مطلوب إعادة النظر في التقاليد التي تظلم المرأة وتنتسب زورا للإسلام
تشهد الساحة المغربية تنامي نشاط التيارات النسوية العلمانية المدعومة من المنظمات الغربية، والتي تستهدف فرض أجندة النسويات الغربيات على المجتمع المغربي المسلم، من خلال السعي لإقرار قانون إدماج المرأة في التنمية والذي يتضمن بنودا تتصادم مع تعاليم الإسلام، إلى جانب تنظيم المسيرات والندوات التي تعارض إباحة تعدد الزوجات وقوامة الرجل على المرأة وأحكام المواريث التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وإلغاء عدة المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها.
وعلى الجانب الأخر تقوم الجمعيات النسائية الإسلامية بجهود مضنية من أجل التصدي للتيار النسوي العلماني، وإفشال محاولاته إلحاق المرأة المغربية بمنظومة الثقافة والقيم الغربية، ومن بين هؤلاء النساء يبرز اسم الدكتورة خديجة مفيد رئيسة "جمعية الحصن المغربية" وعضو مجلس أمناء الاتحاد النسائي الإسلامي العالمي والباحثة بكلية الآداب جامعة الدار البيضاء، وفيما يلي نص المقابلة:
الهيمنة الفكرية على العالم الإسلامي
ما هو تقييمك للأوضاع الاجتماعية وتأثيراتها على المرأة المسلمة؟
الواقع الدولي والمحلي أصبح يفرض على المجتمعات الإنسانية أن تعيد التأمل في التشريع لتلك المجتمعات بصفة عامة بما يحقق كرامة الإنسان والعدالة في توزيع الناتج الاقتصادي العالمي وتقليل الفجوة فيما بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وبالنسبة للمجتمعات العربية والإسلامية فهي في حاجة إلى إعادة النظر في التقاليد والأعراف والمنظومة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة حاليا بما يجعلها أكثر اتساقا مع تعاليم الإسلام، فهناك قيم وعادات وأعراف من شأنها أن تلحق الظلم بالمرأة وهى لا تمت للإسلام بأدنى صلة، وقد أدت تلك الأعراف والتقاليد التي لا علاقة لها بالإسلام إلى عزل المرأة، وتهميش دورها إلى سلبية على شخصية المرأة فقط، بل وعلى مكانة وبنية الأسرة بحيث أن المرأة أصبحت ضحية للعقلية المنغلقة والتقاليد البعيدة عن الإسلام بل وأصبحت أداة لإعادة إنتاج تلك التقاليد والأعراف وتنشئة أبناءها عليها.
وقد أدت الأعراف والتقاليد البعيدة عن الإسلام إلى رد فعل أخر وهو التحول من العقلية الذكورية المنغلقة إلى العقلية النسوية المنفلتة من كل القيم والتقاليد الإسلامية والكارهة لكل ما هو إسلامي، بما يؤدي إلى إعاقة المجتمع وتفكيك بنية الأسرة ومحاولة السعي لإبعاد أحكام الأسرة عن النظام التربوي والسياسي والثقافي والاجتماعي، وقد قام الغرب بتوظيف قوته العسكرية والحضارية في إطار سياسة الهيمنة على العالم والسيطرة عليه خاصة العالمين العربي والإسلامي، وتحولت العولمة إلى استعمار جديد لا يكتفي بالهيمنة الاقتصادية على مقدرات العرب والمسلمين بل امتد ليشمل الهيمنة على المجالات الثقافية والدينية والتربوية وإعادة بلورة منظومة الغرب العلمانية الإباحية المتنكرة للقيم الدينية والأخلاقية التي تعارفت عليها البشرية، وشهدت البلاد العربية والإسلامية ضغوطا شديدة أدت إلى توقيع تلك الدول على المواثيق الدولية المتعلقة بالمرأة والطفل وهي مواثيق تعكس ثقافة الغرب وأجندة منظماته النسوية العلمانية.
الرؤية الإسلامية للمرأة
كيف ينظر الإسلام لدور المرأة في المجتمع وما وجه الاختلاف بين هذه الرؤية الإسلامية والرؤية الغربية العلمانية؟
الإسلام ينظر للمرأة على أنها شريك للرجل في أعباء البيت والمجتمع، وأن دور كل منهما مكمل لدور الأخر، وأن للمرأة الحق في المشاركة في الشأن العام في إطار المحافظة على الأسرة ودور المرأة الحيوي في بناء وتماسك واستمرار هذه الأسرة من خلال دورها كأم وزوجة ومربية للأجيال، ومن شأن ذلك تكوين المجتمع المتوازن الذي يقوم على جهد المرأة والرجل وتحكمهما معا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل في مجال ولايته، فالرجل راعي ومسئول عن رعيته والمرأة راعية ومسئولة عن رعيتها وأن النساء شقائق الرجال.
أما الرؤية الغربية فتقوم على إلغاء كافة الفروق البيولوجية والنفسية بين المرأة والرجل واعتبارهما كائنا واحداً، وتدعو الرؤية إلى إلغاء كافة أنواع التمييز بين الرجل والمرأة حتى ولو كانت بسبب اختلاف النوع وتمايز كل نوع بصفات بيولوجية وسيكولوجية تحدد له دوره في الحياة، وبعض الجمعيات النسوية الغربية بدأت تنادي بنظرية الاستغناء عن الرجل بعد أن كانت تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة، وتقول بأن المرأة كائن مستقل بذاته ولا يحتاج إلى الرجل، وأن المرأة يمكن أن تصبح أمّاً بدون الحاجة إلى زوج عن طريق الاستنساخ، ومن شأن هذه التطرف النسوي الغربي هدم المجتمعات وتدمير مؤسسة الأسرة التي هي أساس بقاء المجتمع وتماسكه، وفي ظل الأسرة يجد الفرد الإشباع اللازم لاحتياجاته المادية والوجدانية التي لا غنى عنها.
التيار النسوي المغربي
ما هي منطلقات التيار النسوي في المغرب ومخاطر تلك المنطلقات على المرأة هناك؟
ينطلق التيار النسوي في المغرب من نفس أجندة التيار النسوي الغربي الذي يتبنى مفهوم المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في كل الأمور بصرف النظر عن الفروق الجوهرية البيولوجية والنفسية التي يتميز بها كل جنس وتلعب دوراً حيوياً في تحديد أدواره الاجتماعية، وتسعى المنتسبات للتيار النسوي المغربي إلى تغيير قوانين الأحوال الشخصية المستقاة من الشريعة الإسلامية ومنع تعدد الزوجات وإلغاء قوامة الرجل على الأسرة والمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وتبني مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بالمرأة والطفل وإلغاء كافة التحفظات التي أبدتها الحكومات العربية والإسلامية على البنود التي تشكل تصادما مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تتضمنها تلك المواثيق،
ومن شأن تبني هذه المنظومة الحقوقية للمرأة التي تنطلق من المفهوم الغربي لحرية المرأة تدمير مؤسسة الأسرة سواء في الغرب أو العالم الإسلامي، ويُنبئ عن أن المنظمات النسوية العربية تتبنى مخططا دوليا استعماريا يهدف إلى القضاء على الهوية العربية الإسلامية للمرأة، وقد وصل تطرف النسويات العلمانيات إلى حد المطالبة بوضع مدونة للتشريعات الأسرية بعيدة عن الإسلام وهو ما يسمى "بالقانون المدني" للأحوال الشخصية وهو منقول حرفيا عن القوانين المعمول بها في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، مما يؤكد أن جزءا كبيرا من المنظمات النسوية العلمانية في العالمين العربي والإسلامي هي عميلة للغرب وتتلقى منه معونات مالية ضخمة لهدم منظومة القيم الإسلامية واستبدالها بالعلمانية،
ومن المطالب الأخرى التي تضعها النسويات العلمانيات في المغرب ضرورة اقتسام الثروة بين الزوجين مناصفة في حالة الطلاق وإزالة دور ولي أمر الفتاة والحرية الجنسية للمراهقات وإلغاء حق الرجل في الطلاق، وتسعى تلك النسويات للضغط على الحكومة المغربية من خلال المؤتمرات والإعلام والنشر في وسائل الإعلام الغربية لتحقيق تلك المطالب التي من شأنها استلاب الهوية العربية والإسلامية من المجتمع المغربي المسلم وهي حصن الأمان ضد الغزو الثقافي الأمريكي الذي يريد بسط هيمنته على شعوب العالم الإسلامي من خلال القضاء على الثقافة والهوية الإسلامية.