من حق القارئ المنتظم لمدونتي معرفة سبب تأخري في كتابة الجديد، ورغم تكاليف الحياة المعتادة، لكني مررت مؤخرا بتجربة وقفت على تحليل ما جاء فيها وخرجت ببضعة قرارات، لن تسر البعض على ما يبدو لي. كنت قد تلقيت دعوة لإلقاء كلمة يوم الاثنين الماضي، وكان التوقع أن يستمع لي عديد من الحضور. أوقفت كتابة مواضيع جديدة للمدونة، وتدربت على ما سأقوله وأعرضه في هذه المحاضرة، وحين حضرت في الموعد، تأخر الحضور وبدأت بعد الموعد المضروب.
حضر لي ما بين التسعة والعشرة، نصفهم أو يزيد من العاملين في الجامعة أو منظمي للحفل، ورغم أن التوقع كان أن تسجيل محاضرتي بالصوت والصورة سيمكن الكثيرين من متابعتي، لكني لم أجد أو اسمع من مشاهد أو متابع استفاد أو أعلمني بوجوده. أعددت قصصا ثلاث لهذا الموعد، لكن بعد القصة الأولى كان الوقت قد أزف لبدء النشاط التالي وكان علي لملمة أوراقي والرحيل.
جلست أفكر، هل من الحكمة أن استمر في إلقاء المحاضرات، أو مقابلة كل من يطلب لقائي ليعرض علي مشاكله ومشاريعه وأفكاره؟ من استفاد من هذه المحاضرة لن يزيد عددهم عن أصابع اليدين، في حين كان يمكن لي كتابة موضوع مفيد وطرحه في المدونة، وكان – حكما على عداد القراءات – تأثيره ليكون أوسع وأشمل، والأهم باقيا لمن سيأتي من بعدنا.
ما مدى تأثير محاضرة ألقيها أو كلمة أقولها في مؤتمر؟ مقصور على عشرين أو ثلاثين، وإذا أخذنا في الحسبان صفة النسيان عند بني الإنسان، سقط العدد إلى واحد أو قل اثنان، فهل من الحكمة إضاعة الوقت في إلقاء محاضرة أو حضور مؤتمر؟ ستجيب الحكمة بالنفي، وهذا ما توصلت إليه، لن أضيع الوقت بعد اليوم في إلقاء محاضرة أو حضور مؤتمر، فهو يبدو لي إضاعة للوقت.
على الجانب الآخر، يراسلني كثيرون، ممن يتوسمون في امتلاكي لإجابات على أسئلتهم، وبعد سنوات من التدوين، ولقاء الكثيرين، أجدني اليوم واثقا من قولي أن نتائج التقائي مع طالبي لقائي لم تكن إيجابية، فلست مالكا لعصا سحرية، ولا أعرف إجابة سؤال المليون، ولو كنت كما يظن بي هؤلاء، لكان حالي أفضل كثيرا.
خلاصة القول أن أكثر ما يميزني هو الكتابة، وليس إلقاء المحاضرات أو الكلمات أو المقابلات… بذلك سيكون عطائي أكبر وأفضل. سينظر ناظر أو يقول قائل هذا نوع من الغرور أو الانغلاق أو حبس المعرفة، لكن بعدما تتبعت رابطا جلب لمدونتي بعض زوارها، ووجدت مادة الحوار عندهم سؤال عن أفضل المدونات، فوجدت الشباب ممن نحسبه على خير يصنف مدونتي على أنها من مدونات الترجمة لا أكثر، وجدت أن رضا غالبية الناس غاية لا يمكن نيلها، وعليه لا مفر من غضب البعض أو عدم رضاهم لما سأقوله أو أقرره، فهذا ثمن إما أن تقبله أو تقبع مكانك لا تفعل شيئا طمعا في السلامة من الشرر.
وعليه، فمن اليوم – محدثكم يعتذر مقدما عن إلقاء المحاضرات أو الكلمات، فهذه فائدتها أقل، مقصورة على عدد أقل، والحكمة تشير بأن كتابة تدوينة مفيدة لهو أثقل في الميزان. أرجو عدم تفسير قراري هذا أنه بسبب ما حدث معي يوم الاثنين الماضي، فهذا القرار كان حاضرا في ذهني منذ فترة طويلة، لكنه كان فقط بحاجة للخروج إلى حيز التنفيذ لا أكثر. هذا القرار كان سيأتي إن لم يكن اليوم فغدا، وعليه أشكر الشباب أن ساعدوني للوصول إلى هذا القرار، الذي ستظهر نتائجه الإيجابية بمشيئة الله على المدى الطويل.
على الجانب:
من ضمن ما قرأته مؤخرا من اقتراح بعض من لهم تجارب مع موقع البحث جوجل، أن المدونة التي تنشر مقالات تحت اسم أكثر من كاتب يكون لها ثقل أكبر في الميزان (على زعم أن تعدد الكاتبين يدل على كبر حجم الموقع وثقله في الميزان). على الفور سارعت وأضفت أسماء كاتبين أخرى وبدأت أعدل في أسماء كل من كتب تدوينة سابقة وانتظر النتيجة. بغض النظر عن التفاصيل أو صحة هذا الزعم، لكن موقع جوجل يتحول ليكون ضحية نجاحه الطاغي، فالموقع الأصلي في هذا المثال لم يتغير فيه شيء، بل مجرد بعض التفاصيل الصغيرة.
هذا ذكرني بكاتب آخر تباهى كيف أنه اشترى موقعا بحفنة دولارات، ثم دخل على مقالاته القديمة فعدل من عناوينها، وأضاف في السياق بعض الكلمات التي عليها بحث كبير في مواقع البحث على انترنت، فلما زاد الطلب على الموقع بناء على هذه التعديلات، باعه بخمسة آلاف دولار. هل كتب مقالة جديدة؟ لا. هل أضاف شيئا للمحتوى؟ لا. هل هذه فقاعة معلومات وستنفجر قريبا؟
لهذا السبب لا يعلن جوجل عن آلية خوارزميات البحث داخله، لكن هذا لم يمنع البعض من كشف بعض أسراره، وإساءة استغلالها. تخيل أن أول صفحة من نتائج بحثك على انترنت لا تعتمد على مدى توفير هذه المواقع المعروضة لمعلومات تفيدك، بل على مدى معرفة مدير كل موقع بكيفية استغلال آليات البحث لدى جوجل أو غيره من محركات البحث ليكون من أوائل نتائج البحث. بعد فترة ستجد أنك ضحية أو كبش فداء، كل المطلوب منه الضغط على الوصلات ودفع المال في الشراء.
لقد تحدثت سابقا عن هذه النقطة طويلا كما ذكرتني عدة رسائل وردتني، لكنها تبقى ذات أهمية كبيرة، هل هناك موقع بحث لا يمكن إساءة استغلال آلية عمله وبحثه؟ هل يمكن أن أبحث فأجد نتائج بحث تناسب ما أريده أنا، وليس ما يريده صاحب هذا الموقع أو ذاك من أرباح؟ رغم كل ما سبق وذكرته، فلم أجد ياهوو أو بينج يقدم لي نتائج أفضل من جوجل، لكني كذلك لم أعد أثق في أول صفحة بحث على جوجل وبدأت أنتقل لرابع أو سادس صفحة، لأني أرفض أن أكون وسيلة تربح وتكسب لمواقع عرفت من أين يؤتى الكتف، لأن المستهلك سيبقى ذكيا، ولو ظن البائعون غير ذلك!