بتـــــاريخ : 11/20/2010 1:34:47 AM
الفــــــــئة
  • التقـنيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1419 0


    ما هو - الزمن

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : أ. جواد البشيتي | المصدر : astronomysts.com

    كلمات مفتاحية  :


    أ. جواد البشيتي



    يظلُّ سؤال "ما هو الزمن؟" محيِّراً للألباب، يتحدَّى الفلسفة والفيزياء معاً أنْ "تُنْهيه"، ولو من حيث المبدأ والأساس، أي أن تجيبه بما يسمح لهما أنْ تَزْعُما، عن صِدْق، أنَّ "الزمن"، ولجهة "ماهيته"، قد عُرِفَ، ولو من حيث المبدأ والأساس.

    نظريتان في الفيزياء زلزلتا "مفهوم" الزمن الذي ألِفْناه واعتدناه قروناً من الزمن، هما نظرية "الانفجار الكبير"، ونظرية "النسبية" لآينشتاين.

    في الأولى، عرفنا أنَّ الزمن "مخلوق"، وأنَّ "الانفجار الكبير"، الذي منه وُلِدَ الكون، أي كل شيء نَعْرِف، أو يمكن أن نَعْرِف مستقبلاً، هو الذي "خَلَقَ" الزمن؛ فإذا عاد الكون (المتمدِّد، المتسارِع التمدُّد الآن) إلى ما كان عليه من قبل (أي "قبل" خلق الزمن) فإنَّ الزمن "يموت"!

    من قبل، أي قبل نحو 18 بليون سنة، وُجِد "شيء"، ليس كمثله (من الوجهة الفيزيائية) شيء؛ وهذا "الشيء" يمكن تسميته "البيضة الكونية"، التي منها وُلِد الكون.

    وهذه "البيضة" كانت في حجم (على افتراض أنَّها كانت غير عديمة الحجم) يقلُّ عن حجم "الإلكترون" بملايين المرَّات؛ وكانت، مع ذلك، بـ "ثِقَل" الكون كله.

    "الزمن" لم يكن له من وجود في تلك "البيضة"، فهو لم يكن قد "خُلِقَ" بعد. ولَمَّا انفجرت "البيضة الكونية" انفجاراً غير مُعلَّل فيزيائياً خَلَقَ انفجارها "الزمن"؛ وخَلَقَ معه "كل شيء"، أي الكون كله.

    الكون الوليد شرع يتمدَّد؛ فإذا تحوَّل تمدُّده إلى تقلُّص، مستقبلاً، فإنَّه سينْسَحِق (في "الانسحاق الكبير") في "بيضة كونية" جديدة، وسيموت، عندئذٍ، الزمن.

    من ذلك، يمكن ويجب أن نَسْتَنْتِج أنَّ للزمن "عُمْراً"، وأنَّ "عُمْره" الآن 18 بليون سنة، أي أنَّه في طور "المراهَقة"!

    وفي الثانية، أي في نظرية "النسبية" لآينشتاين، عرفنا أنَّ الزمن "نسبي"، فهو يجري (ويتدفق) كجريان مياه النهر؛ وهذا الجريان له "سرعة"، فهو إمَّا أن يكون "سريعاً"، وإمَّا أن يكون "بطيئاً".

    وعرفنا، أيضاً، أنَّ سرعة الجسم، أو جاذبيته، هي ما يتحكَّم في "سرعة (جريان) الزمن".

    ونشرح ذلك (شرحاً مُبَسَّطاً) فنقول إنَّ قلبكَ ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، فإذا أتينا بمعجزة، ونَقَلْناكَ (فوراً) إلى كوكب، جاذبيته أكبر من جاذبية كوكب الأرض بمليون مرَّة؛ لأنَّ كتلته أكبر من كتلة كوكب الأرض بمليون مرَّة، فإنَّ قلبكَ (في الكوكب الجديد) سيظلُّ ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب "ساعتكَ" أنتَ؛ ولكنَّه، بحسب ساعتي أنا الذي أراقبكَ من كوكب الأرض، أصبح ينبض 70 نبضة في السنة الواحدة مثلاً.

    الشيء نفسه يَحْدُث إذا ما سافَرْتَ على متن مركبة فضائية، تزايدت سرعتها حتى بلغت (مثلاً) 150 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

    "الزمن الأبطأ" في الكون، نراه في "الضوء" أو في داخل "ثقب أسود"، فالضوء (أي "الفوتون"، وهو جسيم عديم الكتلة يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة) هو "الأسرع" في الكون؛ و"الثقب الأسود" هو الجسم الكوني الذي لا يضاهيه جسم لجهة شدَّة الجاذبية.

    في "الفوتون"، نرى "السرعة القصوى (في الكون)"، و"البطء الأقصى للزمن"؛ وفي داخل "الثقب الأسود"، نرى "الانحناء الأقصى للمكان (أي الجاذبية القصوى)"، و"البطء الأقصى للزمن".

    تخيَّل أنَّكَ تعيش في داخل "فوتون"، أو في داخل "ثقب أسود".

    إنَّ قلبكَ سيظل ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب ساعتكَ أنتَ؛ ولكنَّني أراه أنا الذي أراقبكَ من كوكب الأرض ينبض 70 نبضة في كل بليون سنة (مثلاً) بحسب ساعتي.

    وإنَّ تدخينكَ سيجارة واحدة سيستغرِق، بحسب ساعتكَ، 5 دقائق؛ ولكنَّه سيستغرِق، بحسب ساعتي (أنا الذي أراقبكَ من كوكب الأرض) 100 بليون سنة مثلاً.

    أنتَ، وبحسب كل ما لديكَ من أدوات القياس (الموضوعي) للزمن، كساعتكَ، متأكِّد تماماً أنَّ قلبكَ ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة؛ وأنا، بحسب كل ما لديَّ من أدوات القياس (الموضوعي) للزمن، متأكِّد تماماً، أيضاً، أنَّ قلبكَ ينبض 70 نبضة في كل بليون سنة؛ وكلانا على حقٍّ، ومُصيبٌ تماماً في زعمه.

    ولكن، هل "نسبية" الزمن تتعارَض مع القول بـ "المُطْلَق" من الزمن؟

    في الإجابة عن هذا السؤال، لن أرجع إلى آينشتاين، وإنَّما إلى هيجل، ودياليكتيكه، فإنَّ آينشتاين، في نظريته "النسبية"، بدا قائلاً، في أمْر "الزمن"، بـ "نسبية خالصة (مُطْلَقَة)"، أي أنَّه بدا غير معترِفٍ بـ "المُطْلَق" من "الزمن".

    إنَّني، وبما يوافِق الدياليكتيك الهيجلي، أقول بالوحدة التي لا انفصام فيها بين "النسبي" و"المُطْلَق" من "الزمن"، فدائماً، ثمَّة مُطْلَق في النسبي؛ وليس ممكناً أنْ نتصوَّر "الزمن" على أنَّه "المُطْلَق" الذي لا يخالطه شيء من "النسبي"، أو على أنَّه "النسبي" الذي لا يخالطه شيء من "المُطْلَق".

    تخيَّلوا، أو افْتَرِضوا، أنَّ الإلكترون في ذرَّة الهيدروجين يدور حول نواتها 1000 مرَّة في الثانية الواحدة، بحسب "الساعة الذاتية" لهذا الجسيم (الإلكترون).

    لو راقَب هذا "الحادث (دوران الإلكترون حول نواة ذرَّته)" ثلاثة مراقبين كونيين، مختلفين في "سرعة"، أو "جاذبية"، الأجسام التي إليها يَنْتَمون، لتوصُّلوا، ومن خلال ما لديهم من أدوات القياس الموضوعي للزمن الذي يستغرِقه هذا "الحادث"، إلى نتائج مختلفة، فالأوَّل قد يَزْعُم (وهو مُحِقٌّ في زعمه) أنَّ الإلكترون يدور حول نواة ذرَّته 50 مرَّة في الثانية الواحدة؛ والثاني قد يَزْعُم (وهو مُحِقٌّ في زعمه) أنَّ الإلكترون يدور 100 مرَّة في الثانية الواحدة؛ والثالث قد يَزْعُم (وهو مُحِقٌّ في زعمه) أنَّ الإلكترون يدور 150 مرَّة في الثانية الواحدة.

    في مزاعمهم جميعاً، نقف على "النسبي" من "الزمن"؛ أمَّا في "زَعْم" الإلكترون نفسه فنقف على "المُطْلَق" من "الزمن".

    خُذْ ذرَّة الهيدروجين هذه وضَعْها في أيِّ موضع في الكون (في الشمس أو في الأرض أو في القمر أو في المشتري أو في "ثقب أسود" أو في سفينة فضائية تسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء..) فهل يختلف "زَعْم" الإلكترون؟

    كلاَّ، لن يختلف، فالإلكترون، وبحسب "ساعته الذاتية"، يظل يدور حول نواة ذرَّته 1000 مرَّة في الثانية الواحدة.

    إنَّ الزمن نسبي ومُطْلَق في آن؛ وإنَّه "مُطْلَق"، أيضاً؛ لأنْ لا وجود لأيِّ شيء، ولأنْ لا تغيير يمكن أن يعتري أي شيء، إلاَّ في وجود الزمن.

    "نسبية الزمن" لا تستقيم فهماً ومنطقاً إلاَّ إذا تضمَّنت "المطلق من الزمن"؛ فثمَّة "زمن واحد، ثابت، مطلق"، هو الزمن الذي يستغرقه تغيير ما في أي ناحية من الكون، فإنَّ قلبي سيظل ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، بحسب "ساعتي"، أَكُنْتُ على سطح الأرض أم على سطح المشتري؛ على سطح الشمس أم في جوف "ثقب أسود"؛ في مركبة فضائية تسير بسرعة 10 آلاف كيلومتر في الثانية أم في سرعة 290 ألف كيلومتر في الثانية.

    "نسبية" زمن هذه الظاهرة (أي نبض قلبي) تَظْهَر لديكَ أنت الذي تعيش على سطح الأرض، فأنتَ، وبحسب ساعتك، ترى قلبي أنا ينبض 70 نبضة في الدقيقة الواحدة، أو في الساعة الواحدة، أو في السنة الواحدة، أو في كل مليون سنة.

    كل مراقِب من هؤلاء المراقبين الكونيين الثلاثة سيَخْتَلِف حتماً عن الآخَرَيْن في نتائج القياس والمراقَبَة، فهو، وبما لديه من أدوات ووسائل وطرائق للقياس والمراقَبَة الموضوعيتين للزمن وللمكان بأبعاده الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع) ولسائر الأحداث والظواهر الكونية والفيزيائية، سيتوصَّل إلى نتائج تَخْتَلِف حتماً عن النتائج التي يتوصَّل إليها المراقبَيْن الآخَرَيْن.

    شيء واحد فحسب، بحسب ما اكْتَشَف آينشتاين، يَتَّفِق عليه المراقِبون الكونيون الثلاثة، ألا وهو "سرعة الضوء".

    لو كان أحدهم "مراقباً أرضياً"، ولو راقبوا شعاع ضوء (أو فوتون) ينطلق من الشمس نحو كوكب الأرض، فإنَّهم سيَخْتَلِفون في حساب المسافة بين الشمس والأرض؛ ولكنَّهم لن يختلفوا أبداً في أنَّ هذا الشعاع يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

    في حساب المسافة (بين الشمس والأرض) سيقول المراقِب الأرضي إنَّ هذه المسافة تبلغ 150 مليون كيلومتر؛ وسيقول الثاني إنَّها تبلغ 50 مليون كيلومتر؛ وسيقول الثالث إنَّها تبلغ 600 ألف كيلومتر.

    بـ "الزمن"، لجهة جريانه وتدفُّقه ومروره، نقيس "التغيير"، كل تغيير؛ نقيس "سرعة" هذا التغيير، فنتوصَّل، مثلاً، إلى نتيجة مؤدَّاها أنَّ هذا التغيير كان سريعاً أو بطيئاً.

    و"التغيير" إنَّما هو كل اختلاف يطرأ على شيء ما، في حالة وجوده، أو في خواصِّه وسماته، وفي حركته في المكان (أي في ما يخصُّ انتقاله من نقطة إلى نقطة في الفضاء، أو على سطح جسم ما، أو اهتزازه).

    وكل "تغيير" يتحقَّق بسرعة معيَّنة؛ وهذه "السرعة" إنَّما تتحدَّد، وتُقاس، بـ "الزمن"، فانتقال "هذا" الجسم من هذه النقطة إلى تلك استغرَق مقداراً من الزمن.. استغرَق، مثلاً، 50 ثانية، بحسب "هذه" الساعة التي أحْمِلها أنا الذي يعيش على سطح جسم كوني له كتلة معيَّنة، أو جاذبية معيَّنة، أو أنا الذي يُوْجَد على متن مركبة فضائية تسير بسرعة معيَّنة، أو تزداد سرعتها بمقدار معيَّن.

    ووجود الشيء (أيُّ شيء محدَّد، معيَّن، ملموس، محسوس) إنَّما يَسْتَلْزِم حتماً تعرُّضه لتغيير ما؛ وتعرُّضه لهذا التغيير إنَّما يَسْتَلْزِم حتماً أن تكون لهذا التغيير سرعة معيَّنة؛ و"سرعة هذا التغيير" لا معنى لها إذا لم يُوْجَد "الزمن"، الذي به نقيس "التغيير"، لجهة "السرعة" التي يتحقَّق فيها.

    "الشيء"، في المنطق الصوري (الشكلي) الذي أنشأه وأسَّسه أرسطو، يساوي، أو يَعْدِل، أو يطابِق، نفسه، فـ "الشمس"، مثلاً، هي "الشمس"، وليس ممكناً أن تكون في الوقت نفسه، أو في اللحظة نفسها، شيئاً آخر؛ فإنْ هي تغيَّرت فلا تتغيَّر من حيث الجوهر والأساس والماهية، أي أنَّها لا تَعْرِف من التغيُّر إلاَّ ما يُعبَّر عنه بـ "لغة الأرقام" فحسب، كأن "يزيد" حجمها، أو "تنقص" كتلتها.

    إنَّ الأشياء جميعاً تتغيَّر؛ وإنَّ أحداً من الناس لا يستطيع أنْ يُنْكِر أنَّ "التغيُّر" هو وحده "الثابت"؛ ولكن، هل من "حيِّز من الزمن" لا يتغيَّر فيه شيء ما؟

    كلاَّ، لا وجود لحيِّز زمني كهذا، فـ "الشيء"، أيُّ شيء، وكلُّ شيء، يتغيَّر (يختلف، يتغاير) في استمرار، في كل "لحظة"، ومهما صَغُرَت "اللحظة"، فإنَّ "الزمن الصفري" لا وجود له أبداً، وإنَّ "اللحظة الصغرى"، أي التي لا وجود للحظةٍ أصغر منها، لا وجود لها حتى في "الكسور" من الزمن، فأجزاء "الثانية الواحدة" لا عدَّ لها ولا حصر؛ وليس من "جزء زمني" يمكن أن يكون شبيهاً بما يسمَّى "الجسيم الأوَّلي"، فدائماً ثمَّة زمن أصغر من أصغر زمن نعرف حتى الآن.

    و"المكان (بأبعاده الثلاثة)"، أيضاً، ومهما صَغُر حجماً، أو طولاً، لا يمكن أن ينتهي بالتجزئة إلى ما يشبه هذا "الجسيم"، فدائماً ثمَّة مكان أصغر من أصغر مكان نعرف حتى الآن.

    أُنْظُرْ إلى هذه "القطرة" من الماء، فبعد انقضاء زمن، يُحْسَب بالدقائق، أو الساعات، تتبخَّر، أي تتحوَّل إلى غازٍ غير مرئي (بخار الماء).

    وحتى ينقضي هذا الزمن، وتتبخَّر، قد نظن أنَّ "القطرة" لم تعرف أي تغيير؛ ولكن يكفي أنْ نَنْظُر إلى "داخلها" بـ "عين اصطناعية (مجهر)" حتى نرى كثيراً من التغيير يعتريها؛ وبعض هذا التغيير هو من صنف "الحركة في المكان"، كاهتزاز الجزيئات، أو انتقالها من موضع إلى آخر.

    ولو كان في مقدورنا أنْ نرى عَبْر "عين اصطناعية ما" كل شيء في داخل هذه القطرة (كالذرَّات ونواها، والإلكترونات، والبروتونات والنيوترونات، والجسيمات الأصغر، والفوتونات، وسائر أنواع الجسيمات الحاملة أو الناقلة للقوى) لَرَأيْنا بعضاً من مادة "القطرة" يتغيَّر في النوع (في جزء ما من أجزاء الثانية) أو ينحل ويتفكَّك أو يتحرَّك في المكان؛ ولَرَأيْنا "القطرة" تُطْلِق، وتمتص، في كل جزء من أجزاء الثانية، جسيمات تسير بسرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة).

    هذا التغيير (أو الاختلاف أو التغاير) في داخل تلك "القطرة"، نراه دائماً بـ "عين اصطناعية ما"؛ نراه في كل ثانية، وفي كل كسر من كسور الثانية الواحدة، وفي أصغر كسر من كسور الثانية الواحدة (التي لا عدَّ ولا حصر لكسورها).

    إنَّ "جسيمات (هي من مادة عديمة الكتلة)"، تَحْمِل، أو تَنْقُل، "قوى (أي تأثيرات)"، وتسير (بعد انطلاقها من مادة ما) في الفضاء، أو الفراغ، مهما كان مداه صغيراً أو كبيراً، بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، هي التي تتسبَّب بـ "تغيير ما"، في "مادة ما"، عندما تضربها، أو تصطدم بها.

    و"القوى"، أو "التأثيرات" المحمولة في جسيمات ما، لا تَظْهَر إلاَّ على هيئة "أزواج"، فإنَّ لكل "قوَّة" ضديدها من القوى، تَظْهَر معه، وتختفي معه.

    أُنْظُرْ إلى التناقض في القوى الذي تنطوي عليه نواة ذرَّة ما؛ فهذه النواة متماسِكة متَّحِدة مع أنَّها تتألَّف من بروتونات متنافرة.

    إنَّها تتماسَك وتتَّحِد بفضل قوَّة تسمَّى "القوَّة النووية الشديدة"، فهذه "القوَّة" تصارِع ضديدها، وهو "قوَّة التنافر" بين البروتونات، فتتغلَّب عليه، وتكبح جماحه، فتُرْغَم تلك البروتونات على الاتِّحاد في نواة الذرَّة؛ وهذا الاتِّحاد إنَّما يعني أيضاً أنَّ "قوَّة التنافر" بين البروتونات تظلُّ موجودة؛ ولكن على هيئة "قوَّة مقهورة، مُسَيْطَر عليها"، فإذا هي تلقَّت من "الغذاء" ما يكفي لجعلها تنمو، ولتحويل ضعفها إلى قوَّة، تغلَّبت على "القوَّة النووية الشديدة"، وتمزَّقت نواة الذرَّة بالتالي.

    الأشياء جميعاً، ومهما صَغُرِت أو كَبُرَت، تتبادل، في كل لحظة، ومهما تناهت "اللحظة" في الصِّغَر، جسيمات (حاملة للقوى أو التأثيرات) تسير بـ "السرعة القصوى" في الكون (سرعة الضوء).

    ليس من "لحظة"، مهما كانت صغيرة وضئيلة، لا تتألَّف من "لحظات"، فإنَّ أصغر زمن نعرف، أو يمكن أن نعرف، لا بدَّ من أنْ يُوْجَد فيه "شيء تغيَّر وتغاير واختلف".

    افْتَرِضْ أنَّ الثانية الواحدة تتألَّف من بليون جزء، أو لحظة. إنَّ البروتون، مثلاً، يتغيَّر ويختلف (ولا بدَّ له من أن يتغيَّر ويختلف) في كل جزء من هذه الأجزاء (أو في كل لحظة من هذه اللحظات). وليس من "لحظة" لا يتغيَّر فيها البروتون أو يختلف، فالشيء الذي لا يتغيَّر أبداً، أو في كل لحظة، إنَّما هو الشيء المستحيل الوجود؛ إنَّه شيء لا وجود له؛ إنَّه "العدم" نفسه.

    أمْران لا يجتمعان أبداً: "انعدام الزمن" و"وجود الشيء".

    أمَّا أنْ نقول بـ "وجود الزمن"، وأنْ نقول، في الوقت نفسه، بـ "عدم التغيُّر"، فهذا هو السخف بعينه؛ ذلك لأنْ لا وجود للزمن نفسه إذا ما انعدم التغيُّر، فالزمن والتغيُّر إنَّما هما وجهان لعملة واحدة. "الزمن" يعني "التغيُّر"؛ و"الزمن" هو "مقياس التغيُّر".

    ما معنى أنْ يُوْجَد شيء ما، وأنْ يتغيَّر؛ ولكن في غياب (أو انعدام) الزمن؟

    "الشيء الموجود" إنَّما هو شيء عَرَف (من قبل) لحظة النشوء؛ والشيء الذي عَرَف لحظة النشوء إنَّما هو الشيء الذي لا بدَّ له من أنْ يعرف، مستقبلاً، لحظة الزول.

    و"الشيء" يكفي أنْ يعرف لحظتي "النشوء" و"الزوال" حتى يصبح وجود الزمن، ووجوب وجوده، أمراً لا ريب فيه.

    ولكنَّ لحظتي "النشوء" و"الزوال" ليستا بجزء من التغيُّر الذي يعتري الشيء، فالتغيُّر إنَّما هو التغيُّر الذي يعتري الشيء بين لحظتي "نشوئه" و"زواله".

    و"الشيء" يكفي أن يتغيَّر (ويختلف ويتغاير) حتى يصبح له "تاريخ"؛ وتاريخ الشيء إنَّما هو "اللحظات الزمنية الثلاث" للشيء، أي "حاضره" و"ماضيه" و"مستقبله".

    إذا لم يكن من معنى لوجود شيء ما، ولتغيُّره، في غياب (أو انعدام) الزمن، فهل من معنى لوجود زمن لا يتغيَّر فيه الشيء؟

    الشيء، كل شيء، له "تاريخ"، أي له "ماضٍ" و"حاضر" و"مستقبل".

    إذا كان "هذا" الشيء في ماضيه هو نفسه في حاضره، وإذا ظلَّ هو نفسه في مستقبله، فما معنى أن يكون له "تاريخ"؟!

    أين هو هذا الشيء الذي له ماضٍ وحاضر ومستقبل؛ لكنَّه ظلَّ هو نفسه في "اللحظات الزمنية الثلاث"؟!

    أنتَ لكَ "ماضٍ" و"مستقبل"؛ وهذا إنَّما يعني، ويجب أن يعني، أنَّكَ كنتَ في ماضيكَ مختلفاً عمَّا أنتَ عليه في حاضركَ؛ وأنَّكَ ستختلف في مستقبلك عمَّا أنتَ عليه في حاضركَ.

    ما معنى أنَّ الشيء لا يمكن أن يكون، أو أن يظل، مساوياً لنفسه (أو هو نفسه)؟

    معناه أنَّ الشيء (كل شيء، مهما كَبُر أو صَغُر) يتغيَّر (يختلف، يتغاير) في استمرار.

    ولكن، ما معنى عبارة "في استمرار"؟

    معناها "في كل لحظة".

    إذا كانت "اللحظة" تَعْدِل "سنة" فإننا يجب ألاَّ نختلف في أنَّ هذا الشيء يتغيَّر كل سنة.

    وإذا كانت تَعْدِل "دقيقة" فإننا يجب ألاَّ نختلف في أنَّه يتغيَّر كل دقيقة.

    وإذا كانت تَعْدِل ثانية فإننا يجب ألاَّ نختلف في أنَّه يتغيَّر كل ثانية.

    وإذا كانت تَعْدِل جزءاً (صغيراً، أو متناهياً في الصِّغَر) من الثانية فإننا يجب ألاَّ نختلف في أنَّه يتغيَّر في كل جزء من أجزاء الثانية.

    "الشيء"، أي "كل شيء"، يتغيَّر في كل جزء من أجزاء الثانية الواحدة، ومهما كان هذا الجزء صغيراً وضئيلاً، فلا وجود لزمن بسبب ضآلته لا يتغيَّر فيه الشيء أبداً؛ وإنَّ لحظات "الماضي" و"الحاضر" و"المستقبل" نراها جميعاً في كل زمن؛ نراها حتى في الزمن المتناهي في الصِّغَر والضآلة.

    "الآن" إنَّما هي "لحظة قَيْد التحوُّل إلى ماضٍ"، أو إلى "مزيدٍ من الماضي"، أو إلى "الماضي الأقرب"؛ ولكنَّ هذا "الماضي الجديد" لن "يَظْهَر" إلاَّ مع ظهور ما كان منتمياً إلى "المستقبل"، أي مع تحوُّل هذا الذي كان منتمياً إلى "المستقبل" إلى "حاضِرٍ جديد"؛ وهذا هو المعنى المزدوج لـ "زوال الحاضر"، أي لزوال "الآن".

    هل الزمن "شيء"؟

    وهل للزمن من "نهاية"، في أجزائه، تشبه "الجسيم الأوَّلي"؟

    الزمن ليس بـ "شيء"؛ لأنَّ "الشيء" يجب أن تكون له بداية ونهاية في الزمن؛ فلو كان الزمن "شيئاً" لَوَجَب أن تكون للزمن بداية ونهاية في الزمن!

    والشيء له لحظتا نشوء وزوال؛ فلو كان الزمن شيئاً لوَجَب أن تكون له هو أيضاً لحظتا نشوء وزوال؛ ولو كان الزمن شيئاً ينشأ ويزول لوَجَب أن تكون "المادة" شيئاً ينشأ ويزول؛ ذلك لأنْ لا وجود لمادة بلا زمن.

    "التغيير" و"الزمن" متلازمان، فلا وجود لأحدهما إلاَّ مع الآخر؛ وليس من "مقياس" نقيس به "التغيير (أي سرعة التغيير)" إلاَّ "الزمن".

    و"الزمن" كـ "المادة"، لا ينشأ ولا يزول؛ ولكنَّه "يتغيَّر"، فهو ليس بالشيء "الثابت"، لجهة "سرعته"، أي لجهة "سرعة جريانه وتدفُّقه"؛ إنَّه عُرْضَة لـ "التسارُع" و"التباطؤ".

    ولقد شرحنا وأوضحنا من قبل ما يتسبَّب بتسارعه وتباطؤه، وكيف نفهمهما.

    الكون، وبحسب مفهوم "الوحدة التي لا انفصام فيها بين الزمان والمكان"، أي بين "الأبعاد الأربعة (الطول والعرض والارتفاع والزمن)"، يتألَّف من أجزاء لا عدَّ لها ولا حصر؛ وكل جزء (كالنجم أو الكوكب أو الجسيم..) يشبه "المُربَّع"، أي يتألَّف من "أربعة أبعاد" هي: الطول والعرض والارتفاع (أي أبعاد المكان) والزمن.

    وهذا "المُربَّع"، الذي فيه يتَّحِد المكان والزمان اتِّحاداً لا انفصام فيه، يمكن أنْ يسمَّى "الزمكان" Spacetime.

    وكل بُعْدٍ من الأبعاد الأربعة يُقاس (قياساً موضوعياً، ومن خلال أدوات قياس، كالمتر والساعة) إمَّا من "الداخل"، أي من داخل "المُربَّع"، وإمَّا من "الخارج"، أي من خارج "المُربَّع"، فـ "الحقيقة (الموضوعية)" حقيقتان: حقيقة تخصُّ "داخل المربَّع"، وحقيقة تخصُّ "خارجه".

    ونوضِّح هذا "التناقض الموضوعي للحقيقة"، في مثال، فنقول لو انطلق جسم طوله 100 متر من كوكب الأرض إلى كوكب كتلته تفوق كثيراً كتلة كوكب الأرض، ولو هبط ذاك الجسم على سطح هذا الكوكب، وقام مراقِب أرضي بقياس طول ذاك الجسم قياساً موضوعياً لوَجَد أنَّه يقلُّ عن 100 متر؛ أمَّا لو قام مراقِب هناك بقياس طول الجسم نفسه (قياساً موضوعياً) لوَجَد أنَّه 100 متر.

    ولو قام "المراقِب الأرضي" بقياس المسافة بين كوكبه وذاك الكوكب لوَجَد أنَّها (مثلاً) 500 مليون كيلومتر؛ أمَّا لو قاسها مراقِب في الكوكب الآخر لوَجَدها (مثلاً) 300 مليون كيلومتر.

    أمْرٌ واحد فحسب يتَّفِق المراقِبَيْن في نتيجة قياسه وهو سرعة الضوء (أيُّ ضوء) فإنَّ كليهما يَجِد أنَّ سرعة الضوء تظل ثابتة لا تزيد ولا تقل عن 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

    إنَّ التناقض الذي ينطوي عليه كل "مُرَبَّع"، والذي يدركه "المراقِب الخارجي"، هو التناقض بين "التقلُّص" و"التمدُّد"، فكلَّما "تقلَّص" المكان، "تمدَّد (أي تباطأ)" الزمان؛ وكلَّما "تمدَّد" المكان، "تقلَّص (أي تسارع)" الزمان.

    "المراقِب الخارجي" قد يرى تباطؤاً في سَيْر الزمن في "مُرَبَّع كوني ما"، فإذا رآه فهذا إنَّما يعني أنَّ كل تغيير هناك يتَّسم بالبطء النسبي، أي نسبةً إلى هذا المراقِب؛ فإنَّ كل تباطؤ في الزمن يعني تباطؤاً في التغيير؛ ولكن ليس كل تباطؤ في التغيير يعني (أي يجب أن يعني) تباطؤاً في الزمن، ففي كوكب الأرض يمكن أن نرى التغيير نفسه يُسْرِع تارةً ويبطؤ طوراً، من غير أن يتباطأ سَيْر الزمن الأرضي.


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()