بتـــــاريخ : 12/28/2010 12:03:47 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1348 0


    للحالمين فقط

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :
    الحالمين واقعتنا العربي فتاة امريكية


    تعليقا على تدوينتي السابقة، ترك القارئ العزيز والأخ الفاضل د. نزار كمال تعليقا أراه معبرا عن الكثير من واقعنا العربي الحالي، ولأهميته يتطلب الرد عليه في تدوينة قائمة بذاتها. بداية أؤكد على ثوابت، فلا أكن لكل معلق سوى الاحترام، إذا التزم بالتي هي أحسن، وبالقول اللين. كذلك، أشد على يد د. نزار شاكرا إياه أن علق باسمه بدون خوف أو اختباء خلف اسم مزعوم أو مجهول، فالشجاعة في النقاش هي من أهم ما نحتاجه.
    بداية، لنبسط الموقف ونشرحه: عرضت أنا قصة فتاة أمريكية التهمت سمكة قرش ذراعها بأكمله وهي صغيرة، فأصرت على أن تعود للسباحة وركوب الأمواج، ولم تترك الخوف الغريزي لديها ليسيطر على تفكيرها فترفض حتى الاقتراب من البحر، وتقبل على الانزواء في الحياة والانطواء في الظلمات. ما أردت إلقاء الضوء عليه كان أن طفلة صغيرة أعطتنا درسا في مواجهة مخاوفها، وعلمتنا ألا نترك حادثة ما لتمنعنا من استكمال مسيرتنا في الحياة.
    جاء تعليق د. نزار يقول أن ما فعلته هذه الفتاة لم يكن ذا فائدة، وافترض أنها حتما عاشت حياة الترف (النسبي) والهناء المعسول، وأن كل هذا ساعدها على هذا السلوك. سأفترض أن حياة الترف الأمريكية سبب تلقائي للنجاح في الحياة، لولا أن نسبة الانتحار في عام 2006 في المجتمع الأمريكي كانت 1.3 لكل مائة ألف من السكان في السن ما بين 10 إلى 14 سنة، ترتفع إلى 8.2 لكل مائة ألف في السن ما بين 15 إلى 19 سنة، ترتفع إلى 12.5 لكل مائة ألف في السن ما بين 20 إلى 24 سنة. في مقابل كل محاولة انتحار ناجحة، كان هناك من 12 إلى 25 محاولة انتحار لم تنجح (رابط الإحصائية).
    ثم ختم د. نزار تعليقه بأن طلب مني النزول لشوارعنا العربية (كناية عن النزول إلى الواقع العربي). على هذه الجزئية تحديدا أود الرد بأن العصفور المذبوح يرقص ألما، ولو حكيت عما نزل بي شخصيا من مصائب ونوازل وفواقر لأبكيت القارئ، ولا أشكي سوى لله عز و جل، ولا تحسبن دعوتي للتفاؤل هنا أني فتحت عيني على رغد العيش، بل هو خيار قمت باختياره بملء إرادتي، ولو لم أفعل ربما انتهى حالي إلى إدمان المسكنات والمهدئات.
    بداية، لا تحسبن كذلك أني أحمل على د. نزار فهو الأخ الكريم، وهو نقاش أخوي غرضه الوصول إلى الحكمة لا الخلاف والبغضاء. كلنا – وأنا أولكم – كنا نفكر بطريقة د. نزار، في فترة من الفترات، وأنا اخترت ألا أستمر في التفكير بهذه الطريقة. دعونا نسير على الطريق الذي يسير عليه تعليق أخينا نزار، ما آخر هذا الطريق؟ نعم، ركوب الأمواج لا فائدة منه، والفتاة عاشت حياة أفضل من حياة بعضنا أو أغلبنا، ثم ماذا؟
    واقعنا العربي قمة المرارة، ثم ماذا؟ يسبقنا غيرنا بمسافات طويلة جدا، ثم ماذا؟ تخلفنا كثيرا وتأخرنا، ثم ماذا؟ فينا عيوب الدنيا والآخرة، ثم ماذا؟ يتخرج الشاب منا فلا يجد وظيفة أو أمل أو أي شيء، ثم ماذا؟ لو استسلمنا لهذه الطريقة الواقعية من التفكير، أين سننتهي؟
    ستوافقني حتما أن التفكير بينما الحالة النفسية في الحضيض لا يأتي بأي خير. كذلك حتما تتذكر المثال الذي ضربه لنا د. إبراهيم الفقي في إحدى حلقاته عن الأمريكي الذي خسر كل شيء، وبينما يسير في طرقات المدينة ليفرغ حالة اليأس الشديد الذي نزل به، وجد رجلا كبيرا في السن يجلس على أريكة في حديقة، فجلس بجانبه فسأله الشيخ ما لك تحمل الدنيا فوق كتفيك، فحكى له عن مشاكله، فأخرج الرجل دفتر شيكات ووقع على شيك بمبلغ كبير من المال، وطلب من الرجل أن يصرف هذا الشيك ليحل مشاكله وليقوم من عثرته، ولما سأله عن اسمه قال له روكفلر، أغنى رجل في أمريكا…
    عاد الرجل إلى زوجته وحكى لها عما حدث معه، وكيف أن الثري الأمريكي استمع له ووثق في قدرته على القيام من عثرته، الأمر الذي ألهب حماسه وانطلق يفكر كيف يقوم من كبوته، دون أن يصرف هذا الشيك لأنه خجل من صرفه في حين وثق الرجل فيه.
    تعرفون خاتمة القصة أن بعد مرور السنة نجح بطل القصة في العودة إلى النجاح وأنقذ شركته من الإفلاس وعادت شركة رابحة، وأصر على مقابلة العجوز لكي يعيد له الشيك، وفي نفس المكان وجده جالسا، وحين هم بالاقتراب منه والتحدث معه، وجد ممرضين يخرجون ويطلبون من الشيخ العودة إلى داخل سور المستشفى النفسي، وعرف البطل أن هذا الرجل لم يكن روكفلر بل طاعنا في السن هرما خرفا، وأنه لو كان ذهب ليصرف الشيك لوجده بلا رصيد.
    الآن، كيف تنظر إلى هذه القصة؟
    إذا كنت من أهل الواقع، تحب الواقع بكل مرارته وقسوته، ستقول أخطأ البطل، كان عليه أن يعرف كيف يبدو الثري روكفلر، وأنه أخطأ حين لم يصرف الشيك، وأنه لو فعل لاكتشف زيف هذا الشيخ ولما وقع ضحية له.
    إذا كنت من أهل الحكمة، فستقول كم من أشياء صغيرة حققت نتائج كبيرة.
    إذا كنت من أهل الجدل، فستقول ما مصدر هذه القصة، وهل هي حقيقية؟ وهل هي على سبيل المرة الواحدة؟ وهل هي ذات فائدة فقط في البيئة الأمريكية؟
    اختصار القول، أنا – ومن خلال هذه المدونة – لست من الفئة الأولى ولا من الفئة الثالثة، ومن كان يظن غير ذلك فأعتذر إذا ضيعت وقته.
    حين وضعت قصة هذه الفتاة، إنما أردت إلقاء الضوء على حقيقة أن حتى الصغار قادرون على النجاح فكيف بنا نحن، وكنت أريد توضيح أهمية المجتمع ودوره في التشجيع، فالمجلات والتليفزيونات تسابقت لتحكي قصة هذه الفتاة، وكذلك الكتب، وهو شيء نتمنى أن نجده مطلوبا في مجتمعنا العربي. حين وضعت صورة الفتاة – والتي أثارت شهية محبي الهجوم لا النصيحة بالتي هي أحسن – أردت إلقاء الضوء أن هذه الصورة هي لإعلان في الطريق، فبدلا من وضع صورة مغنية في وضع مثير أو طعام شهي لن يزيدنا سوى سمنة وكسلا، يجب علينا أن نزين ونجمل فكرة وضع صورة من نجح في التغلب على نفسه أولا، وعلى واقعه ثانيا، وعلى العوائق والمشاكل، ولو كان فقط ركوب الأمواج.
    في هذه المدونة أريد أن أوضح أننا لو استسلمنا للواقع وللحقائق، كنا لنذهب لنصرف الشيك فوجدناه مزيفا، لنعود بعدها لنلعن الظلام والحكام والبيئة العربية، ونبقى مكاننا لا نفعل شيئا.
    في هذه المدونة أريد أن ننسى واقعنا العربي قليلا، لنساعد عقولنا على أن تتخيل واقعا أجمل وأفضل…
    في هذه المدونة أريد أن نعيش في عالم الخيال المحسوب، لننسى الواقع بكل ما فيه، بشكل حكيم يساعدنا على بلوغ أهداف جميلة ونهايات سعيدة…
    في هذه المدونة أريد أن أعرض قصص ناجحين، دون أن أجد من يترك نفسه يفكر بطريقة عقلانية نهايتها مؤلمة ومحبطة.
    في هذه المدونة أريد أن نتخيل أن الشيك هو شهادة ثقة في قدراتنا، حتى ولو كان هذا الشيك مزيفا، فما يهمني هو تأثير الشيك على نفسي وعلى قدراتي، وليس على حسابي في البنك….
    في هذه المدونة سأبقى منبهرا بفتاة صغيرة فقدت ذراعها في الماء، فلم تخف من الماء وعادت إليه، ولو كان فقط لتركب الأمواج، فأنا أجد في فعلتها هذه الكثير من المعاني الضمنية، والإيجابيات الجميلة، وهي رسالة منها لي مفادها: أنا نجحت بذارع واحدة، فماذا فعلت أنت يا صاحب الذراعين.
    في هذه المدونة سأغلق عيني عن أن ركوب الأمواج لا عائد منه في القاموس العربي، وسأتجاهل أن ركوب الأمواج لا يسد رمق الشباب العربي الباحث عن أي وظيفة، لأني سأفتح عيني على ما هو أفضل، على الإصرار والمحاولة رغم كل شيء، وعلى عدم الانهزام أمام المصائب والنوازل والفواقر…
    في هذه المدونة سأظل متفائلا من كل صغير ومن كل عديم الفائدة، وسأختار أن أبقى أحمق في نظر البعض، وسأختار ألا أفكر هل الشيك ذو رصيد أم لا، لأني سأشغل نفسي بالتفاؤل والإيجابية، وسأجبر صدري على أن ينشرح بدون سبب…
    ليس جنونا مني أو حماقة، بل لأني إن لم أفعل ذلك، فحتما لن أصل إلى شيء، بينما إذا فعلت ما أفعله، ربما مر علي العام وأكون قد نجحت في تأسيس شركتي التي ستعزف معزوفة الأرباح… فإن لم يكن هذا العام فالذي يليه، وهكذا حتى ألقى الله عز وجل…
     
    من لم يوافقني على ذلك، أعتذر إذا أضعت وقته وأنصحه بألا يضيع المزيد على صفحات هذه المدونة، فهي للحالمين فقط

    كلمات مفتاحية  :
    الحالمين واقعتنا العربي فتاة امريكية

    تعليقات الزوار ()