تناقلت وكالات الأنباء بلهجات متباينة خبر انكفاء الرئيس الأمريكيعلى تاريخ الاستعمار الغربي في الأرض العربية لقراءته والتعلم منه، وقد اختاربالتحديد تاريخ الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وإذا كان هذا الخبر صحيحاً فإنالنتائج المترتبة عليه قد لا تكون بمستوى ما يتمناه بوش من هذه القراءة المتأخرة،كونه لا يحسن القراءة، ولو أنه فعل لكان وفّر على نفسه نتائج السقوط في مستنقع الدمالعراقي الذي سبقه إليه في القرن الماضي أجداد حليفه رئيس وزراء بريطانيا، الذي كانيجدر به أن يُقرئها شريكه في غزو العراق قبل أربع سنوات.
ومن المؤسف أن يعيد التاريخنفسه.. ولكن بطريقة أكثر تفنناً في سفك دماء الأبرياء من أبناء العراق، وأكثرانغماساً في طمي المستنقع العراقي، ويدرك كل ذي لب أن فلوجة الأمس صارت فلوجةاليوم، وأن موصل القرن الماضي أنجبت رجال موصل اليوم، وبغداد الرشيد والمنصور وبيتالحكمة لا يمكن أن تتحول ولاية أمريكية مهما كان حجم الضغوط التي تمارسها إدارة بوشعلى العراق، ومهما كان عدد الجنود اليافعين الذين تسوقهم إلى العراق ؛ كي تزج بهم فيحرب خاسرة، تحت عنوان: (استراتيجية "بوش" الجديدة في المنطقة)..
ومايثير العجب والتعجب في هذا المجال أن تبادر وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزارايس" مؤخراً لترسم صورة متداخلة الحدود والألوان لهذه الاستراتيجية التي بدأتملامحها ـ حسب رأي رايس ـ تتشكل منذ عدة شهور، قبل أو بعد انتصار المقاومة الوطنيةاللبنانية ، ودحرها المعتدين الصهاينة المدججين بالأسلحة الأمريكية المتطورة، لا فرقبين الصواريخ والقنابل العنقودية أو تلك الذكية التي عجزت عن تحقيق ما تريدهالإدارة الأمريكية من خلال ممثلتها في المنطقة: دويلة "إسرائيل"....
وكانتتصريحات كوندي توضيحاً عاماً ومفصّلاً للمساعي الأمريكية الجديدة المكثفة لتشكيلتحالف أمر واقع بين إسرائيل والدول العربية "المعتدلة" ـ من وجهة نظرها ـ في مواجهةالتطرف الإيراني.
ولمتكتف " رايس" بهذا، بل عبّرت عن إنسانية إدارة بوش ، وقلق هذه الإدارة على العرب(القلقين أيضاً) إزاء محاولات إيران لفرض قوتها وسلطتها عبر الجهات التي تعمل لهابالوكالة..وقالت رايس: "بدأ يتضح في الشرق الأوسط عقب الحرب في لبنان، وجود حلفمتطرف مع إيران يتضمن سوريا وحزب الله وحركة حماس ، هناك أيضاً الأهداف التي يتهددهاخطر هذا التطرف ، اللبنانيون والعراقيون والفلسطينيون، والأطراف التي تريد أن تقاومهذا التوجه، مثل السعودية ومصر والأردن".
ولكيتهدئ الإدارة الأمريكية من قلق العرب ، وتطمئنهم أرسلت سفناً حربية إضافية إلىالخليج ، وتركت لهذه السفن أن تعلن أن واشنطن ستظل حليفاً موثوقاً به في مواجهةإيران على الرغم من الصعوبات التي تواجهها في العراق..
وقدصرحت رايس لأحد الصحفيين بأنه يجب على الولايات المتحدة أن تظهر من جانبها أنها "موجودة في الخليج وستظل موجودة فيه"، وهذا بدهي جداً، فطمأنة الدول العربية واحدةمن "أولويات" سياسة بوش الجديدة، وهذه الطمأنة لا تتحقق إلا بحضور أمريكي مدعومبأفضل ما أنتجته مصانع الولايات المتحدة من أسلحة الدمار...
وللهدف عينه ـ أعني طمأنة الدول العربية ـ بادر الرئيس الأمريكي إلىإطلاق بيانه الرسمي "المهم" الخاص بلبنان، والذي دعا فيه إلى محاسبة سورية وإيرانوحزب الله، بسبب (سعيهم إلى زعزعة الاستقرار في لبنان) متهماً سورية وإيران وحزبالله بـ (الوقوف وراء أعمال العنف الأخيرة التي وقعت في لبنان)..
وبكلما عرف عن الرئيس الأمريكي من رهافة إحساس ، ورقة شعور عبر عن استيائه مما يحدث فيلبنان قائلا: "أنا مستاء جدا من العنف ، وإراقة الدماء في شوارع لبنان مؤخراً، ومايثير القلق أكثر هو أن العنف جرى خلال تجمع قادة لبنان الشرعيين وأصدقائهم في باريسللمساعدة في ضمان مستقبل مزدهر وسلمي للبلد".
ويشيرالرئيس رقيق المشاعر إلى أن أصدقاء لبنان في المؤتمر الدولي تعهدوا بتقديم مبلغ 6,7مليار دولار دعماً للبنان، ويعد "قادة لبنان الشرعيين" بالمعونة المادية قائلاً: "سأسأل الكونغرس المساهمة بـ770 مليون دولار من أجل هذه القضية، مع هذا التعهد ، فانمجمل الدعم الأمريكي للبنان منذ الصراع في الصيف الماضي، ضمنها 230 مليون دولارتعهدات في مؤتمر استوكهولم في آب الماضي، ستساوي حوالى المليار دولار، إنها إشارةقوية عن دعم الشعب الاميركي ، وتعهده بمستقبل لبنان".
فليسعد اللبنانيون حكومة وشعباً بهذه المشاعر والأموال ، وليقيمواللسيد القادم من تكساس تمثالاً يليق بحسن نواياه ، وكرم عطاياه ، ورقة مشاعره، أوفليقوموا بإهدائه بعض الخيول العربية الأصيلة ، بعد تغطية عيونها كي لا تدرك إلى أينتذهب ، ولمن تهدى، فهي إن أدركت ستعلن احتجاجها بما تملكه من وسائل احتجاج معروفة..
ومنخلال ما سبق نتساءل: هل ثمة أمل بأن يحسن بوش قراءة التاريخ ؟!.. نتمنى ذلك.. علىالرغم من أنّ قراءتنا شخصية الرئيس الأمريكي لا تبشر بهذا، أبداً لا تبشر به!..
المصدر : جريدة الاسبوع الأدبي ( سوريا )العدد 1044 تاريخ 24/2/2007