بتـــــاريخ : 12/11/2010 6:51:38 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1094 0


    مسرحية " البيت ذو الشرفات السبع "

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : تعليق : الدكتور حسان المالح | المصدر : hayatnafs.com

    كلمات مفتاحية  :
    مسرحية البيت الشرفات السبع

     
     
    استمتعت كثيراً بحضوري عرض " مسرحية البيت ذو الشرفات السبع " .. وكان ملفتاً تألق جماليات العرض بدءاً من الديكور والملابس والإضاءة مروراً بالموسيقى والمعزوفات والرقصات وانتهاء بالحركات التمثيلية مثل الوضعيات والحركات الجسدية والتعبيرية .. والانطباع الفوري هو جماليات متنوعة ممتعة ترافقت مع التصفيق الحار من قبل الجمهور للممثلين أثناء ظهورهم الأخير مودعين لنا .
     
    وقد اختلطت جماليات العرض مع تساؤلات حول المعاني المطروحة وتفسيرات الأحداث والمشاهد المتعاقبة ودلالاتها الفكرية والنفسية والاجتماعية .. وأصبت بشيء من قلق الفهم والتحليل ..
    ولكني خرجت من المسرح مسروراً أحمل مطوية أنيقة للعرض وفيها لوحة مؤثرة لوجهي رجل وامرأة متلاصقين ضاعت ملامحهما حيث تم التشكيل ببقايا لفروع شجرة محترقة أو تكاد . وفيها أيضاً تفاصيل عن أسماء الممثلين والفنيين وفيها كلمات مؤثرة للسيد وزير الثقافة حول المسرح والفن الأصيل المعبر عن الوجود الإنساني بطريقة راقية متجددة . وكلمات للمخرج يتحدث فيها كيف يجرجر الكلمات من كفن إلى وطن وينفخ فيها من روحه وينثرها على شرفات هذا العالم المجنون .
    وقد دفعني إعجابي بهذا العمل المسرحي لأن أعلق عليه سريعاً من وجهة نظر نفسية .. مؤلف المسرحية إسباني له عدد من الأعمال الهامة المترجمة للغة العربية عرضت على المسارح في سورية وغيرها من الدول ، ومنها " الأشجار تموت واقفة " .
    والمسرحية الحالية تطرح فيما تطرحه " رؤية أدبية شعرية للجنون " ، وتعلي من شأنه وتربطه بقيم إنسانية خالدة مثل الحب والألم الإنساني والتضحية .. وقد ابتلي بالجنون الابن الشاب وخالته ..وأما الأب فهو نفعي تزوج امرأته الغنية لينعم بالثروة ، ثم تموت الزوجة ، ويصرف كثيراً من المال على أهوائه ونزواته وخادمته التي تدفعه باستمرار إلى الاستيلاء على كل المكاسب المادية والمعنوية في هذا البيت الثري ذي الشرفات السبع ، وعلى حساب ابنه وخالته التي تعيش في البيت أيضاً .. وقد انتهت خطة الأب والخادمة المحكمة  إلى خروج الخالة من البيت بحثاً جنونياً عن الحبيب الخيالي المنتظر بمشهد متقن محبب ومؤثر حيث مشت باتجاه الجمهور متألقة للقاء حبيبها .. كما ركب الابن الحصان إلى حتفه ومن ثم إلى السماء لاحقاً بأمه المتوفاة وأبيها الذي يجلس بجانبها يراقبان من السماء بألم وشفقة ما يجري في البيت ..ولكنهما يستقبلان الشاب في السماء بفرح خاص ..حيث أصر المؤلف أو المخرج الذي أعد النص الأصلي على استبعاد أجواء المأساة ليحول المشهد إلى جمالية تزين الموت والفداء .
    لم يكن الابن يتكلم كثيراً بسبب جنونه واستطاعت خالته التفاهم معه وقضاء أوقات مسلية وجنونية خيالية برفقته .. كما استطاعت أن تعلمه أن يقول " لا " لأبيه الذي يدعي أنه يحبه ..ومن الواضح أن الصراع الأوديبي بين الابن وأبيه كان محوراً تكررت ملامسته في أحداث المسرحية ، وانتهى بلقاء الابن بأمه بفرح في السماء .. وبالطبع كانت نهايته مأسوية عملياً .. ولم يستطع الابن أن يتغلب على صراعاته النفسية بشكل عملي أو واقعي .
    والأب الشرير انتصر مع الخادمة الشريرة على خيالات الحب والبحث عنه . وهذا العالم الشرير المزعج بطمعه ونفاقه وأنانيته ورميه لكل القيم انتصر على عالم الخير " الجنون " ، وللحضور أن يحكموا بأنفسهم مع من يتعاطفون ويكرهون .. وبالطبع الرسالة السابقة جميلة ، بسيطة ، كلاسيكية ، متكررة في الأدب العالمي ، ولا بأس بها .. وعندما ترتبط القيم النبيلة بالجنون والخيالية الهانئة ، فهذا يعيدنا إلى مقولة أن المجنون يمثل بالضرورة " العاقل الأكيد " في عالم مجنون . كما يمكن أن يطرح تساؤلات حول اختياراتنا للعقل أو الجنون ، كما في " نهر الجنون " لتوفيق الحكيم ، حيث وجد العاقل جميع من حوله مجانين وعليه أن يختار أن يبقى عاقلاً وحيداً ، أو يشرب من نهر الجنون الذي شرب منه كل أبناء المدينة .
    وفي مشاهد المسرحية اجتماع للمشاعر المتناقضة بهدوء وسلاسة يقارب القسوة والجمود العاطفي وتبلد الإحساس بالمعنى الواقعي .. ويعني ذلك بالمعنى الرمزي نقيضاً يمتلئ غضباً وإدانة ومشاعر حارة ترفض الشر وتجلياته وتطرح الحب والنقاء والموسيقى بديلاً .. وبشكل أو آخر نجد أنفسنا هانئين بما شاهدنا أمامنا من أحداث فاجعة وغريبة ، متسائلين عن المعنى والدلالات والرموز والزمان والمكان ..
    ومن الناحية النفسية أجد أن عرض " نموذج المجنون العاقل " أو " المجنون الناقد " بشكل أنيق وجذاب في الأدب والفن ، يمكن له أن يخدم قضايا الطب النفسي وأن يساهم في تشكيل محتوى إيجابي عن المرض النفسي مهما كان ذلك أدبياً أو خيالياً أو مبالغاً فيه أو بعيداً عن المفاهيم العلمية والطبية للصحة النفسية .. وربما يساهم ذلك في تقبل المرض النفسي اجتماعياً ويخفف من الوصمة السلبية المرتبطة به وبميدان العلوم النفسية عموماً في مجتمعاتنا ، وكل ذلك يساهم في العلاج الإيجابي لهذه الحالات ، ويساهم في تنمية دور العلوم النفسية والعلاجية وترسيخها في المجتمع بعيداً عن العزل والإقصاء .. ولا يعارض ذلك النموذج بالطبع ضرورة العمل على تعميق الثقافة الطبية والنفسية العلمية في جميع المجالات العامة والاجتماعية بما فيها الأدب والفن .. والمريض النفسي ليس بالضرورة ضحية الأسرة أو المجتمع أو الزمان .. وليس نموذجاً يشتهى ويسعى الجميع نحوه .. كما أشارت بعض الفرضيات الفلسفية والأدبية المتطرفة المضادة للطب النفسي التي شاعت في الغرب في فترة سابقة وهاجمت المؤسسة الطبية واعتبرت المرض النفسي غير موجود وأنه اصطلاح قمعي اجتماعي .
    ولاشك أن الأدب له لغته ومفرداته ورموزه وصياغاته التي تجعله مثيراً ومؤثراً وممتعاً وناجحاً .. وتحليل النص أو العمل الفني بشكل علمي ربما يجرده من بلاغته وروعته وربما يظهره عارياً أو ساذجاً أو ناقصاً ..
    وأخيراً .. هل في هذه المسرحية دعوة إلى الجنون العاقل ؟ ربما .. هل فشل الأبطال في مسعاهم وقيمهم ؟ ولماذا ؟ هذا العالم مجنون غير منطقي وغير أخلاقي .. وفي ذلك إدانة ونقض وتمرد ورفض وبحث نحو عالم أفضل .. ربما يكون أقل جنوناً .. وهكذا الأدب والفنون ..
     
    ( نشر هذا الموضوع في مجلة فنون ، مجلة الإذاعة والتلفزيون في الجمهورية العربية السورية ، العدد 1311 ، 20/4/2006 )

    كلمات مفتاحية  :
    مسرحية البيت الشرفات السبع

    تعليقات الزوار ()