بتـــــاريخ : 7/26/2010 1:19:37 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1113 0


    دور الوقف الإسلامي في تنمية المجتمع

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : حسن عبد الغني أبو غدة | المصدر : www.altareekh.com

    كلمات مفتاحية  :
     

    تمهيد:

     

     لا يخلو أي مجتمع من ظروف طارئة تداهمه، يختل فيها ميزان العدالة، وتضطربالمستويات المعيشية عند بعض الناس، لعجز ينزل بهم فيقعدهم عن العمل والإنتاج، أولقلة مواردهم الطبيعية، أو لحروب أو لكوارث خاصة أو عامة···

     

    وقد يصل هذاالاختلال إلى حد قاس، ينعدم معه توفر الحد الأدنى من الكفاية المعيشية، وهذا ماافترضه الإسلام، ورتب له الحلول الإيجابية الحاسمة، من أجل رأب الصدع، وإعادةالتوازن المعيشي - قدر الإمكان - في المجتمعات، والنهوض بها نحو مزيد من التنميةالشاملة، والعطاء المستمر···

     

    وقد شرع الإسلامي لتحقيق ذلك مجموعة من التدابيروالأدوات والوسائل، من مثل: زكاة المال، وصدقة الفطر، والوصية، والكفارة، وغير ذلك،ومما شرعه الإسلام في هذا الصدد: الوقف

     

    معنى الوقف:

     

    هو التنازل عنملكية المال مؤبداً لله تعالى، من أجل أن ينتفع به الناس، وذلك كوقف المساجد ليصليفيها الناس، ووقف المدارس، ووقف مياه الشرب في الطرقات والأسواق··

     

    بدايات الوقفعند المسلمين:

     

    ندب الإسلام إلى الوقف ورغب فيه، واعتبره من أفضل الطاعات المستمرةالتي يتقرب بها المسلم إلى خالقه عز وجل، روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ماتابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوله" قال أهل العلم : الصدقة الجارية هي: الوقف·

     

    ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلىالمدينة، لم يكن فيها ماء حلو عذب سوى بئر (رومة) وكانت لرجل شحيح النفس، يغالي فيبيع مائها، فرغب النبي صلى الله عليه وسلم في شرائها قائلاً:  "من يشتر بئر رومة بخير له منها فيالجنة؟ فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه بخمسة وثلاثين ألف درهم، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: "اجعلهاسقاية (سبيلا) للمسلمين وأجرها لك " ففعل رواه النسائي والترمذي·

     

    ثم شاع الوقفبين الصحابة وانتشر بعد ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه :  لا أعلمأحداً من الصحابة كان ذا مقدرة ومال، إلا وقف مالاً في سبيل الله.

     

    وكان منجملة ما وقفوه : المساجد والآبار والمزارع والبيوت وأدوات الجهاد، روى الشيخان أنرسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى على خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال:  "أما خالد فقد حبس (وقف) أدراعهوأعتاده في سبيل الله" ·

     

    أهداف الوقف:

     

     للوقف غايتان كليتان تتفرع عنهما غاياتجزئية عديدة، وهاتان الغايتان الكليتان هما: غاية دينية تعبدية، وغاية اجتماعيةتنموية،أما الغاية الدينية التعبدية فتمنح المسلم مزيداً من الفرصة التي يمكنهمن خلالها استدراك ما فاته، والتقرب إلى الله تعالى بما يوقفه من أعمال البر، التييستفيد من ثوابها مادام الناس ينتفعون بها·

     

    صور وميادين الوقف في الإسلام: قلمايجد الإنسان - مع امتداد رقعة البلاد الإسلامية - مدينة أو قرية، ليس فيها وقف، فقدبلغ المسلمون - عبر العصور - الذروة في التسابق على وقف المرافق الخيرية، لتحقيقالنهضة والتنمية الإنسانية في جوانبها المادية والمعنوية، وأقبلوا رجالاً ونساء علىالوقف بحماس وإخلاص، ومما قاموا به ما يلي:

     

    1 ـ وقف المساجد ومرافقها ولوازمها:  

     

    اهتم المسلمون أولاً بوقف المساجد، فبادروا إلى عمارتها بكرم وسخاء، وأناروهابالقناديل والأضواء والشموع، وأمدوها بالمصاحف والطنافس، وحفروا لها الآبار للوضوءوالنظافة، ويكفي أن نعرف أن عدد مساجد مدينة قرطبة الأندلسية - في أسبانيا اليوم - تبلغ في القرن الثالث الهجري (العاشر الميلادي) ستمائة مسجد، وكان معها لوازمهاومرافقها وأدواتها وخدماتها·

     

    ولا يزال إلى اليوم الجامع الأزهر في القاهرة،والمسجد الأموي بدمشق، وجامع القيروان بتونس، وغيرها من الجوامع والمساجد المنتشرةفي بلاد المسلمين، لا تزال شاهدة على مدى اهتمام المسلمين بعمارة المساجد ووقفها معمستلزماتها··

     

    2 ـ وقف المدارس وتوابعها:

     

    كما اهتم المسلمون بوقف المدارس علىاختلاف مراحلها التعليمية: باعتبارها مصادر إشعاع لرقي الفكر والنهوض بالمعرفةالإنسانية، ووقفوا مع هذه المدارس أماكن لنوم الطلاب الغرباء، ومواضع للدراسةوالمطالعة، وقاعات للبحث والكتابة، ومرافق صحية·

     

    وكان يقوم على هذه المدارسأساتذة عظماء وعلماء أجلاء، متفرغون للتعليم والمدارسة، ينفق عليهم من مال الوقف،حرصاً على أوقاتهم من التشتت، وضماناً لاستمرار أدائهم رسالتهم، في التعليموالإرشاد والتأليف والبحث·

     

    وتذكر كتب التاريخ أن المدارس الوقفية على اختلافمراحلها التعليمية بلغ عددها في (صقلية) - في ايطاليا اليوم- في القرن الرابعالهجري (الحادي عشر الميلادي) أكثر من ثلاثمائة مدرسة، فيها عشرات الآلاف منالطلاب، في تعليم مجاني للجميع·

     

    ولا تزال أثار هذه المدارس باقية في كثير منالعواصم والمدن الإسلامية في مكة والمدينة ودمشق وحلب والقدس وبغداد والقاهرةواسطنبول وغيرها من مدن آسيا الوسطى وايران والهند··

     

    3 ـ وقف المستشفياتومستلزماتها:

     

    واهتم المسلمون أيضاً بوقف المستشفيات والإنفاق عليها وعلى المرضىوالأطباء والموظفين، وتقديم الرعاية للجميع، من أجل النهوض بالمجتمع، وتنميةأفراده، وصيانة الصحة العامة·

     

    ومن المستشفيات المشهورة في التاريخ الإسلامي: المستشفى العضدي ببغداد في القرن الرابع الهجري (الحادي عشر الميلادي) والمستشفىالنوري بدمشق، والمستشفى المنصوري بالقاهرة، وغيره من المستشفيات العامة، بلوالمتخصصة في أمراض العيون والعظام والباطنية والجراحة والأمراض النفسيةوالعقلية··

     

    4 ـ وقف المكتبات العلمية والثقافية :

     

    وهي قد حوت عشرات الآلاف منالكتب في أصناف العلوم والثقافات والفنون والمعارف ، وكان يقوم على رعايتها وصيانتهاموظفون وخطاطون ومترجمون وأمناء ، وأما الغاية الاجتماعية التنموية فهي غرس السعادةفي نفوس الناس، وذلك بتأمين احتياجاتهم، وتوفير مطالبهم المعيشية، وإعانتهم علىتجاوز الظروف الصعبة التي نزلت بهم، والارتقاء بحياتهم ، وتيسير أسباب التنميةوالإنتاج أمامهم، وتيسير أسباب الحياة الكريمة لهم، سواء كانت غذاء، أو علاجا، أومسكنا، أو علما، أو حياة مزدهرة···

     

    أصناف الوقف:

     

    أباح الإسلام للإنسان أن يقفعلى أهله وذريته وأقربائه، ليساعدهم على ما يواجههم في حياتهم من مصاعب ومفاجآت،انطلاقاً من مفهوم: الأقربون أولى بالمعروف، وهذا ما يسمى:  "الوقف الأهلي أوالذري" وهو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أبا طلحة قائلاً:  "أرى أن تجعلها فيالأقربين"رواه الشيخان·

     

    كما شرع الإسلام الوقف على غير الأقارب من عامةالناس، حيث يبادر الراغب في فعل الخير، إلى تقديم المنافع والخدمات المجانية إلىأصناف وفئات متنوعة في المجتمع الإنساني، كما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وقف بئر(رومة) لعامة سكان المدينة، وهذا ما يسمى"الوقف الخيري العام "·

     

    تنظيمالوقف وضبط أموره:

     

    أحاط الإسلامي الوقف بتنظيم دقيق، وضبطه بأحكام مفصلة، من أجلحماية هذا الصرح الخيري الإنساني من الأهواء والأطماع والأنانية التي تلاحظ فيأصحاب النفوس الضعيفة، الذين ينحرفون بالأعمال الخيرية عن مسارها النبيل، ويحولونهاإلى مصالحهم الخاصة·

     

    لذلك أوجب الإسلام أن يتولى أمور الوقف الرجل القوي الأمين،ذو الكفاءة والمقدرة، والنزاهة وحسن السلوك والسيرة· كما شرع محاسبته للتحقق منسلامة إدارته للوقف، وحسن استثمار أمواله، وتحري العدالة في توزيع منافعه علىمستحقيه··

     

    ورغبة في توسيع مجالات التكافل الاجتماعي، أجاز الإسلام وقف الأموالالمنقولة كالكتب والأثاث والأجهزة والمعدات، كما أجاز وقف الأموال الثابتة غيرالمنقولة كالمسجد والمدارس والمستشفيات والمزارع والبيوت··

     

    وسمح بالوقف علىأشخاص موصوفين بوصف معين، وإن لم تحدد أسماؤهم وشخصياتهم، كالمرضى والفقراءوالعميان وطلاب العلم والغرباء·

     

    كما سمح بالوقف على غير المسلمين من أهل الذمةبدافع التسامح، ورعاية للمعنى الإنساني الذي من أجله كرم الله تعالى الإنسان، وممارواه عبد الرزاق والبيهقي في هذا الصدد: أن صفية زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنها وقفت علىأخ لها غير مسلم·

     

    وأجاز الإسلام تأجير الوقف تنمية لمواردهوتوجيها له إلىالمزيد من مجالات تحقيق الخدمة الاجتماعية التطوعية المجانية· كما سمح ببيع الوقفالخرب أو المتعطل الذي لا يمكن الانتفاع به، ثم شراء ما يقوم مقامه وتوجيهه لمنفعةالناس ما وجد إلى ذلك سبيل ممكن·

    المصدر : مجلة الوعي ـ العدد   493


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()