شبكة النبأ: يولد الطفل خامة طبيعية يسهل تشكيلها بيد الأهل ومشيئة الأقدار. من هذه الخامة يخرج الرجل الشريف والمجرم الخطير، وما بينهما من تشكيلة، نماذج. يجري الى الشارع أو يلعب في الأجهزة الكهربائية، يقترب من المروحة وهي دائرة، أو من ماء ساخن جدا، قد يقترب من شيء يمكن أن يؤذيه مثل فرن، آلة حادة، حيوان غاضب.. في هذه الحالات وما يشبهها ينبغي أن يسمع الطفل كلمة (لا) حازمة حاسمة وأن يبعد مصدر الخطر عنه.
ما يقرر مصير هذه الخامة هو:
1ـ القدوة الحسنة.
2ـ الحب الوالدي.
3ـ الإرشاد.
4ـ العقاب.
العقاب:
لأهمية موضوعة العقاب في التربية نحاول تسليط الضوء عليه.. وهو يتراوح بين النظرة المؤنبة الحازمة وبين الصفعة بالكف. في مصر تسمى (العلقة السُخنة) لأنهاـ كما أعتقد ـ تعلق في ذهنه، في العراق (الراشدي) من الرشد أي ترشده للطريق الصحيح... انها مجرد خيط، إننا نحاول أن نمنع من عمل شيء فنضربه أو نتوعده، نؤذي شعوره بصورة ما حتى لا يفعل مرة أخرى الشيء الذي استحق عليه العقاب.
الوالدان الذين يلجآن الى العقاب كثيرا لا يساعدون أطفالهم على النمو السليم بل انهم لا يساعدونهم حتى على اكتساب النظام أو التوقف عن تكرار الخطأ الذي من أجله يعاقبون. إن كل ما يستطيعون الوصول إليه بالعقاب أن يمنعوا الطفل من عمل شيء ما دون أن يساعدوه على التوصل الى الحل الحقيقي أيا كان شأنه.
بعض الأباء والكثير من المدرسين ينظرون الى العقاب من أفق ضيق جدا فالعقاب في نظرهم هو ضرب الطفل ولا شيء غير الضرب.
إن كثيرين من الآباء يلجأون الى الضرب والعقاب في كثير من الأحيان للطفل، مع الأسف يجهلون المبادئ الأولية والأساسية في نمو الطفل. يضيقون بما يصدر عنه فيسرعون الى ضربه أو عقابه بصورة أو بأخرى كلما أتى الطفل مالا يروق لهم. إن هذا يعرضهم لعوامل نفسية متعددة.. يضجرون بمطالب الطفل، يصل بهم التركيز على ذواتهم الى درجة تجعلهم لا يدخلون احتياجات الطفولة ضمن التزاماتهم بالنسبة للضمير، يعتبرون أن كل تصرف منه يخرجهم بعض الشيء عن الراحة التي ينعمون بها واعتبارهم عبئا لا يطيقون احتماله فينفسون عن أنفسهم بضرب الطفل وعقابه.
ما أكثر ما سمعنا وشهدنا من والدين فزعوا من أطفال لم يتجاوزوا السنة الأولى وضربوهم لأن الصغير رأى جهاز موبايل أبيه على مقعد أو منضدة صغيرة فقصد اليه وأمسكه ووقع منه فانكسر، أو لأنه قلب منفضة سجائر بما فيها من أعقاب على السجادة، أو لأنه كسر كوبا، آنية زجاجة كانت في متناوله والمشكلة أمام الضيوف!.
إن بعض الوالدين وخاصة صغار السن منهم يظنون ان الوقت قد حان لتعليم الطفل النظام عن طريق إخافته وعقابه بالضرب، لكن الواقع أن هذا التصرف منهم يدل على أنهم يخلطون خلطا غير مأمون بين النظام والعقاب.
شتان ما بين الأثنين.. فالعقاب مجرد ضبط (سلبي) أما النظام فإنه ضبط (إيجابي)، هو أصعب في ممارسته من العقاب لأنه يتضمن التخطيط والنظر الى الأمام، كما أنه يؤدي في نهاية الأمر الى أن يرغب الطفل في عمل الشيء الذي يراه الوالدان صوابا.
متى نقول لا:
في المواقف التي يتحتم علينا استخدام كلمة (لا) لا يجوز أن تقال وحدها، بل ينبغي معها أن يعطى الطفل شيئا يمكن أن يجذب انتباهه أو يشد اهتمامه إليه أو ينبغي أن يعطى شيئا يمكن أن يشغل نفسه به.
من الملاحظ أن بعض الوالدين يقولون كلمة (لا) أكثر مما ينبغي حتى تكاد تكون هي الكلمة الغالبة التي يسمعها الطفل. فلا يكاد يمد يديه الى شيء ما حتى تسبقه كلمة (لا) لذ لا يترك مجال لعمل شيء وليس من المستغرب أن يمل الطفل هذا الوضع فيصبح عصبيا سهل الإستثارة كثير الحركة دائم البكاء فإذا حدث ذلك فعلى الوالدان أن يراجعا نفسيهما في هذا الأمر فلعلهما إن اقتصدا في قول هذه الكلمة أن يوفرا على أنفسهما وعلى الطفل عناء لا، لا لزوم لها.
على الوالدين أيضا أن يدركا أن كلمة (لا) إذا وجب أن تقال في موقف ما.. فيجب أن تقال دائما كلما تكرر هذا الموقف، وإلا فإن الطفل سيشعر بأنه لن يستطيع الاعتماد عليهما، كذلك لا تقال إلا حين يجب فعلا أن تقال. بهذا الوضع فقط يمكن للطفل أن يتعلم كيف يكف نفسه عن القيام بأمور كثيرة يود أن يقوم بها لأن هذا التدريب لازم له مدى الحياة. فما أكثر ما يجب علينا نحن الكبار أن نمتنع عن القيام به إذا شئنا أن يكون لنا أصدقاء وأن نحتفظ بهم.
الضرب:
الذين يتخذون من الضرب وسيلة للتربية عليهم معرفة، إن الضرب عقوبة لا تليق بآدمية الإنسان، خصوصا الضرب بالكف على الوجه أو بالعصا على الأرجل أو أمام الآخرين. الضرب يحطم نفسية الإنسان، يشعره بالمهانة، التحقير، الإذلال، يصيبه بالخجل إذا تم أمام الغرباء أو أمام أشخاص لا يريد أن يروا أهانتهم أو إذلاله.
الضرب كعقوبة خاصة في المدارس وأمام باقي التلاميذ يفسد نفسية الإنسان، يصيبه إما بالخوف الشديد، الخجل، التلعثم، فقدان القدرة على الإجابة السليمة، التردد أو يصيبه نوع من البلادة وتبلد الأحاسيس واللامبالاة بهذا الضرب.
في الحالتين يؤدي الضرب الى نتائج سيئة محطمة للنفسية.
الشعور بالتقدير:
شعور الطفل بتقدير الكبار من أفراد أسرته وفي مدرسته لما يفعل ينبه فيه خير ما عنده، يبعث لديه الحماس للقيام بخير ما يستطيع،أما إن لقي الاستهانة، التحقير، الضرب، القسوة فلن ينبت ذلك في نفسه إلا الشعور بالمرارة والعجز وفقدان الثقة بالنفس. ذلك أن قدرات الطفل تتغذى وتنمو على التشجيع، لكنها تضمر وتموت على التقريع والتثبيط.
لا يعني هذا بألا ينتقد الإنسان أو يراجع إذا أخطأ وألا يحفظ من التعرض لأخطار، لكن ما أبعد بين المراجعة في رفق والوقاية في هلع أو الإشاحة في إهمال وازدراء أو اللوم في تحقير وعنف.