عواصم: ذكرت تقارير صحفية أن العلاقات بين الحكومة المصرية وحركة حماس الفلسطينية تشهد حاليا توترا متصاعدا بعد رفض الحركة مجددا ورقة المصالحة المصرية وتشكيك عدد من كوادرها في نزاهة الدور المصري، مما أثار غضب وزارة الخارجية المصرية التي ردت بعنف على "مزاعم" الحركة واتهمتها بمحاولة تنفيذ أجندة خارجية وطالبتها بالكف عن استفزاز مصر، لأن الرد سيكون سخيفا.
وكان القيادي البارز في الحركة محمود الزهار، وصف تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بشأن الورقة المصرية بـ "المستفزة"، وهو الأمر الذي اعتبرته القاهرة "تجاوزاً غير مقبول".
ورغم أن الزهار حرص على نفي وجود خلاف بين الحركة والحكومة المصرية، في مقابلة معه، إلا أنه قال: "الملف الفلسطيني ليس في يد وزارة الخارجية المصرية، لكنه في يد أجهزة أخرى، وفي الحقيقة يفاجئنا أبو الغيط بتصريحات تستفز الناس كثيرا، ولذا يحدث هجوم عليه، لكن تعاملنا الأساسي مع جهاز الاستخبارات، وعلاقتنا به جيدة".
وأثارت تصريحات الزهار غضبا عارما لدى "الخارجية المصرية"، حيث شن المتحدث باسمها السفير حسام زكي، هجوما حادا ضد الزهار، وقال: "مع الأسف، كلام الزهار يعكس عدم فهم آليات العمل المصرية في مجال السياسة الخارجية، وهو يتصور أن الحديث عمن يدير الملف يتم بأسلوب التنظيمات وليس الدول، مؤكدا أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط مسؤول عن السياسة الخارجية ولا يحتاج شهادة من أحد ليقول لنا من يدير هذا الملف أو ذاك".
وقال زكي لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن: "إن هذه الأساليب المكشوفة لدق أسافين ولكنها ساذجة وسبق أن حاولتها حماس أكثر من مرة دون أن تنجح".
وأضاف: "إن الكلام المكرر عن جهة إدارة الملف ثم أسلوب انتقاد وزير الخارجية المصري أمر غير مقبول، وإذا كان الزهار يتصور أنه بهذا الأسلوب يستطيع أن يسترضي أي جهة مصرية تسمح له باستخدام المعبر فإنه لن ينجح في ذلك، وهو يعلم مقدار العلاقة الوثيقة التي تربط ما بين القائمين بالإشراف على العلاقة مع فلسطين".
وتابع: "إن موقف مصر هو أن تصريحات الزهار، ولو أنه لا يملك من أمر قيادة حماس شيئا، هو مثله مثل آخرين داخل القطاع ليس لهم تأثير على قيادة الخارج التي تتحكم في كل شيء، وهم يسعون قدر إمكانهم للظهور بأن حركة حماس موحدة والحقيقة غير ذلك، ونحن نعلمها تماما، وللأسف فإن الأجندة لها ارتباطاتها غير الفلسطينية وهو ما يعيق تحقيق المصالحة، وبالتالي يعيق استرجاع الفلسطينيين الحد الأدنى من وحدة الصف في هذه الأوقات العصيبة".
وقال: "إن الموضوع الأساسي هو أن وزير الخارجية المصري يضع في تصريحاته الأمور في نصابها، ومؤخرا جاءت تصريحاته في موضوع التوقيع على وثيقة المصالحة الفلسطينية التي أعدتها مصر، واليوم نقول لحماس إن التلاعب بالأفكار والتحايل على الدور المصري وعلى تلك الوثيقة أمر لن تسمح به القاهرة".
وحذر المتحدث باسم الخارجية المصرية كوادر الحركة، قائلا: "أنصح كوادر الحركة وبعض قياداتها من العقلاء بالكف عن استفزاز مصر، لأن الرد سيكون سخيفا وسوف يضعهم في مزيد من الحرج، كما أنصحهم بأن يتوقفوا عن تحريض مشايخهم داخل القطاع ضد مصر وقياداتها ومسؤوليها، لأن تلك الأمور لا تؤخذ باستخفاف".
وكان أبو الغيط صرح الأسبوع الماضي بأن بلاده لن تدخل أي تعديلات على ورقة المصالحة التي اقترحتها، لتلبية طلبات حماس، وهي الورقة التي برر الزهار أمس عدم موافقة الحركة عليها بقوله "الورقة تغيرت في بنود كثيرة، وتشير إلى تشكيل لجنة الانتخابات بالتشاور بدلاً من التوافق، مما لا يوفر حماية للانتخابات من التزوير".
وأكد الزهار رفض حماس للمقترحات بانضمامها سياسيا إلى مصر، لكنه طالبها بتسهيل إجراءات مرور الفلسطينيين عبر معبر رفح، الذي واصلت السلطات المصرية فتحه لليوم الرابع والعشرين على التوالي أمس.
تعثر المصالحة
[محود الزهار]
محود الزهار
وردا على سؤال عما إذا كان الموقف بشأن المصالحة طرح وثيقة جديدة بجانب الوثيقة المصرية، قال زكى: "إن ما وصلنا هو أن المطروح إقامة مسار حواري جديد بين فتح وحماس ينتج عنه وثيقة جديدة مع إمكانية التوقيع على الوثيقة الحالية، وهذا الأمر يعني عمليا أن الحوار يمكن أن يستمر لفترة مفتوحة من الزمن على نقاط لا يمكن حسمها بشكل سريع أو في أفق قريب،
وهو ما يوفر لحماس مخرجا ممتازا يسمح بأن تتخلص من أعباء اللوم الفلسطيني والعربي لها باعتبارها الجانب المعطل للمصالحة، كما يسمح بأن تستمر بالقبض على زمام قطاع غزة حتى ينتهي الحوار الجديد، وهي فترة مفتوحة من الزمن وتبقى المصالحة في مكانها وفي حلقة مفرغة، وهو الأمر الذي يضاعف من الأضرار على الوضع الفلسطيني السيئ أصلا.
وأشار إلى أن مقترح حماس هو الاستبدال بالدور المصري دورا عربيا، من منطلق الزعم بتراجع الدور المصري، وكذلك إعطاء المباركة لجهود يفترض أن تبذل.. وتابع قائلا: "مع الأسف، مثل هذه الأفكار يقصد بها إلهاء الرأي العام عن حقيقة الموقف التي تتمثل في استمرار رفض حماس الانخراط الجدي في عملية المصالحة والتوقيع على الوثيقة والبدء في السماح للسلطة الوطنية الشرعية بالعودة إلى قطاع غزة، وهذه المساعي تهدف إلى محاولة تحميل مصر مسؤولية تعطيل جهد المصالحة وهي محاولات مكشوفة ومرفوضة".
وكانت حماس ردت في وقت سابق على مطالبات مصر والسلطة الفلسطينية لها بتوقيع الورقة المصرية قبل أخذ ملاحظاتها بالتوافق، بتأكيدها أنها لن توقع على الورقة.
وقال عضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية: "حماس لن توقع على الورقة المصرية ما لم تؤخذ ملاحظاتها بعين الاعتبار"، مستغربا مطالبات حماس بتوقيع الورقة.
وأضاف: "لدينا ما يقرب من 20 ملاحظة على الورقة المصرية اختصرناها في 3 ملفات. وهي: الانتخابات، والأجهزة الأمنية، وإصلاح منظمة التحرير".
وتابع الحية خلال ندوة سياسية ألقاها في مسجد الصالحين في رفح: "في كل مرة نصل فيها إلى لحظة الاتفاق ونقدم مرونة عالية يشهد لها الجميع للوصول إلى اتفاق ينهي الانقسام، نصطدم بشروط لفتح تطالب بالتوقيع على الورقة المصرية".
وقال الحية: "البعض يزعم أن رفع الحصار عن غزة سيحول دون إتمام المصالحة الفلسطينية.. البعض يقول إنه إذا رفع الحصار، فلن تتحقق المصالحة.. فليرفع الحصار ولتتحقق المصالحة".
وأضاف الحية: "إن المصالحة خيار استراتيجي بالنسبة إلى حركة حماس وهي استحقاق وطني، لكن لحركة فتح أولويات أخرى الآن، وهي المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الصهيوني".
ومضى الحية يقول: "المصالحة عليها فيتو أميركي، والأميركان وعباس لديهم أولوية الآن وهي المضي قدما في خيار المفاوضات غير المباشرة ومنها إلى المباشرة كما يريد الصهاينة".
وتعتبر تعثر جهود المصالحة انتكاسة كبيرة بعدما لاحت في الأفق بوادر إيجابية، تمثلت أولا بموافقة أبو مازن وحماس على تشكيل حكومة تكنوقراط، وهذا ما أبلغه كل من أبو مازن وإسماعيل هنية، رئيس الحكومة المقالة إلى أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، بالإضافة إلى تشكيل أبو مازن وفدا رئاسيا وتكليفه له بتذليل العقبات.
حماس تستنكر
في هذه الأثناء، استنكر المتحدث باسم حركة حماس أيمن طه، السبت، تصريحات المتحدث باسم الخارجية المصرية حسام زكي الذي أكد فيها أن قيادات حماس بالداخل لا تمتلك من أمر قرارها شيء وأن القرار بيد المكتب السياسي بالخارج.
وقال طه في اتصال مع قناة "العربية" الإخبارية من غزة: "إن هذه التصريحات التي أدلَى بها السيد زكي هي تصريحات متكررة وقد سئمتها حماس" وَصفاً تصريحات ذكي بالأسطوانة المشروخة".
وأضاف: "أن موقف حماس يتم بلورته بعد التشاور بين قيادات الحركة في الداخل سواء في الضفة أو غزة إلى جانب التشاور مع المكتب السياسي ليكون موقف موحد" نفياً وجود انقسام بأوساط الحركة كما يدعي المتحدث باسم الخارجية المصرية".
وأعرب طه عن استغرابه من تصريحات زكي في هذه الفطرة التي وصفها بالدقيقة مع وجود مشاورات لتجاوز الخلافات بشأن المصالحة والتي قد تحمل بريق أمل لتحقيق المصالحة.
وطالب المتحدث باسم حماس، وزارة الخارجية المصرية بوقف مثل هذه التصريحات التي أكد على أنها لا تصب في صالح المصالحة أو في صالح القضية الفلسطينية مشيراً إلى أن مثل هذه التصريحات تَعُوق ولا تبني كما أنها لن تجبر حماس التوقيع على المصالحة دون تعديلها أو دون إرادتها.