بتـــــاريخ : 7/26/2010 4:30:12 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1268 0


    "طالبان".. على أَبوَاب النصر التاريخي

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : السيد أبو داود | المصدر : www.altareekh.com

    كلمات مفتاحية  :

    مَا يحدثُ على الساحة الأفغانية هذه الأيام ما هو إلا الصفحة قبل الأخيرة من كتاب إعلان انتصار حركة "طالبان"، وفي نفس الوقت إعلان هزيمة القوات الغربيَّة بقيادة الولايات المتحدَة، ولكن وفق تسميات مختلفة ومع إيجاد ظروف معيَّنَة لتغطية الانسحاب الذي أعلنتْ واشنطن أنها تستعدُّ لتنفيذِه صيف عام 2011م (أي العام المقبل وبعد شهور معدودةٍ من الآن).

    هذه الحقيقةُ المؤكَّدة يوضِّحُها ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، الذي دَعَا إلى الانسحاب من أفغانستان بوصفها حربًا لا يمكن تحقيق النصر فيها، ويؤكِّد هاس على ضرورة إعادة توجيه الولايات المتحدة لسياستها في أفغانستان ناحية اللامركزية، بحيث توفِّر مزيدًا من الدعم للقادة المحلِّيين وتسلك نهجًا جديدًا مع حركة طالبان، لأن الحرب التي تخوضُها أمريكا في أفغانستان لن تنجحَ ولا تستحقُّ ما يُبذَل في سبيلِها من أموالٍ ودماء.

    هذا الخبيرُ الأمريكي الكبير يدرك الحقيقة المرة ، ولذلك فإنه يدعو إلى أن تقلُّص الولايات المتحدة من أهدافها ، وتقلِّل من مشاركتِها على الأرض بشكلٍ كبير، بعد أن أصبحت الحرب الأمريكية في أفغانستان حرب اختيار وليست حرب ضرورة.

    حرج الموقف الأمريكي في أفغانستان يتجلَّى في تناقض القرارات التي صدرتْ عن إدارة أوباما، فبينما أعلن إرسال قوة أخرى قوامُها 30 ألفًا لردع طالبان وطمْأَنَة نظام قرضاي، يتعهَّد أوباما ببدء انسحاب قواتِه بحلول صيف 2011م، ويغيِّر قائد القوات في محاولة أخيرة لتحسين الأوضاع.

    لقد اعتقد أوباما أن بإمكانه تحقيق ما لم يستطعْ سلفه جورج بوش الابن تحقيقه، لكنه فوجِئَ بِحَرَج وخطورة موقف قواته، وكانت ملامح الصورة تتأكَّد له يومًا بعد يوم، حتى صار الآن مقتنعًا باستحالة أن يحقِّق حلم الانتصار في أفغانستان، وصار كل ما يشغله هو كيف يخرج من هذا المأزق بأقل الخسائر ، وكيف يحفظ ماء وجهه ووجه بلاده؟

    تأكَّد أوباما أن استراتيجيته القائمة حاليًا والتي تتطلب إرسال أعداد كبيرة من الجنود إلى أتون المعركة في أفغانستان ليست مجدِيَةً بأي شكل من الأشكال، وأن كثرة الجنود ليست هي الحل، مثلما أن كثرة السلاح الفتَّاك لم تستطِع الحلّ، لأن "طالبان" لم ترتدعْ بأي من هذه الوسائل لأنها تضُمُّ مقاومين من نوعية خاصة لم يعرفها الأمريكان من قبل.

    بعد تسع سنوات كاملة من بداية العدوان الغربي الاحتلالي لأفغانستان عام 2002م، وبعد أن أصبحت الدول الأوروبية تود الخروج من هذا المأزق بسبب انسداد أي أُفُق في سماء النصر المنتظر، وبسبب عشرات بل مئات النعوش التي تصلُ شهريًّا إلى هذه الدول مما يشعل معركة الإعلام والرأي العام الأوروبي ضد هذه الحرب وضد الحكومات الغربية المشارِكة فيها، أصبحت كل الأطراف المشاركة في هذه الحرب ترغبُ في وقْفِها وتسعى للنجاة من تبعاتِها، وعلى رأسهم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. والتي أكَّدتْها بقرارها المتمثِّل في بدْءِ سحْب قواته من أفغانستان بحلول يوليو 2011م.

    ولعلَّ أوباما قد أراد من وراء قرار الانسحاب تخويف الرئيس الأفغاني حامد قرضاي وحكومته والضغط عليهم لدفعهم للاضطلاع بأدوارهم ، وتحمُّل مسئولياتهم في التصدِّي لحركة "طالبان".

    وما يزيد الأمور في أفغانستان اضطرابًا أن نظام قرضاي هشٌّ وضعيف ولا يستطيعُ أن يفعلَ شيئًا، لا سيَّمَا وأن الانتخابات الرئاسية التي جرت في أغسطس 2009م والتي منحت الرئيس حامد قرضاي ولاية ثانية، شهدت تزويرًا كبيرًا وخلَّفَت حكومة أقل شرعيَّة من ذي قبل.

    من أجل ذلك كله تتحدَّث التقارير القادمة من واشنطن وكابول عن تغيُّر كبير طَرَأ على الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان ، وأن واشنطن أصبحتْ راغبةً في دَعْم أية تسوية تجري بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، وأن إدارة أوباما أسقطتْ من حساباتها أية ممانعة كانت إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن تراها بشأْن عدم التفاوض مع كبار قياديي حركة "طالبان".

    ومع وضْع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تقومُ على الدخول في مفاوضات مع "طالبان" وليس مواجهتها عسكريًّا، تركِّز الإدارة الأمريكية حاليًا على "لائحة 1267" التي تضمُّ أسماء 137 شخصية من قيادات "طالبان" و"القاعدة" والتي اتخذت اسمَها من القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1999م بشأن فرض عقوبات ضد قياديين في الحركة والتنظيم، وتقوم إدارة أوباما بمراجعة ودراسة الأسماء التي احتوتْها اللائحة لكي يقوم قرضاي بمحاولة إغراء أصحابها برفع أسمائهم من "اللائحة السوداء" مقابل الاشتراك في المفاوضات والتعاون المشبوه مع الأمريكان ونظام قرضاي.

    ولعل إقالة الجنرال ستانلي ماكريستال وتعيين الجنرال ديفيد بترايوس مكانه قائدًا لقوات حلْف شمال الأطلسي في أفغانستان، يؤكِّد الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان، باعتبار أن بترايوس الذي شارَكَ في الحرب على العراق يمتلك خبرةً كبيرةً في عقْد الصفقات السرية مع المقاومين للعدوان الأمريكي والرافضين له.

    الخطَّة الأمريكية تهدف إلى قيام الرئيس الأفغاني حامد قرضاي بإقناع نحو 36 ألف من مقاتلي "طالبان" بإلقاء أسلحتهم، وأن ذلك يتطلب نحو 784 مليون دولار لتمويل المشروع، الذي يستغرق تنفيذه خمسة أعوام، بعد أن يتمَّ إنشاءُ "مجلس سلام أعلى"، برئاسة قرضاي، يقدِّم أموالًا للمقاتلين الذين يقبلون التصالح مع الاحتلال ونظامِه العميل.

    ويبدو أن الأمريكان مصرُّون على الخيارات الخاطئة، بفعل الهزيمة، فهم لم يتعلموا الدرس أبدًا، لقد جرَّبُوا شراء المقاومة الأفغانية مرات ومرات وكانوا يفشلون، ثم فكروا في التعاون مع المدنيين الذين لا يحملون السلاح لتحريضِهم ضد "طالبان" عن طريق إغرائهم بالمساعدات، وكانت أبرز ملامح صورة إجابة هؤلاء الأفغان البسطاء سيدة مُسنَّة تستند على "عكاز" فلما أرادوا إعطاءها المساعدات والتحدُّث إليها لدعمِهم ضد "طالبان" جرَتْ وراءهم وضربت جنودهم بعكازها فأخذ هؤلاء الجنود الذين يوزعون المساعدات يجرون أمامَها.

    لقد فات على الأمريكان أن الأسماء الموجودة في هذه اللائحة إنما هي أسماء مجاهدين يعتزُّون بالجهاد ويتمنَّوْن الشهادة بنفس الدرجة التي يتمنى فيها الأمريكان الحياة، ونسوا أيضًا أن مجاهدي "طالبان" لا يملكون حسابات بنكية يخافون عليها ولا يرتحلون سوى بين أفغانستان وباكستان عبر استخدامهم السيارات أو الحمير، وأنهم ليسوا بحاجة إلى جوازات سفر أو تفويض من جانب الأمم المتحدة إزاء ذلك.

    وبنفس الدرجة التي بات فيها الأمريكان والغربيون متأكدين من استحالة تحقيق النصر في أفغانستان، أصبح مجاهدو وقادة "طالبان" على يقين من قُرب تحقيق النصر التاريخي، خاصةً بعد أن ثبتَ أن التكتيكات المتغيِّرَة والقاتلة التي تتبعها الحركة في مواجهة القوات الأجنبية الغازية جعلت الجنود الأمريكيين والغربيين تنتابهم هواجسُ كثيرةٌ وهم يسيرون على الطُّرُقات الأفغانية مخافة الكمائن المختلفة والمموَّهَة التي ينصبها لهم مقاتلو الحركة.

    فالجنودُ الأمريكيون والغربيون كثيرًا ما وقعوا في أفخاخ نصبها مقاتلو "طالبان"، وفي مرات عديدة اضطرُّوا للزحْف من أجل الاختباء في القنوات والأماكن المنخفضة على جوانب الطرقات كي ينجوا من نيران "طالبان المفاجئة".

    وفي المناطق الواقعة بالقرب من مدينة "مرجة" جنوبي أفغانستان التي شنَّت القوات الغربية الغازية هجومًا ضدها في فبراير الماضي، أعاد مقاتلو "طالبان" تنظيمَ صفوفِهم بعد تدفُّق العديد من المقاتلين إلى هناك، ثم بدءوا في استخدام تكتيكاتٍ متقدِّمة في نصْب الكمائن وزراعة الألْغام لمنع القوات الأمريكية من السيطرة على المكان.

    قدرةُ مقاتلي "طالبان على شنّ هجمات معاكِسَة ومعقَّدة وبشكل متكرِّر، مع مقدرتِهم على التنقُّل بين مخابئِهِم باستخدام دراجات نارية، في انتظار اللحظة المناسبة للانقضَاضِ على القوات الأجنبية، وكون قنوات الري المتشابكة في الحقول والمراعي تشكِّل بيئةً خصبةً لزراعة الألغام، وبالتالي تشكِّل خطرًا كبيرًا يتهدَّدُ القوات الأجنبية التي باتت تحاول تجنب المرور بتلك الحقول، ومع مقدرة مقاتلي الحركة على الاختباء وسط الأشجار ثم البدء في إطلاق نيرانهم تجاه مجموعات من جنود البحرية الأمريكية والجنود الأفغانيين كي يجبروهم على الفَرَار إلى الجهة المقابلة، وبالتالي الوقوع في حقْل ألغام ثم تفجيره بشكل موجَّه عن بُعد، مما يسفر عن مقتل العديد منهم، ومع اتِّباع المقاتلين أساليب أخرى قاتلة، مثل إحداثهم تفجيرًا صغيرًا للفت انتباه الجنود الأمريكيين إليه، وعندما يتوجَّه الجنود للمكان يَعْمَد المقاتلون إلى تفجيرِ شحنات وقنابل وألغام تكون أكبر حجمًا وتأثيرًا وتدميرًا، ومع امتلاك "طالبان" تكتيكاتٍ ذكيةً متنوعة ومتغيرة وقاتلة.. كل ذلك أضعَفَ عزيمة ومعنويات المعتدِين المحتلِّين، وفي الوقت نفسه جعل الروح المعنوية للمجاهدين في السماء وباتوا على يقين من نصر الله القريب.

    ولعلَّ سلسلة الغارات التي شنها مقاتلو "طالبان" غربي البلاد مؤخرًا وتفجيرهم بوابة أحد السجون وتحريرهم 23 من المجاهدين المعتقلين وتكبيدهم القوات الأفغانية والأجنبية خسائر فادحة، كل ذلك يؤكِّد أن معركة التحرير أوشكَتْ أن تؤتيَ ثمارَها، مما جعل القوم يسارعون بعقد مؤتمر دولي في العاصمة الأفغانية كابول لدعم خطة المصالحة والتحاوُر مع "طالبان" ومن أجل العمل على تولِّي القوات الأفغانية مسئولية الأمن في البلاد بحلول نهاية 2014م.

    انتصار حركة التحرُّر الوطني في أفغانستان بقيادة "طالبان" سيغيِّر الكثير والكثير من الأمور في أفغانستان وباكستان والمنطقة بكاملها، بل سيكون له تداعياتُه على العالم كله، في اتجاه تآكل الإمبراطورية الأمريكية والحدّ من غَطْرَستها وإعلان فشلها في إخضاع إرادة دولة صغيرة وفقيرة مثل أفغانستان، وسوف يؤكِّد المسلمون الأفغان للعالم مرةً أخرى أنهم كما أسقطوا الإمبراطورية السوفيتية الشيوعية وكانوا السبب الأول في تفكُّكِها، فإنهم سوف يكونون سببًا مهمًّا في انحسار السيطرة الأمريكية الظالمة على أنحاء واسعة من العالم، وسوف يعطي الانتصار الأفغاني –إن شاء الله– الأمَل للشعوب المستضعَفَة من أجل أن تقولَ لا للإرادة الأمريكية، بلْ أن تخرج عليها وتثأَر لنفسِها.
    المصدر : الاسلام اليوم

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()