المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة، هي من المطالب البارزة لدى العلمانيين، مساواة في العمل، ومساواة في تولي المناصب العليا في الدولة، وأيضاً المرأة تساوي الرجل في حق السيادة في أسرتها وبيتها، ومنازعتها للزوج على اعتلاء كرسي المسؤولية والقوامة، ويطالبون بخروجها من بيتها إلى المجتمع أسوة بالرجل، ويشجعون التعليم المختلط تأكيداً على المساواة، يطالبون بضرورة التشابه في المناهج التعليمية للجنسين باسم المساواة، حتى في مادة التربية البدنية، أي يطالبون بالمساواة التامة سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وثقافية، وعسكرياً، وإعلامياً، وتربوياً، فهما ـ حسب زعمهم ـ متساويان في الخصائص البشرية، إلا الولادة والإنجاب، وسأرد على هذه المطالبة بالمساواة بطريقة الحوار العقلي أولاً، ثم بالقرآن الكريم فقط ثانياً، وأختم بمناقشة أحدث مفهوم يهودي للمساواة، وهو (الجندرة)، وسيأتي الحديث عنه بالتفصيل.
الردود العقلية على انتفاء المساواة
ربما يكون الحوار مع المطالبين بالمساواة هو نوع من التسلية بالتفكير في أمر لا يحتاج إلى تفكير، كما يقول الشاعر:
وليس يصح في الأذهان شيء ا ذا احتاج النهار إلى دليل
ولكن لا تمنع تلك البداهة من مناقشة المخدوعين، فالمعلوم أن المنادين بالمساواة لا يرتضون الإسلام حاكماً، ولا يسلمون له تسليماً، وعليه فإن الأدلة التي أسوقها هنا، هي من باب التنازل معهم في الحوار، وليست أدلة مستقاة من وحي التنزيل، بل من وحي الغرب الذي خدع العالم ببريق الديمقراطية والمساواة المزعومة، لكي يهين المرأة برميها في أماكن العمل، وجعلها بائعة في مختلف الأماكن، بل وتكنس الشوارع أحياناً، وتحرس الأبنية، وتمسح الأحذية، وتحمل الأثقال، وتصارع المتاعب في العمل، في المناجم، أو مغنية، أو ممثلة في المسارح، أو مذيعة في وسائل الإعلام المختلفة في غاية السفور والفتنة، من أجل أن الغرب الذي رسم لنا المساواة بصورة جميلة أخفى عنا أن كل هذا الشقاء الذي تعانيه المرأة بسبب أنها ملزمة بالنفقة على نفسها، وأن ديننا ومجتمعنا أكرم المرأة بأن جعل الرجال يتكفلون لها بالإنفاق عليها وجلب قوتها وصيانتها، وهذه بعض (الأدلة العقلية) على انتفاء المساواة:
أولاً: التاريخ القديم ينفي المساواة، ويخبرنا عن قيام حضارات وأمم وممالك بادت، كانت متنوعة الديانات، متعددة اللغات، مختلفة المفاهيم والأفكار، لكنها جميعاً اتفقت على أن الرجل ليس مساوياً للمرأة، ولم يطرحوا قضية المساواة أصلاً للبحث، بل كانوا أعنف وأطغى في إعلاء شأن الرجل ورفع منزلته، وانطواء المرأة تحت جناحه حتى إنها تصل في كثير من الأحايين إلى المعاناة من الجور الفاحش، واعتذرت بشدة كتب التاريخ عن ذكر أمثلة لسلطة نسائية يستعطف فيها الرجل المرأة، ويطالبها بالرحمة واللطف في التعامل معه.
ثانياً: الأنبياء جميعهم رجال في كل الأديان السماوية؛ بل جميع الآلهة في الأديان البشرية هي ذكور، وفي الزعامة الدينية في الأديان المتنوعة والملل والشرائع هي أيضاً للرجال، وعموم المناصب الدينية طابعها ذكوري (قساوسة) و(علماء) وما يسمونه (برجال الدين) ومنصب البابا لا تخلفه فيه الـ (ماما)!
ثالثاً: الزعامة والسيادة تنفي المساواة، فقد كانت (رجولية المعالم) عبر القرون، فقد غطى الرجل المساحة العليا، وآلاف الأمثلة على (السيد والزعيم والقائد) وتحشرجت في الأذن كلمة (الزعيمة والقائدة)، وربما يقع اعتراض في جولدا مائير، أو مارجريت تاتشر، أو بلقيس، أو شجرة الدر، وإن كانت هذه الأمثلة من شذوذ القاعدة، إلا أنّ السؤال المطروح: كم في تاريخ اليهود من جولدا مائير؟ أو كم في تاريخ البريطانيين من تاتشر؟! أم أن هذه الأسماء ضاعت في غبار الزعامة الرجولية؟ وهذا واضح في جميع الحضارات؟
والطريق أنّ المرأة وإن تولت منصباً قيادياً، فإنها مفتقرة إلى رجال يحرسونها ويحيطونها إحاطة السوار بالمعصم؛ لعلمها أن المجال للرجال، ومعلوم أنّ عدد النساء عالمياً أكثر في النسبة المئوية من الرجال بثلاثة أضعاف، ومع ذلك فاستلامهن لمنصب الزعامة تاريخياً كان من النوادر
.
و(جامعة الدول العربية) منذ أن تم إنشاؤها وإلى اليوم وهي ترفض المساواة، فلم يحكم في أي دولة عربية غير الرجال ـ فقط ـ فهل يعقل أن تكون الدول العربية التي تحكم (بالإسلام)، والدول التي تتبنى (البعث)، أو تلك التي تطبق أنظمة (الليبرالية الغربية)، فهل يعقل أن يكون حكام تلك الدول جميعاً أجمعوا على ظلم المرأة؟ وأنّ استقرارها في بيتها خير وأحكم من كدحها، وخروجها، ومزاحمتها للرجال في مناحي الحياة، فهل هم الذين أقصوها حقاً؟ أم أنّ الذي أقصاها هو (الواقع المجرّب) الذي تعيشه؟ بل تتوقف وظيفة المرأة لدى الأحزاب العربية عند الذهاب مع زوجها لزيارة الدول، والوقوف إلى جواره، والظهور أمام الشاشات في الزيارة دون أدنى مسؤولية توكل لها؟ وزوجها (الرجل) هو الذي بيده الحل والعقد والأمر كله؟
رابعاً: الحروب والمعارك الطاحنة التي أفنت الملايين من البشر، كان ضحيتها رجال؛ لأنهم أبطالها والممثلون لأدوارها الهامشية، ولم يطبع لنا تاريخ الحروب صفحة واحدة لجيش نسائي يغزو العالم ويستعمر الأرض؛ بل تغيبن عن صفوف الجيش في خط المواجهة الساخن، ولم يتساوين مع الرجال في السير جنباً إلى جنب لمواجهة حتمية مصيرها الهلاك، ولنترك التاريخ القديم، وتعالوا للحروب المعاصرة كالحرب العالمية الأولى والثانية، أو الحرب الباردة، أو في حرب العراق عام (1990م)، أو قيادة حلف الناتو، وحلف وارسو، نجد أنها (كلها بقيادة رجال).
خامساً: (التجارة العالمية) هيمن عليها رجال، فالتجار والأغنياء اكتسحوا هذا المجال، وأبقوا للمرأة الهامش التجاري إن توفرت لديها الرغبة ومقومات الاقتصاد الناجح، وتأمل أغنياء العالم العشرة أصحاب الأرصدة الفلكية تجد جميعهم رجالاً.
والمنتجات التي يصنعها التجار ويهدفون منها الربح المالي ترفض المساواة، ولأنهم يعلمون أنّ المساواة تجعلهم يخسرون، فالدعاية للعطور والملابس والساعات تحتج على تساوي الرجل والمرأة، لعلمها بحقيقة الفروق بين الجنسي، وأنّ من يقول بالمساواة يقضي على تجارته بالخسران.
فالزوجية في العطور بين نسائي ورجالي، وأطقم الساعات، وأصناف الملابس، والأحذية تصرخ في وجه المساواة، وتقف مع الفطرة.
سادساً: المهن ترفض المساواة، وأقف مع أمهر الطباخين، أو مخترعي الموضة، وأباطرة التصميم للألبسة النسائية، فأندهش أنهم رجال، وأستغرب غياب المرأة حتى عن هذا المجال الذي هو أخص خصوصياتها.
سابعاً: اللبس والمكياج: إنّ الذين نراهم يطالبون بالمساواة، لا نسمع صوتهم في المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الاهتمام بالمستحضرات ومساحيق التجميل، فلماذا لا يكون من ضمن بنود المطالبة أن تكون المرأة مثل الرجل ومساوية له في ترك المكياج والكحل وبقية فروع التجمل، كالملابس الشفافة والعارية؟ وبعد هذا فإنه حري بالعاقل أن يدرك أثر الأصابع اليهودية خلف دعاوى المساواة، حيث إنّ المساواة في الاستغناء عن المكياج، وبقية فروع التجمل، تضرّ بالتجارة اليهودية العالمية، فلا يمكن للعلمانيين أن يطالبوا بما يضر تجارة أسيادهم.
ثامناً: قائمة العلماء والمخترعين: تخلو من (تاء التأنيث)، وتطبع مكانها بصمات الرجولة في الأعم الأغلب، وليس الأمر إلى هنا وحسب؛ بل إنّ الأسماء البارزة في الطب، والفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم الطبيعة، والعلوم التطبيقية، والتاريخ بصفة عامة، تغيب عنها الأسماء النسائية في الجملة، ويبقى الرجل هو حادي الركب، وبطل المقام.
الفلاسفة والمفكرون من العهد الإغريقي، والصيني، والفرعوني، وفي تاريخ أوربا الحديثة والقديمة، وفي العهد الإسلامي، جميعهم رجال، حتى يكاد اسم المرأة يختفي إلا في النادر.
وجائزة نوبل تأبى المساواة، فعدد الحائزين عليها من الرجال لا يتناغم مع الرقم النسائي الذي حاز على هذه الجائزة العالمية.
مع ملحوظة أخيرة: إنّ نوبل رجل وليس امرأة، والجوائز العالمية هي من رجال، وليست من نساء، فالكرم في الجوائز على مستوى العالم من رجال، وحاتم الطائي (رجل) أشهر من أن يذكر.
تاسعاً: الشعراء يغلب في عددهم أنهم رجال، والمعلقات العشر كانت لرجال، ورواة الشعر كانوا رجالاً، وشعراء أوروبا في عصورها المتعددة رجال، وشعراء صدر الإسلام رجال، وشعراء بني أمية وبني العباس رجال، والدول المتتابعة، والعثمانيون، والمماليك نرى الشريحة الكبرى من شعرائهم رجالاً، وصفحات الدواوين تزدحم فيها قصائد الرجال، وليس للنساء إلا الخانة الضيقة جداً، تلبس تاجها الخنساء، وتتبعها قلائل من الشاعرات ينافسن أصابع اليد في العد
.
عاشراً: اللغة ترفض المساواة، فتقسم النوع إلى (ذكر) و(أنثى) و(أب) و(أم) و(نون النسوة)، و(واو الجماعة)، وهنالك ثروة لغوية هائلة تفصل الجنسين، وتقطع شرايين المساواة، ولا أخص بذلك لغتنا العربية، بل في لغات الإنسانية جمعاً، واللقب المختص بالرجل هو (السيد)، للأعزب والمتزوج، أما للمرأة فإنّ اللقب يختلف للعذراء (آنسة)، عن المتزوجة وهو (مدام).
ولو تناسينا ذلك كله، وساوينا بين الرجل والمرأة، واتفقنا أنّ كل البشر رجال أو كلهم نساء، وصرنا نتحدث عن النساء أنهن رجال من باب المساواة، فهل يناسب أن نقول تزوج رجل من رجل؟
أو لنتخيل في (عهد المساواة) لو اتصل ضيف على الأسرة هاتفياً، وقام بالرد أحد الأبناء: أهلاً بك.. من تريد؟
فيقول المتصل: أريد بابا؟
فيقول الابن: من تقصد؛ هل تريد بابا الذي ولدني وأرضعني، أم بابا الذي لم يلدني؟
وهنا أذكر طلباً للمندوبات الدنمركيات في المؤتمر الدولي لحقوق النساء؛ حيث طلبن إلغاء كلمة (آنسة) من سجلات المؤتمر، وجداول أعماله، واستعمال كلمة (سيدة) بدلها؛ بحيث تطلق هذه الكلمة على كل مشتركة في المؤتمر سواء كانت متزوجة، أو أرملة، أو عذراء، ثم يعمّ استعمالها في العالم للدلالة على المرأة بوجه عام، وحجة الداعيات إلى ذلك هو أن لقب (مسيو، أو مستر) يطلق على الرجال كلهم شيوخاً أو شباناً، ومتزوجين، أو غير متزوجين، فلماذا يفرّق بين امرأة وغيرها بسبب زواجها؟!
الحادي عشر: علم الأحياء ينفي المساواة؛ حيث يثبت أن خلايا الرجل تختلف عن خلايا المرأة تماماً، وأن نسبة الدم في جسم الرجل تختلف عن نسبته في جسم المرأة، وأن حجم القلب يختلف بينهما وأنّ طولهما في المتوسط مختلف أيضاً، والهرمونات منها ما هو (هرمونات ذكرية) أو (هرمونات أنثوية)، والسرد يطول لتعدد الفروق، ولكن أكثر الناس لا يفقهون.
والفروق الجسدية ترفض المساواة بين الرجل والمرأة، ويستحيل تجاهلها أو التعامي عنها، فمثلاً:
ـ اختصاص المرأة بالحيض والنفاس وتهيئة جسدها للرضاعة، و(احتواؤه على الرحم)، لا نجده عند الرجل.
ـ الإسراف العاطفي لدى المرأة يقابله طغيان العقل لدى الرجل.
ـ ندرة الشعر في نموه لدى المرأة يقابله كثافة الشعر لدى الرجل.
ـ ينطوي تحت بساط الاختلافات الجسدية في الشعر؛ ظهور الصلع لدى الرجال بصفة سائدة، يقابلها انعدام الصلع في الغالبية العظمى لدى النساء، يقول الفريد كابو: (لن تصبح النساء مساويات حقاً للرجال إلا عندما يرضين بأن يصبحن ذوات صلعة ويفرحن بذلك).
وفي النهاية نقف مع المطبلين للمساواة أمام الصرخة الحديثة التي حاول فيها بعض البشر من الجنسين أن يقبلوا نوعهم للنوع الآخر بواسطة العمليات الطبية التي حاول الطب فيها أن يغير النوع من (ذكر) إلى (أنثى) أو العكس؛ حيث يعلن الطب إفلاسه عن القدرة على تحويل الرجل لامرأة، أو العكس بواسطة التكنولوجيا، وعمليات التشريح المتطور، فإذا كان الطب بتطوره وتقنياته يصطدم بعجزه عن تحقيق المساواة، فكيف للمنادين بها دون مبضع جراح أو غرفة عمليات؟!
علماً أن بروز المرأة في بعض المناشط الذكرية، وإبداعها فيه يستلزم خسارتها لأمومتها؛ كرياضة السباحة والجري، وعرض الأزياء والتمثيل، وعندما ترغب في أن تصبح أماً فإنها تحمل، وتلد، وحينها ستخسر ذلك المجال الذي برزت فيه، أما الرجل فبروزه وتميزه وتألقه في أي مجال لا يمانع من تميزه في مجال الأبوة.
الثاني عشر: (سيطرة الرجل جنسياً) تكسر دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة، فلو أراد الرجل اغتصاب المرأة في حالة إغماء وغيبوبة، لوقعت جريمة الاغتصاب ثم الحمل، ولو افترضنا العكس وصارت حالة الإغماء على الرجل، وخلت به المرأة، لعجزت أتمّ العجز عن وقوع الجريمة، ولن تكون هناك حالة اغتصاب، ولن يحدث الحمل حتماً، وأدعياء المساواة مأساتهم مأساة.
الثالث عشر: سلوك الغرب (مدّعو المساواة)، ينفي المساواة، فالثورة الفرنسية قامت على يد رجال ونساء، ومنها كانت الشرارة الأولى التي تبعتها أوربا في مسيرة التحرر، وأحد البنود التي قامت عليها هذه الثورة (المساواة)، ومع ذلك لم تحكم المرأة في فرنسا مطلقاً.
وعيد (الأم) لديهم يحكم بانتفاء المساواة، فإن كانوا يريدون بهذا العيد إظهار حق الأم، فالحقوق للوالدين جميعاً، فالأولى أن ينادوا بعيد (الوالدين)، بل لم يجعلوا عيداً (للأب) أبداً، فهل هم بذلك يطالبون برفع المرأة فوق الرجل، أم في هذا إقرار مبطن بضعف المرأة، وعدم مساواتها بالرجل، وحاجتها للدعم، وللوقوف معها بمثل هذه الطقوس؟
ثم إنّ الغرب الزاعم لهذه المساواة، نقل اسمها من شجرتها الأسرية، فنسبها إلى زوجها، ليتغير اسمها بعد الزواج عن اسمها قبل الزواج، وهذا نوع من الامتهان، والاحتقار الواضح، بخلاف جوهر المساواة الذي يزعم الرفعة لها والكرامة، مع التأكيد هنا على أن الغرب نقل نسبها من رجل وهو (الأب)، وأضافها إلى رجل وهو (الزوج)، فبقيت المرأة غير مساوية للرجل، بل في مرتبة التابع.
الرابع عشر: الأدوار التي تشغلها المرأة في المجتمع تنفي المساواة، فالمتأمل لقيادات الجيش، وقادة الحروب، ورؤساء الدول، والوزراء، يجد أن المرأة تشغل الجزء الأقل في النسبة المئوية، بينما في مجال الفن، والمجون، والأغاني والطرب، والرقص، والتمثيل، وتقديم البرامج الإخبارية، تأخذ المرأة نصيب الأسد، والنسبة العالية لها، وبقيت المساواة منحصرة في عقولهم في خروج المذيع والمذيعة في كل نشرة إخبارية رئيسية، أو تقديم البرامج.
ويندرج تحت هذه النقطة المسميات التي أصبحت مسلمات إدارية مثل (مدير عام) و(سكرتيرة)، فهي دلالة صريحة على أن الكثرة من المديرين رجال، وأنّ وظيفة (السكرتارية) مخصصة للنساء، وهذا من الخدع التي جلبها لنا الغرب من أجل الاستمتاع بالأنثى، واللهو بها، فهي لا بد أن تكون بمواصفات جسدية أكثر منها قيادية، وجعلوا هذا الاسم مألوفاً حتى أصبح قانوناً، ويبقى الرقم (2) متاحاً لتسابق الأنثى دون الرقم (1) وهو رقم الرئاسة والأولوية والصدارة، تقول الكاتبة الفرنسية برانديت باوين: (في ربيع عام 1968م شاهدنا انفجار حركات طلابية عالمية تدعو إلى إنهاء التعامل وفق مفهوم الفئات الاجتماعية، وكان النساء قد شاركن في جمع تلك الحركات، ولكن سرعان ما اكتشفن أن وجودهن داخل التنظيمات لم يكن إلا لتقديم الشاي والقهوة وطباعة المنشورات على الآلة الكاتبة، واستعمالهنّ لاحقاً كصديقات للزعماء، بينما كن يتطلعن إلى أدوار أكثر تشريفاً على مستوى اتخاذ القرار).
وفي كل أنحاء المعمورة توجد (مهنة الحمالين)، ولا توجد (مهنة الحمّالات)، وأيضاً (وظيفة البوديجارد) هي (وظيفة حماية) ولا يوجد (وظيفة بوديجارد) تمارسها النساء؛ لأنّ أجساد النساء تشهد بعدم التساوي
.
الخامس عشر: الرياضة تضع بوابة خاصة لدخول النساء، فنشاطاتها المختلفة تسد بيديها الباب اعتراضاً على المساواة، و(مدرجات الأندية) تبدو على ملامحها الذهول والاندهاش لو رأت امرأة تلعب في فريق الرجال؛ لأنّ هذه اللقطة لم يسجلها التاريخ مطلقاً، بل إنّ الرياضة تجعل فريقاً من النساء يتبارين مع فريق آخر مثلهن، ويبقى الاختلاط محرّماً في شرع الرياضة أيضاً، ومسابقات الجري، يليها المصارعة، يتبعها رفع الأثقال، وجميع أصناف الرياضة تشهد بفاقع الألوان أنّ الأنثى لا تساوي الذكري، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً.
ناهيك عن الأعمال الخارقة للعادة كسحب الأوزان الثقيلة، أو سباق السيارات، وكل ما يصدق عليه (فن السيطرة على الألم) تجد أن فرسانه هم الرجال دون شقائهم من النساء.
السادس عشر: البغاء، فمنذ فجر الزمان الأول، وهذه الخطيئة تشهد بالفارق بين الجنسين، فهذا الميدان الرخيص كان من حصة المرأة، فهي التي تتقاضى ثمنه، والرجل هو الذي يشتري بضاعته، وسيعجز المطالبون بالمساواة أن يجدوا في صفحات البشرية صورة للرجال، وقد جعلوا من أجسادهم مهنة للبغاء، ووظيفة لكسب المال بسبب فقرهم وحاجاتهم، وأن يجدوا المرأة استغلت حاجاتهم وفقرهم؛ لكي تسلب الرجال أعزّ ما يملكون وهو (العرض)، ومجرد الاستماع لمثل هذا الكلام يرسم الابتسامة على الشفتين.
ويلتصق بهذا المعنى مسابقات (ملكات الجمال) التي لم تبتكر مسابقات (ملوك الجمال) لانعدام المساواة، ولم تتقبله نفوس الناس لعدم انتشاره، وأضف إلى ذلك مهنة (الاستعراض الجسدي) بالرقص الشرقي خاصة، الذي تمتهنه النساء بلا منازع، ونراه أيضاً في الأعراف الإنسانية عامة؛ حيث يصطف المتفرجون حول (المرأة الراقصة) للاستمتاع برؤية جسدها دون أن يكون هناك مساواة في تبادل الأدوار، وأولئك الذين يدعون إلى المساواة بين الرجل والمرأة يعجزهم أن يأتوا بأمثلة للمساواة في هذا المجال، ومن المغالطة أن يخبرونا؛ أن رجلاً عقد اتفاقاً مع أحد المراقص في فترة زمنية خلال ساعات اليوم، فيأتي لكي يرقص أمام المتفرجات باستعراض جسدي متعر يجلب الكثير من النساء المتفرجات، ويحقق الوفير من الأرباح، فهذا لا يحدث إلا إذا استنوق الجمل
.
السابع عشر: نظام دورات المياه في الأماكن العامة، والمطارات، والمتنزهات، والمرافق، والمطاعم يفرق بين دورات المياه التي تخص النساء، والتي تخص الرجال، فها هي دورات المياه اكتشفت الفرق الذي عجزه عن اكتشافه المطالبون بالمساواة، فهل يرضون ويطالبون بالمساواة في كل نواحي الحياة، ويرفضونها في دورات المياه؟!
الثامن عشر: البهائم تشارك في رفض المساواة بين الجنسي، فالأسد يخالف اللبؤة في التركيب والوظيفة في الغابة، ومهام العمل، بل حتى في الشكل الخارجي، والديك يترفع عن التشبه بالدجاجة، وعلى ذلك قس، ومن لم يصدق فليتذوّق حليب الثور!
(والبيت الذي تمارس فيه الدجاجة عمل الديك يكون إلى الخراب)!
التاسع عشر: العملية الجنسية تفرق بين الرجل والمرأة بجلاء واضح؛ حيث يكون إنتاج الرجل من الحيوانات المنوية ملايين ضخمة متوفرة في كل وقت، بينما المرأة لا يكون لها من الإنتاج إلا بويضة واحدة خلال ثلاثة أيام من كل شهر.
العشرون: وسائل الإعلام تنفي المساواة، فحينما تتحدث عن بشاعة الحروب، وفتكها بالمستضعفين، وترغب في استدرار عواطف الجماهير، نراها دائماً تقول باستنكار وشجب: (تمّ قصف المبنى، وفيه نساء وأطفال)، ولا تذكر الرجال.
الحادي والعشرون: الطفولة ترفض المساواة، فالفطرة لدى الأطفال تجعل فواصل عميقة بين البنت والولد في تصرفاتهم مهما حاولنا أن نجبرهم على خلاف فطرتهم، والدليل على ذلك انطلاقهم لاقتناء الألعاب، فالبنت تقتني الدمية، وأدوات الطبخ، والولد يقتني السيارة والبندقية، بل وحتى في حركاتهم الفطرية، أو تعاملهم مع الحياة، أو تسميتهم لألعابهم، فالولد يقلد أباه، ويقتفي أثره، والبنت تحذو حذو أمها، وتتقمص دورها.
الثاني والعشرون: النسب للآباء دون الأمهات، بالرغم من أن المرأة هي الأكثر معاناة وتحملاً للمشاق في الحمل والولادة، وفي نظرة شاملة لكل صفحات التاريخ نجد أنه لم يحصل أن كان المولود منسوباً إلى أمه، فالبشر رجالهم ونساؤهم يسيرون على النظام الصحيح في التسمية بالنسبة إلى الأب، وهنا نطرح سؤالاً للمطالبين بالمساواة، وهو: إنّ زمن التحرر والمناداة بالمساواة في عصرنا الحالي هو أشد عصر ظهرت فيه دعاوى المساواة، فلماذا لم نر أحداً منكم نسب أبناءه إلى أمهم دون النسب له هو؟!
بل حتى في الثقافة الغربية تجاوز أحمق في مسألة النسب؛ فحتى المرأة حين تتزوج يتم سلب نسبها من أبيها، وتنسب إلى زوجها، ولا ينسب زوجها إليها، بل غاية ما صنعه قاسم أمين وسعد زغلول وغيرهم، هو أنهم نهجوا النهج نفسه مقلدين.
وحديثاً قامت ابنة نوال السعداوي بنسبة نفسها إلى أمها، جرياً على خطى أمها في التحرر، واعترافاَ بفضلها عليها كما تزعم، ولا أدري لماذا نسيت نوال السعداوي أن تنسب نفسها إلى أمها، كما فعلت ابنتها؟!
الأدلة القرآنية على انتفاء المساواة:
تسممت بمفهوم المساواة عقول بعض المسلمين، فتناولوه بالترديد، مما جعله يحقق انتشاراً واسعاً في قناعات ومفاهيم المجتمعات، وبعد الانتشار الواسع تأتي مرحلة التصديق بها، ثم مرحلة الدفاع عنها، ثم مرحلة التبني وحشد الأدلة، بل إنّ بعض الفضلاء بدؤوا ينزلقون مع هذه الدعاوى، فصرنا نسمع بعض (الفتاوى الانهزامية) في بعض وسائل الإعلام من بعض الفضلاء حول المساواة بين الرجل والمرأة، وأنّ الشرع المطهر لم يفرق بينهما؛ في جميع الأمور، ثم صرنا بعد ذلك نرى المبالغة في حقوق الزوجة، وما تبعه من التوسع المتطور الذي لم نكن نسمعه من قبل، ولا يتناغم مع أدلة الكتاب والسنة أولاً، أو الواقع الذي نعيشه ثانياً؛ حيث إن أمهاتنا والنساء الأوليات لم ينلن من الحقوق ما نالته النساء في هذا الزمن، وكان في معيشتهن بعض الظلم، وحين أتى عصرنا نالت النساء حقوقاً أكثر، ومع ذلك نرى ازدياد المطالبة بالحقوق وغير الحقوق.
أسوق هنا الفروق بين الرجل والمرأة من القرآن الكريم فقط دون السنة النبوية، بالرغم من أن السنة وحي عن الله ـ عزّ وجل ـ: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (النجم/3ـ4)، ولكن هذه الأدلة التي أسوقها هنا أخاطب فيها أصنافاً عدة؛ هي
:
أـ العلمانيون: وهؤلاء أناس يخفون الكفر، ويظهرون الإسلام حين يكون الإسلام قوياً حاكماً، ولا يستطيعون إظهار الكفر، والمجاهرة بالزندقة أو الإلحاد برفض الآيات القرآنية، فإذا سيقت مثل هذه الأدلة من القرآن، فإنهم يلزمون السكوت؛ حفاظاً على صورتهم أمام الناس، كما صنع أسلافهم من منافقي المدينة؛ حيث قال الله تعالى عنهم: " يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ" (آل عمران/145).
ب ـ أصحاب الفكر المستنير أو من يحبون أن يطلق عليهم مصطلح (التنويريون)، أو (العقلانيون)، أو (معتزلة العصر)، أو (العصريون)، وهؤلاء أناس يرون أنهم مجددون في طريقة فهمهم للإسلام، وأنهم يمثلون الصورة المتحضرة للإسلام بالفهم المتطور الراقي، ولكنهم وصلوا في نهاية المطاف إلى الوصول إلى أقرب نقطة من العلمانية، فصاروا يروجون لأغلب الأفكار العلمانية إن لم يكن كلها، بمظهر يبدو إسلامياً، حتى ولو كانت حقيقته تعارض الدين، وتحرف معاني القرآن الكريم، ومن أبرز علاماتهم؛ رفض الأحاديث النبوية وعدم الاستدلال بها، أو التحاكم إليها بحجة أن الأحاديث (آحاد) وهم لا يأخذون دينهم عن (آحاد)، فأحببت أن أسوق الأدلة القرآنية فقط؛ لأن القرآن الكريم هو نقطة التقاء مع هذا الصنف، دون الاستدلال بالأحاديث؛ لأنها غير مقبولة عندهم.
ج ـ بقية المسلمين، وهؤلاء لا مشكلة معهم، فالتحاكم للآيات القرآنية هي محل اتفاق معهم، وهم لا يرون المساواة بين الذكر والأنثى، ومن خُدع بهذه الدعاوى، فإنّ هذه الأدلة كافية لإيضاح الفروق، مع أنّ الرجوع للسنة مطلب، والتحاكم لها عبادة واجبة.
ومما ينبغي التأكيد عليه قبل تعداد الشواهد القرآنية الكريمة لانتفاء المساواة بين الذكر والأنثى، هو منهج أرشدنا الله إلى اتباعه في هذا الشأن، يدعو إلى الرضا بما قسم الله من نصيب للرجال وللنساء، وأن لا يتحسر أحدهما على فضل خصّ الله أحدهما به، يقول الله تعالى: "وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ" (النساء/32).
وفيما يلي بعض الأدلة القرآنية التي تؤكد عدم المساواة:
الأول: إنّ الرجل هو الأصل في بداية الخلق، والمرأة هي الفرع، يقول الله سبحانه وتعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَ" (الأعراف/189). فآدم هو الأصل، وخلق الله من ضلعه حواء ـ عليهما السلام.
الثاني: اختلاف الدرجات بين الرجل والمرأة، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ أعطى الرجال درجة تميزهم على النساء بقوله سبحانه وتعالى: " وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ" (البقرة/228).
الثالث: قسم الله ـ سبحانه وتعالى ـ مسؤولية الأسرة، فكلف الرجل بالقوامة دون النساء، بقوله ـ سبحانه وتعالى ـ:" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا" (النساء/34)، ومعنى القوامة: الرئاسة والحكم والتأديب حال الاعوجاج.
الرابع: فرّق الله ـ سبحانه وتعالى ـ في تقسيم الميراث بين الزوج والزوجة، بقوله: " وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ" (النساء/12)، فهذا نصيبكم من مالهن في الإرث، وأما نصيبهن من مالكم الموروث، فيقول ـ سبحانه وتعالى ـ عنه: "وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَد" (النساء/12)، ويدخل في ذلك قوله ـ سبحانه وتعالى ـ :" يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ" (النساء/11).
الخامس: تنتفي المساواة في أنه يحل للرجل التمتع بالجواري والإماء، ولا يجوز للمرأة أن تتمتع بالعبد الذي تملكه، يقول ـ سبحانه وتعالى ـ :" وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم" (النساء/25).
السادس: لم يبعث الله ـ عزّ وجل ـ من الرسل والأنبياء؛ لتبليغ رسالته إلا رجالاً، يقول ـ سبحانه وتعالى ـ :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل/43)، وجميع آيات القرآن الكريم تثبت ذلك.
السابع: الخطاب في القرآن الكريم جاء في أغلبه موجهاً للرجل والمرأة تابعة له في ذلك، ولم يأت خطاب للمرأة إلا نادراً، فالآيات تبدأ بقوله ـ سبحانه وتعالى ـ :"يا أيها الذين آمنوا.."، والضمائر والجموع للمذكر في أوامر الله ونواهيه، وأما النساء فيدخلن في هذه الأوامر والنواهي تبعاً للرجال.
الثامن: لم يرد في القرآن الكريم اسم امرأة ـ أبداً ـ إلا مريم ابنة عمران ـ عليهما السلام ـ فقط، وحين يتحدث القرآن عن أي امرأة من نساء الأنبياء، أو الرسل، أو نساء الملوك أو حتى نساء الكفار، فإنه ينسب المرأة إلى زوجها، كأمنا حواء ـ عليها السلام ـ؛ حيث لا نجد اسمها في القرآن صراحة؛ بل نسبت إلى أبينا آدم، ومثلها امرأة نوح، وامرأة لوط ـ عليهم السلام ـ ، وأيوب ـ عليه السلام ـ قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن زوجته: " فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" (الأنبياء/90)، وامرأة العزيز، وامرأة فرعون، وامرأة أبي لهب، وحتى الكفار، ومدعو الألوهية نسبت زوجاتهم لهم، ولم يذكر اسمهن صراحة، بل إنّ زوجة فرعون هي من النساء الكاملات، ومن سيدات نساء العالمين، وحين جاء ذكرها في القرآن الكريم، جاء منسوباً إلى طاغية الدهر فرعون مصر.
فإن لم تنسب المرأة إلى زوجها نسبت إلى ولدها، كما في قوله ـ سبحانه وتعالى ـ: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيه" (القصص/7).
التاسع: وصف الله ـ سبحانه وتعالى ـ الزوج بوصف السيد على زوجته؛ كما في قوله ـ عزّ وجل ـ :" وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ" (يوسف/25)، بينما قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ عنها: " قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ" (يوسف/51).
العاشر: إذا مات الزوج، فإنّ على الزوجة عدة تعتدها، لقوله ـ سبحانه وتعالى ـ:" وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" (البقرة/234)، وأما الزوج فليس عليه عدة، وبإمكانه الزواج متى رغب في ذلك، بل إنّ الإسلام رغّبه بالإسراع في الزواج.
الحادي عشر: شهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين؛ لقوله ـ سبحانه وتعالى: " وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى" (البقرة/282).
الثاني عشر: مناداة الله ـ سبحانه وتعالى ـ للوالدين بالاسم الخاص بالأب وهو الرجل، وليس الاسم الخاص بالأم وهي المرأة؛ فيقول الله ـ سبحانه وتعالى: " يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ" (الأعراف/27)، "والذي قال لوالديه أفّ لكما" (الأحقاف/17)، ولم يقل الأمين أو الوالدتين، فالنسب يكون للرجل دوماً دون المرأة في جميع الألفاظ، بل حتى في إطلاق مسمى الأولاد تكون فيه الأنثى تبع، فيقال (الأولاد) للجميع، ولكن لا يطلق لفظ (البنات) على الجميع ليشمل الجنسين معاص، وزد على ذلك الأخوة؛ فالنسب لجمع الذكور منه دون الإناث ـ كما في قوله ـ سبحانه وتعالى: " قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ" (التوبة/24).
وأخيراً أوصى الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يكون نسب كل مولود للأب وليس للأم، في قوله: " ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ" (الأحزاب/5).
الثالث عشر: وصف الله ـ سبحانه وتعالى ـ المرأة في القرآن بأنّها تنشأ في الدعة والنعومة والزينة والتجمّل، وأنها عاجزة عن الأمور الشداد، والقتال، والإبانة في الجدل، والخصومة؛ كما يقول ـ سبحانه وتعالى ـ:" أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ" (الزخرف/18)، وهذا الوصف خاص بالمرأة دون الرجل.
الرابع عشر: شرع الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنّ الرجل يباح له أن يتزوج من النساء؛ بزوجة وثانية وثالثة ورابعة، وهذه للرجال فقط دون النساء، يقول ـ سبحانه وتعالى ـ: " فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ" (النساء/3)، وفي قوله: "ماطاب" دلالة على العلو والأفضلية، وأما المرأة فلا يتزوجها إلا رجل واحد.
الخامس عشر: قول الرجل الصالح شعيب لموسى بن عمران ـ عليهما السلام ـ: " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ" (القصص/27) فالمرأة تتزوج منتقلة من ولاية رجل وهو (الأب) إلى ولاية رجل وهو (الزوج)، وتتضح الصورة أكثر بقوله ـ سبحانه وتعالى ـ :" فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ" (النساء/25)، وأما الرجل فيتزوج دون إذن أحد.
السادس عشر: وضع الله ـ سبحانه وتعالى ـ الطلاق بيد الزوج، بينما المرأة لا يصح منها الطلاق ولا تملكه بقولها (أنت طالق). يقول ـ سبحانه وتعالى ـ :" وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ" (البقرة/231).
السابع عشر: أحل الله ـ سبحانه وتعالى ـ للرجل المسلم أن يتزوج الكتابية، ولكن المرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً، يقول ـ سبحانه وتعالى ـ :" الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ" (المائدة/5).
الثامن عشر: تقول امرأة عمران ـ عليها السلام ـ :"وليس الذكر كالأنثى" (آل عمران/36)، قالتها امرأة عمران على سبيل التحسّر، والتحزّن، وفوات المطموح إليه، حيث كانت تطمح في مولود ذكر، فأبانت بكلامها أنها كانت تطمح للأفضل، وهو الولد الذكر.
فإن كان هذا القول: "وليس الذكر كالأنثى".. هو من كلام الله ـ سبحانه وتعالى ـ فهذا حكم الخالق على انتفاء المساواة، وهو أحكم الحاكمين، وإن كان هذا الحكم من قول امرأة عمران ـ عليها السلام ـ نقله الله لنا في كتابه، فهذا حكم امرأة حكمت فيه على جنس النساء، وهي أدرى بفطرة المرأة وطبيعتها.
التاسع عشر: خصّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ آدم ـ عليه السلام ـ بأنه خلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه؛ إكراماً وتشريفاً، وأمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ الملائكة بالسجود له دون أن يكون هذا الفضل لأمّنا حواء ـ عليها السلام ـ؛ مع أنّ البشرية خلقت منهما جميعاً، وهذه الميزات خاصة بآدم لوحده، ونالت أمنا حواء وذريتها التكريم تبعاً لتكريم أبيهم، يقول ـ سبحانه وتعالى ـ:" وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" (البقرة/34)، "} قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" (ص/75)، " فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ" (الحجر/29).
العشرون: وعد الله ـ عزّ وجل ـ الرجل والمرأة في الجنة بالنعيم الكبير، (الحور العين)، فقال ـ سبحانه وتعالى ـ: " وَحُورٌ عِينٌ {56/22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ" (الواقعة/ 22ـ23).
الحادي والعشرون: المرأة متاع للرجل وشهوة من شهوات الحياة الكثيرة التي زينها الله له، ـ فالله سبحانه وتعالى يقول: " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (آل عمران/14)، ويقول أيضاً: " فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ" (النساء/24).
الثاني والعشرون: حكم الملاعنة خاص بالرجل دون المرأة، إذا اتهم الزوج زوجته بأنها قامت بارتكاب الفاحشة، وهذا تفريق من الله ـ عزّ وجل ـ بين الرجل والمرأة، وبما أنه لم يرد نص بخصوص قذف المرأة لزوجها بالزنا، فيظل الحكم كما هو، أي أنه يطلب منها إحضار ما يكمل به نصاب الشهادة، وإلا جلدت حد القذف، يقول الله ـ سبحانه ـ: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ" (النور/ 6ـ10).
الثالث والعشرون: الظهار يقع من الزوج تجاه زوجته فقط؛ بأن يقول لها: أنت عليّ كظهر أمي، أما المرأة، فإنه لا يقع منها ظهار لو قالت لزوجها: أنت عليّ كبطن أمي، أو كظهر أمي، فكلاهما في شرع الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا تنبني عليه أحكام الظهار الواردة في الآية: " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (المجادلة/ 1ـ4)
.
الرابع والعشرون: النشوز قد يقع من الزوج أو من الزوجة، وفي حال نشوز الزوج أوصى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بأن ترضى الزوجة بالصلح، يقول عزّ وجل ـ عن نشوز الزوج: " وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ" (النساء/128).
وأما النشوز من الزوجة فإنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل عليه أحكاماً كما في قوله: " وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً" (النساء/ 34)، وقوله: "فإن أطعنكم" يدل على أن عصيان الزوجة لزوجها يوجب لها العقاب المتدرج، وأنّ طاعتها تمنع الزوج من البغي عليها بأي سبيل كان.
الخامس والعشرون: التقابل بين الذكر والأنثى في القرآن الكريم واضح كوضوح التقابل بين الحق والباطل، وهذا أمر معلوم ذكره، يقول الله ـ سبحانه وتعالى: "يا أيها النّاس إنّا خلقناكُم من ذكرٍ وأنثَى" (الحجرات /13)، وقال: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء" (النساء/1)، وقال عن الإنسان: " أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى" (القيامة/ 37ـ39).، وقال: " وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى" (الليل/ 1ـ4).
ومما يجدر ذكره أنّ عدم التساوي؛ الذي أكده القرآن الكريم، لا يعني (دونية المرأة) واحتقارها، بل يعني (الاختلاف) بين الرجل والمرأة، فالسماء مختلفة عن الأرض، والشمس لا تشابه القمر، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون.
كما أنّ عدم التساوي بين الرجل والمرأة لا يعني انحصار الفضل للرجل، بل قد تكون المرأة أفضل وأعلى مقاماً منه، فالجنة تحت أقدام الأمهات، وليست تحت أقدام الآباء، والآباء باب من أبواب الجنة والبنات ستر من النار لأهلهن دون الأولاد.
مصطلح الجندرة الجديد
مصطلح جديد متطور لقضية المساواة، أطلقته (الحركات الأنثوية المعاصرة)، فخرج على المسرح السياسي والاجتماعي والثقافي على استحياء عام (1994م) في مؤتمر السكان والتنمية بالقاهرة، حيث ورد المصطلح في المؤتمر (52) مرة، ومراعاة لخطة التهيئة والتدرج في فرض المفهوم، ظهر المصطلح مرة ثانية، ولكن بشكل أوضح في وثيقة بكين (1995م)؛ حيث تكرر مصطلح الجندر (233) مرة، ومعناه باختصار: أنّ الخلقة الجسدية سواء للرجل أو للمرأة، ليس له علاقة باختيار أدوارهم الاجتماعية التي يمارسونها، فالمرأة ليست امرأة، إلا لأنّ (المجتمع) أعطاها ذلك الدور، وكذلك الذكر، ويمكن حسب هذا المعنى أن يكون الرجل امرأة يحق له أن يُنكح، وأن تكون المرأة زوجاً تتزوج من جنسها نفسه، وبهذا تكون قد غيرت (نظرة المجتمع) لها، وجاء في تعريف الموسوعة البريطانية ما يسمى بالهوية الجندية: إنّ الجندرة هي شعور الإنسان بنفسه بصفته ذكراً أو أنثى، دون النظر للتكوين الجسمي.
أعلنت الحركات الأنثوية المعاصرة مصطلح (الجندر) بصفته امتداداً لمسألة (المساواة) المزعومة بين الرجل والمرأة، وليس مرادفاً لمعنى (المساواة)، فبعد المناداة بإنصاف المرأة من (الظلم) الذي أوقعه بها الرجل عبر التاريخ، كان أقصى ما تطمح إليه دعوات تحرير المرأة؛ هو إنصافها من الغبن الاجتماعي والتاريخي الذي لحق بها، مع الحفاظ على فطرة التميز بين الأنوثة والذكورة، فالمرأة حتى وإن ساوت الرجل؛ فإنها تحتاج إليه، وهو يشتاق إليها، دون مهاجمة الدين أو الفطرة.
حتى ظهر مصطلح (الجندر)، بصفته خطوة تهدف إلى إلغاء معنى (رجل) و(امرأة)، فلا يوجد (رجولة) أو (أنوثة) أصلاً، بل الجميع (جندر)، بمعنى (نوع)، فهو مصطلح يناسب الرجل والمرأة على حدّ سواء، ولا يمكن أن نفهم من ورائه جنس المقصود إن كان رجلاً أو امرأة.
تعلن (الأنثوية المعاصرة) صراع المرأة مع الرجل؛ بل والعداوة الدائمة بينهما، وعلى أنّ كسبها يأتي من الصراع معه حتى في العلاقات الزوجية، وغابت فكرة السكن والمودة، وفكرة البناء المشترك، وصارت ترفع شعارات من قبيل (الحرب بين الجنسين)، بل والمطالبة (بالقتال من أجل عالم بلا رجال).
وتنطلق (الأنثوية المعاصرة) في سعيها إلى إعادة صياغة اللغة، والتاريخ، والثقافة من جديد، بدون تفريق في الضمائر والأسلوب بين الرجل والمرأة؛ بل كل ما سبق تعاد صياغته على أساس (الجندر).
وأيضاً تمارس الحركات الأنثوية المطالبة بالجندية ضغطاً على المؤسسة الدينية الغربية، لإجراء تعديلات على الكتب السماوية، بما يتوافق مع (الجندر) بصياغة محايدة، لأنّ حركات الأنوثة تشكك في الكتب السماوية، على أساس أنها من صنع الرجال، (أسهمت الحركات النسائية في تشجيع إصدار طبعة جديدة من كتب العهد القديم والجديد أطلق عليها الطبعة المصححة politically corrected bible في عام 1994م، وتم فيها تغيير الكثير من المصطلحات والضمائر المذكرة، وتحويلها إلى ضمائر حيادية مراعاة للفمنزم، كما خفف تأثير الكلمات التي تصف الشذوذ الجنسي عند الناس، ومما يقطع ويمزق نياط القلب أن ينساق وراء هذه الدعوة بتغيير الكتب السماوية نساء مسلمات، في بلاد مسلمة كما جرى في مؤتمر في اليمن عن (جندرة اللغة)، حيث وصل الإلحاد بإحدى الحاضرات الكافرات من اليمنيات الخبيثات، إنها ـ والعياذ بالله ـ قالت كلاماً شنيعاً، نسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يعفو عنا، تريد التعبير عن (الله) ـ سبحانه وتعالى ـ بضمير (هي) بدلاً من (هو)، فغضب عليها رئيس تحرير (عقيدتي) التابعة للحزب الوطني، وردّ معترضاً اعتراضاَ شديداً.
وتتبني (الأنثوية المعاصرة) فكرة الحرية الجنسية المطلقة للمرأة، وأنّ الأنوثة لا تمنعها من أي شيء يمكن أن يقوم به الرجل، ومن حقها ممارسة الجنس مع الرجال حتى وإن كانت متزوجة، فالزواج لا يمنعها من تلك الحرية الجنسية.
وتقوم (الأنثوية) المعاصرة) على تخليص المرأة من واجبات البيت، وإعدادها اقتصادياً، وأن تكون عملية تربية الجيل من مسؤوليات الدولة، وليس من مهام المرأة؛ فالأسرة نظام ظالم للمرأة، فقد ظلمها المجتمع فيه بفرض رجل واحد في حياتها وهو الزوج، بسبب تافه ـ على حد زعمهم ـ وهو معرفة نسب الولد، إذن فلا بد من الثورة على الأسرة بصفتها نظاماً اجتماعياً يظلم المرأة، وأن يحذف مصطلح (زوج) ويستبدل بكلمة (شريك).
تعطي (الأنثوية المعاصرة) للمرأة حق تملك جسدها، وحقها في رفض الإنجاب، وحقها في الإجهاض، وحقها في رفض الأمومة، والرضاع، وحقها في رفض التربية ورعاية الأولاد، وحقها في إطلاق رغباتها الجنسية، والحب الحر، بل وحقها في الشذوذ وحقها في الزواج من امرأة مثلها، وطلب إصدار قوانين رسمية تعترف بها بصفتها أسرة شرعية تملك كل الحقوق الشرعية للأسرة الطبيعية، فنتج عن ذلك أمور:
شيوع الإباحة الجنسية، وما ترتب عليها من أمراض، وكثرة الأمهات اللواتي لم يتزوجن ويغلب عليهن سن المراهقة، وتوفير موانع الحمل، ورفع الحظ عنها في الجامعات والمدارس، وتمكين المراهقين والمراهقات من الحصول عليها، وكثرة أولاد الزنا، وطغيان التبرج والعري، ورفض الإنجاب.
وتنادي (الأنثوية المعاصرة) بتعليم الأطفال الجنس في المرحلة الابتدائية، لتعريف الأطفال ممارسة الجنس المأمونة، وطرق منع الحمل!
|