بتـــــاريخ : 7/27/2008 10:39:55 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 978 0


    جائع الدهر

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : أبو البقاء الرُّند | المصدر : www.bab.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصيدة

    عند صرح المجد الذي هوى لا يملك قلب شاعرنا سوى البكاء، ولا يملك لسانه سوى الرثاء لملك المسلمين الضائع في الأندلس، تلك البلاد الجميلة التي تتخللها الجداول والأنهار وتتعانق فيها أفنان الأشجار، كانت مصدر إشعاع لحضارة الإسلام، حين كانت أوروبا كلها تنام في كهوف من الجهل والظلام، وكانت جامعات الأندلس تضج بالعلماء والمؤلفين، ثم يصف الشاعر مسحة الحزن التي خيمت على أوابد تلك البلاد، وكيف تحولت المساجد إلى كنائس تدق فيها النواقيس وتزينها الصلبان بعد أن كان يجلجل فيها صوت الحق عالياً وكيف غدت المنابر والمحاريب أثراً للنور الذي تلاشى كشهاب عابر في صفحة السماء. فهذه القصيدة بمجملها تشكل وقوفاً على طلل الحضارة التي مرت بالأندلس ذات يوم، ولكن آثارها لم تزل حتى اليوم شاهداً على عظمة المسلمين، والقصيدة جميلة المعاني وصادقة العاطفة تحرك مشاعر الأسى الكامنة في قرارات النفس، وشاعر الأبيات هو أبو البقاء الرُّندي كان شاهد عيان من شعراء الأندلس المتأخرين شهد سقوط بلاده في أيدي الإسبان وحاول عبثاً استنهاض همة المسلمين أهل الأندلس وكانت وفاته عام 767هـ. والقصيدة من البحر البسيط. لِكُلِّ شَيء إذا ما تَمَّ نُقْصانُ فلا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسانُ هِيَ الأمُورُ كما شاهَدْتَها دُوَلٌ مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ ساءَتْهُ أزْمانُ وهذه الدارُ لاتُبْقِي على أحَدٍ ولايَدُومُ على حالٍ لها شَانُ يُمَزِّقُ الدّهرُ حَتْماً كُلَّ سابِغَةٍ إذا نَبَتْ مُشَرِّفِيَّاتٌ وخِرْصانُ ويَنْتَضِي كُلَّ سَيْفٍ لِلفَناءِ ولو كان "ابنَ ذِي يَزَنٍ" والغِمْدُ غُمْدانُ أينَ الملوكُ ذَوُو التِيجانِ مِنْ يَمَنٍ وأينَ منهُمْ أكاليلٌ وتِيجانُ ؟ وأيْنَ ماشادَهُ "شَدّادُ" في إرَمٍ وأيْنَ ماساسَهُ في الفُرْسِ ساسانُ؟ وأيْنَ ماحازَهُ "قارونُ" من ذهبٍ وأيْنَ "عادٌ وشَدّادٌ وقَحْطانُ"؟ أتى على الكلِّ أمْرٌ لامَرَدَّ لهُ حتى قَضَوْا، فكأنَّ القَوْمَ ماكانُوا وصارَ ماكانَ مِنْ مُلْكٍ ومِنْ مَلِكٍ كما حَكى عَنْ خيالِ الطَّيْفِ وَسْنانُ دارَ الزمانُ على "دارا" وقاتِلِهِ وأمَّ "كِسْرى" فما آواهُ إيوانُ كأنَّما الصّعْبُ لم يَسْهُلْ له سَبَبٌ يَوْماً ولا مَلَكَ الدّنيا "سُلَيْمانُ"! فَجائعُ الدّهْرِ أنْواعٌ مُنَوَّعَةٌ وللزَّمانِ مَسَرَّاتٌ وأحْزانُ ولِلْحَوادِثِ سُلْوانٌ يُسَهِّلُها وما لِما حَلَّ بالإسلامِ سُلْوانُ دَهى الجزِيرَةَ أمْرٌ لاعَزاءَ له هَوى له "أُحُدٌ" وانْهَدَّ "ثَهْلانُ" أصابَها العَيْنُ في الإسلامِ فامْتَحَنَتْ حتى خَلَتْ منهُ أقْطارٌ وبُلْدانُ فاسْألْ "بَلَنْسِيَةً"ماشأنُ "مُرْسِيَةٍ" وأيْنَ "شاطِبَةٌ" أمْ أيْنَ "جَيَّانُ"؟ وأيْنَ "قُرْطُبَةٌ" دارُ العُلُومِ، فَكَمْ مِنْ عالِمٍ قد سَما فيها لهُ شانُ وأينَ "حِمْصٌ" وما تَحْوِيهِ مِنْ نُزَهٍ ونَهْرُها العَذْبُ فَيّاضٌ ومَلآنُ قَواعِدٌ كُنَّ أرْكانَ البلادِ فَما . عَسى البَقاءُ إذا لم تَبْقَ أرْكانُ تَبْكِي الحَنِيفِيَّةُ البَيْضاءُ مِنْ أسَفٍ كما بكى لِفِراقِ الإلْفِ هَيْمانُ على دِيارٍ مِنَ الإسلامِ خَالِيَةٍ قد أقْفَرَتْ ولها بالكُفْرِ عُمْرانُ حَيْثُ المساجِدُ قد صارَتْ كنائسَ ما فيهِنَّ إلاّ نَواقيسٌ وصُلْبانُ حتّى المَحارِيبُ تَبْكِي وهيَ جامِدَةٌ حتى المَنابِرُ تَرْثِي وهي عِيدانُ ياغافلاً ولهُ في الدَّهْرِ مَوْعِظةٌ إنْ كُنْتَ في سِنَةٍ فالدَّهْرُ يَقْظانُ وماشِياً مَرِحاً يُلْهِيهِ مَوْطِنُهُ أبَعْدَ "حِمْصٍ" تَغُرُّ المَرْءَ أوْطانُ تلكَ المُصِيبَةُ أنْسَتْ ماتَقَدَّمَها وما لها مع طُولِ الدّهرِ نِسْيانُ ياراكِبِينَ عِتاقَ الخيلِ ضامِرَةً كأنَّها في ظلامِ النَّقْعِ نِيرانُ وراتِعِينَ وراءَ البَحْرِ في دَعَةٍ لهمْ بِأوْطانِهِمْ عِزٌّ وسُلْطانُ أعِنْدَكُمْ نَبَأٌ مِنْ أهلِ أنْدَلُسٍ فقد سَرى بحَدِيثِ القومِ رُكْبانُ كم يَسْتَغِيثُ بِنا المُسْتَضْعَفُونَ وهُمْ قَتْلى وأسرى فما يَهْتَزُّ إنسانُ ماذا التَّقاطُعُ في الإسلامِ بَيْنَكُمُ وأنتمُ ياعِبادَ اللهِ إخْوانُ؟! ألا نُفُوسٌ أبِيَّاتٌ لها هِمَمٌ أمَا على الخيرِ أنْصارٌ وأعْوانُ يامَنْ لِذِلَّةِ قَوْمٍ بَعدَ عِزِّهِمُ أحالَ حالَهُمْ كُفْرٌ وطُغْيانُ بالأمسِ كانوا مُلوكاً في منازِلِهِم واليَوْمَ هُمْ في بلادِ الكُفْرِ عُبْدانُ فَلَوْ تراهُمْ حَيارى لادليلَ لَهُمْ علَيْهِمُ من ثيابِ الذُّلِّ ألْوانُ ولو رأيتَ بُكاهُمْ عِندَ بَيْعِهِمُ لَهالَكَ الأمْرُ واسْتَهْوَتْكَ أحْزانُ يارُبَّ أمٍّ وطفلٍ حِيلَ بينَهُما كما تَفَرَّقُ أرْواحٌ وأبدانُ وطفلَةٍ مِثْلِ حُسْنِ الشمسِ إذْ طلَعَتْ كأنَّما هيَ ياقُوتٌ ومَرْجانُ يَقودُها العِلْجُ للمَكْرُوهِ مُكْرَهَةً والعَيْنُ باكِيَةٌ والقَلْبُ حَيْرانُ لِمِثْلِ هذا يَذُوبُ القلبُ مِنْ كَمَدٍ إنْ كان في القَلْبِ إسلامٌ وإيمانُ

    كلمات مفتاحية  :
    قصيدة

    تعليقات الزوار ()