اعداد: قسم المتابعة
المتأمل في بعض سلوكياته الذاتية يقرّ بأحيان ليست قليلة بأن ما كان عليه في حالات محددة لم يكن في المستوى المطلوب منه وبالأخص عند بعض المواجهات المترتبة باختلاف وجهات النظر حول موضوع أو قضية ما وهو بذات يوّجه (النقد الذاتي) لنفسه على كونه قد قام بكذا والمفروض أن لا يقوم به كما حدث ومثل هذا النقطة التي تبرز إلى الذهن بأوقات تالية لأي مواجهة عادية أو غير عادية على الأغلب ما يعني أن العجلة في السلوك تسبق أحياناً أي شيء آخر.
والمرء الذي يقترف سلوكاً فيه ظلم للآخرين إذا ما تراجع عن كنه ذلك السلوك يكون قد أكرم نفسه وأراح ضميره لكن السلوك السلبي الفاتح أبوابه بكل موسم وفي كل يوم وربما في أي لحظة ممكن أن يبرز فجأة ليجرّ الذم على صاحبه.
في حركة المرء يومياً ذهاب لشيء أو إياب لسبب شيء والمرء بحكم مسيره الانفرادي يطلق العنان لتفكيره الباطن أن يجول في التفكير لكن الوفاء لمن أخلص له أو من هو مخلص من الأصدقاء أو المعارف سواء كان بعيداً أو قريباً منه جغرافياً يجعله يتذكر إضاءات من العلاقة معه كنوع من الاعتزاز بالمقابل الإيجابي الذاهب إليه أو المنتظر لقاؤه. ولكن مثل هذا الصفاء في التفكير ينقلب أحياناً ولأسباب لم يكتشفها بعد علم النفس بكل فروعه كيف أن بعض الناس يقدمون على اعتماد المغامرة بوقت لا يتطلب منهم لا الوضع الشخصي ولا الوضع العمومي ذلك. وإن الإنسان كما هو معروف في جوانب من جوانب علم التربية والاجتماع يبقى لائماً لنفسه كلما بدا في بعض سلوكياته غير مقبولاً أمام الآخرين.
وإن الشيء الأصعب في نوع التفكير البشري حين ينسى المرء نفسه ويتصرف كـ(الثور الهائج) المفتش عن فريسة في ملعب مصارعة الثيران وهذه هي الحالة الوحيدة على الغالب التي لم يدينها الإنسان ضد ذاته إلا في الجلسات الهادئة التي تعقب وقت الحدث مما يجعل رباطة الجأش لدى الناس من هذا النوع بحال تذبذب بين ما هو مرتجى منهم وبين ما هو خارج عن إرادتهم وتقول التجربة الاجتماعية أن شريحة الناس السلبيين عند مرورهم في منعطفات المشاكل أو المتوقعة أن تتحول إلى مشاكل يقفزون على واقعهم وأخطر ما في هذه الحالة هو إذا ما أقدم المرء على نهج العنف في غير محله إذ غالباً ما يعتقد المرء السلبي أنه بعمله المغاير للحق الشخصي أو الحق العام سينجو بجريمته من العقاب وهو أعلم من غيره بأنه يعرّض مكانته الشخصية للاستهجان.
إن في تطور المرء سلوكياً دليل ثقة عالية بالنفس والتي من إفرازاتها هو عدم المجازفة بـ(مغامرة) بلا وجود أسباب موضوعية تتطلب ذلك وتكون مدعومة بمبررات عقلانية ومسنودة لرجاحة بالتفكير فالإنسان كما هو معروف يمتاز بعلاقة خاصة جداً فيفضي تفكيره الداخلي المروّض على نمط معين من الحياة وقدر من معايشة الواقع.
ورصد مشاكل الحياة اليومية في البيت والعمل وربما على مستوى المجتمع برمته هي مسألة واضحة وواقعة ومكررة حتى ليكاد لا يمر شهر إلا ويقف الإنسان على كون (المُثل العليا) هي وحدها القادرة على تشذيب مسيرة الإنسان في عموم الحياة وأدوارها.
وصياغة المشهد الشخصي (السلوكي) لدى أفراد من المجتمع ليس رهناً بفرد معين بل بكل الأفراد فالناس بين صاحب فعل ومتلقٍ لفعل والتوفيق بينهما يمكن أن يتم بعدم الشعور بالقلق في كل شيء ولعل المهم جداً هو عدم سيطرة الشعور بالإحباط في معضلة متوقعة أو غير متوقعة لأن عدم امتلاك مثل هذا الشعور الواقعي سيمهد لنكسة نفسية لا يدفع ثمنها سوى الفاعل بالشر ومثل هذه الأوليات بمعرفة السلوك ليست بعيدة عن الواقع فكفتا الحياة (كفة الخير) و(كفة الشر) هما في صراع أزلي ليس بين (الناس والآخرين) بل بين (المرء) و(ذاته) أيضاً.
وإذ تقول الفطرة أن الإنسان مجبول فعلاً على فعل الخير والابتعاد عن فعل الشر ففي إبراز أي منهما إذا ما غلبت أسس الغرائز وانطلقت السلوكيات عنها بصورة غير عقلانية يُسجل المرء حتى قفزات على واقعه ويبدي بصورة الزائف في إنسانيته المدعاة والموضوع هنا برمته لا يحتاج إلى تنظير علماء النفس والتربية فكثير مما في النفس البشرية مازال في حكم الجهل والمجهول.