مبرمج الألعاب تومي ريفنز قرر خوض تجربة على متجر ابل لبيع تطبيقات وبرامج هاتف آيفون، التجربة خلاصتها أنه كلما باع تومي نسخة من لعبته، رفع سعرها، وكانت البداية من سعر 99 سنت، فماذا حدث معه؟
    بداية دعوني أوضح أن متجر ابل هو مجرد موقع على انترنت يبيع ألعاب وتطبيقات تعمل فقط على هاتف ابل الجديد ايفون، ورديفه مشغل الموسيقى ايبود. رغم أن شركة نوكيا سخرت من ابل وهاتفها ايفون حين أعلنت عنه ابل لأول مرة وقللت من شأنه، لكن نجاحه المدوي غـّير قواعد اللعبة تماما، إذ بدا واضحا من البداية أن عملاء هاتف ايفون من النوع الذي يشتري وينفق ماله عبر انترنت، ولذا حققت أوائل التطبيقات المباعة عبر متجر ابل مبيعات كاسحة، حولت بعض المبرمجين إلى أصحاب ملايين خلال أسابيع. هذه الأرباح الضخمة جعلت الآلاف يبرمجون المزيد والمزيد من التطبيقات لعائلة ايفون.
    قواعد اقتسام الكعكة بسيطة، تحصل شركة ابل على 30% من سعر بيع أي تطبيق عبر متجرها، مقابل توليها استضافة التطبيق والتحصيل والخصم، وتدفع للمبرمجين والمطورين بعد فترة زمنية قدرها 45 يوما، لكن شركة ابل توفر إمكانية استرجاع ثمن أي لعبة خلال 90 يوما من الشراء لكل مشتري عبر متجرها. بنهاية شهر مارس من عام 2009، كان هناك أكثر من 30 مليون هاتف ايفون مباعا حول العالم!
    نعود إلى تومي، الذي صمم لعبة بسيطة (لكن مقززة) تدور حول بعض الدمامل والقروح، سماها Zits & Giggles. لم يكن هدف تومي من هذه اللعبة سوى القيام بتجربة عملية، والتي استمرت على مر عام بأكمله، منذ شهر مارس 2009. في البداية، لم تبع اللعبة عند مستوى سعر 99 سنت، حتى مر قرابة 7 شهور، حينها قرر تومي رفع سعر البيع إلى 15 دولار، فماذا حدث؟ في اليوم ذاته، باعت لعبته ثلاث نسخ. بعدها رفع تومي السعر إلى 50 دولار، باعت لعبته 4 نسخ! حين بلغ سعر لعبته 299 دولار، باع منها 14 نسخة، وحين شارك تومي العالم بأخبار تجربته هذه، كان آخر سعر بيع وصل له 400 دولار واشتراها أحدهم!
    حتى نقضي على الفضول الذي سيتملك قارئ القصة، حين علمت ابل بخطبة تومي العصماء التي هاجم فيها سلوك المشترين في متجر ابل، حذفت على الفور لعبته من قائمة متجرها، بدون إبداء الأسباب (وهي صفة بغيضة تتمتع بها شركة ابل، إذ أنها خلال محافظتها على حقوق مستخدمي منتجاتها وخدماتها، تلجأ لقرارات عنيفة ولا تبالي). ثانيا، حتما ستسأل: ماذا كان غرض تومي من هذه التجربة؟ إثبات أن المشترين في متجر ابل لا يبالون بجودة ما يشترونه، بل يحكمون بناء على شهرة اسم التطبيق / اللعبة قيد الشراء، فإذا فشل هذا، لجأوا إلى شراء الغالي والنفيس.
    والآن حيث يأتي وقت الخروج بالعبر. كنت فيما مضى وضعت تدوينة سميتها لا تبع رخيصا، ورغم الثقة التي يوليها لي قراء مدونتي، لكنهم عادة يخالفونني في هذه الجزئية. حسنا، لنكن صرحاء، نحن في بيئتنا العربية، تعودنا على الرضا بالقليل، نتيجة برمجة نفسية من كل المحيطين بنا، وعندنا في مصر نكتة طريفة لكن محزنة مبكية، إذ تبدو في ظاهرة دعابة، لكنها حقيقة. تقول الدعابة أن مليون مصري يسيرون في خط واحد، تعثروا كلهم في الحفرة ذاتها.
    ليس غرض هذه الدعابة الإهانة، لكن الباحثون عن الحكمة سينظرون من منظور آخر: ما غرض هذه الدعابة؟ منذ تخرج أي شاب مصري من الجامعة، فهو مبرمج على البحث عن أي وظيفة، والرضا بما سيجد، ولو كان من المحظوظين، فلربما وقع على وظيفة حكومية، تضمن له عدم صرفه من وظيفته، وتضمن له معاشا منتظما بعد بلوغه سن التقاعد. هذا النهج يسير عليه عدد كبير من الأحفاد والآباء والأجداد، بدون أن يقف أحدهم ليسأل: لماذا أقلد من جاء قبلي، لماذا لا أفكر في أمر جديد؟ هذا الأمر يتكرر في بقية البلاد العربية، بشكل مختلف في ظاهره لكنه مشابه من حيث الباطن والنتيجة.
    هذه البرمجة الفكرية واسعة النطاق، تمتد كذلك إلى طريقة تفكير كل شاب يفكر في بيع خدمة يقدمها، إذ تجده يسارع إلى عرضها بسعر متدني. كثيرا ما جاءتني رسائل من شباب محتارين كيف يضعون سعرا لما يقدمونه من خدمات، وحين أقترح عليهم سعرا يرونه غاليا، يختفون من على شاشة الرادار ويتوقفون عن مراسلتي (وهي طريقة جديدة اكتشفتها لتقليل كم الرسائل التي يجب علي الرد عليها).
    نعود إلى تومي وتجربته، ماذا نتعلم منه؟ حين باع بضاعته بالرخيص، جاءته المبيعات متدنية. حين غالى في سعرها، حصل على مبيعات لم يكن ليحصل عليها ما تبقى له من عمر على ظهر هذه البسيطة.
    هل تومي لص؟ نصاب؟ محتال؟ تضمن سياسة الاسترجاع من ابل رد ثمن لعبته خلال 90 يوما من الشراء، ولم يجد تومي من يطالب باسترداد ما دفعه مقابل لعبته.
    هل حالة تومي فريدة من نوعها، من شواذ القاعدة التي تثبتها ولا تنفيها؟ لن نعرف حتى يتشجع أحدكم ويجرب السير على خطى تومي.
    هل نقوم كلنا عن بكرة أبينا بمضاعفة أسعار بيع منتجاتنا بناء على هذه التجربة؟ رغم أن تجربة شيء مثل هذا سيكون أمرا ثوريا أتمنى رؤيته يتحقق، لكن للأسف، الأمور لا تسير على هذا المنوال في الحياة.
    ماذا أريد أن أقول؟
    أولا، متجر ابل منجم ذهب يجب علينا استغلاله، ويجب على شباب المبرمجين العرب التوقف عن السير على خطى قطيع الغنم من قبلهم ومن حولهم، والتوقف عن التفكير في تصميم برنامج محاسبة ومخازن ورواتب وبيعه بأسعار متدنية. يجب التوقف، والتدبر، والتفكر، ومعرفة كيف يسير القطيع، والشرود عنه. إذا نظرنا إلى العالم كله كشريحة مستهلكين، فحتما سنتمكن من تصميم تطبيقات يحتاجها هؤلاء، وحتما سنجد مشترين، لكن فقط إذا جئنا بأفكار جديدة تماما وكليا.
    ثانيا: حين تأتي بمنتج جديد وتضع له سعرا، لا تنظر إلى نفسك على أنك الطرف الضعيف، وعلى أنك ستكون محظوظا لو بعت واحدة أو اثنين منه. الناس مختلفون، ومستمرون في الاختلاف، ولا تجد نظرية واحدة عن سلوك الناس تجاه عملية الشراء والتسويق تبقى صحيحة لفترة طويلة، أي عليك أن تستمر في تجربة عدة مستويات سعرية، ولكن ابدأ من أعلى، من السعر الغالي، لا أرخص رخيص.
    حتما ستسألني، هذه تجدي في الغرب، لكن في عالمنا العربي، قواعد اللعبة مختلفة. خذ عندك ترجمتي لكتاب فن الحرب، أبيعها عبر موقع لولو بسعر 15 دولار، أو ما يعادل تقريبا 80 جنيه مصريا أو 55 درهما / ريال. إذا بحثت في أي مكتبة كبيرة، ستجد كتبا أفضل منه، وبسعر أرخص منه، وبرغم ذلك بعت بفضل الله أكثر من 85 كتابا حتى الآن. أزيدك من الشعر بيتا، الكتاب متوفر كاملا للتنزيل المجاني عبر انترنت، ويمكن لمن يريد تنزيله وقراءته بدون مقابل. إذا نظرت إلى بقية كتبي، ستجدها تحمل الصفات ذاتها. أزيدك أكثر، في بدايتي مع موقع لولو، كان سعر شحن كل كتاب ما بين الخمسة والعشرة من الدولارات، الآن ومع ارتفاع سعر البترول وبالتالي الشحن، قفز متوسط شحن الكتاب الواحد إلى 15 و 20 دولار، ولا زالت كتبي تبيع بفضل الله.
    هل أتهم من اشترى كتبي بالسفه؟ بالطبع لا، لكني أوضح حقيقة أن شريحة عملائك لا تشاركك بالضرورة طريقة تفكيرك في أسباب ودوافع شراء المشترين لمنتجاتك وخدماتك. كاتب مغمور مجهول مثلي، حين يعرض أول كتاب له للبيع، ماذا سيفعل؟ سيختار أقل سعر ممكن، على أساس أن مشتري كتابه لا يعرفه، وبالتالي لن يقرب كتابه ما لم يكن سعره رخيصا.
    خلاصة هذه التدوينة هي: هذا الظن غير صحيح، وعليك أن تجرب بنفسك حتى تتأكد.
     
    على هامش التدوينة، أرجو من خبراء برمجة تطبيقات آيفون، من العرب طبعا، الراغبون في التعاون معي من أجل بعض التطبيقات على متجر ابل، الاتصال بي.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()