بتـــــاريخ : 7/24/2010 7:12:06 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1916 0


    حياه العرب الاجتماعية والفكرية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر

    الناقل : SunSet | العمر :36 | الكاتب الأصلى : د /عبد الرحمن الفريح | المصدر : www.altareekh.com

    كلمات مفتاحية  :

    تمهيد
    هذا البحث مقتبس من دراسة علمية عنوانها (القبائل العربية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر في العصر الأموي) وهي تبحث في جوانب تاريخية وحضارية مهمة ، وتسعى إلى التعرف على شتى نواحي الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في تلك المناطق.
    ولم يكن ذلك ممكناً لو اقتصرت تلك الدراسة على تواريخ المشاهير من الحكام والولاة وتدوين آثارهم، ولكنها تجاوزت ذلك إلى الغوص في أحوال الشعوب ، والالتفاف حول شؤون الحياة المعاشة وحوادثها ومؤثراتها ، فاكتسبت الدراسة تنوعاً شمولياً يتمركز حول حياه القبائل العربية باعتبارها الشعب الجديد الذي فتح خُراسان ، ونشر الإسلام فيها ، واستقر في حواضرها ، فصبغها بالصبغة العربية الإسلامية ، وجعل مواطنه هناك مراكز للتعريب انتشرت منها اللغة إلى أقاليم عدة، وقواعد صلبة انطلقت منها الجيوش الفاتحة إلى بلاد ما وراء النهر ؛ حتى نتج عن ذلك إنشاء مراكز استقرار أخرى ومواطن تعريب جديدة، وقواعد متعددة تؤمن العمليات الجهادية المنطلقة شرقاً إلى حدود الصين .
    وكانت القبائل هي صاحبة الحركة الحيّة الفعّالة في التاريخ الخُراساني أبـَّان العصر الأموي ، فمنها المستوطنون الجدد، ومنها القادة والولاة والأمراء والقضاة والعلماء والشعراء ، ومنها أصحاب الثورات والفتن .
    وحدث التأثير المتبادل بين القبائل العربية وسكان البلاد الأصليين لكن العرب لم يلغوا انتماءهم ، بل هو قد اتسع وتنوَّع ، فانتموا إلى الأصول العربية الكبرى حين ابتعدوا عن مواطنهم الأولى ، كما انتموا إلى الخُطط التي عرفوا بها مع انتمائهم إلى المدن والقرى التي يعيشون فيها ، في خُراسان وبلاد ما وراء النهر ، وكل ذلك في ظل الإسلام وفي دائرة فلكه، كما أنَّ سكان البلاد الأصليين لم يلغوا انتماءهم إلى أمصارهم وأقاليمهم لكنهم عرفوا مع ذلك نظام المعاهدة التي أصبحوا بموجبها منتمين إلى القبائل العربية حلفاً، بدون تمايز طبقي يفرق بين المحالف والحليف ؛ لأن الإسلام يمنع ذلك ويرفضه، بعكس نظام حلف العرب الجاهلي الذي يقر الطبقية بين المتحالفين.


    وانعكست آثار الاحتكاك بين العنصرين العربي والعجمي على جوانب عديدة في حياة خُراسان وبلاد ما وراء النهر ، فتعددت المباحث اللازمة لهذه الدراسة ، واتسعت مع مراعاة الحوادث السياسية، وتتبع المطاعن الكثيرة التي وُجّهت إلى تاريخ تلك الفترة لبيان أنَّ ما قيل عن اضطهاد العرب لسكان البلاد الأصليين (الموالي) ما هو إلا مجرد وهم وافتراء جاء إمَّا نتيجة للانسياق وراء الفكر الشعوبي أو للتأثر بالدراسات الاستشراقية غير المنصفة .

     
    فالعرب لم يحرموا الموالي من المناصب، ولا الموالي منعوا من العطاء، أما اللَّبس الحاصل بشأن الضرائب فهو نتيجة للخلط بين مفهومي الخراج والجزية ، وعدم التمييز بينهما ، أو هو مغالطة مقصودة للـتأكيد على ظلم العرب للموالي ، مع تجاهل أن العجمي ( المولى ) قد ظل مساوياً للعربي في المنزلة والعطاء والرزق، وأنَّ من يحاول أنْ يحرم الموالي من عطائهم يكون عرضة للعقوبة والجزاء، وكل ذلك قد تمت مناقشته في هذه الدراسة وبيانه ، مع إيضاح أنَّ الأرض الخراجية تظل خراجية سواءً كان صاحبها مسلماً أو كافراً عربياً أو عجمياً ، أمَّا الجزية فلم يُعرف في تاريخ خُراسان وبلاد ما وراء النهر في عصر بني أمية أنها أخذت ممن أسلم ، وحين حاول أشرس السلمي فرضها بمشورة من بعض العجم أنكرها العرب والعجم على حد سواء.
    وكذلك فإنه لا يوجد سند تاريخي لما يقال عن وجود تمايز طبقي رفع العرب بموجبه أنفسهم عن الموالي ،فلم تشر المصادر التاريخية الموثوقة إلى ذلك ولا الدراسات المنصفة ألمحت إليه، وليس ما ورد في بعض الحوادث الفردية مما يصلح لأن يكون حكماً عاماً تبُنى عليه الأسس العلمية للبحوث، كما أن مصادر الأدب وأخبار الظرفاء والشعراء التي أوحت بالتمايز ،وألحت في بيان الفارق الطبقي في مسألة المعاهدة لا يركن إليها في البحوث التاريخية ، فهي إمَّا قصص تعتمد الخيال ،أو تسلية تنـزع إلى التشويق من خلال المبالغة والتهويل.
    كما أنَّ أحكام بعض الباحثين قد أغفلت النفسية العربية البدوية حين مناقشة رفض العرب الأصهار إلى الموالي، ونسيت العادة التي تمليها أنفة العربي من الأصهار إلى بعض الأقوام ،حتى ولو كانوا من بني جنسه العرب، تلك الأنفة التي تتضح حينما يكون العربي قريباً من بداوته ،وتكاد تتلاشى حين يتحضر وتتشبع روحه بالإيمان، وغفلت أيضاً عن أن أنفة العرب هذه لم تمنع من وجود مصاهرات عديدة بين العرب والعجم ،كان من نتيجتها أن عدداً من مشاهير العرب في خُراسان ينتمون إلى أمهات أعجميات(1).
    ومن الافتراءات المضللة ما ورد بأن الموالي في خُراسان وبلاد ما وراء النهر قد انشبوا عدداً من الثورات تمرداً على الحكم العربي الإسلامي في عهد بني أمية ، بما معناه أن الإيمان لم يدخل في قلوب أولئك القوم ، وقد بينّت الدراسة أن هذا الزعم مرفوض، واشتراك بعض الموالي في ثورة الحارث بن سريج التميمي لا يعني أنَّ هذه الثورة خاصة بهم، فصاحبها عربي صليبة ، وكما انضوى تحت لوائها أناس من الموالي فإنَّ أقواماً من العرب قد اشتركوا فيها، وكذلك الشأن فيما يعرف بثورة الموالي أثناء إمرة أشرس السلمي ، فقد كانت عربية عجمية، أما ضعف إيمان أولئك القوم فمردود بكون منطقة خُراسان وبلاد ما وراء النهر أسرع الأقاليم الإسلامية المفتوحة تعرباً ، ومن أقواها تعمقاً في الدين ؛ حتى غدا أهلها مصادر يتلقى عنهم الناس في العراق والشام ومصر العلوم الشرعية، وبرز فيهم مشاهير في القضاء والفتيا.
    وبيَّنت هذه الدراسة أيضاً أن الدعوة العباسية قد نمت بين ظهراني العرب وأنَّ دعوى أنَّ الموالي ثاروا على الحكم الأموي بتبنيهم الدعوة العباسية دعوى متهافتة، وفرية رددها كثير من المؤلفين، ووردت في مصنفات عدة يباهي بعض أصحابها بأنها تعتمد على المنهجية العلمية والموضوعية في البحث ، وهي أبعد ما تكون عن ذلك، إذ كيف تكون موضوعية وهي تصطدم بالأدلة والوقائع التاريخية التي تمَّ بيانها في هذا البحث بعد استقائها من مظانها الأصلية، وبعد بيان أن الحنق والضيق اللذين قيل أنهما يحيطان بحياة الموالي ودفعاهم إلى الثورة إنما ضُخم أمرهما كتضخيم أمر العصبية القبلية ؛ نفاذاً إلى القول بأن الموالي رفضوا الظلم العربي المطبق المزعوم ، فأقاموا دولة بني العباس بمظهر فارسي على أنقاض الدولة الأموية ذات المظهر العربي ، مع تناسي وتجاهل الدور الرئيس الكبير للقبائل العربية في قيام الدولة العباسية، ذلك الدور الذي تحملته القبائل العربية بشقية الفكري والعسكري فقام بالنشاط الفكري زعيم النقباء سليمان بن كثير حتى نمت الدعوة في خُراسان وترعرعت ،يسانده في ذلك النقباء العرب(2) وقام بالنشاط العسكري قواد عرب ساروا بالجيوش لهدم الدولة الأموية وفي مقدمة هؤلاء قحطبة بن شبيب وابنه الحسن.
    وهكذا فإن كثيراً من الأحكام التعميمية التي أخذت على أنها مسلمات في تاريخ العرب في خُراسان كموضوع العصبية، ودور العرب والموالي في الحوادث السياسية احتاجت إلى كثير من المناقشة المتأنية، وإعادة النظر للوصول إلى تنقية تاريخ تلك الفترة مما علق به من شوائب ،ومما ألصق به من المفتريات التي تلقفها كثير من أصحاب المصنفات العلمية على أنها وقائع ثابتة لا تقبل الجدل.
    وكل هذا تمت مناقشته في هذه الدراسة ، وهي رسالتي لدرجة الدكتوراه التي نشرتُ وما زلت أنشر فصولاً مطولة منها في مجلة الدرعية ،وأخرى في هذه المجلة مع ما رأيت إضافته إليها، أمٌا الموضوع الذي أناقشه الآن فهو جزء من فصل في الدراسة يحمل اسم ( حياة القبائل العربية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر) وكان مكوناً من أربعة مباحث علمية في خطة الدراسة التي تقدمت بها للكلية وهي :
    1-                 علاقة القبائل العربية بالأعاجم
    2-                 موقف القبائل العربية من الحياة الجديدة وأهم الأعمال التي زاولها العرب
    3-                 موقف القبائل العربية من الفتن المذهبية
    4-                 شعر القبائل العربية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر وأثر اللغة والأدب العربيين في تلك البلاد.
    وعند عرض الخطة على القسم المختص في الكلية رأى أعضاؤه إضافة مبحثاً خامساً هو (جهود العلماء العرب في خُراسان وبلاد ما وراء النهر في الدراسات الشرعية)
    وقد نشرتُ هذا المبحث في مجلة الفيصل , واتطلع إلى نشر المبحث الأول عن (علاقة القبائل العربية بالأعاجم) والمبحث الرابع وهو( عن شعر القبائل العربية في خرا سان وبلاد ما وراء النهر وأثر اللغة والأدب العربيين في تلك البلاد) لاحقاً في إحدى المجلات المتخصصة.
    أما المبحث الثاني والثالث فهما عنوان هذا الموضوع الذي وضعت له العنوان التالي : (حياة العرب الاجتماعية والفكرية في خرا سان وبلاد ما وراء النهر في العصر الأموي) فإلى القسم الأول منه وهو:
    1) موقف القبائل العربية من الحياة الجديدة ، وأهم الأعمال التي زاولها العرب في خُراسان وبلاد ما وراء النهر
    دخل العرب المسلمون أرض خُراسان فأصبحت بلاداً إسلامية وجزءاً مهماً من ديار الخلافة وجناحاً شرقياً له وزنه السياسي والاقتصادي والثقافي، وانتمى الخراسانيون إلى الإسلام ثقافة وفكراً وإلى العرب ولاءً(3) فالخراساني معروف بالقبيلة التي يحالفها في ظل الإسلام وفي دائرته، ولا يعني هذا أنَ الخراساني أهمل انتماءه إلى أرضه أو بلدته  ، فهو منسوب إليها موطناً كما هو منسوب إلى القبيلة العربية حلفاً فيقال: الهروي التميمي، والبَلْخي السلمي، والمروزي الشيباني وهكذا .
    وفي المقابل فإن أبناء القبائل العربية قد عرفوا بخُراسان  ، وشهروا في بلادهم التي أصبحوا ينسبون إليها بعد أن استوطنوها  ، فيقال لهم : عرب خُراسان وجند خُراسان وبعوث خُراسان ومقاتلة خُراسان وأهل خُراسان وقبائل خُراسان وفلان الخراساني والنيسابوري والنسائي والسغدي و السمرقندي والبخاري  ، ويُقال ذلك لمن سكن هذه البلاد  ، ويُنسب إلى البلاد الأخرى من يسكنها من العرب الأقحاح ،
    ويلاحظ أنَّ تطاول الأزمان والانصهار في بوتقة الحياة الحضرية قد جعل أهل خُراسان يغفلون الانتساب إلى القبائل ويكتفون بالانتساب إلى المدن والقرى التي يعيشون فيها  ، وقد أدى ذلك إلى تقلص المظهر العربي وانكماشه.
    ولم يؤد نفور العرب في بداية أمرهم من مزاولة الأعمال إلى الترفع عن الاتصال بالأعاجم والاحتكاك بهم بل ومحاكاتهم في اللبس(4) وحضور احتفالات الأعياد والمهرجانات التي يقيمونها (5) فلبس العرب سراويل الأعاجم  ، وتفننوا في اختيارها  ، واحتفلوا بالمهرجانات، وعيد النيروز  ، وقبلوا فيها الهدايا من العجم، وكان الولاة والأهالي في ذلك على حد سواء، واشتهر من بين الولاة أسد القسري الذي كان يحضر المهرجانات الأعجمية ويسامر الدهاقين(6) .
    على أنهُّ ومع ما يلاحظ من أنَّ عملية استيطان العرب في خُراسان قد بدأت منذ مطلع العصر الأموي(7) إلاَّ أنَّ مزاولة العرب للأعمال المختلفة قد بدأت ضعيفة، ولعل السبب في ذلك يكمن في أنَّ دَفْع أفواج من العرب إلى خُراسان قد قُصد به تثبيت الأمن بالدرجة الأولى  ، إذ إنَّ كراهة العرب للتجمير(8) تدفع بالمدن والبلدان إلى التمرد والانتقاض على الحاميات التي يخلفها الفاتحون وراءهم، وقد لاقى المسلمون الأمرين من ذلك ؛ ولذا كان لابد من بقاء أعداد كبيرة من العرب في البلاد المفتوحة لحفظ البلاد من الفتن ومنع الثورات(9) وكان بعث العرب إلى خُراسان بعيالاتهم أسلوباً حكيماً قصد منه بث روح الطمأنينة في نفوس المقاتلين، وتفرغهم للفتوح هناك ، إذ إن انشغالهم النفسي بزوجاتهم وأبنائهم في العراق يزعزع طمأنينتهم ويشل تفكيرهم(10) .
    وقد ورد في بعض وثائق الصلح أن بعض قادة الفتح طلبوا من أهل خُراسان أن يوسعوا للعرب في منازلهم(11) غير أن الملاحظ أن العرب اختاروا القرى والأماكن النائية عن المدن(12) مكاناً لسكناهم تمشياً مع أمزجتهم التي تميل إلى ذلك  ، وهذا أبعدهم عن الاحتكاك المباشر بالتجار وأصحاب الصناعات والحرف اليدوية، ولعل العرب قد ألفوا تلك المقولة التي تذكر بأنه لا يصلح للعرب إلا ما يصلح للبعير والشاء، فكانوا يفضلون المفاوز القريبة من المدن ويختارونها مساكن لهم، حدث ذلك في العراق  ، وحدث في خُراسان  ، وكانت مفازة "أمل" بين "مرو الشاهجان" ونهر "جيحون" مركز استقرار ملائماً لطبيعة العرب فضلوه على المدن(13)، وحين عبر العرب نهر جيحون شُهرت بلدة "بيكند" بكثرة المستقرين بها من العرب وما ذاك إلا لبعدها من المياه السَّبخة الكثيرة والزراعات  ، وقربها من الصحراء(14).
    وقد قطع العرب النهر بالإبل(15) واشتهرت "طُخارستان" ببعض العرب أصحاب الإبل والشَاء  ، ونقلوا عن موسى بن خازم عنايته بهذه الأنعام المرتبطة تاريخياً بالعرب في جزيرتهم الصحراوية(16).
    ويلاحظ أيضاً أن ارتباط العرب بالجندية وتبعيتهم لسجل العطاء كانت تحول بينهم وبين الالتصاق بالحرف والصناعات، فظلوا عسكراً مجندين في الحاميات، يقومون على شئون الطرق والمسالح في خارج المدن ومتأهبين للنفير العام(17).
    ولم يكن العرب في معظمهم بحاجة إلى الكسب والارتزاق إذ إنَّ أرزاقهم تٌعَين لهم من قبل الدولة (18) ويشمل ذلك حتى أولادهم ونساءهم (19) وقد حرص الكثيرون على الالتحاق ببعوث خُراسان  ، لكن هذا لم يدفع بهم في بداية الأمر إلى الانخراط في الأعمال الحياتية الخُراسانية من زراعة وصناعة وتجارة لما سلف من أنهم مسجلون بديوان الجندية، وحبهم للحياة النائية عن المدن، ولعدم اطمئنان بعضهم إلى استمرار الإقامة الدائمة هناك لكثرة الغزوات والحروب والثورات وأيضاً تغير الولاة وما يستتبع ذلك من تحول عدد من أنصارهم أو من قبائلهم إلى بلاد أخرى ومجيء وافدين جدد ومحاربين يختارهم الولاة بمعرفتهم أو يتعلقونهم رغبة في القرب منهم وطمعاً في المكاسب الدنيوية  ، وهذا ينطبق على بعض الشعراء وذوي الحاجات(20).
    ولعله لم يتح للعربي ذلك الاحتكاك الذي يمكنه من العمل مع أهل خُراسان في الزراعة والتجارة في بداية الأمر إذ إنَّ أهل البلاد الأصليين لم يسمحوا بمشاطرة الفاتحين لهم بمنازلهم  ، كما أنَّ أراضيهم كانت عزيزة عليهم إلى أبعد الحدود  ، فلم يكن من السهولة أن تؤول إلى العرب(21)، وهذا ينطبق على خُراسان بشكل أوضح  ، إذ إن بلاد ما وراء النهر قد شهدت تحولاً جذرياً في عملية الاستيطان  ، فنـزل العرب في وسط "بخارى" و "سمرقند"(22) ودفع قتيبة الناس بعيالاتهم إلى بلاد "الشاش" و "فرغانة" فالتصقوا بالأرض التصاقاً تاماً(23) .
    وفي ضوء ما تقدم فإنَّ القرن الهجري الأول لم يشهد انخراطاً تاماً للعرب في الحياة الخُراسانية من حيث مزاولة الأعمال الصناعية والتجارية والزراعية  ، وفيما عدا ما قيل من أن بعض العرب ضجوا من إرهاق العمال لهم في جباية خراج أراضيهم الزراعية في عام 77هـ(24) فإنه لا توجد إشارة إلى تغلغل العرب في العمل الزراعي، وحتى هذه الحادثة لا تدل على نشاط عربي زراعي ؛ لأن بُكير بن وشَّاح التميمي الذي تبناها استغلها استغلالاً سياسياً ضد أميَّة بن عبد الله الأموي والطعن في سياسته المالية(25) .
    ويمكن القول : إنَّ العرب قد أقبلوا على المشاركة في النشاطات الخُراسانية المختلفة في القرن الثاني من الهجرة، وبالذات النشاط الزراعي ، يدل على ذلك كثرة القرى المنسوبة للعرب ؛ مما يوحي بأنها كانت لهم يحرثونها ويزرعونها ، ويجرون الماء في القنوات إليها ، فلبني خزاعة الأزديين اليمانيين قرى في أرض "مرو" ولتميم قرى في "طُخارستان" ولكندة اليمانية قرى  ، ولقيس وبكر وتغلب قرى أخرى ورساتيق(26)، بل قد تُنسب القرى إلى أشخاص من العرب فيقال: قرية فلان كما يقال قرية القبيلة الفلانية وذلك كقرية "كَتجانة" المنسوبة إلى نصر بن سيَّار(27) .
    وقد أصبحت عملية الاستيطان أكثر تنظيماً في مطلع القرن الثاني للهجرة  ، حيث صار للعرب بيوت ومساكن في المدن تشرف الدولة على إقامتها وترتيبها، وذلك صنيع أسد القسري في منازل العرب بـ "البروقان" و "بَلْخ" عام 107 هـ(28) وهذا أدعى إلى أن ينصرف العرب إلى الحياة المعاشة، وينخرطوا في سبل معايشها الزراعية والتجارية والصناعية.
    كما شهدت هذه الفترة اهتماماً بالإقطاعات والأملاك الزراعية نظير أرض "المُرغاب" التي منحها الخليفة يزيد بن عبد الملك لهلال بن أَحوز المازني التميمي(29).
    وقد رأى العرب في خُراسان من الخيرات ونتاج الأراضي الزراعية ما لم يكونوا يألفوه، فأَثرَّ ذلك في أسلوب معيشتهم  ، وزادتهم الأموال الكثيرة غنى ورفاهاً(30) وكانت خُراسان مغرية للعرب للذهاب إليها حتى إنَّ المهلَب آثر أنْ يختارها على "سجستان" وهو قد خبر الناحيتين معاً(31).
    وكانت أموال خُراسان تكفي حاجة ساكنيها وتزيد  ، يستنتج ذلك من المكاتبات الدائرة بين الخليفة عمر بن عبد العزيز وواليه على خُراسان  ، حيث أمر الخليفة بصرف الأموال على أصحاب الأعطيات  ، فصرفها الوالي على أصحابها  ، وقسم الزائد في باقي الناس فكفاهم، وعُرف آل المهلب بتوزيع الأموال على الناس إلى حد السرف(32) وكان قتيبة لا يكاد يظفر بمال حتى يوزعه على المقاتلين معه(33)، وأثر عن أمية بن عبد الله الإسراف في الخيلاء والمباهاة حتى كان يقول : إن خُراسان لا تكفي لمطبخه(34)، وأفرط بُكير بن وشَّاح وجنده التميميون في اختيار الملابس البالغة الزينة، المتعددة الألوان(35).
    وكان العرب يحصلون على ما يريدون من تجار خُراسان وبلاد ما وراء النهر مع تأجيل السداد إلى ما بعد الغزوات، فعل ذلك بُكير بن وشَّاح حينما كلفه أمية بن عبد الله بغزو بلاد ما وراء النهر  ، فلما صرفه عن الغزو سدد ما للتجار عنه وعن بعض أعوانه، وسدد أمية عن الآخرين بعد مقتل بكير، وكانوا قد استدانوا بأموال كثيرة(36) وهذا يقف بنا على نوع من العلاقة بين العرب والتجار من أهل البلاد الأصليين على أن حركة التجارة كانت نشطة في أيام الغزوات، وعلى نزوع العرب إلى الإكثار من شراء عدة الحرب وما إليها من لباس وأطعمة  ، ولاشك أن مغانم الحرب الكثيرة كانت مما يُشجع على ذلك  ، فقد وجد العرب في "بيكند" بعد الفتح من آنية الذهب والفضة ما لم يصيبوا مثله(37) وغنموا في "البحيرة" أموالاً أعجزت المحصين لكثرتها(38) وأجاز نصر بن سيار لأحد عماله بأن يحمل معه إلى الشام هو وآل بيته ما بدا لهم  ، فحمل بعضهم ألف ألف وأكثر من هذا القدر، وأعدَ ذات مرّة ضروباً من التحف النفيسة والهدايا الثمينة، كما أمر بصنع تماثيل الظباء ورؤوس السباع والآياييل(39) وكتب إليه الوليد بن يزيد كتاباً يستهديه أباريق من ذهب وفضة  ، وأن يصطحب معه البزاة والبزازين الفارهة(40).
    وكان من الطبيعي أن يتعلم أهل خُراسان لغة العرب الفاتحين لغة القرآن  ، وأن يعلموها أولادهم ؛ لأنها لازمة في أمور الدين والدراسات الشرعية  ، وقطع أهل خُراسان شوطاً كبيراً في علوم اللغة وآدابها  ، حتى غدوا من أساطينها(41) واحتك العرب باللغتين الفارسية والتركية فتعلمها بعضهم وروي أن أحد بني باهلة المحاصرين لـ (كمْرجَة) كان يتكلم التركية(42) وأثر عن أحد بني تميم أنه كان يعرف الفارسية  ، فكان ترجماناً بين الفرس وأحد الموالي من الأتراك الذين يتكلمون العربية(43) وكان الكرماني الأزدي يتكلم الفارسية(44) وفي هزيمة أسد القسري في أرض "بَلْخ" عام 119هـ تغنى الصبيان بشعر بالفارسية فقالوا:
    أز خُتلان آمديه
    بروتباه أمديه
    آبار بارز آمديه
    خُشنك نزار أمديه(45)
    ولقَّب العرب سعيد بن عبد العزيز والي خُراسان بـ "خُذينه" لأن ملك "أبغز" سأل عنه فقال "خُذينيه لمتيه سكينه"(46).
    وقد انصرف بعض العرب إلى اللهو واللذات في خُراسان  ، واشتهر أبو الهندي الشاعر التميمي بالعكوف على الشراب(47).
     وكان في "ترمذ" أيام موسى بن خازم حانات خمر يأوي إليها بعض العرب(48) وحين تورط بعض جنود قتيبة في الخمر قتل بعضهم حفاظاً على جنده(49) وكذا فعل وكيع بن حسان ابن أبي سود التميمي  ، وقريباً من ذلك صنع عبد الرحمن بن مسلم أخو قتيبة(50) وأثر عن بعض العرب ولعهم بالصيد في الأراضي الخُراسانية وبرز في ذلك الشَّمردل بن شريك التميمي(51).
    2) موقف القبائل العربية من الفتن المذهبية
    ضمّت الأرض الخُراسانية أجناساً متعددة وقوميات متباينة  ، فكان فيها العرب والفرس والأتراك  ، كما كان فيها عدد من الديانات والعقائد المختلفة  ، فبالإضافة إلى الإسلام كان هناك مجوسية ويهودية ونصرانية(52) ومن الطبيعي أن تكون هذه البيئة من أنسب الأماكن لظهور الفتن المذهبية ونموها  ، بل وقد يأوي أصحاب المذاهب إلى خُراسان لتباين قومياتها ووجود عدد من الأديان بها ولبعدها أيضا عن دار الخلافة الإسلامية(53) ولم يكن اعتباطاً أن يختار العباسيون خُراسان موطناً لبث دعوتهم في عام 100هـ  ، وذلك حين بعث محمد بن علي بن عبد الله بن عباس محمد بن خنيس وأبا عكرمة السراج وحيّان العطار ليبثوا الدعوة هناك(54) .
    وقد أثمرت الدعوة لآل العباس في خُراسان حتى إن داعيتهم زياداً أبا محمد مولى همدان أقام بـ "مرو" شتوة يفد الناس فيها عليه ويدارسونه  ، وذلك في عام 109 هـ  ، وكان أبرز المناصرين له يحي بن عقيل الخزاعي من قبيلة الأزد الكهلانية اليمانية(55) .
    وفيما بين عام 100 هـ وابتداء أمر أبي مسلم الخُراساني في عام 129 هـ ظهر نشاط للدعاة أشده في عام 107 و 109 هـ أثناء ولاية أسد بن عبد الله القسري الأولى وفي عام 118هـ أثناء ولاية أسد الثانية(56) وفي هذا العام الأخير انحرف الداعية العباسي في خُراسان عما مضى عليه أسلافه من الدعوة للرضا من آل البيت  ، واسم هذا الداعية عمّار بن يزيد بعثه بكير بن ماهان والياً على شيعة بني العباس  ، لكنه ما لبث أن غيرَّ اسمه وتسمى بخدّاش  ، وغيرَّ ما دعا الناس إليه  ، وأظهر دين "الخرَّمية" ورخص للناس في نساء بعض فيما يقال  ، وبلغ من جرأته في ذلك أن أخبر الناس بأن ما يدعو إليه أنما هو بأمر محمد بن علي بن عبد الله بن عباس(57).
    ولم تلق دعوة خدَّاش قبولاً من القبائل العربية في خُراسان وأوصى أسد القسري إلى يحى بن نعيم الشيباني البكري الوائلي بأن يقتله فقتله بـ "آمل" وصلبه (58).
    وبعد موت خدَّاش لم تجد بدعته من يتبناها أو ينحو منحاها  ، بل هي قد ماتت بموته  ، كما أن الدعوة العباسية قد اتجهت من بعده إلى وجهتها الصحيحة، وقد جاءت فتنة خدَّاش أبّان حركة الحارث بن سريج التميمي الذي يقول بالأرجاء(59) لكن الأرجاء لم يعد آنذاك مذهباً مستقلاً متميزاً بآراء تحدد معالمه وتبين جوانبه، كما أن ابن سريج لا يعد من أعلام الإرجاء البارزين بالرغم من قوله بالإرجاء وإشعاله لثورة خطيرة امتدت فترة طويلة من الزمن زعزعت فيها الأمن وهددته مراراً كثيرة(60).
    وكما أن مذهب الإرجاء غير متميز في ذلك الوقت فإنَّ صاحبه في خُراسان الحارث بن سريج غامض في تصرفاته  ، فهو يدعو إلى تحكيم كتاب الله وسنه نبيه في الحياة وإقامة العدل  ، ويستعين مع ذلك بالمشركين على قتال المسلمين(61) ومن الواضح أنَّ حركة ابن سريج قد اختلط فيها الفكر بالسياسة  ، واكتنفها ما يدخل في حركات الفتن من الطموح وحب الظهور الشخصي  ، والرغبة في الانتقام والمطامع  ،والناظر في أمر هذه الحركة يلحظ أيضاً أنها لم تكن ثورة للموالي ضد الحكم أو التسلط العربي الذي يمثله بنو أمية وولاتهم في خُراسان(62) فصاحب هذه الحركة عربي صليبة مجاشعي حنظلي من تميم  ، وثابت قطنة المشهور بالإرجاء عربي صليبة أيضاً من الأزد الكهلانيين اليمانيين  ، ووهم من عده من الموالي(63).
    ومن غريب ما قيل في أمر المرجئة أنها لعبت دوراً هاماً في التوفيق بين المصالح المتعارضة بين العرب وغيرهم من المسلمين حين تطور النزاع بين الأحزاب والطوائف  ، وحلت مشكلة اجتماعية جديدة في الدولة الأموية  ، وهي موقف العرب من المسلمين الجدد  ، فقد ذهب المرجئة إلى القول بأنه لا يحل للحكومة أن تعامل هؤلاء كما لو كانوا لا يزالون على كفرهم بعد أن أصبحوا مسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم  ، وهذا القول ورد في بعض المباحث الحديثة(64) وهو منقول عن الدراسات الاستشراقية(65).  
    وقريباً مما تقدم ورد أيضاً "أن بني أمية لم يضطهدوا المرجئة كما اضطهدوا المعتزلة والخوارج والشيعة  ، بل هم قد استعملوا من عرف بالإرجاء كما فعل يزيد بن المهلب بثابت قطنة حين ولاه عملاً من أعمال الثغور  ، وقد وجد بنو أمية في تعاليم المرجئة ما يساعدهم على فرض سلطانهم على المسلمين ؛ لأن الحساب مرجأ إلى الآخرة  ، ولا داعي إلى فتحه منذ هذا العالم  ، وهذا يعني أن من الأفضل التسليم بواقع الخلافة كما فرضه الأمويون بغض النظر عن شرعيته أو عدمها على أن يترك لله أمر الثواب والعقاب"(66).
    والقول بأن المرجئة انتصرت لغير العرب من سوء المعاملة التي يلقونها(67) قول ينقصه الدليل  ، ويحتاج إلى ما يدعمه من الحوادث الثابتة  ، وإذا كان هذا القول يرمز إلى وقفة ثابت قطنه وهو مرجئ مع من فرضت عليهم الجزية أثناء أمرة أشرس السلمي بعد أن أسلموا  ، فإن ثابتاً لم يكن وحدة في هذه الوقفة  ، إذ كان معه عدد من العرب والموالي  ، وكما أن ما حدث من أشرس بشأن الجزية إنما كان بتدبير من أحد الموالي ،  ثم أن ثابت قطنة لم يقف هذا الموقف بدافع مذهب الإرجاء بل هو وقفه من أجل أنه التزم لمن أسلم بأن يرفع عنه الخراج  ، فلما لم يف أشرس بما التزم به عبَّر ثابت عن سخطه مع مجموعة من أصحابه لم يؤثر عنهم أنهم من أصحاب الإرجاء(68) وحتى ثابت نفسه لم يعرف عنه اهتمام  واضح بهذا المذهب أو قول فصل  ، وكل ما ورد في سيرته هو أنَّ له أبياتاً من الشعر قال فيها بالإرجاء(69) .
    والإرجاء ذاته لم ينتصر لجنس من الناس ضد جنس آخر أو للموالي ضد العرب  ، فهو بمعناه البسيط تأخير أصحاب الذنوب وعدم الحكم عليهم بجنة أو نار إلى يوم القيامة  ، والأصل أنه نشأ أيام اختلاف المسلمين في عهد علي بن أبي طالب  ، فحدث أن توقفت جماعة من المسلمين من القول بالضلال على أحد  ، وتحرّجت من الحكم على الناس ،  ووكلت ذلك إلى رب العالمين  ، وقيل أيضاً بأن معنى الإرجاء من أرجأ بمعنى بعث الرجاء أو أعطاه أي أن المرجئة يرجون لكل مسلم مغفرة من الله(70).
    على أن مفهوم الإرجاء قد تطور واختلط بالجبرية والقدرية(71) وإن كان هذا التطور لم يؤثر عن الحارث بن سريج التميمي في خُراسان  ، بل أثر عن بعض اتباعه كالجهم بن صفوان(72) الذي خرج من الإرجاء إلى القول بالجبرية الخالصة حتى أصبح صاحب مذهب بالغ التطرف نسب إليه  ، وعرف باسم مذهب "الجهمية"(73) .
    وقد عُرف الحارث في بداية أمره مقاتلاً صنديداً في جيش المسلمين برز في صفوف بني تميم أيام حصار "كمرجة" في أرض "سمرقند" عام 110هـ(74) وفي عام 116هـ خلع وأقبل من "النتخذ" حتى وصل إلى "الفارياب" وقدم أمامه بشر بن جرموز الضَّبى التميمي ، فوجه عاصم الهلالي (والي خُرسان) إليه حنظليين من تميم هما هلال بن عُليم والأشهب الحنظلي ومعهما جرير بن هَميان السدوسي البكري الوائلي ومنصور بن عمر بن أبي الخرقاء وخطاب بن محرز السلميان ومقاتل بن حيان النبطي مولى بني شيبان البكريين(75)، وقد أخفق هذا الوفد في مسعاه بسبب تعنت الحارث فتناول الموفدون الحارث في "مرو" ،وذكروا سيرته وغدره ،أما هو فقد استولى على "بَلْخ" وطرد عاملها نصر بن سيار(76) وولىَّ أحد ولد عبد الله بن خازم على "بَلْخ" وفيما بين أرض "الجوزجان" و "بَلْخ" كان الحارث يدعو إلى الكتاب والسنة والبيعة للرضا ،ومعه ستون ألفاً من الفرسان فيهم حمَّاد بن عامر بن مالك الحِمَّاني السعدي التميمي ،وبشر بن أُنيف الرياحي اليربوعي الحنظلي التميمي ، ومحمد بن المثنى الحداني الأزدي اليماني ، ووابصة بن زرارة العبدي الربعي ،وقد وصف الطبري أصحاب الحارث بأنهم (فرسان الأزد وتميم)(77).
    وبالمقابل كان مع عاصم الهلالي عدد من وجوه القبائل أشهرهم خالد بن هريم الثعلبي اليربوعي الحنظلي التميمي ، ويزيد بن قّران الرياحي اليربوعي الحنظلي التميمي(78) وقد اجتاح الحارث "الجوزجان" و "الفارياب" و "مرو الروذ" مما حدا بعاصم إلى التفكير في الهرب إلى نيسابور وطلب مدد من الخليفة بالشام لولا أن أصحابه التميميين ثنوه عن ذلك فمكث بـ "مرو"(79) .
    وفي أرض "مرو" كانت المواجهة بين الطرفين الحارث بوجوه من عدد من العشائر العربية ودهاقين العجم، وعاصم الهلالي بأهل مرو من العرب وغيرهم وحين أوشكت الهزيمة أن تحيق بالحارث وأصحابه طلبوا المهادنة فأجيبوا إلى ذلك ، وأرسل أهل "مرو" إليهم عدداً من الفقهاء والقراء وكبار القوم منهم:
    المؤمن بن خالد الحنفي البكري ،ومقاتل بن حيان النبطي ،وأرسل الحارث محمد بن مسلم العنبري التميمي لمناظرتهم ،على أن المناظرة لم تسفر عن نتيجة ،فالتحم الفريقان من جديد وانهزم الحارث وأصحابه(80).
    وعاد الحارث للحرب مرة أخرى ، وأوشك عاصم أن يتفق معه فيما يشبه الإجماع على مناهضة الخليفة بعد أن أرسل الخليفة أسداً القسري والياً على خُراسان مرة ثانية(81) غير أن هذه المحاولة فشلت بتصدي يحي بن الحضين زعيم ربيعة لها ،فنزل عاصم بقرية لكندة بأعلى "مرو" ونزل الحارث بقرية لبني العنبر التميميين ، فالتقوا بالخيل والرجال حتى انهزم الحارث بعد أن أبدى شجاعة عجيبة ، وكثر القتل في التميميين من أصحابه(82) وأدعّى أسد القسري هزيمة الحارث الذي تحصن بـ "مرو الرَّوذ" حيث الغالبية التميمية ، وتتابعت المعارك في "مرو الروذ" و "آمل" حتى اضطر الحارث إلى النزوح إلى "ترمذ"(83) في وقت اضطربت فيه أمور سمرقند ،وظهر نشاط دعاة آل العباس ؛ مما دعا بأسد إلى حشد عدد من المقاتلة من أبناء القبائل ،وتعيين رؤساء جدد عليهم أمثال الحوثرة بن يزيد العنبري الذي عينه على بني تميم ،ومنصور بن سالم الذي عينه على أهل العالية(84).
    وقد بعث أسد الجيوش إلى "ترمذ" و"آمل" و "سمرقند"(85) كما قبض على نقباء الدعوة العباسية بتحريض من أحد الباهليين ،فتكلم اليمانيون من النقباء ،ودافعوا عن أنفسهم متذرعين بحسد الباهليين وحقدهم عليهم لشدتهم على قتيبة ،فعفا أسد عن اليمانيين ثم الربعيين ،وعذّب المضرييِن ،وهم من تميم وكاد أن يفتك بهم(86).
    وكانت الضربة الموجعة لأصحاب الحارث علي يد الكرماني اليماني عام 119هـ وذلك في "بَلْخ" وفي قلعة "التبوشكان" بـ "طُخارستان" وكان مع الكرماني رؤساء اليمانية من أمثال سالم بن منصور البجلي وصالح بن القعقاع الأزدي(87) .
    غير أن أسداً القسري وقواده وغالبيتهم من أهل اليمن قد لقوا عنتاً من الحارث حيث اعتصم بـ "طُخارستان" واستعان بالثائرين من الترك ببلاد ما وراء النهر ، وكانت حرباً مميتة جمع أسد فيها القبائل على راياتها والدهاقين ومع الحارث "خاقان" و"جيغوية الطخاري" وملك السغد وقد التقوا "ببَلْخ" و"مرو الروذ" ثم ببلاد ما وراء النهر وبـ "سمرقند" بالذات(88).
    وفي عام 121هـ سار نصر بن سيّار (وهو والي خُراسان يومئذ) إلى بلاد ما وراء النهر وكان الحارث بن سريج يومئذ بأرض الترك ،فأقبل معهم وعلى الترك كورصول ،أمّا نصر فكان معه عشرون ألفاً من غير العرب وهم أهل "بخارى" و "سمرقند" و "كش" و "أشروسنة" والعرب على أخماسهم(89) وقد قتل "كورصول" وهزمت الترك(90) فكتب يوسف بن عمر والي العراق إلى نصر أن سر إلى هذا الغارز ذنبه في "الشاش" يعني الحارث بن سريج فإن أظفرك الله به وبأهل الشاش فخرب بلادهم واسب ذراريهم وإياك وورطة المسلمين فأنفذ نصر أمر يوسف وهزم الحارث ومن معه من الترك وعاد إلى سمرقند(91).
          وفي عام 127هـ طمع نصر بن سيار في مناصحة الحارث بن سريج ومصالحته ،وذلك بسبب الفتنة بين             نصر والكرماني ،وخشيته من قدوم الحارث عليه في أصحابه فأرسل إليه مقاتل بن حيان النبطي ،ثم أخذ له أماناً من الخليفة يزيد بن الوليد ورد عليه أمواله(92) فقدم الحارث وأقام بـ "مرو الرَّوذ" وكان الناس قد لقوه بـ"كشماهين" فلما لقيهم قال: ما قرَّت عيني منذ خرجت إلى يومي هذا ،وما قرة عيني إلا أن يطاع الله ،ولقيه نصر ،وأنزله وأجرى عليه كل يوم خمسين درهماً ،فكان يقتصر على لون واحد من الطعام ،وقد طلق أهله ،وفارق أولاده ،وعرض عليه نصر أن يوليه ويعطيه مائة ألف دينار فلم يقبل ،وأرسل إلى نصر أني لست من الدنيا واللذات في شيء ،إنما أسألك كتاب الله والعمل بالسنة ،وأن تستعمل أهل الخير ،فإن فعلت ساعدتك على عدوك(93).
    وكتب الحارث أيضاً إلى الكرماني بمثل ما كتب به إلى نصر ،ودعا بني تميم إلى نفسه ،فأجابه منهم ومن غيرهم جمع كثير ،وقال لنصر: إنمَّا خرجت من هذه البلدة منذ ثلاث عشرة سنة إنكاراً للجور وأنت تريدني عليه(94).
    وخرج الحارث سنة 128هـ من "مرو" وعسكر خارجها بحجة أن الخليفة الجديد مروان بن محمد لا يجيز الأمان الذي أعطاه له يزيد(95) وطلب من نصر أن يجعل الأمر شورى ،ويعزل العمال بما فيهم سَلْم بن أحوز التميمي صاحب الشرطة(96) واتفق الرأي على أن يحكم الطرفان بينهما أناساً من أهل العلم والدراية ،فاختار نصر مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان ،واختار الحارث المغيرة بن شُعبة الجهضمي ومعاذ بن جَبَلة(97).
    ولم يتوصل هؤلاء إلى حل يرضي الطرفين ،وأخفق كل من جهم بن صفوان ومقاتل بن حيان حينما حكَّما بعد ذلك بين نصر والحارث ،ورفض الحارث عرض نصر أن يوليه ما وراء النهر ويعطيه ثلاثمائة ألف(98). وكان الحارث يزعم أنه صاحب الرايات السود ،وقد أمر كاتبه الجهم بن صفوان أن يقرأ سيرته في الأسواق والمساجد ،فاجتمع عليه خلق كثير قاتل بهم نصراً(99) ثم انضم إلى الكرماني واليمن وربيعة ،وأخيراً فارقهم ،واعتزل حربهم مع نصر ،ولما خرج نصر من "مرو" دخل الحارث في صراع مع الكرماني وأتباعه ،وقاتل حتى قتل مع نفر من أصحابه غالبيتهم من تميم(100) وكان ذلك في عام 128هـ.
    وبمقتل الحارث انتهت ثورته التي امتدت اثني والبيعة للرضا مع ثلاث عشرة عاماً ، دعا الحارث خلالها إلى تحكيم كتاب الله وسنة نبيه مناداته أحياناً بمنع الظلم والجور والتشنيع أحياناً أخرى على ولاة بني أمية ،وهذه دعوات عامة لا تحمل فكراً فلسفياً ،لكن الحارث أبى كل عروض المصالحة ،ورفض مقترحات الوسطاء والمحكمين ،كما أنه وضع يده بيد المشركين في حربه ضد الولاة. (101)
    ولم يكن لآرائه – إن صح أن يقال أن له آراء – أي أثر بعد وفاته وذلك على النقيض من آراء كاتبه الجهم بن صفوان مولى بني راسب الأزديين اليمانيين الذي قُتل قبله على يد سلم بن أحوز التميمي بعد أن أشتد في معتقده حتى أنكر صفات الله تعالى ، وغالى في جبريته حتى غدا مذهبه من أخطر المذاهب وأشدها بعداً عن منهج الإسلام(102).
    وقد رأينا أنه قد تبع الحارث جمع كثير من العرب والموالي ، كما أن المناهضين له كانوا من العنصرين مما لا يصلح معه أن يقال بأن ثورة الحارث ثورة للموالي ،أو هي انتصار لهم ضد العرب ،كما أن العرب الذين معه ينتمون إلى مختلف القبائل وكذلك كان العرب من أضداده.
    وفيما عدا حركة الحارث وظهور دعاة آل العباس شهدت خُراسان حركتين للطالبيين الأولى ليحي بن زيد ين علي بن الحسين ،وهي امتداد لحركة أبيه الذي ثار بالكوفة وقتل بها سنة 122هـ(103) في خلافة هشام بن عبد الملك وولاية يوسف بن عمر على العراق ،وكان من أمر يحيى أن سار إلى خُراسان بعد مقتل أبيه ،ونزل "بَلْخ" إلى أن سرحه نصر بن سيار منها بعد أن أمنه ووصله وحذره الفتنة، ولما لم يكمل يحيى مسيره أرسل إليه نصر سَلْم بن أحوزْ المازني التميمي على رأس جيش فأدركه بـ "الجوزجان" وقاتله حتى قتل في عام 125هـ دون أن يكون له اتباع كثيرون من القبائل العربية في خُراسان بل لقد قيل أنه كان في سبعين رجلاً قدم أكثرهم معه من العراق(104).
    أما الحركة الثانية فهي لعبد الله بن معاوية بن حبيب بن جعفر بن أبي طالب الذي خرج وكثر أتباعه في عام 129هـ ولحق بـ "هراة" بعد أن جاء بأمور مبتدعة في الدين مالأ فيها أهل الإلحاد فيما يُروى ،وقد انتهى به الأمر إلى القتل على يد مالك بن الهيثم الخزاعي والي "هراة" من قبل أبي مسلم الخُراساني(105) دون أن يحدث أثراً كبيراً بعد مجيئه إلى خُراسان ،ودون أن يكون للقبائل العربية موقف معين من حركته المذهبية(106) .
    وبصفة عامة فإنه من الصعب القول بأن قبيلة ما أو مجموعة من القبائل قد اتخذت أو تبنت مذهباً فكرياً بشكل جماعي ،بل إن مجموعة من الأفراد قد ينضوون تحت فتنة مذهبية مع عدم وجود رابطة قبلية توحد بينهم مع ملاحظة أن المذاهب الفكرية لم تكن قد اتضحت صورتها في هذا الوقت وإن وجدت فهي لخدمة أغراض سياسية .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    الهوامش :
    1) مع ملاحظة أنَّ أمهات بعض العرب إنما هن من الجواري.
    2) أكثر النقباء كانوا من العرب ومنهم موسى بن كعب ولاهز بن قريط والقاسم بن مجاشع من بني تميم، وبالغت بعض الروايات في تضخيم دور أبي مسلم الخراساني في قيام دولة بني العباس كمّا تم بيانه في مباحث أخرى من هذه الدراسة.
    3) يحمل لفظ المولى عدة معان والمقصود هنا ولاء الحلف وقد اكتسب مفهوم الولاء معنى اصطلاحياً عند مؤرخي الإسلام فقصدوا به كل من أسلم من غير العرب فالموالي إمِّا أن يكونوا من أهل البلدان المفتوحة انضموا حين إسلامهم إلى العرب فصاروا موالي بالحلف والموالاة، وإمّا أنْ يكونوا في أصلهم أسرى حرب استرقوا ثم اعتقوا. انظر المصري : الموالي: 23، إحسان النص: العصبية القبلية 238 .
    4) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك ج5، 227.
    5) وتقدم في هذه الأعياد الهدايا النفيسة للولاة على اختلاف أنواعها وأشكالها انظر الغزي: الشعر الأموي في خُراسان، 52 . ومنذ أيام عصر بني أمية الأولى عايش العرب العجم وتبادلوا معهم الصداقات واشتركوا جميعاً في الفتح وصحب العرب أناس من العجم إلى العراق والشام وتسمَّى كثير من العجم بأسماء عربية. انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8،194، ابن الأثير: الكامل، جـ3، 110، والبلاذري: فتوح البلدان،400 .
    6) انظر ابن الأثير : الكامل، جـ4، 195 .
    7) في عامي 45 و 51هـ انظر ابن الأثير : الكامل، جـ3، 252، 273 .
    8) كان العرب ينفرون من التجمير وهو البقاء في الثغور مدة طويلة وخاصة في فصل الشتاء ومما قيل في ذلك إنَّ عبدالمؤمن بن شبت بن ربعي التميمي شجع على الانضمام إلى ثورة ابن الأشعث بقوله إنَّ الحجاج يدفعكم إلى التجمير، انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 197 .
    9) انظر البلاذري : فتوح البلدان، 40 .
    01) ذكر الطبري إنَّ العرب في ولاية الربيع بن زياد الحارثي نقلوا أسرهم إلى خُراسان. انظر الطبري تاريخ الأمم والملوك، جـ6، 292 .
    11) مثال ذلك الصلح الذي تم بين ابن عامر ومرزبان "مرو الشاهجان" انظر البلاذري: فتوح البلدان، 395 .
    12) يلاحظ ذلك في تمركزهم في القرى المحيطة بـ (مرو) وهي قرى تميم وخزاعة .
    13) انظر ياقوت : معجم البلدان، جـ1،87 .
    14) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ7، 57، ياقوت: معجم البلدان، جـ1، 227 .
    15) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ 6، 227 .
    16) انظر صالح العلي : امتداد العرب، 45 .
     17) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك جـ8، 102 .
    18) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 54
    19) وكان ديوان العطاء يزيد في بعض الأحيان عن حاجة الناس، حدث ذلك في خُراسان في زمن عمر بن عبد العزيز مع قلة الغزوات في عهده . انظر ضياء الدين الريّس : الخراج، 232 .
    20) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 116 .
    21) انظر حسين علوان : الشعر العربي بخُراسان، 55 . وقد نعتت الدولة الأموية بالمظهر العربي وهذا ينطبق على خُراسان وقد أدى تمسك الفاتحون بعربيتهم في خُراسان إلى الحيلولة بينهم وبين مزاولة المهن الصناعية التي كان العربي يأنف منها، ووصف دولة بني أمية بأنها عربية المظهر كان من مآخذ الناقمين عليها من الشعوبية.
    22) انظر البلاذري : فتوح البلدان، 397 .
    23) وكان ذلك من ضمن شروط الصلح الذي تمَّ بين قتيبة وأهل هاتين المدينتين انظر ابن الأثير : الكامل، جـ4، 121 .
    24) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك جـ8، 89 .
    25) تبنّى هذه الضجة بُكير بن وشَّاح التميمي لهدف سياسي وأشار بعض الباحثين إلى اشتغال العرب بالزراعة اعتماداً عليها . انظر الريس : الخراج 134، حسين علوان : الشعر العربي بخُراسان، 64 .
    26) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ 8، 58 وقال الأستاذ حسين علوان : إنَّ زعماء بني تميم وعلى رأسهم بُكير وبحُير بن ورقاء أرادا أن يستبدا بحكم خُراسان وهذا هو القصد من هذه الصيحة المدوَّية وما يلاحظ على ما ذكره علوان هو أن بُكيراً وبُحيراً التميميين لم يكونا في صف واحد فبكير ثائر على أميّة بن عبدالله وبحير معه. انظر حسين علوان: الشعر العربي بخُراسان، 69.
    27) انظر أهم مواطن استقرار العرب في خُراسان في العدد السابع من هذه المجلة .
    28) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 97 .
    29) انظر ياقوت : معجم البلدان، جـ5، 107 .
    30) انظر ياقوت : معجم البلدان، جـ 5، 107 .
    31) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 95 .
    32) انظر ابن الأثير : الكامل، جـ3، 35 .
    33) انظر المبرد : الكامل جـ2، 260
    34) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 89 .
    35) وكان هذا مما أخذه قتيبة على أميَّة حين تحدث عن حسن سيرته هو في القبائل التي ثارت عليه. انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ7، 197، جـ8،94. وروي أن والي "هراة " ودهقانها قدما لأسد القسري في أحد الأعياد هدية تقدر بألف ألف، قطران من الذهب والفضة ومثلهما صحاف وأباريق والديباج الهروي المروزي والديباج القوهي وكرة من ذهب. انظر ابن الأثير: الكامل جـ4، 178.
    36) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ7، 199 .
    37) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك جـ7، 209 .
    38) انظر ابن الأثير : الكامل، جـ4، 207 .
    39) انظر الغزي : الشعر الأموي في خُراسان، ص40 .
    40) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 212 وذكر الدكتور الغزي أنه يستفاد مما أورده الطبري أن نصراً أعد ضروباً أخرى من التحف النفيسة والهدايا الثمينة فاشترى المماليك ولم يدع بخُراسان جارية ولا عبداً ولا برذوناً فارهاً إلا اشتراه،كما أمر بصنع تماثيل الظباء ورؤوس السباع والاياييل يستفاد من ذلك أن صناعة التماثيل الحيوانية شائعة وأن أهل الفقه لم ينكروا ذلك .انظر الغزي: الشعر الأموي في خُراسان.
    41) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8،212 .
    42) برز عدد من الموالي في القضاء والفتيا فكان لزاماً أن يكونوا مبرزين في اللغة العربية وقد بينت في مباحث أخرى من بحث القبائل العربية في خُراسان وبلاد ما وراء النهر أسماء عدد من مشاهير الموالي الذين أجادوا العربية ونبغوا فيها .
    43) كان حصار "كمرجة" في عام 110هـ وهي في بلاد ما وراء النهر . انظر ابن الأثير : الكامل جـ4، 203 .
    44) هو الربيع بن عمران التميمي وكان المولى الذي معه هو أبو الصيداء صالح بن طريف مولى بني ضبّة من تميم . انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 196 .
    45) انظر الغزي : الشعر الأموي في خُراسان، 45 .
    46) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ 8، 234 .
    47) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 161 .
    48) قيل اسمه غالب أو عبد الملك أو عبد المؤمن بن عبد القدوس بن شبت بن ربعي الرياحي اليربوعي التميمي، من شعراء خُراسان المعدودين أيام نصر بن سيار وكان سريع البديهة حاضر الجواب مفرطاً في العكوف على الشراب، انظر المبرد : الكامل، جـ 2، 754، الأصبهاني : الأغاني : جـ21، 217 . وقد ترجم له الدكتور الغزي في شعراء خُراسان . انظر الغزي : الشعر الأموي في خُراسان، 182، وشبث بن ربعي من سادة العرب وهو شيخ مضر في الكوفة وهو معدل عن المحدثين وقد كثر التشنيع عليه قديماً في بعض المصنفات وكتب عنه بعض المتأخرين سيراً على من شنعوا عليه قديماً أمَّا أسباب ذلك فهو موقفه من ثورة المختار الثقفي التي يغلو البعض في تمجيدها، وأول المشنعين على شبث هو ابن الكلبي.
    49) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ7، 86 .
    50) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8،88 .
    51) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ 8، 88، 95 .
    52) هو الشّمردل بن شريك بن عبد الله، يربوعي، من شعراء تميم المعدودين أكثر شعره في الرثاء والصيد، قُتل أخوته في حروب خُراسان فأكثر من رثائهم . انظر الأصبهاني : الأغاني، جـ13، 356 .
    53) أشار إلى ذلك نصر بن سيّار في أحدى خطبه انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 231، الذهبي : تاريخ الإسلام، جـ5، 56 .
    54) انظر الغزي : الشعر الأموي في خُراسان، 41 .
    55) انظر ابن كثير : البداية والنهاية، جـ9، 101 .
    56) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك جـ8، 106 .
    57) انظر ابن الأثير : الكامل، جـ4، 177، 199 .
    58) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8 147، والخرَّمية أصحاب بابك الخرمّي الذي يقول بالتناسخ والحلول والإباحة، انظر ابن الأثير: الكامل، جـ4، 225، السمعاني: الأنساب، ج2، 353.
    59) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 147 .
    60) الإرجاء على معنيين أحدهما: بمعنى التأخير كم في قوله تعالى: (قالوا أرجه وأخاه) أي أمهله وأخره، والثاني اعطاء الرجاء: قال الشهرستاني أمَّا إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وأما بالمعنى الثاني فظاهر، فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة، أو من أهل النار، انظر الشهرستاني: الملل والنحل، 138 .
    61) انظر ابن كثير: البداية والنهاية، جـ10، 26. ومع شهرة الحارث بن سريج التميمي فإنَّ صاحب أعلام تميم لم يترجم له.
    62) انظر ابن الأثير: الكامل، جـ4، 203، 221، 294، 302 .
    63) أشارت زاهية قدوّرة إلى أن ثورة ابن سريج ثمثل غضب الموالي على الحكم الأموي. انظر زاهية قدورة: الشعوبية، ص60 .
    64) عدته زاهية قدورة من الموالي وهذا خطأ ولعلها خلطت بينة وبين ثابت بن قطبة الذي هو من الموالي حقيقة، وعلى كلٍ فقد اطنبت الباحثة في قضية الموالي ورغبتهم في الإنتقام لأنفسهم من خلال ثورة ابن سريج مع ما في استنتاجها من بعد عن الأدلة الصحيحة. انظر زاهية قدورة : الشعوبية، 67 .
    65) انظر فاطمة جمعة: الاتجاهات الحزبية في الإسلام، 166، 167، وفان فلوتن: السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات، 75.
    66) قالت قدورة : إن الحارث بن سريج كان يرى رأي المرجئة وهي تقر المساواة بين المسلمين وتكفر أية حكومة تمُيز بين المسلم العربي وغير العربي وتدعو إلى محاربتها، انظر زاهية قدّورة : الشعوبية، 67.
    67) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 142 .
    68) وأشهرها قوله:
    نرجى الأمور إذا كانت مشبهة  **ونصدق القول فيمن جار أو عندا
    انظر الأصبهاني: الأغاني، 14، 250، وأشار الدكتور الغزي إلى أن ثابت قطنة مال إلى هذا المذهب وخالف فيه نصر بن سيار. انظر الغزي: الشعر الأموي في خُراسان، 42 .
    69) انظر المصري: أثر أهل الكتاب في الفتن، 533 .
    70) الجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى، والقدرية قدرة العبد على اكتساب أعماله.
    انظر الشهرستاني: الملل والنحل، 85 .
    71) الجهم بن صفوان مولى بني راسب من الأزد اليمانية أصله من بَلْخ ويعرف بالسمرقندي لأنه عاش فترة من الزمن بـ "سمرقند" وظهرت بدعته بـ "ترمذ" وهو تلميذ الجعد بن درهم مولى بني همدان اليمانية أول من ابتدع القول بخلق القرآن وتعطيل الله عنه صفاته. انظر الشهرستاني: الملل والنحل، 86، قتله أبو حرب سلم بن أحوز المازني التميمي، ومع نسبته إلى بني راسب ولاءً فإن صاحب أعلام تميم ترجم له بما يوحي أنه عربي صليبة فقال: هو مجاشعي حنظلي من تميم، وعدَّ حسين حسن وهو باحث عراقي في موسوعة أعلام تميم قتل الجهم من الأعمال المؤسفة التي قام بها سَلم بن أحوز التميمي وكذا قتله ليحيى بن زيد ومدرك بن المهلب دون النظر في أنَّ ابن أحوز كان صاحب شرطة الدولة بخراسان المسؤول عن أمنها وسلامتها من الفتن ودون النظر في دوافع ثورات هؤلاء سياسياً وفكرياً. انظر حسين حسن: أعلام تميم، 177، 297 .
    72) توافق الجهمية المعتزلة بنفي الصفات الأزلية وتزيد بأنه لا يجوز أن يوصف الله تعالى بصفة يوصف بها خلقه، لأن ذلك يقضي تشبيها، وكان جهم يخرج بأصحابه فيقفهم على المجذومين ويقول انظروا أرحم الراحمين يفعل مثل هذا ؟ انكاراً لرحمته كما أنكر حكمته ويقال إنَّ جماعة من الدهريين جادلوا جهماً فظل أربعين يوماً بدون صلاة . وجهم على طرفي نقيض مع مقاتل ابن سليمان فجَهم يبالغ في النفي والتعطيل ومقاتل يسرف في الإثبات والتجسيم، انظر الشهرستاني : الملل والنحل، 86، الذهبي : تاريخ الإسلام، 199 .
    73) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 226 .
    74) انظر ابن الأثير: الكامل، جـ4، 159 ..
    75) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ 8، 127 .
    76) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ4، 227 .
    77) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ 8، 228 .
    78) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 228 .
    79) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 228 .
    80) علم عاصم بمقدم أسد حين نزل "الدانّقان" وسيّر على مقدمته محمد بن مالك الهمداني اليماني، انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ 8، 224 .
    81) انظر ابن كثير: البداية والنهاية، جـ10،26 .
    82) انظر ابن الأثير: الكامل جـ 4، 228 .
    83) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك جـ8، 226 .
    84) انظر ابن الأثير : الكامل جـ 4، 228 .
    85) أمر أسد بكعب بن موسى التميمي أحد النقباء فألجم بلجام حمار وأمر باللجام أن يجذب فجذب حتى تحطمت أسنانه، فقال لاهز بن قريط التميمي وهو من النقباء ما هذا حق تترك اليمانين والربعيين وتعذبنا فكاد أسد أن يفتك به. انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك، جـ 8، 228 .
    86) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك جـ8، 231 .
    87) انظر ابن الأثير : الكامل جـ4، 227 .
    88) انظر الطبري : تاريخ الامم والملوك جـ8، 269 .
    89) سأل "كورصول" عن آسره فقيل عاصم بن عمير السعدي التميمي قال: لست أجد ألم القتل إذا كان من أسرني فارس من فرسان العرب. انظر ابن الأثير: الكامل جـ4، 224 .
    90) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك جـ 8، 287 .
    91) انظر ابن كثير : البداية والنهاية جـ10، 26 .
    92) انظر ابن الأثير : الكامل جـ4، 276 .
    93) وكانت امرأة نصر المرزبانة بنت قديد بن منيع المنقري التميمي أحد سادة مضر بخُراسان تلاطف الحارث وتهدي إليه فيقسم هديتها بين أصحابه بالسوّية. انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك جـ9، 53 .
    94) لما صارت الخلافة إلى مروان بن محمد استوحش الحارث من ذلك وامتنع عن البيعة وتكلم في مروان، انظر ابن كثير : البداية والنهاية جـ10، 26 .
    95) انظر الطبري : تاريخ الأمم والملوك جـ9،66 .
    96) انظر ابن الأثير : الكامل جـ، 292 .
    97) كما أن زعماء تميم كلَّموا الحارث وقالوا : ألم يصير نصر سلطانه وولايته في أيدي قومك ألم يخرجك من أرض الترك ومن حكم خاقان غير أن الحارث لم يسمع كلامهم. انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ 9، 66.
    98) انظر ابن كثير: البداية والنهاية، جـ10، 66 .
    99) انظر ابن خياط، 383 .
    100) قال نصر للحارث بن سريج : إن كنت تزعم أنكم تهدمون سور دمشق وتزيلون ملك بني أمية فخذ مني خمسمائة رأساً ومائتي بعيراً واحمل من الأموال ما شئت وآله الحرب وسر فلعمري لئن كنت صاحب ما ذكرت إني لفي يدك وإن كنت لست ذلك فقد أهلكت عشيرتك، فقال الحارث قد علمت أن هذا حق ولكن لا يبايعني عليه من صحبني فقال نصر فقد ظهر أنهم ليسوا على رأيك فأذكر الله في عشرين ألفاً من ربيعة واليمن يهلكون فيما بينكم. انظر ابن الأثير: الكامل، جـ4، 219 .
    101) قالت زاهية قدورة أن حركة أبي مسلم الخُراساني امتداد لحركة الحارث بن سريج والحق أن حركة أبي مسلم ثمرة للدعوة العباسية التي ظهرت عام 100 هـ والتي أفادت من الثورات والاضطرابات أمثال حركة ابن سريج. انظر زاهية قدورة : الشعوبية، 67.
    102) انظر ابن الأثير: الكامل، جـ4، 240.
    103) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 300.
    104) انظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك، جـ8، 300.
    105) انظر ابن الأثير : الكامل جـ4، 306 .
    106) وفي أواخر أيام بني أمية بخُراسان اجتمع عدد من القبائل غالبيتهم من ربيعة واليمن على شيبان ابن سلَمّة السدوسي البكري الوائلي الربعي وهو خارجي حروري يقال أنه أول من أظهر تشبية الله بخلقة تعالى الله عن ذلك. وقد عظم شأنه بـ "مرو" ورفض دعوة أبي مسلم له للبيعة غير أنه اضطر إلى الخروج إلى "سرخس" مع نفر من بني بكر بن وائل فادركه جيش لأبي مسلم فحاربه حتى قتل في عام 130 هـ. انظر ابن خياط : تاريخ ابن خياط 390 . ابن كثير : الكامل، جـ4، 311، الشهرستاني: الملل والنحل، 245.
    المصدر : مجلة رؤى العدد الثامن والتاسع

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()