عدت الطفولة المرحلة الاولى في حياة الانسان التي ترسم سمات شخصية اياً منا نحن الكبار في المراحل اللاحقة من العمر،ذكرا كان ام انثى،لتأتي بعدها مرحلة المراهقة، مرحلة الامتحانات والمخاضات العسيرة في حياة الكل دون استثناء، حتى سميت هذه المرحلة علميا بأزمة المراهقة والتي عرفها( احمد عزت راجح) بانها حالة انفعالية مؤلمة تنشأ من الاحباط الناتج عن دافع او اكثر من الدوافع القوية، ويضيف( راجح) بقوله ان المراهق لا تظهر لديه مشكلات عديدة مادام نموه يسير في اتجاهه الطبيعي، وهي مرحلة تحقيق الذات ومرحلة المرح ونمو الشخصية وصقلها، وبناءا على ذلك يمكننا تعريف المراهقة بانها :
المرحلة التي تبدأ من البلوغ، وهي سن القدرة على التناسل وتنتهي في مجتمعاتنا الشرقية عند حوالي سن ال(22)سنة من العمر.
تؤكد الدراسات النفسية المتخصصة ان مرحلة المراهقة هي المرحلة التي يشعر بها المرء بانه محبوب ومرغوب فيه، وبهذه المرحلة "المراهقة"، تنشأ لديه الحاجة الى الحب، وبعد ان يجد نفسه في آخر يبادله هذه المشاعر يندفع للمشاركة بكل ما يملك من قوة لذا يمكن ان نعدها اعلى مراحل التطور في حياة الانسان فهي ان بدأت صحيحة سارت الامور بشكل سوي وناجح في المراحل اللاحقة،وان تعثرت فانها ستترك العديد من الالام لدى الاهل ولدى المراهق نفسه عندما يمضي قطار العمر.
المراهقة اذن هي مرحلة العواصف التي تتميز ببعض عوامل نشوء الازمة واسبابها ومنها:
• التغيرات الواضحة فسلجيا وبشكل سريع ومفاجئ في شكل المراهق/ المراهقة من حيث حجمه،مظهره، ازدياد رغبته في الاكل.
• ظهور الدوافع المختلفة التي تثير لديه الارتباك والحيرة مع اشتداد الدافع الجنسي،والرغبة العالية في توكيد الذات.
• محاولة الاستقلال في الرأي والتفكير والسلوك عن الاب او الام او الاهل.
نحن نستطيع ان نرى كيف ان المراهق / المراهقة يمكن ان ينهمك في هذه المرحلة من العمر وبماذا يفكر، وكيف يبدو متجاهلا لاية معايير او قيم تتعارض مع ما يريده هو، فهو وان تعرض لمواقف صعبة في حياته بسبب تصرفاته او سلوكه غير المرغوب، فلا يتوقف عندها كثيرا ولا يبالي بالآمه او ما يحدث او يدور حوله، فهو ايضا لا يجد الوقت الكافي للتآمل او الحيرة، واذا انتابته مثل هذه الحالات فأن مطلبه هو كيف يتجنبها او يخفيها.
في هذه المرحلة من مراحل العمر (لدى الانثى) الممتدة من بدء احساس البنت الشابة في انوثتها – بداية الحيض – او عند الشاب وهي مرحلة البلوغ الجنسي، وهي مرحلة الاستمناءات المتعددة من خلال الاستحلام الليلي او ممارسة العادة السرية. هذه الارهاصات التي يعاني منها الابناء في هذه المرحلة تحديدا، يجب ان تجد هذه الشحنات طريقها المقبول للتفريغ، وبأي شكل من اشكال التفريغ المقبول اجتماعيا وخاصة في المجتمعات المحافظة، مثل التعبير عنها بالالفاظ او بالحوار مع الاخرين المقربين،او مع الاصدقاء، او من يأتمنهم المراهق لاسراره او اذا كانت بنت لاسرارها.
ان هذه الانفعالات المشحونة هي خزان من الطاقة الهائمة،الفوضوية التي تسعى الى الاشباع دون اعتبار لواقع مادي او حضاري او قيمي، و هي ايضا رغبات بدائية لا تخضع الى نظام او عقلانية. هذه الشحنات التي تعتمل في داخل المراهق / المراهقة، هي في الحقيقة شحنات مدمرة وهدامة ان لم تجد الطريق الامثل للتفريغ او التنفيس المقبول لكي تصبح خلاقة مبدعة، طاقة ربما قد ينتج عنها اللعب واللهو والمرح البرئ ليتحول عند الكبر الى الفن والشعر والجمال والمهارات في المهن او الرسم او الاعمال الاخرى النافعة.
لنتقارب اكثر مع المراهق ونضعه تحت منصة التشريح السيكولوجي لنرى ماذا تفعل به مرحلة المراهقة، يمكننا القول انها الحالة البدائية للرغبات والغرائز التي لا تحدها اية ضوابط او قوانين في المجتمع او الاعراف، وهو " صاحبنا / صاحبتنا "المراهق او المراهقة المغلوب على امرهما، تحكمه وجود الرغبة، رغبات ودوافع غريزية تسعى الى الاشباع،واحلام جميلة تبتعد عن الواقع كثيرا، ولكن لذتها على مستوى الخيال اعظم من تنفيذها، فهي صعبة التطبيق ويفترض الاباء والعقلاء من الكبار وجود ما يمنع هذه الرغبة من الظهور وهذه الدوافع الغريزية من الاشباع غير المقبول في المجتمع المحافظ، فكل الرغبات هنا والدوافع تحكمها آلية واحدة هي الاشباع الغريزي الجنسي، الذي يقف الجميع ضده، ولكن لا بديل له من حل.
ان الازمة التي يعيشها الشاب / الشابة في هذه المرحلة من العمر هي ازمة الهوية "Identity Crisis " وهي تلك الازمة التي يؤدي فيها التساؤل الاساس لدى جميع المراهقين:( من أنا ) الى اهتزاز في كل المفاهيم السابقة عن تصوره لنفسه وذاته، فبوساطة هذه الهزة يعيد المراهق / المراهقة تشكيل ذاته من جذورها منذ بداية حياته فيعود يحيا جميع مراحل حياته السابقة التي دفنت او تأجلت لحين الانتقال الى مرحلة تتلوها.
ان النجاح في هذه المرحلة يؤدي حتما الى اكتشاف المراهق / المراهقة لهويته، اما اذا فشل فأنه يكون في حالة ارتباك في كل ادوار ومواقف الحياة القادمة، ابتداءا من الدراسة الى اختيار المهنة الى رفيقة دربه في الزواج، او رفيق دربها في الحياة الزوجية والتوافقات الجنسية المرتبطة بها.
ان التوجيهات التي يتلقاها المراهق / المراهقة عادة من ولي الامر هي فروض ونواهي، لذا لا يراها تناسب تفكيره وطموحاته ويكون رد الفعل بان يختار ما تخالف هذه الفروض والنواهي، وتبدأ في اولها من الاختلافات في التوجيهات الدينية وفروضها، والتوجيهات الجنسية، والعلاقات الاجتماعية وموروثاتها غير المحببة لديه، هذه التوجهات الخلافية ليست الا الوجه الآخر للعملة بالنسبة للطاعة واستمرار سلطة الاب، وهي الحالة التي يرفضها المراهق.
ولو تساءلنا ما المطلوب من الابوين في مواجهة ازمة المراهقة لدى الشاب او الشابة ؟
نقول لهم صبرا من الجزع،فهذا حال كل المراهقين وان اختلف سلوكهم وتنوعت طبائعهم من شاب لآخر،فالفروق الفردية بين الناس متباينة في رد الفعل او طريقة التعامل او اسلوب معالجة الامور وحلها.
على الاباء والامهات ان يكونوا اكثر تفهما لمشكلات ابنائهم او بناتهم المراهقين من خلال امتصاص مشاكلهم وشحناتهم المعلنة او المكبوتة والتي تسير بطاقة قصوى نحو كل ما يواجهها..
على الاب ان يدعو ابنه ان يفكر بما يفكر ويناقشه بما يفكر به حتى وان كان خطأ او غير منطقي، دعوه يفكر كيفما يشاء وكيفما يريد، وما على الاب الا مجاراته في تفكيره وتعديل مفاهيمه نحو الاشياء او المواقف وطريقة معالجته لها.
انها حقا ازمة، لا يستطيع ان يتجاوزها بمفرده، فهو بحاجة اليك، ايها الاب، حتى وان لم يظهر لك ذلك بشكل علني وواضح، فمشاعره في هذه المرحلة من العمر تجعله يعتقد بأنه قادر على حل اية مشكلة تواجهه، وان تدخل الاب فيها فسيزيدها تعقيدا ولكن نقول.. لا تتركه وحده يفكر وينفذ دون ان يختار ما يريد، وينفذ بدون مشورتك، ولا تجعل مشورتك له قيدا يفكر في كيفية كسره والغاء وجودك في حياته، فيكون صديقه المراهق هو من يقدم له المشورة او تتلقفه بنات الهوى لتلبي رغباته، لانها تمنحه ما يريد بدون اية صعوبة..
لا تدعه ان يغور في الاخطاء، والسبب انه لم يجدك بجانبه، لا بسبب الاهمال له، بل التوجيه العنيف.
لا تنسى ان ابنك المراهق اقوى منك، في الارادة وفي التفكير وفي التنفيذ، فأذا التزم ولو بالشئ القليل مما تريده فهو متفضل عليك وتكرما منه، واعترافا منه بأبوتك، وهو بأي حال رد هذا الجميل خلال هذه المرحلة، مرحلة العواصف.
لا تنسى عزيزي الاب ان لسانك هو مفتاحك لتقويم سلوك ابنك المراهق وتوجيهه نحو الصحيح، وأن الملل او الجزع او ما شاكل ذلك من سلوك وتصرفات سوف تقوده نحو العواقب التي لا تحمد عقباها ابداً.
عزيزي الاب ان من نتائج انحرافات هذه المرحلة الخطيرة هو توجه الابن المراهق الى ثورات الشباب، فالشباب في ثورته على الاباء يرفض الاب المباشر وكذا الاسرة التقليدية البيولوجية، ولكنه بانتماءه الى مذهب او تيار او ايديولوجية او جماعة متطرفة، وفي زمننا هذا كثيرة ومتعددة وخصوصا التيارات الدينية المتطرفة، لانه يجد في هذه الجماعات من ابطال وزعماء حقيقيين واسطوريين،لذا فهو يعيش انتماءه لابويه واسرته من الباب الخلفي، فالشاب الذي يثور على واقعه الاجتماعي والسياسي انما يرفض في الحقيقة واقعه الاسري، فهو في ثورته يرفض ماهو قائم بحثا عما هو افضل كما يتصوره مستقبلا،استنادا وبحثا عما هو افضل كما يتصور انه كان موجودا في الماضي فيعود الى امجاد الاجداد والماضي والتاريخ والفتوحات وعدالة الخلفاء والصالحين.
ان المراهق الشاب في ثورته يتكيف احيانا مع الواقع ويبدو بسلبيته الخفية كأن يتظاهر بالخضوع للواقع ويتوائم معه بينما هو يغلي بداخله، وربما يستمر الغليان وفجأة يطفئه بعملية انتحارية حقيقية يكون وراءها بعض الجماعات المتطرفة التي انتمى اليها، وما اكثرها في ايامنا هذه، تأخذ مناحي وتسميات عدة منها الجهادية او ما شاكل ذلك من مسميات اخرى ذات طابع اصولي متطرف. وقولنا لك عزيزي الاب لا تترك ابنك المراهق وحده.
* استاذ جامعي وباحث نفسي