الـقصص التـى سـمعناها والحكم والأمثال التـى قرأناها، كلها تـجمع عـلى أن معادن الرجال وأصالتهم تظهر عند الشدائد، وأن اللحظات الصعبة فى تاريخ الأمم تـصنع الـرجال الذين لايهربون من تحمل المسؤولية، ولا يرتعدون أو ترتعش عقولهم قبل أيديهم فى مواجهه الأزمات.
فى واقع الحياة الرجال يولدون من رحم المعاناة، فما بالك لو أن هؤلاء الرجال هم وزراء فى حكومة تحكم بلداً بحجم مصر، وفى مواجهه أزمة أغرقت البلاد من أقصاها إلى أقصاها فى ظلام دامس لأيام وليال فى قيظ أغسطس لم تظهر معادنهم فى مواجهة الشدة الكهربائية وتهربوا من مسؤولياتهم، وبدلا من الوقوف كالرجال فى المواجهة والاعتراف بالمسؤولية والتحرك فى مواجهه الكارثة، تنصلوا من مسؤولياتهم وتبادلوا الاتهامات.
وكما يقال بأن الهزيمة يتيمة والنصر له ألف أب فلم تجد أزمة الكهرباء مسؤولا شجاعا يواجه الانتقادات كما الرجال، والحال ذاته فى أزمة القمح ورغيف الخبز، ففى الأولى نشبت المعركة بين وزير الكهرباء حسن يونس، ووزير البترول سامح فهمى، وترك الاثنان الناس فى الظلام وراحا يتنصلان من المسؤولية، وفى ظنى لولا الأمر الرئاسى بالتصالح المباشر بين الوزيرين لاستمر مسلسل «فهمى ويونس» دون تدخل من كبير الوزراء الذى اختفى ولم يُسمع له صوت أو تدخل لحسم الخلاف، ووضع كل وزير أمام مسؤوليته.
ما نظنه أننا أمام حكومة رجال تقوم على أمور البلاد وتصريف أحوالها ومواجهة أزماتها وبلاويها التى تسببوا فيها، ولسنا بصدد حكومة تشبه حكومات العيال فى شوارعنا القديمة والحارات.
ما كشفت عنه خناقة الكهرباء بين يونس وفهمى، وعركة القمح بين التضامن والتجارة والزراعة، أثبتت أننا إزاء حكومة غير متجانسة لا رابط ولا ضابط لها.. حكومة مهترئة مفككة لاتعزف لحناً واحداً، ويغيب عنها التنسيق والترابط، ولا يتدخل كبيرها فى الأزمات التى تنشب بين وزرائه لأنه قد يدرك أنه لايرأس حكومة واحدة بل عدة حكومات.
فهل بمثل هؤلاء الوزراء يمكن أن تدار أزمات البلاد، فإذا كانت الحكومة غير قادرة على إدارة الأزمات بين أعضائها وحل الخلافات التى تنشب بينهم، فهل هناك ثقة فى أن تكون قادرة على حل مشاكل مصر؟!
انشغلت الحكومة بخناقة يونس وفهمى ولم يخرج علينا حتى الآن الدكتور نظيف بعد أن وضعت الخناقة أوزارها ليطرح علينا الحلول الجذرية لأزمة الكهرباء والقمح، ويعلن حالة طوارئ حقيقية، فتوريد الغاز لمحطات التشغيل ليس الحل ولكنه «مسكن» مؤقت، وضحك على الناس لأن الخبير فى شؤون الغاز يعرف تماما أن رفع إنتاجية الغاز سواء لمد محطات التشغيل أو للتصدير هو بمثابة إهدار للاحتياطيات، والحل فى البحث عن بدائل أخرى للطاقة.
وأزمة القمح لن تحلها بدائل الاستيراد، ورهن غذاء دولة بظروف مناخية ودولية، فالحلول موجودة ومعروفة وتحتاج فقط لحكومة من الرجال الحقيقيين.