بتـــــاريخ : 6/22/2010 6:14:39 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1264 0


    مهزلة اسمها الثانوية العامة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د.عمار على حسن | المصدر : www.almasry-alyoum.com

    كلمات مفتاحية  :
    مهزلة الثانوية العامة

    «كن ممتازا فى كلية عادية خير من أن تكون عاديا فى كلية ممتازة».. هكذا نصحنا مدرس اللغة العربية فى مدرسة المنيا الثانوية العسكرية بعد ظهور النتيجة، وهو الذى كان يقول لكل منا قبل الامتحانات: «صوب هدفك نحو النجم لعلك تصيب القمر»، قاصدا أن يضع كل منا فى حسبانه ويعمل باجتهاد وجد ليحصل على الدرجة النهائية لعله ينقص عنها قليلا. كان هذا فى عام ١٩٨٥، قبل أن يفسد كل شىء فى العهد البائس الذى لا يريد أن يبيد.

    العهد الذى صار فيه وزير التربية والتعليم يتعامل مع المدارس والمدرسين والتلاميذ والطلاب على أنهم متهمون إلى أن تثبت براءتهم، وصار فيه أولياء الأمور يبحثون عن «الخلاص الفردى» لأبنائهم، بالضغط عليهم حتى الانفجار كى يحصل كل واحد منهم على مائة وعشرين فى المائة! لينجو بنفسه من التهلكة، ويفر من السفينة الغارقة.

    وَهْمُ وخرافة، فالتعليم لم يعد وسيلة مضمونة للحراك الاجتماعى، والأكفأ ليس بالضرورة هو الأنجح، وأهل الثقة الذين يشهد لهم المخبرون والعسس مُقدّمون على أهل الخبرة الذين يشهد لهم العلم والواقع. ومع هذا يصر الناس على الضغط على أولادهم، فبعد أن كان من يحصل على دروس خصوصية يخفى نفسه ويسير فى شوارع جانبية حتى لا يراه زملاؤه فينعتوه بالبلادة والخيبة، باتت الدروس الخارجية وسيلة للتباهى، وأصبح من لا يتعاطاها محل سخرية وتهكم.

    كل هذا يدور فى عملية تعليمية وهمية، تخاطب أردأ الملكات العقلية وهى الذاكرة، لأن الحفظ مقدم على الفهم، والاجترار له أهمية عن الابتكار، وعلماء التربية الثقات لا يُعْتد برأيهم، وأغلب ما يقدمونه من دراسات واقتراحات يجد طريقه سريعا إلى سلال المهملات.

    هكذا أخبرنى شيخ التربويين العرب الدكتور حامد عمار ذات يوم. توجع الرجل وتنهد بمرارة وقال: «طلبونى ذات مرة فذهبت لأجد جهابذة التربية فى مصر مجتمعين عند وزير التعليم، جلسنا فطلب منا الرجل أن نعكف على وضع خطة عمل لتطوير مناهج التعليم، فامتثلنا للأمر مرحبين فرحين، وعقدنا جلسات مطولة، انتهت بتوصيات دقيقة، لنكتشف فى النهاية أن الخطة كانت منذ البداية موضوعة فى مكتب الوزير، لكن استيفاء الإجراءات كان يقتضى تعذيب خبراء التربية فى اجتماعات فارغة».

    ذهب هذا الوزير وجاء كثيرون بعده، دون أن يطرأ تغيير جوهرى على العملية التعليمية، أما آخرهم، الذى يبدى تحديا لأولياء أمور طلاب الثانوية العامة وكأنه يسابقهم، فلم ينل المنصب لأنه الأجدر فى التربية، والأقدر فى التعليم، والأضبط فى الإدارة، لكنه الأكثر قدرة على فتح أبواب المدارس على نوافذ أقسام الشرطة.

    وهذه ليست مزحة، ولا تجنياً. فالدكتور زكى بدر جاء لينهى حركة المعلمين التى قامت لتنتزع الحقوق المهضومة باحثة عن «الكادر الخاص»، وليواجه أى مدرسين يرقى إلى جهاز الأمن أى شك فى أن لهم توجهاً سياسياً مناوئا للنظام الحاكم، لاسيما إذا كانوا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين.

    ربما يقول الوزير كلاما جديرا بالاعتبار مثل: إن زمن حصول الطلاب على أعلى من مائة فى المائة قد ولى، أو «من يحصل على مجموع ٩٠% فى الثانوية العامة هذا العام سوف أزوره فى بيته»، لكن تحقيق هذا الغرض لا يكون بالأسئلة التعجيزية، أو التى تأتى من خارج المقرر لطلبة عودهم نظامنا التعليمى على حفظ الكتب الدراسية وعدم النظر إلى غيرها.

    فلو كان بدر إصلاحيا حقيقا، لأنشأ نظاما تعليميا جديدا، لكنه يعاقب النظام القديم فى الطلاب، وربما ينتشى حين يسمع الأخبار الواردة من لجان الامتحانات تقول: انتحر طالب، وآخر وقع فى إغماء شديد، وتلك انتابتها حالة هيستيرية وانخرطت فى بكاء حار، وهؤلاء مزقوا أوراق الأسئلة والإجابات، وأولئك دخلوا إلى المستشفيات من هول الصدمة.

    لا شك أن رفاق وتلاميذ والد السيد الوزير فى لاظوغلى سعداء بما يجرى، فقد وجدوا مسألة تشغل المصريين أسابيع أخرى عن قضية التغيير ومواجهة الفساد والاستبداد، ولا شك أنهم يضحكون من أعماقهم على الأسر التى استنجدت بالرئيس مبارك لإنقاذهم من رعب الامتحانات، أو هؤلاء الذين تظاهروا أمام اللجان، ويقولون فى أعماقهم: «مساكين المصريين يتظاهرون من أجل الامتحانات، ولا يرف لهم جفن من أجل الانتخابات، مع أن الأخيرة لو صلحت لصلحت الأولى، لكن، الحمد لله، أنهم لا يزالون يعتقدون أن الفروع منفصلة عن الأصول، وأن الثانوية العامة لا علاقة لها بنظام الحكم».

    فيا أولياء الأمور، إن الهمة التى دفعكتم إلى تحرير محاضر فى أقسام الشرطة ضد وزير التعليم والمسؤولين عن وضع أسئلة الامتحانات، لا يجب أن تفتر فى معركة التغيير، التى إن نجحت أنهت أوجاعكم الصغيرة وكفت عنكم آلامكم العارضة.

    ويا أولياء الأمور، قبل أن تغضبوا لصعوبة الامتحان، عليكم أن تدركوا أن مستقبل أولادكم فى مهب الريح، حتى لو حصلوا على الدرجات النهائية، أو تخرجوا فى كليات «القمة»، ولا تخدعوا أنفسكم، فتفاحة سليمة زاهية فى قفص معطوب لابد أن تعطب، وعطر زهرة يانعة لا يمكنه أن يبدد رائحة جثة متعفنة، وقطعة سكر لا تزيل طعم أطنان من الحنظل.

    كلمات مفتاحية  :
    مهزلة الثانوية العامة

    تعليقات الزوار ()