نستكمل اليوم بقية قصة النجاح في المغرب، حيث يقول بطلها: في الواقع كنا عشرة أفراد، بغض النظر عن الفروق في الحصص… ولكن للكثرة ضريبة سيئة… الاختلاف في العقليات والطبائع والطموح خلق ضغطا كبيرا لي لكوني كنت مسيرا… غير أنني لم ألتفت لذلك… في سرعة البرق، وجدنا ـ أو بالأحرى وجدت ـ مجزرة للدجاج (محل جزارة) للبيع بثمن “مغر”… “لولا أن لصاحبها ظروفا خاصة لما باعها ” … و” مداخيلها محترمة”…
صورة من مدينة طانطان
كان أحد أفراد الشركة قد مارس جزارة الدجاج لمدة سنة تقريبا، فقلت في نفسي: لو لم نحقق من الربح إلا أن نوفر فرصة لأحدنا لكان كافيا… شعور جميل أن تحس بأنك تحسن إلى الآخرين. لكن الزميل لم يعجبه الأمر لأن العمل لا يلبي طموحه… وأصبحنا تحت ضغط الوقت، ونبحث عن مستخدم لمجزرة الدجاج… عادة، مثل هذا المنصب لا يشكل عائقا، لكن في تلك الفترة بالذات، كأن شخصا ما حرم جزارة الدجاج… بحثنا بطول المدينة وعرضها فلم نجد من “يرضى” و “يتنازل” ويعمل عندنا…
لحسن الحظ، كان زميلنا من الكرم بحيث قرر أن يحسن إلينا في بعض الأوقات… ويفتح المحل… ورغم ذلك، تبقى الحقيقة حقيقة لا تتغير… كنا كمن يموت ببطء… وأصبحت مجزرة الدجاج مجزرة لنا جميعا… وكنت أرى الاتهام في عيون البعض… وكان يسوءني ما يصلني من أقوالهم…. فانسحب أكثرنا… وبقيت مع عدد قليل من الأصدقاء… وإرث ثقيل من الخسارة… لمدة سنة كاملة بقيت مصدوما لا أجرؤ على فعل شيء… كان اتفاقنا في البداية على أن لا نرد مساهمات من يرغب في الانسحاب إلا في آخر يوم من سنة 2009. بحلول ذلك اليوم كنت ألملم نفسي، واتفقت مع أصدقائي الخلص على أن نعفي الآخرين من الخسارة ونتحملها نحن، كانوا ـ في الحقيقة كانا ـ مرنين للغاية. كنا ثلاثة، وكان لنا شريك رابع بنسبة 1.75 بالمئة… الشريك الرابع كان حضوره باهتا، لأنه في الأصل كان قد أقرضني مبلغا فجعلته سهما له في الشركة.
من هما الشريكان؟ إنهما من الأصدقاء المقربين الذين ترسخت فيهما صفات تندر في الكثير من الناس… الكرم إلى حد الإسراف، النجدة، الجرأة وعدم الخوف من المخاطر… وتلك صفات أحب أن أتحلى بها، وأعشق أصحابها. لكنهما بشر لهما نقائص ـ والغريب أنهما اتفقا فيها أيضا ـ عدم تحمل المسؤولية، والابتعاد عن كل ما يسلط إليهما الأضواء… في بعض المواقف تكون هذه الصفات قاتلة. كان الصديقان يكرران ما معناه: استمر، ولو ضاع كل شيء. ولكن من جانبي، كنت أحس بنوع من الذنب، والانهيار، فلم أعد أستطيع أن أقدم على شيء. كان بداخلي صوت يدفعني سابقا للإقدام، لكنه مات. وهذا هو السبب في توقفي لسنة كاملة.
في صيف 2009 كنت على موعد من أكثر الكتب التي أثرت في تأثيرا مباشرا وقويا. إنه كتاب العادات السبع لستيفن كوفي. تحدث عن عادات الناس، لكن يكفيني أنني أخذت منها واحدة. وعضضت عليها بالنواجذ. إنه يقول بأن الإنسان تمر به مرحلة يستخدم الضمير ( أنت) أنت لم تعطني، وأنت منعتني من كذا. يتوقف على الآخرين ثم يستقل بنفسه، ويقول (أنا ). أنا فعلت وفعلت. وقادر على فعل كذا. لاشك أن هذه الحالة طيبة، لكنها ليست المرحلة الأخيرة والكاملة.
حينما يكون الإنسان منخرطا في جماعة، و يقول (نحن) نستطيع أن نفعل، وحققنا كذا وكذا. لاشك أنه بلغ درجة كاملة. هي التي بني عليها الكون. فكل الكائنات تتكافل في ما بينها. حسنا. ما الجديد ؟ ألم نتعاون قبل سنة ؟ وماذا كانت النتيجة ؟ في سنة 2000 ولجت إلى أحد مقاهي انترنت، وصادفت شابا هناك، كان له أثر كبير في نفسي. لقد رأيته يفعل شيئا عجيبا. يعطي أوامر لزر معين فيملأ حقل، ويفرغ آخر. ويكتب أوامر فتخرج لك صناديق الحوار. بدا لي الأمر مسليا، وشبيها بكلام البشر. ومليئا بالمنطق.. لقد كانت تلك اللحظة التي ولدت فيها محبة البرمجة في قلبي. لقد كان مبرمجا بلغة الفيجوال بيسك (لغة برمجة). بعد ذلك بسنوات، قمت بمحاولات عصامية لتعلم البرمجة. وكان سيري بطيئا.
كنت أحلم أن أكون مبرمجا، لكن حال دون ذلك عدم إمكانية دراسة البرمجة في بعض المعاهد، بسبب قلة إقبال الناس عليها. وكان أحد جيراني مهووسا بها. لكن الاستفادة من الأشخاص تكون صعبة في بعض الأحيان لأسباب منها أن بعض الناس يفضلون التكتم على “اكتشافاتهم” ـ ولا أقصد ابتكاراتهم، ذلك التكتم ظاهرة منتشرة في المبرمجين عندنا. بعد معرفتي لذلك الصديق لمدة ست سنوات، قلت له بكل جرأة : أعتقد أننا معا نستطيع فعل ما لا نفعله لو كنا فرادى. وكان أقصى حلمي أن أنجز تطبيقا، وأكمله ومن عاداتي السيئة أنني لا أستمر غالبا في برنامج أضعه لنفسي. بدأنا معا برنامج يقع في تخصصي في بداية شهر سبتمبر 2009، برنامج لمعالجة نقط الامتحانات، ولأول مرة في حياتي أكمل برنامجا. انتهى بنجاح في شهرين بمعدل 8 إلى 10 ساعات يوميا، وفي منتصفهما أصبت بحالة لم أعرفها من قبل.. إرهاق شديد، خفقان قلب، وهن ورعشة سواء قبل النوم أو بعده.
عفوا شباب، هنا حيث أقول… فاصل ثم نواصل…