ينشر اليوم السابع النص الكامل لحيثيات الحكم الصادر بحق رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وضابط أمن الدولة السابق محسن السكرى فى قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم.
الحيثيات التى جاءت فى 161 صفحة من القطع المتوسط طوت صفحة أكبر فى حياة طلعت مصطفى ارتدى خلالها بدلة الإعدام الحمراء، وفتحت صفحة جديدة بعنوان "15 سنة سجن" يرتدى فيها الزى الأزرق بمحبسه فى سجن طره بعد 14 جلسة محاكمة ساخنة بالجولة الثانية من المحاكمة استغرقت 6 شهور متواصلة أمام القاضى عادل عبد السلام جمعة (أشهر قضاة مصر).
حيثيات حكم بحبس هشام 15 عاماً ومحسن 28 عاماً تضمنت شرحاً كاملاً للدعوى منذ بدايتها وحتى الفصل فيها، وتم تقسيم الحيثيات إلى 7 أركان رئيسية تبدأ بـشرح كامل للدعوى والتخطيط للجريمة، وكيفية تنفيذها وتحركات المتهم الأول بين القاهرة ولندن ودبى لتنفيذ جريمته، وأدلة الثبوت الواردة بأوراق التحقيقات ومحاضر الجلسات، وأدلة الإدانة التى اعتمدت عليها المحكمة بالنسبة للمتهم الأول، وأدلة الاشتراك والاتفاق بينه والمتهم الثانى، بالإضافة إلى الكواليس التى دارت بجلسات الجولة الثانية من المحاكمة فيما يتعلق بالاسطوانات التى تحمل صور السكرى بين برج الرمال وفندق الواحة بدبى فى تاريخ متزامن مع ارتكاب الجريمة، والتى شكك الدفاع فيها.
وتنتهى الحيثيات بالأسباب المنطقية التى اعتمدت عليها المحكمة فى الرأفة بالمتهمين والنزول بدرجة العقوبة لكليهما من حكم الإعدام الصادر بالجولة الأولى من المحكمة رغم اقتناع المحكمة بأن المتهم الأول قاتل والثانى محرض وشريك، إضافة إلى تفسير قانونى واضح لأسباب إصدار المحكمة حكما على المتهمين دون الاستماع إلى مرافعاتهم أو حتى تلقى مذكرات دفاع من محاميهم على خلاف ما يتم فى باقى القضايا.
الأدلة التى اطمأنت إليها المحكمة فى إدانة محسن بقتل سوزان تميم
الركن الأساسى من أركان الحيثيات تمثل فى أدلة إدانة محسن السكرى واعترافاته التى اعتمدت عليها المحكمة فى معاقبة بالسجن 28 عاما عن جريمتى القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وحيازة أسلحة.
الحيثيات أخذت بعدد من اعترافات ورفضت اعترافات أخرى استنادها للقانون الذى يسمح لمحكمة الموضوع تجزئة أى دليل، ولو كان اعترافاً فتأخذ به ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، فالمحكمة أخذت باعتراف المتهم الأول بحق المتهم الثانى هشام طلعت مصطفى، والمتمثل فى الاتفاق معه على قتل المجنى عليها والتحريض على ذلك بأنه ساعده على استخراج تأشيرة السفر إلى لندن لتنفيذ الجريمة هناك، فضلاً عن حجز غرفة له بأحد الفنادق وإمداده بمبالغ مالية تقدر بـ 50 ألف يورو و20 ألف جنيه إسترلينى أودعهم له فى حسابه ببنك hsbc، وأضافت المحكمة فى حيثياتها إنها استندت إلى اعتراف محسن بأن هشام أمده بعنوانين للمجنى عليها بلندن ورقم سيارة كانت تستخدمها فى تحركاتها، مضيفا أنه فى مرحلة تنفيذ الجريمة طلب المتهم الثانى منه السفر إلى دبى لقتل المجنى عليها مقابل مليونى دولار، واستخرج له تأشيرة السفر لدبى.
ومثلما أخذت المحكمة باعترافات محسن على هشام فقد أخذت أيضا باعترافات محسن على نفسه بكافة الوقائع التى ارتكبها منذ بدء ظهور فكرة القتل والانتقام لدى المتهم الثانى، وظروف وملابسات الخطة لتنفيذ الجريمة بداية من اعترافاته بصحة توقيعه على إيصالى سداد قيمة مشترياته من محل ساند إن صنداى عن طريق الماستر كارد بتاريخ 27 يوليو 2008، وإقراره بأن البنطال الذى اشتراه يشبه البنطال المدمم المعثور عليه بصندوق الحريق وكذلك إقراره بأنه هو الذى اصطنع الرسالة والظرف المضبوطين بموقع الجريمة وكذلك الحقيبة الجلدية بنية اللون وما بها من أموال، والتى تم ضبطها بفرن البوتاجاز بشقته بمدينة شرم الشيخ.
فيما لم تعتد المحكمة بأقوال المتهم بجلسة التجديد يوم 16 سبتمبر 2010، والتى قال فيها المتهم "رحت حطيت للبنت مقلب علشان هشام يشوف شغله وحطيت البرواز بس، ورحت يوم 24 والأسانسير اللى طلعنى هو اللى نزلت فيه وأعطيته البرواز، وفهمت هشام إنى حطيت لها مخدرات فى البرواز وهو مقلب علشان يتحبس الراجل العراقى اللى مرافقها، وهذه هى الحقيقة واتصلت بهشام ولعبت عليه".
ولم تعتد المحكمة بإنكاره قتل سوزان تميم مؤكدة أنه توجه إليها يوم 18 يوليو 2008 وقام بقتلها نحرا، مشيرة إلى أن محسن السكرى هو الشخص ذاته الذى تتبعه كاميرات المراقبة فى اللقطات المسجلة على جهاز "الدى فى ار" فضلا عن تطابق البصمة الوراثية لعينة دماء السكرى مع البصمة الوراثية المختلطة المرفوعة من الفتحة الأمامية للتى شيرت المعثور عليه بموقع الجريمة.
مفاجأة.. المحكمة استندت إلى المكالمات الهاتفية بين هشام والسكرى كدليل إدانة رغم عدم الأخذ بها فى الجولة الأولى من المحاكمة
حملت الحيثيات مفاجأة قوية، فقد استندت المحكمة فى إدانتها للمتهمين على المكالمات والرسائل الخطية المتبادلة بين هواتف المتهمين والمرسلة من شركتى موبينيل وفودافون للاتصالات، على غير ما جاء بحيثيات الجولة الأولى من المحاكمة التى ترأسها المستشار محمدى قنصوة، والتى لم تعتد بالمكالمات الهاتفية.
وأوضحت الحيثيات أنهما تبادلا العديد من المكالمات الهاتفية، بالإضافة إلى 12 مكالمة أخرى صادرة من هاتف المتهم الثانى خلال فترة تواجده بالخارج إلى هاتف المتهم الأول فى الفترة من 13 مايو 2008 وحتى 23 يوليو وحتى 23 يوليو منها 5 مكالمات صادرة من إيطاليا و3 من فرنسا ومكالمتان من أوكرانيا ومكالمتان من سويسرا، حيث تراوحت مدة المكالمات الهاتفية بين 20 ثانية إلى 436 ثانية، من ضمنها مكالمتان الأولى الساعة 1:15 دقيقة صباح يوم ارتكاب الجريمة ومدتها 23 ثانية والثانية فى 10:33 مساء يوم 29 يوليو 2007 لمدة 20 ثانية، وهو اليوم التالى لوقوع الجريمة وعودة المتهم الأولى إلى القاهرة، وبالتالى اجتمعت لديه وسائل الاشتراك، وفى مجال الحديث عن الباعث على ارتكاب الجريمة، وإن كان ليس ركناً فيها فهو لدى المتهم الأول الرغبة فى الحصول على المال فقط، وأما المتهم الثانى فإن أوراق الدعوى تفضح بجلاء على أن باعثه هو الانتقام من المجنى عليها لهجرتها له والارتباط برجل آخر بعد الاستيلاء على أمواله وما أنفقه عليها، وما قدمه لها من هدايا والمبلغ الذى سدده للمدعو عادل معتوق والبالغ مليون و500 ألف دولار.
حيث قال المقدم أيمن شوكت فى أقواله إن المتهم محسن السكرى سجل رقم هشام طلعت مصطفى على هاتفه المحمول برمز «HTM»، حيث أرسل إلى هاتف السكرى 7 رسائل كتبت باللغة الإنجليزية، كشفت جميعها عن الاتفاق بين هشام ومحسن على تنفيذ الجريمة، فالرسالة الأولى وصلت إلى هاتف المتهم الأول محسن السكرى، والمسجلة باسم HTM، كتب فيها باللغة الإنجليزية: "كلمنى على أرقام مختلفة.. هناك أخبار سعيدة"، وفى اليوم التالى 10 مايو أرسل هشام إلى محسن برسالته الثانية، ليؤكد عليه من خلالها الاتصال به على رقم محموله الإنجليزى، وقال بالرسالة: "اتصل على هذا الرقم، وكتب رقم 0753063209"، وفى 11 مايو 2008، كانت الرسالة الثالثة التى يؤكد فيها هشام على محسن ضرورة الاتصال به على هاتفه المحمول، وقال فى الرسالة: "لا تنسى الاتصال على الرقم 0753063209"، أما الرسالة الرابعة من هشام إلى هاتف محسن السكرى فكانت بتاريخ 25 مايو 2008، قال فيها هشام: "سيتم تأجيل المهمة.. وسأعمل على تنفيذها بشكل جيد"، أما الرسالة الخامسة فكانت من المتهم محسن السكرى إلى هشام، وذلك فى 29 مايو 2008، والذى ظهر منها أنه يطلب أموالاً من هشام، حيث جاء نصها: "أرجو ألا تنسى إرسال بعض الأموال"، وفى 5 يونيو الماضى، أرسل هشام رسالة إلى محسن السكرى، قال فيها: "اتصل بى.. الحكاية قربت خلاص"، وفى 10 يوليو الماضى أرسل هشام للسكرى رسالة قال فيها: "هنتقابل قريب.. أنا مستعجل أكثر منك.. لكن لازم المهمة تتم بشكل جيد".
كيف أصدرت المحكمة حكماً قضائياً دون الاستماع إلى مرافعة الدفاع أو على الأقل تلقى مذكرات؟
وعن اللغط القانونى والإعلامى بشأن إصدار المحكمة الحكم على هشام والسكرى دون الاستماع إلى مرافعات الدفاع أو حتى تلقى مذكرات منهم، فقد أكدت المحكمة فى حيثياتها بالصفحة 108 أن المقصود بمصطلح "شفوية المرافعة" أو "المرافعة الشفوية" هى شفوية الإجراءات بالجلسات، والتى تتضمن حددها القانون بضرورة تقديم المحامين دفاعاً جدياً عن المتهمين دون أن يحدد القانون شكلاً خاصاً لها.
وأضافت الحيثيات أنه ثابت فى محاضر الجلسات خلال 14 جلسة أن المحامين جاهدوا فى الدفاع عن المتهمين، حيث طلبوا العديد من الطلبات منها سؤال شهود إثبات وشهود نفى واستدعاء خبراء لإجراء تجربة عملية لتحديد إمكانية التلاعب فى كاميرات المراقبة والعبث بالصور الملتقطة، حيث ناقش الدفاع الشهود مناقشة مستفيضة وكافة الخبراء الفنيين.
وتمسك الدفاع الحاضر مع المتهمين بدافعه ودفوعه السابق إبداؤها أمام المحكمة فى المحاكمة الأولى، وما قدموه من مذكرات طلبات على النحو الثابت بمحرض الجلسات وعلى نحو سلف ذكره، ولما كان من المقرر قانونا أن المقصودة بمصطلح "شفوية المرافعة" أو المرافعة الشفوية التى يجب أن تتم ما تحقق بمعنى المرافعة الشفوية كما عناه القانون.
وأوضحت الحيثيات أن دفاع المتهمين كان يريد إطالة أمد التقاضى دون مبرر من خلال طلبات تسويفية سبق وأن استمعت إليها المحكمة، سواء فى الجولة الأولى أو الثانية من المحاكمة، مشيرا إلى أن الدفاع أثبت فى ص 70 بمحضر جلسة يوم 26 أكتوبر 2010 أنهم جاهزون للمرافعة، وطلبوا التأجيل إلى نهاية الدور لإبدائها عقب سماع مرافعة النيابة، واستجابت المحكمة لطلبهم، ومرت الأيام وانتهت النيابة من المرافعة وبالجلسة المحددة لسماع مرافعة الدفاع، فوجئت المحكمة بالدفاع يتقدم بـ 14 طلباً منها سماع شهادة خبراء سبق الاستماع إليهم، فضلا عن طلبهم بالانتقال إلى دبى لمعاينة موقع الحادث، وهى الطلبات التى ليس لها أى هدف سوى إطالة أمد التقاضى فى الدعوى دون مبرر.
وأكدت الحيثيات أن شفوية الإجراءات قد تحققت فى الدعوى مؤكدة على أن المحكمة أخذت بالمذكرات التى تقدم بها الدفاع ومرافعته بالجولة الأولى من المحاكمة حسبما ورد بالصفحة 110 من الحيثيات.
أسباب تخفيف المحكمة حكمها من الإعدام إلى السجن 28 عاما للسكرى و15 لهشام
أكدت المحكمة فى الصفحة 156 من الحيثيات أنه "نظرا لظروف الواقعة وملابساتها، ترى المحكمة أخذ المتهمين بقسط من الرأفة بالنسبة للاتهام الأول المسند إلى كل منهما بأمر الإحالة _ القتل العمد مع سبق الإصرار للمتهم الأول والاشتراك فيه للمتهم الثانى _ فى نطاق ما تسمح به المادة 17 من قانون العقوبات.
أسباب عدم أخذ المحكمة بتنازل عائلة سوزان تميم عن دعواها المدنية ضد هشام
أوضحت الحيثيات فى الصفحة 156 أن المحكمة لم تأخذ فى حكمها بتنازل عائلة سوزان تميم الذى تم تقديمه إلى المحكمة، وأشارت المحكمة إلى أن التنازل لم يقدم بمعرفة المدعيين مدنياً بشخصهم أو دفاعهم، والذى لم يحضر الجلسات، وهو الأمر الذى يقتضى تحقيقاً خاصاً، مما قد يعطل سير الفصل فى الدعوى الجنائية لذلك، فقد تم إحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة.
الجدير بالذكر أن ذلك التنازل، الذى جاء فى ورقة واحدة، ثار حوله جدل إعلامى وقانونى كبير، خاصة فيما يتعلق بالأموال الطائلة التى دفعتها عائلة طلعت مصطفى لعائلة سوزان تميم من أجل تحرير ذلك التنازل، والذى يزيد من الموقف القانونى لهشام فى القضية، ورغم ذلك كانت نتيجته النهائية "صفر".