بتـــــاريخ : 6/11/2010 8:33:08 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1267 0


    هندسة التأثير.. ماذا؟ ولماذا؟

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : jamal_2022 | المصدر : www.borsaat.com

    كلمات مفتاحية  :

    هندسة التأثير.. ماذا؟ ولماذا؟



    الحلقة الأولى :
    د. علي الحمادي
    ما الذي نريده من هندسة التأثير؟ ولماذا هذا الموضوع من الأهمية بمكان، ولا يمكن للعقلاء الاستغناء عنه؟
    هندسة التأثير هي أن يكون لك دور ريادي في هذه الحياة.. هي أن تكون فاعلاً في حركة الحياة وقيادة المستقبل.. هي أن تكون شيئاً نافعاً في دنيا الناس... هي أن تضيف شيئاً حديثاً إلى هذه الحياة، إذ من لم يزد شيئاً في الدنيا فهو زائد عليها.
    نريد من هندسة الحياة وصناعة التأثير أن تكون رقماً صعباً لا يُستهان به، وألا يكون حالك كحال من ذكرهم القائل حين قال:
    ويُقضى الأمر حين تغيب تيم
    ولا يُستأذنون وهم شهود
    ونريد من هندسة الحياة أن تكون قائداً فذاً تقود الآخرين وتؤثر فيهم وتكون لهم إماماً في الخير، تأسياً بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حين وصفه الله تعالى فقال:
    إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (120) (النحل)120)، واستجابة لدعاء المؤمنين الذين قال الله فيهم: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما 74 (الفرقان).
    وأخيراً... نريد من هندسة الحياة وصناعة التأثير أن تترك بصماتك في هذا الكون، وأن تخلف لك أثراً وذكراً عطراً جميلاً ينفعك في الدنيا والآخرة، إذ لكل إنسان وجود وأثر، ووجوده لا يغني عن أثره، ولكن أثره يدل على قيمة وجوده.
    دقات قلب المرء قائلة له
    إن الحياة دقائق وثواني
    فاصنع لنفسك قبل موتك ذكرها
    فالذكر للإنسان عمر ثاني
    وصدق الله تعالى إذ يقول:
    إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين 120 شاكرا لأنعمه \جتباه وهداه إلى" صراط مستقيم 121 وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين 122 (النحل). فقد وصف الله تعالى إبراهيم عليه السلام بخمس صفات في هذه الآيات، تشير إلى رفعة شأنه وعلو منزلته، أولاها: أنه كان أمة، أي يعدل أمة كاملة في صفات الخير والإحسان، كأنه جمع الفضائل والمحاسن التي تجتمع في الاسم، وثانيتها: أنه كان قانتا لله، وثالثتها: أنه كان حنيفا غير مشرك بالله، ورابعتها: أنه كان شاكرا لأنعمه أما الخامسة: فهي اصطفاؤه للنبوة والرسالة \جتباه وهداه إلى" صراط مستقيم 121 أي اختاره الله لخلته واصطفاه لنبوته وهداه إلى طريق الحق دين الإسلام. وبمقابل هذه الصفات العالية الرفيعة التي اتصف بها الخليل إبراهيم عليه أفضل الصلاة والتسليم جعل الله له المحبة في قلوب العباد، وأبقى له الذكر الحسن والمقام الرفيع في العالمين وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين 122.
    يقول أحمد شوقي:
    وآثار الرجال إذا تناهت
    إلى التاريخ خير الحاكمينا
    لماذا ندعو أنفسنا إلى هندسة الحياة وصناعة التأثير؟ وما الذي يدعونا للمطالبة بأن يكون الإنسان رقماً صعباً وقائداً فذاً رغم أن هذا المطلب له تبعاته وضريبته؟ إن الذي يدعونا لذلك هو ما يلي:
    1 استجابة لأمر الله تعالى الذي يريد من المؤمنين ألا يكونوا عالة على غيرهم، والذي يأمرهم بالعمل والاجتهاد حيث يقول تعالى:
    وقل \عملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى" عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون 105 (التوبة)، ويقول تعالى: فاستبقوا الخيرات (المائدة:48).
    وفي هذا يقول القائل:
    اعزم وكد فإن مضيت فلا تقف
    واصبر وثابر فالنجاح محقق
    ليس الموفق من تواتيه المنى
    لكن من رزق الثبات موفق
    2 لأن القائد المؤثر "إن كان مخلصاً لله تعالى" أعظم درجة وأجل منزلة عند الله تعالى من الذي اكتفى بنفسه واشتغل بعبادته ولم يلتفت إلى غيره.
    يقول إبراهيم بن سعيد الجوهري: قلت لأبي أسامة: أيهما أفضل: الفضيل بن عياض أم أبوإسحاق الفزاري؟ فقال: كان فضيل رجل نفسه، وكان أبوإسحاق رجل عامة.
    وسئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقيل له: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ قال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع، فإنما هو للمسلمين وهذا أفضل.
    ويقول الإمام شمس الدين الذهبي: فالقادة الأعلام.. يوم من أيام أحدهم أكبر من عمر آحاد من الناس.
    وصدق المتنبي حينما قال:
    وكيف لا يُحسد امرؤٌ علم
    له على كل هامة قدم
    3 لعمارة الدنيا بما هو خير لها، وذلك بقيادة الإصلاح فيها وليس بالانغماس في ملذاتها وشهواتها.
    وفي هذا يقول الله تعالى موجهاً نبيه داود عليه السلام:
    يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى" فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب 26 (ص).
    وصدق سيد قطب رحمه الله حينما قال: "فبهولاء القادة تجري سنة الله في تحقيق منهج الله لتنفض ركام الجاهلية عن الفطرة، فهم قدر الله لإعلاء كلمته وتسلم منهجه الزمام".
    4 لتحقيق الذات، وهو من طبائع الفطر لدى البشر، فكل إنسان يود أن يكون شيئاً له قيمته ووزنه بين الناس، فإذا كان ذلك وفق ما يحب الله ويرضاه ووفق ما ينفع البشر ويحقق لهم خيري الدنيا والآخرة فيكون الإنسان قد حقق ذاته، وأرضى ربه ونفع أمته.



    الحلقة الثانية :
    واقع لابد أن يتغير
    د. علي الحمادي
    لقد منَّ الله على أمتنا "أمة الإسلام" بأن جعلها خير أمة أخرجت للناس، حيث قال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله (آل عمران).
    فهي الأمة التي عجز التاريخ عن تسطير أمجادها، وهي الأمة التي رعاها ربُّها وتكفل بها خالقها، فسادت الدنيا، وصنعت البطولات، وهندست الحياة، وقادت البشرية، وحفرت بصماتها المباركة في مشارق الأرض ومغاربها، وعبرت القارات والقرون، ودانت لها رقاب الجبابرة، وارتجف لعظمتها القياصرة والأكاسرة، وصدق فيها قول القائل:
    ملكنا هذه الدنيا قرونا
    وسطرنا صحائف من ضياء
    ولكن الحال لم يستمر كما كان في زمن أسلافنا، بل تبدَّل، فأصبحنا تبعاً لغيرنا، وأصبح ولاء كثير من أبناء جلدتنا لأعدائنا، وأصبح دمنا أرخص الدماء، وأصبحنا الأيتام على مأدبة اللئام، بل أصبحنا ألعوبة بيد الشرق والغرب، إذ سفكت دماؤنا، ودُنِّست مقدساتنا، وهُتكت أعراضنا، ونُهبت ثرواتنا، ويُتِّم أبناؤنا، وثُكلت نساؤنا، واحتلت ديارنا، فلم يعد لنا أثر أو تأثير، ولا واقع مشرف كريم.
    انظر إلى واقع الدول العربية والإسلامية، وتأمل التقارير والإحصاءات التي تنشرها المنظمات والهيئات العربية والإسلامية والدولية لتتعرف على عمق المأساة التي تعانيها أمتنا.
    هل تعلم أن نصف سكان العالم العربي ممن تجاوزت أعمارهم (15) عاماً أميون "حسب تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية لعام 2002م"، وأن هناك 70 مليون مواطن عربي أمي، ثلثاهم من الأطفال والنساء "حسب تقرير منظمة اليونيسيف"؟!.
    هل تعلم أن ما تنفقه دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل" على البحوث التطبيقية يعادل (20) ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث التطبيقية؟!!.
    هل تعلم أن حصة الدول العربية مجتمعة من المقالات المنشورة في الصحف العالمية لا تتعدى (1%) في حين أن حصة ألمانيا وحدها من هذه المقالات تزيد على (7%)؟!.
    هل تعلم أن عدد براءات الاختراع التي سُجلت في سنة (2001) في الدول العربية مجتمعة لا يكاد يتجاوز (70) براءة اختراع، في حين أن عدد براءات الاختراع في نفس السنة للكيان الصهيوني (1031) براءة اختراع، وفي اليابان (35) ألفاً، وفي أمريكا (99) ألفاً، وفي ألمانيا (12) ألف براءة اختراع، وفي تايوان (6500).؟!!
    هل تعلم أن إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا فقط أكبر من إجمالي الناتج القومي لجميع الدول العربية "حسب تقارير 2001م"؟!.
    هل تعلم أن مبيعات شركة "جنرال موتورز" أكبر من الناتج المحلي لإندونيسيا "لسنة 2001م" والتي يبلغ تعداد سكانها "220" مليوناً؟!!.
    هل تعلم أن مبيعات شركة "سوني" أكبر من الناتج المحلي لمصر "لسنة 2001م" والتي يبلغ تعداد سكانها (70) مليوناً؟!.
    هل تعلم أن مبيعات شركة (
    IBM) (لسنة 2001م) تكاد تقارب الناتج المحلي لماليزيا؟!.
    هل تعلم أن مؤشر الشفافية "الذي كلما ارتفع لما دلَّ على أن الفساد قليل"، لأحسن دولة إسلامية "ماليزيا" لا يتجاوز (5) من (10)، في حين أن كثيراً من الدول الإسلامية لا يتجاوز هذا المؤشر فيها (2) من (10)، حسب تقرير المنظمة الدولية للشفافية، التي مقرها ألمانيا، وهذا يدل على أن كثيراً من الدول العربية والإسلامية تسبح في محيطات مظلمة من الفساد، فيا للعجب!!.
    هل تعلم أن إجمالي الناتج العالمي سيزداد (300) مليار دولار تقريباً عندما يتم تطبيق اتفاقية التجارة العالمية، وبعد إزالة جميع الحواجز التي تقف أمام هذه الاتفاقية، وستكون هذه الزيادة موزعة "كما ذكرت إحدى الدراسات" كالتالي: نصيب الصين (61) مليار دولار، ونصيب الولايات المتحدة الأمريكية (36) مليار دولار، في حين أن نصيب جميع الدول النامية "وهي 120 دولة" والتي تنتمي إليها الدول العربية والإسلامية هو (17) مليار دولار فقط!.
    إنني بذكر هذه المعلومات أريد أن أشعل الحماس في نفوس أبناء هذه الأمة المباركة، هذه الأمة التي ستبقى بإذن الله نابضة بالحياة، محدِّقة ببصرها إلى السماء، منتظرة اللحظة التي تحطم فيها أغلالها، وهي آتية، بإذن الله، لا محالة.
    إنني أذكر هذه المعلومات لأستنهض هذه الأمة من جديد، وكم تعجبت من قصة عجوز من بني إسرائيل، أبت إلا أن تكون مع نبي الله موسى عليه السلام في الجنة، في موقف منهض للهمة، مشعل للحماس، فما أروع هذه النماذج، وما أحوج الأمة إلى أمثالها.
    فعن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبيُّ { أعرابياً، فأكرمه فقال له: "ائتنا"، فأتاه، فقال رسول الله {: "سل حاجتك"، فقال: ناقة نركبها، وأعنزاً يحلبها أهلي.
    فقال رسول الله {: "عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل"؟ قالوا: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟
    قال: "إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلُّوا الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لما حضره الموت، أخذ علينا موثقاً من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا. قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فأتته، فقال: دليني على قبر يوسف، قالت: حتى تعطيني حكمي، قال: ما حكمك؟ قالت: أكون معك في الجنة.
    فكره موسى أن يعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، فانطلقت بهم إلى موضع مستنقع ماء، فقالت: أنضبوا هذا الماء، فأنضبوا، قالت: احتفروا واستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلوها إلى الأرض، إذا الطريق مثل ضوء النهار". (حديث حسن رواه أبويعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم).
    شتان بين همة وطموح وسمو هذه المرأة رغم كبر سنها، وبين همة وطموح ذلك الأعرابي الذي شهد سباقاً للخيول، فسبق فرس، فطفق يكبر ويثب من الفرح، فقال له من بجانبه، أهذا فرسك؟ قال الأعرابي: لا، ولكن اللجام لي!!.
    إن هذه المستويات المتواضعة لا يمكن أن تبني أمة، أو تصنع حضارة، أو تحدث تأثيراً، وصدق صالح بن عبدالقدوس حينما قال:
    إذا أنت لا تُرجى لدفع مُلمَّة
    ولا أنت ذو جاه يُعاش بجاهه
    فعيشك في الدنيا وموتك واحد
    لقد تأملت كثيراً في واقع هذه الأمة، وآلمني ما آل إليه أمرها، كما تأملت في كتاب الله وفي سنة رسوله وفي تاريخ المسلمين فأيقنت أن ثمة خللاً أودى بهذه الأمة، وأن أمتنا أمة قوية بقوة الله ثم بقوة المنهج الرباني وما فيه من حق وصلاح، وأن نهوضها من جديد أمر ممكن بإذن الله تعالى، ولكن السؤال: كيف؟ هذا ما سوف نتعرف عليه في المقالات القادمة.


    الحلقة الثالثة :
    مهندسو التأثير والنقاط السبع
    من الذي يمكنه قيادة الآخرين والتأثير فيهم وصناعة الحياة وإحداث طفرات نوعية في واقع الناس؟ سؤال مهم يحتاج إلى تأمل ودراسة وتفكير. تُرى هل هم أصحاب الشهادات العُليا؟ أم هم أصحاب المناصب والجاه والمستويات الاجتماعية الرفيعة؟ أم هم ذوو المال ورجال الأعمال؟ أو ربما هم أصحاب الأجسام القوية والوجوه الوسيمة الجميلة؟ أم أنهم أولئك الذين صقلتهم الأيام وحنكتهم التجارب؟ أم الأذكياء والعباقرة الأفذاذ؟ أم غيرهم؟
    قبل الإجابة عن هذا السؤال نود الإشارة إلى أنه ما من إنسان إلا ويتمنى أن يكون شيئاً مهماً في هذه الحياة، ولو أنك جئت إلى صعلوك لا قيمة له وقلت له: يا صعلوك أو يا تافه، لسبّك وشتمك.
    ولو ناديت جاهلاً قابعاً في ظلمات الجهل وقلت له: يا جاهل، لربما صفعك على وجهك صفعة أطارت الشرر من عينيك، ذلك لأن أمنية كل إنسان أن يكون له وزن في دنيا الناس، وأن يُعدَّ رقماً صعباً لا صفراً لا قيمة له.
    إن الإجابة عن السؤال سالف الذكر تحتاج منا إلى تبيان وتوضيح، ويمكن أن يكون ذلك في النقاط السبع التالية:
    زكاة النِّعم
    يقول الله تعالى مبيناً نعمه التي لا تعد ولا تحصى:
    وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار (34) (إبراهيم).
    إن الله قد يهب بعض الناس نعمة أو نعماً كثيرة مثل: وجاهة، مؤهل أكاديمي، منصب، مال، ذكاء، وسامة، قوة جسدية، أو غير ذلك، وكلما زادت هذه النعم كان لزاماً على الإنسان أن يؤدي حقها، وحقها بإنفاقها لا بحبسها، أي: باستخدامها لما فيه النفع للآخرين.
    كنوز كامنة
    كل نعمة من النعم سالفة الذكر قد يكون لها تأثير إيجابي كبير في تمكين صاحبها وزيادة تأثيره في الحياة، لذا يحسن بالعاقل استثمارها، وإلا فهي كنوز كامنة معطلة ينظر إليها صاحبها ولا يتذوق حلاوتها.
    وفي هذا يقول الله تعالى:
    فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون 114(النحل).
    دافع ذاتي
    كثير من الناس لا يمتلكون الدافعية الذاتية التي يمكنهم بها تفجير طاقاتهم وتسخير إمكاناتهم لتحقيق واقع مشرِّف لهم ولأمتهم، وفي هذا يقول شوقي:
    شباب خنَّع لا خير فيهم
    ويقول حافظ إبراهيم:
    لعل في أمة الإسلام نابتة
    حتى ترى بعض ما شادت أوائلها
    ويقول الرسول {: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن علمه فيما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟" (رواه مسلم عن أبي برزة الأسلمي).

    النجاح الحقيقي
    إن النجاح الحقيقي الذي يحق لصاحبه الافتخار به هو ذلك النجاح الذي صنعه هو ببذله وجهده وطول عنائه بعد توفيق الله له، أما الذي يفخر بأمجاد آبائه وأجداده التي ولَّت وهو لا يصنع شيئاً ولا يستكمل هذه الأمجاد أو يضيف إليها ما يحفظها ويرفعها، فهذا مسكين يستحق الرثاء والشفقة، وصدق ابن هانئ الأندلسي حينما قال:
    ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه
    وبالهمة العلياء يرقى إلى العلا
    ولم يتأخر من يريد تقدما
    VIP
    إن من عدالة الله عز وجل في خلقه أنه لم يجعل الغلبة والقيادة والتأثير وصناعة الحياة حكراً على فئة (
    VIP) (أو الناس المهمين جداًٍ)، وإنما رفع أناساً لم يكن لهم ذكر، وأعز أقواماً لم يكونوا سادة القوم، وقدَّم نفراً من الناس كانوا في المؤخرة، وأخرج من بين الضعفاء أئمة وقادة، إذ الضعيف لا يظل ضعيفاً طوال حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين، وصدق الله تعالى إذ يقول: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (5) ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون (6) (القصص).
    عقدة النقص
    إن أسوأ ما يُبتلى به المرء أن يصاب بعقدة النقص، فيشعر أنه غير مؤهل للتأثير وصناعة الحياة، وأنه ناقص، ولا يمكن له استكمال نقصه وسد ثغراته، فيشعر بالدون، ويتبادر إلى ذهنه دائماً أن غيره أكمل منه وأقدر على قيادة الحياة، ولذا تراه منطوياً على نفسه، منكسراً في ذاته، مُكبلاً بأوهامه، عاجزاً عن فعل أي شيء حتى لو كان بإمكانه فعله.
    ولم أر في عيوب الناس عيباً
    يقول "كونفوشيوس": إن ما يثير قلقي هو ألا أتحسن في مجالات تفوقي، وألا أستفيد من كل ما درسته، وأن أعرف ما الشيء الملائم والصحيح ولا أستطيع أن أتغيّر لأحقِّقه، وأن أكون غير قادر على معالجة مواطن إخفاقي وعجزي.
    تلك كلمة جميلة سطرها الحكيم الصيني "كونفوشيوس"، تحمل في طياتها معاني كثيرة، وتنم عن حرص على تغيير الواقع ومعالجة ثغراته، رغبة في صناعة التأثير وإحداث شيء نافع في واقع الناس.
    الصدر أو القبر
    إن صناعة التأثير إنما تنبع من ذات الإنسان مهما كانت مؤهلاته الأكاديمية أو قدراته العقلية أو منصبه الوظيفي أو مستواه الاجتماعي أو خبرته الحياتية أو جنسه أو سنِّه أو إمكاناته المادية أو غير ذلك.
    إن أمثال هؤلاء النفر لا يقر لهم قرار ولا تهنأ لهم حياة حتى يجدوا أنفسهم في المقدمة، ويروا تأثيرهم قد بلغ الآفاق، وعمّ نفعهم هنا وهناك، بل ونُقشت بصماتهم في واقع الناس، ولسان حالهم يقول:
    ونحن أناس لا توسط عندنا
    تهون علينا في المعالي نفوسنا
    بعد النقاط السبع سالفة الذكر، يتبين لنا أن إحداث التأثير، وصناعة الحياة، والنهوض بالأمم والمجتمعات يمكن بعد توفيق الله تعالى أن يساهم فيه، بل ويتصدره كل إنسان احترم قدراته واعتنى بنفسه وارتفعت همته وعلت طموحاته، مهما كانت نواقصه وكَثُرت ثغراته، فالأمر فيه سعة، ولا يحق لنا تضييقه أو تحجيمه

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()