جاء زمان كانت فيه القاهرة عاصمة للصحافة العربية..ثم ظهرت بيروت بصحافتها وصحفييها الرواد..كان التنافس بين العاصمتين شديدا..واذا كانت القاهرة قد حسمت المنافسة لصالحها بروادها أمثال الأخوين أمين وهيكل وكامل الشناوي وعبد القدوس وآخرون..فقد كان لبيروت صحافتها ذائعة الصيت وصحفييها ذوي الوزن الثقيل أمثال سعيد فريحة وكامل مروة..ثم دار الزمان دورته وانكفأت صحافتنا علي نفسها وأصبحت مغرقة في المحلية ولم تعد جاذبة عربيا - وأيضا محليا- مثلما كانت.
في منتصف سبعينيات القرن الماضي.. خرجت ظاهرة الصحافة العربية التي تصدر من عواصم أوروبية وتوزع في الدول العربية.. وكانت صحيفة الشرق الأوسط السعودية هي النموذج الأكثر شهرة ورواجا حتي الآن..وقد حرصت السعودية علي زيادة نفوذها في عالم الصحافة العربية الدولية..فكان القرار بشراء رخصة اصدار جريدة الحياة اللبنانية العريقة..في صفقة شهيرة جرت أوائل التسعينيات..ثم كان صدورها من لندن برئاسة الصحفي الأشهر جهاد الخازن..احتلت الصحيفتان السعوديتان مكانة بارزة لدي كبار المسئولين العرب..وبات معروفا مدي حرص هؤلاء علي قراءة الصحيفتين يوميا.
يمكنك أن تسأل هنا:كيف خرجت مصر صاحبة التاريخ الصحفي الكبير من سوق الصحافة العربية الدولية علي هذا النحو المحزن..ولديها إحدي أعرق الصحف العالمية وهي الأهرام..ثم كيف فات علي مصر الدولة أن تضيف المزيد الي قوتها الناعمة والتي باتت تفقدها يوما بعد آخر.
في تلك الأجواء وأثناء قيادة الأستاذ إبراهيم نافع لمؤسسة الأهرام..أصدرت الأهرام طبعتها العربية وتتم طباعتها وتوزيعها في عواصم الدول العربية..وأحرص كلما سنحت لي الظروف بزيارة إحدي العواصم العربية علي قراءة طبعة الأهرام العربية..ومعها صحيفتا الحياة والشرق الأوسط..للمعرفة وللمقارنة أيضا.
عندما تقرأ طبعة الأهرام العربية فسوف تتأسي لسوء الحالة التحريرية والفنية لهذا الإصدار الذي يحمل اسم الأهرام..وسوف تظن أن القائمين عليه لا يعنيهم صدور صحيفة عريقة مثل الأهرام في طبعة عربية..تنافس بها صحيفتين عربيتين دوليتين واسعتي الانتشار هما الحياة والشرق الأوسط.. وبعد إطلالة علي طبعة الأهرام العربية ستتأكد أنه إصدار سد خانة..فالمحتويات التحريرية للطبعة العربية تم تجميعها علي عجل..صفحة من الشرق وأخري من الغرب..دون رابط أو تبويب يجمع تلك الصفحات..فأنت أمام صحيفة غير مبوبة وتفتقد الهوية والشخصية..ويعرف صناع الصحف معني كلمة هوية الصحيفة والتي تبرز من خلال شكلها وإخراجها الصحفي..إضافة إلي التبويب وكيفية عرض المادة التحريرية في فنون صحفية جديدة.
تصدر الأهرام طبعتها العربية في 24صفحة غير ملونة..خصصت منها أربع صفحات للرأي..لملء المساحة ليس أكثر..ولأن الصحيفة اعتمدت نظرية التعبئة والحشو..فلن تندهش إذا وجدت مبالغة في عرض الصور واحتلالها مساحات كبيرة دون وجود مبررات تحريرية أو فنية.. فأصغر صورة تبلغ مساحتها أربعة أعمدة (تتكون الصفحة عادة من ثمانية أعمدة)..ومساحة الكاريكاتير ستة أعمدة ونصف المامود..وليس للإعلان وجود في الطبعة العربية..وهو اتهام يوجه إلي إدارة التحرير قبل إدارة إعلانات الأهرام..لأنها لم تقدم منتجا تحريريا جاذبا للإعلان.
وبعد أن تفرغ من قراءة طبعة الأهرام العربية..سوف تتساءل عن الأسباب التي صدر من أجلها تلك الطبعة..أخشي أن يكون الصدور بهدف منافسة صحيفتي الحياة والشرق الأوسط..لأن الأهرام بعراقتها قد خسرت في تلك المنافسة بسبب استهانتها بالمنافسة..لذا لم تضعف مكانة وتأثير الحياة والشرق الأوسط فلا مجال لمنافستهما..وعندما ننتقد طبعة الأهرام العربية..فإننا ننتصر هنا لها..ونرجو أن تكون لدي الإدارة المسئولة عن الطبعة العربية المقدرة لاستيعاب النقد وتدارك الخطأ.