لعل التعريف الأساسي لظاهرة الانتحار يكمن في التصرف و السلوك اليائس الذي يتبعه الشخص لوضع حد لحياته أمام المشكلة التي يواجهها دون أن يلاقي لها حلاً او يحصل على من يقدم له المساعدة.
فالانتحار ظاهرة مؤلمة ومؤسفة معاً كيف لا، وهي تتزايد بصورة مطردة في المجتمعات عموما وخاصة في المجتمع الغربي.
وتعتبر العنصر الثاني لأسباب الوفاة لدى الشريحة الشابة هناك والتي تتراوح أعمارها بين 15 إلى 19 سنة.
ولا توجد معايير لقياس معدل الوفاة بالانتحار عند الشباب نظراً لعدم توفر إحصائيات رسمية دقيقة حول هذه الظاهرة.
ويتساءل الكثير من الباحثين الاجتماعيين حول الأسباب التي تدفع الشباب اليائس للإقدام على وضع نهاية لحياتهم، بعد أن يصلوا إلى مرحلة فقدان الأمل للخروج من المأزق، ويلاقون صعوبة كبيرة في إعطاء جواب وافٍ لهذا السؤال البسيط.
ولعل من الحكمة القول إن الانتحار لدى الشباب في بدايات مرحلة المراهقة أو في وسطها هو نتاج طبيعي للسلوك الانحرافي، ودخول الشاب في أزمة من المعاناة و الإرهاق، وحالة من اليأس التي تحتاج إلى مساعدة.
ويقدر علماء الاجتماع أن ظاهرة الانتحار لا تتعلق باللحظات الآنية التي يعيشها المنتحر الشاب، لكنها تكمن في عوامل تتعلق بالماضي الذي كان يعيشه، حيث الرواسب النفسية العميقة والمشاكل المعضلة المتراكمة التي كان يواجهها في مرحلة ما قبل الانتحار، التي تتطور مع الأيام حتى تصل إلى تشكيل أزمة نفسية وإلى نقطة لا رجعة فيها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ليست كل أزمة نفسية داخلية يكون نتيجتها الانتحار، بل إن بعض الأزمات تكون سبباً لنمو ونضوج الشاب في مقتبل العمر.
ويعتبر الباحثون أن مرحلة المراهقة، هي أكثر المراحل التي تشهد ظاهرة الانتحار نظراً لحالة عدم الاستقرار في هذه المرحلة على مستويات عدة اجتماعية و نفسية فضلاً عما يعانيه الشاب من تغييرات سيكولوجية وجسمانية وأسرية حيث يتسبب في كثير من الحالات، إعطاء المراهق حريته في اتخاذ القرارات وبناء شخصيته المستقلة تحت ذريعة ضرورة دخوله العالم المحيط به من تلقاء نفسه وبقرار منه قد يكون سلبياً في بعض الحالات.
ولا يبدو أن التغييرات على المستوى الجسماني للمراهق تسبب له أزمات كبيرة تؤدي إلى حالات الانتحار، بل إن الكثير منها تولد في نفسه حالات من القلق الذي يعتريه نتيجة محاولاته في التعريف عن نفسه تمهيداً لإقامة علاقات مع الآخرين. وعلى المستوى الاجتماعي يعاني المراهق من التردد بين مرحلتي الطفولة والشباب.
هذا التردد الذي يعاني منه المراهق في هذه المرحلة يعطي دفعةً قويةً باتجاه تجاوزها للوصول إلى مرحلة الشباب، فيواجه فيها انتقادات واحتكام وتقييمات عديدة من الوسط المحيط به، وهو بدوره يحاول إعطاء فلسفة خاصة لحياته من خلال طرح الأسئلة حول الوسط المحيط به والموقع الذي يشغله في هذا الوسط، الذي قد يؤدي به إلى حالات من اليأس وفقدان معنى الوجود بحد ذاته.
وأظهرت إحصائية حكومية حديثة نقلتها(CNN)، ارتفاع حالات الانتحار بين مراهقي أمريكا، بعد عقود من التراجع، عزاه بعض المختصين إلى تدني استخدام الأدوية المعالجة للاكتئاب.
وارتفعت معدلات الانتحار، خلال الفترة من عام 2003 إلى 2004، بواقع 18 في المائة، من 1737 حالة انتحار إلى 1985 حالة، بين الشباب دون سن العشرين، وفق إحصائية مراكز السيطرة على الدواء والوقاية الفيدرالي (CDC).
وشهدت الأعوام التي سبقت تلك الفترة تراجعاً ملحوظاً في معدلات الانتحار بين الشباب من سن 15 عاماً إلى 19، من نحو 11 حالة بين كل 100 ألف في 1999 إلى 7.3 حالة بين كل 100 ألف عام 2003.
ووصف الأستاذ في علم النفس بجامعة فيرمونت، ديفيد فريزر، التقرير قائلاً إنه "مزعج للغاية"، مشيراً إلى أن التصاعد تزامن مع تحذير "الصندوق الأسود" الذي فرضت "دائرة الدواء والغذاء" إضافته إلى إرشادات الاستخدام المرفقة مع العقاقير.
ويحذر الصندوق الأسود من الأعراض الجانبية لأدوية الاكتئاب التي قد تولد سلوك انتحاري بين الأطفال.
وكان فريزر قد طالب "دائرة الدواء والغذاء" توخي الحذر في تطبيق تحذير "الصندوق الأسود" أثناء جلسات استماع بين عامي 2003 و2003.
وفرضت الدائرة الفيدرالية استخدام التحذير في أكتوبر/تشرين الأول عام 2003، وبدأ تطبيقه رسمياً على المنتجات الدوائية بعد ستة أشهر.
وفيما ربط بعض المختصون استخدام عقاقير محددة للاكتئاب بانخفاض حالات الانتحار، رأي فئة منهم أن التراجع في استخدام العلاج، جراء التحذير، ربما قد ساعد في ارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب.
وأظهرت بيانات رسمية تراجع استخدام الشباب لأدوية الاكتئاب في ذات الفترة.
وبينت الإحصائية صرف ثلاثة ملايين وصفة طبية لأدوية الاكتئاب، لأطفال وحتى سن 12 عاماً، عام 2004 بتراجع قدره 6.8 في المائة عن عام 2003.
كما تراجع استخدام الشباب بين سن 13 إلى 19 عاماً للعقار بواقع 1 في المائة إلى 8.11 مليون عام 2003.
ويعتقد أخصائيون في الأمراض النفسية أن برامج التوعية بشأن الانتحار والاستخدام الفعال لعقاقير الاكتئاب والجلسات التأهيلية ساهمت في تراجع الظاهرة في التسعينات.
وقال د. اليكسندر كروسي من (CDC) إن الإحصائية مبدئية ولا تعكس تزايد حالات الانتحار بين جنس أو عرقية محددة مضيفاً "هذه دراسة نريد النظر فيها عن كثب.. من المبكر للغاية أن نربط بين الظاهرة وتراجع استخدام أدوية الاكتئاب."
وبلغت حالات الانتحار بين الشبان في بريطانيا درجة الأزمة إذ ارتفعت نسبة المنتحرين من الشبان إلى اثنين وسبعين في المئة.
وبينما كان المنتحرون في السابق يفضلون تسميم أنفسهم، أصبح الشنق الوسيلة المفضلة للقضاء على الحياة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة، هذا ما جاءت به دراسة نشرة في مجلة علم النفس البريطانية.
فقد ارتفع عدد المنتحرين بين الذكور الشباب من خمسة وخمسين في المليون عام سبعين إلى مئة في المليون عام تسعين.
ويقول الدكتور مارك ماكلور، أخصائي علم النفس الذي أجرى الدراسة إن الإحصائيات المتوفرة في هذا المجال تخفي المستوى الخطير الذي بلغته المشكلة، لأن المحققين في الغالب يصنفون حالات الوفيات التي لايجدون لها تفسيرا بأنها حوادث مجهولة الأسباب عند وجود أي شك في كونها انتحارا.
ويضيف الدكتور ماكلور أن الوضع قد بلغ درجة الأزمة بين الشباب الذكور، وأن من الخطأ البحث عن سبب واحد للانتحار، وقد يكون السبب هو وجود أزمة ثقة بين الشباب تدفعهم نحو إنهاء حياتهم.
ويقول الدكتور ماكلور إن العديد من حالات الوفيات المجهولة الأسباب يدخل ضمن حالات الانتحار، لكن المحققين يترددون في اعتبارها حالات انتحار.
وتحدث حالات الأزمة في الثقة لأسباب عدة، بينها الاختلالات النفسية، والمشاكل العائلية أو الزوجية، والبطالة والتورط في الجرائم التي تقود إلى التعامل مع النظام القضائي.
وتلقي الدراسة باللائمة على انتشار المخدرات والكحول وتراكم الديون بين الشباب والتي تدفعهم إلى التخلي عن التفكير واللجوء إلى الانتحار عندما تشتد عليهم مشاكل الحياة.
ويقول الدكتور ماكلور إن الرجال عادة ما يلجأوون إلى طرق عنيفة في الانتحار، بينما تحتفظ النساء بصورة جميلة عن أنفسهن عند الموت لذلك يلجأن إلى تناول جرعات مفرطة من الأدوية ويموتن وهن نائمات.
ويضيف أن الرجال لا يهتمون كثيرا إذا كانت طرقهم في الانتحار عنيفة فذلك يتلاءم مع ثقافتهم.
ويقول أخصائي علم النفس الدكتور روري أوكونور إن تزايد حالات الانتحار بين الشباب يعكس المشاكل الملحة في المجتمع البريطاني التي تحتاج إلى حل عاجل.
وأضاف أن المجتمع يتوقع الكثير من الشباب وعندما يجد الشباب أنفسهم عاجزين عن الوفاء بهذه التوقعات فإنهم يلجئون إلى الانتحار للهروب من أعباء الحياة.
كذلك فإن هناك حاجة لتدريب الشباب على متطلبات الحياة الحديثة، وما الانتحار إلا دليل واضح على وجود مشكلة في حل المشاكل.
ويضيف أن الشباب في سن الخامسة عشرة إلى التاسعة عشرة هم في وضع قلق وإن مسؤولية الجميع في المجتمع هي مساعدتهم على تجاوز الصعوبات التي تواجههم، إن الانتحار هو علامة المجتمع المريض
وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الانتحار بين الفتيات في نفس الفئة العمرية المذكورة قد تضاءلت قليلا عن السابق
وارتفعت نسبة الانتحار بين الشباب فوق 50% خلال الأعوام العشرة الأخيرة، ورد ذلك في تقرير جديد نشر في جريدة ( غارديان ) وأصدرته جمعية معنية بالتخفيف من أسباب الانتحار، ومساعدة الذين يتعرضون لضغوط نفسية قد تدفعهم إلى الانتحار.
وعللت ارتفاع نسبة الانتحار بين الشباب لأنهم أكثر قابلية لأسبابه التي منها :
تزايد الضغوط الاجتماعية، والإخفاق في الحصول على إنجازات أكبر في المدرسة، والصعوبات الاقتصادية خلال العقد المنصرم.
أما عن أسباب الانتحار عند الكبار فقد ذكر التقرير من ذلك : الوحدة، والحرمان، وانهيار الصحة، وتناقص الفرص المتاحة، والعيش في ظروف غير مناسبة، والخوف من وقوعهم عبئاً على الآخرين.
وذكر التقرير أن كل ساعتين هناك من يقتل نفسه في بريطانيا ويعتبر هذا أشد إثارة للقلق من الرقم الذي تعلنه الدولة سنوياً عن الذين ينتحرون وهو (5000) ، وكذلك هناك أكثر من 200 ألف محاولة انتحار.
وقد تلقت الجمعية خبر 2 . 5 مليون حالة محاولة انتحار ما بين مكالمة ورسالة وزائر، نسبة مَن هم بين 15-44 سنة ارتفعت 50% خلال العشر سنوات الماضية ،
وكان فيها عدد الرجال ضعف عدد النساء، والمنتحرون تحت 25 سنة كانوا 80% ذكوراً.
وقد تراجع عدد النساء المنتحرات بنسبة 22% وعزا التقرير سبب ذلك انه ربما لأن المرأة قد تبكي أو تصرخ أو تنفس عما في نفسها بطريقة أو بأخرى بينما الرجل في الأغلب يدفن همومه بداخله.
وبقي أن نضيف أن هذه الجمعية عندها (22) الف متطوع، وتعلن أنها بحاجة إلى (6) آلاف آخرين، وإلى (4) ملايين جنيه إسترليني كي تستمر في إدارة (184) فرعاً لها في جميع أنحاء بريطانيا.