مؤتمر الدوحة العالمي عن الأسرة
عندما نتحدث عن الأمن في المجتمع، فلا بد أن يمتد هذا البُعد إلى الأمن داخل الأسرة.. فهي النواة الأساسية لبناء المجتمع.. ولا يمكن لأي جماعة أن تحل محلها سواء تمثل هذا في مدرسة أو أقارب أو مربية أو حتى حضانة نموذجية، لأن العلاقة التي تنشأ في هذا الكيان هي علاقة بيولوجية نفسية أكثر من كونها اجتماعية.. فمنذ البدايات الأولى للطفل يتم في ذلك المحضن غرس العادات والسلوك وتعزيز القيم والمعايير وتأكيد المعتقدات.. هذا الغرس يبقى في دواخل هذا الفرد عند كبره يوجه سلوكه ويحدد مساراته في الحياة بدون شعوره الواعي أحياناً مع عدم تجاوز الطبائع الخلقية التي تختلف من شخص لآخر، ولهذا لن تجد أخوين متطابقين!! ولهذا كان مهماً لكل مجتمع أن يحافظ على البناء الأسري وحمايته من كل ما يهدد ثوابته.. ولهذا أيضاً كانت نتائج توصيات (مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة) الذي عقد في قطر يومي 29، 30من شهر نوفمبر الماضي والذي جاء في إطار الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للأسرة. ودار الحوار فيه عن عدة محاور مهمة وهي: الأسرة في الألفية الثالثة.. تحديات ورهانات، والقواعد الدينية والحقوقية لأسرة المستقبل، وقضايا الأسرة والتعليم، والأسرة وثقافة لحوار.
ومن أهم توصيات هذا المؤتمر الإجماع على التأكيد على أهمية الأسرة والحفاظ عليها بشكلها التقليدي المكون من زوجين شرعيين (رجل وامرأة) واعتبار أنهما العنصران الأساسيان في تشكيل الأسرة.. وليس ما يُطرح الآن في أجندة المؤتمرات الخاصة بالمرأة أو السكان من تحرير للأشكال الأخرى لمفهوم يغتصب المضمون الحقيقي والإنساني في مختلف الديانات للأسرة ويعلي من هيستريا اقتران الشواذ فيصبح المفهوم يدخل في سياقه (امرأة وامرأة) أو (رجل ورجل) يربط بين كل منهما علاقة شاذة بعض المجتمعات الغربية منحها صفة العقد المدني للزواج!! في مخالفة صريحة وواضحة للشرائع السماوية.
جاءت توصيات مؤتمر الدوحة الدولي في جانب الشرعية الإنسانية والدينية للمفهوم الأساس للأسرة.. بل وأوصى بأهمية مؤسسة (الزواج) في بناء الأسرة وضرورة سن القوانين التي تضمن استقرار العلاقات الزوجية لضمان استمراريتها وأهمية الاستقرار الأمني والسياسي كشروط ضرورية لاستقرار الأسرة وأهمية تطوير نظم التعليم النوعية التي يتلقاها الأطفال..
وتبلور هذا الاهتمام في أهم تلك التوصيات كالآتي:
- التأكيد على المفهوم الصحيح للأسرة واعتبار الزواج الشرعي بين الذكر والأنثى هو السبيل الوحيد لبناء الأسرة.
- إدخال المفاهيم الصحيحة المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف وقيمنا الأصيلة المتعلقة بالأسرة إلى مناهج التعليم المختلفة بما يتناسب مع المرحلة العمرية.
- دعوة العلماء إلى القيام بواجبهم الشرعي في توعية الأمة بالدعوات الهدامة التي تستهدف تقويض بنيان الأسرة وتفكيكها ومحو هويتها.
- التأكيد على أهمية دور المرأة في الأسرة باعتبارها مسؤولية عن تنشئة الأجيال الصالحة والقادرة على حمل الرسالة والنهوض بالأمة.
- دعم موقف الحكومات وتأييدها في تمسكها بالتحفظات على كل البنود والفقرات التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية والتي وردت في المواثيق الدولية وعلى رأسها (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) مع الإدراك الواعي والتام بخطورة الاستسلام للضغوط الدولية لرفع تلك التحفظات وأثرها على تماسك الأسرة.. بل على وجودها.
- إن ما يحيط بالأسرة في العالم الغربي مختلف عمّا تعيشه الأسرة في مجتمعاتنا العربية.. وما يهمنا هو التركيز وبقوة على الحفاظ على مفهوم الأسرة في مجتمعاتنا وعدم تشويه التنشئة الأسرية لدينا وأقصد على وجه الخصوص التنشئة (الأولية الأسرية) التي تتم حالياً وبنسب ليست قليلة بواسطة المربيات أو الخادمات. والمربيات غالباً لمن يمثل شريحة معينة في المجتمع هن مربيات أجنبيات وغالباً تتحمل الخادمة هذه المسؤولية، أي مسؤولية التربية للصغار!! وقد أثر هذا في لغة الطفل وفي سلوكه كما هي في عدد من الدراسات في بعض دول الخليج..
وهذا الواقع يعتبر تحدياً اجتماعياً ينبغي التعاون لمواجهته داخلياً مع التحديات الأخرى الخارجية التي تواجه (الأسرة) مفهوماً وبناء ونواة للمجتمع عن طريق هذه المؤتمرات.. التي تحقق للمؤتمر الأخير في الدوحة نجاحاً نسأل الله أن يتحقق وبالمستوى نفسه في بقية المؤتمرات المماثلة لاحقاً.. فقد أجمع ممثلو الأديان السماوية الثلاثة: الاسلام والمسيحية واليهودية - كما تقول الدكتورة ليلى بيومي عن مؤتمر الدوحة - على نجاح المؤتمر بكل المقاييس ورأوا أنه مثل وقفة صارمة في وجه دعاة الإباحية والشذوذ والأنانية اعتصاماً بالقيم الأخلاقية.