ينبغى أن يلتزم مجلس الوزراء بالملاحظة الحكيمة، التى أبداها رئيس مجلس الدولة المستشار محمد الحسينى، عندما أعلن تأييد المحكمة الإدارية العليا الحكم الصادر عن القضاء الإدارى بإسقاط الجنسية عن المصريين المتزوجين من إسرائيليات، فقد أوضح أن المركز القانونى للمتزوجين من بنات عرب ١٩٤٨ حاملات الجنسية الإسرائيلية يختلف عن المتزوجين من إسرائيليات يهوديات،
ولذلك طلب بحث كل حالة على حدة، وهذا التمييز حكيم لأن بنات عرب ١٩٤٨هن جزء من أمتنا، وكان آباؤهم هم الذين صمدوا فى أرضهم حين اغتصبها الغزاة الصهاينة وأقاموا عليها كياناً شبه نازى.
وبسبب صمودهم هذا، بقيت قضية فلسطين حية عندما ضم الأردن الضفة الغربية ووُضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية، كما أن الكثير منهم ناضلوا، ويناضلون، ضد مجرمى الحرب الإسرائيليين، فهل يتصور أحد، إذن، أن زواج مصرى من كريمة رجل من نوع الشيخ رائد صلاح يستوجب عقاباً.. وكم مصرى- وعربى عموما- يرقى موقفه تجاه العدوانية الصهيونية إلى موقف السيدة حنين زعبى التى اعتدى عليها نواب إسرائيليون فى الكنيست قبل أيام ، ويبحث المستشار القضائى لدولة الاحتلال الآن إسقاط جنسية إسرائيل عنها؟
صحيح أن المصريين المدعى عليهم فى هذه القضية هم كلهم أزواج لإسرائيليات من حيث الجنسية، ولكن إسقاط الجنسية المصرية يجب أن يقتصر على المتزوجين من يهوديات، لأنهن جزء من استعمارية الكيان الإسرائيلى وعنصريته، فقد تركن بلادهن إلى أرض مغتصبة أو ولدن فيها لأباء شاركوا فى اغتصابها، ولذلك كان ضرورياً إسقاط الجنسية عمن يتزوج منهن فور حدوث هذا الزواج وإثباته.
غير أن اختلاف وضع بنات عرب ١٩٤٨ لا يعنى تبرئة المصريين المتزوجين منهن، فقد ذهبوا إلى دولة الاحتلال وعاشوا فيها، وهذه جريمة سياسية نكراء تمثل أعلى مراحل التطبيع المرذول، فهم مدانون سياسياً وينبغى نبذهم ومقاطعتهم من جانب كل من يدرك معنى الجريمة التى ارتكبوها وفداحتها، فالزواج من بنات أمتنا فى فلسطين ١٩٤٨ لا غبار عليه إذا حدث هنا، وليس تحت الاحتلال الصهيونى.
صحيح أن بين هؤلاء من دفعهم تردى الأوضاع فى مصر إلى البحث عن عمل فى أى مكان، ولكن إسرائيل ليست مكاناً مشروعاً للعمل فيه، والذاهب إليها بحثاً عن رزق يرتكب جريمة بشعة سواء تزوج هناك أو لم يتزوج، وهذه جريمة لا يعفى من الإدانة فيها سوء حال من ارتكبوها، وإلا أجزنا السرقة والقتل لسد الحاجة،
ولذلك فالمصريون الذين ذهبوا للإقامة فى إسرائيل ساقطون سياسياً جميعهم لا فرق بين من تزوجوا من إسرائيليات أو من بنات عرب ١٩٤٨ أو لم يتزوجوا.. كلهم مدانون، ومعهم وربما قبلهم، من أساءوا إدارة البلاد وأغلقوا أبواب الأمل أمام الشباب ولم يتركوا لهم إلا الضياع، وإذا كان بينهم من يخاطرون بحياتهم ويعَّرضون أنفسهم للغرق من أجل الهجرة إلى أوروبا، فلابد أن يكون هناك من يدفعه الضياع إلى البحث عن عمل لدى أعداء الأمة.