النقيب حمدى خليفة رجل طيب، وهذه أهم سماته التى تميزه وهو يقود نقابة فى حجم نقابة المحامين، يتمتع بأخلاق رفيعة تميز لهجة حديثه وهو الذى يدفعنا لإدارة هذا الحوار معه على الملأ نرصد من خلاله حجم الأعمال التى تم إنجازها منذ انتخابه فى دراسة نقدية موضوعية تبرز المزايا والسلبيات، لأن الحوار الداخلى معه لا ينتهى إلى نتائج تسمح بدفع العمل إلى مستويات متقدمة إذ يؤثر بأخلاقه ونواياه الطيبة على مجريات الحوار، غير أن النوايا الطيبة وحدها لا تكفى لتسيير دفة العمل فى نقابة المحامين.
النقيب خليفة تحكم أسلوب عمله فكرة «الخدمة» النقابية لأعضاء الجمعية العمومية، فاختزل العمل النقابى بمفرداته السياسية والقومية والعروبية والعمل الوطنى وشؤون الأمة والعناية بالمحامين فى بند وحيد هو تقديم الخدمات، واختزل الخدمات فى تخصيص أراض بموافقات وزارية لإنشاء مدن سكنية للمحامين!!
فتحولت نقابة المحامين صاحبة التاريخ الناصع إلى جمعية تعاونية للإسكان فشلت فى توفيق أوضاعها أو تحقيق الهدف الذى قامت من أجله تلك الجمعية وهو توفير مسكن لكل محام!! لابد أن نتفق على أن مهام أى نقابة ينتخب مجلسها فى إطار ديمقراطية العمل النقابى تتجه أولا وبالضرورة إلى تقديم الخدمات النقابية من علاج ومعاش والإعانات الاجتماعية وتوفير المعلومة المهنية المناسبة فهذا الواجب أساسى لا بدعة فيه،
لكن ليس مطلوبا أن يؤدى الاهتمام بهذا الواجب النقابى إلى خنق الواجبات الأخرى التى تميز نقابة المحامين عن غيرها فى ضرورة الاشتباك مع قضايا الوطن والأمة، ولا يجب أن يكون أحدهما بديلا للآخر، فكلاهما رافد مهم من روافد العمل النقابى الصحيح. يجدر بالنقيب خليفة أن يراجع فلسفته فى هذا الشأن.
من المؤكد أن كل المحاولات التى يبذلها قريبون من الحزب الحاكم فى مصر - استطاعوا دخول مجلس نقابة التاريخ والمجد والقانون والسياسة - من أجل السيطرة على تلك النقابة العتيدة ستذهب أدراج الرياح لأنها بحسب الأصل عصية على السلطة والسلاطين،
ولأن نجاحهم فى الانتخابات الماضية لم يتم على أسس حزبية وإنما لانتمائهم لقائمة قومية تحت جناح سامح عاشور صاحب القائمة ومبتكر فكرتها من عام ٢٠٠١، ثم هم أولاء خانوا التعهدات التى قدموها للمحامين ولراعى القائمة القومية، ومن نافلة القول التذكير بتأكيدات النقيب خليفة نفسه عن عدم وجود أى ارتباطات بينه وبين الحزب الوطنى!!
وهنا يلزم إعادة توجيه تساؤلات لسنا فى حاجة لأجوبة بشأنها لأنها تصب فى خانة الشكوك والهواجس التى أحاطت بطبيعة عمل «لوبى الحزب الوطنى» داخل مجلس نقابة المحامين: ما الذى ألجأكم لتحطيم وتخريب قاعة الحريات التى لم تكن فى حاجة لما حدث، خصوصا مع كونها الرئة الوحيدة التى يتنفس من خلالها المحامون على منبرها؟ ولماذا حاصرتم لجنة الحريات فى الوقت الذى رصدتم فيه ميزانيات ومساحة عمل للجنة وهمية يقودها من هو محل طعن تأديبى بشكل مسرحى عبثى؟
النقيب خليفة دشن حملته الانتخابية على أمرين رئيسين، أولهما مكافحة الفساد وتطهير النقابة ولم يزل يردد هذا الشعار، وثانيهما عزمه سَنّ مشروع قانون للمحاماة يعالج كل الثغرات التى أحاطت به.
غير أنى فوجئت بتجاوز سيادته كل التجاوزات التى أوردها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات فى تصرفات نقابة القاهرة الفرعية، فقد أورد التقرير ما يزكم الأنوف والعبث بالمال العام، ولست أدرى سبب تجاهل خليفة هذا التقرير وتجميده فى درج مكتبه بينما كان قد سارع بتقديم تقرير مماثل عن النقابة العامة فى فترات سابقة إلى النائب العام، أنا شخصيا لا أشك أبدا فى نزاهة النقيب خليفة أو فى سلامة تصرفاته الشخصية، لكن القول بوجود عجز فى ميزانية النقابة العامة يصل إلى ١٤ مليون جنيه فهذا نذير خطر مستطير لو صحت هذه الأرقام، ويكشف عن خلل جسيم فى طريقة الصرف.
أما وعده بسَنّ مشروع جديد لقانون المحاماة بالتوافق مع جموع المحامين يتوجه به للبرلمان المصرى لإقراره فقد ثبت عدوله عنه عمليا بتبنيه المشروع الذى خسر الجولة الأولى فى محاولة تمريره، ولست أدرى سبب إصرار النقيب خليفة على تبنى المشروع الفاشل المشبوه رغم أنه يختلف تماماً عما قدمه هو وقدمه معه آخرون!! لقد وضح جليا أن المشروع كما تم إقراره فى اللجنة التشريعية فى البرلمان يختلف تماما عما قدمه سيادته والأعجب أن يصر خليفة على أنه أشرك الجمعية العمومية عبر رسائل SMS،
فقد فوجئ الجميع بنصوص مبتسرة تمحورت حول أربع مواد فقط نشرت ببعض الصحف تمثل خطرا على المهنة وعلى النقابة وتاريخها ومستقبلها، فالقانون تعرض للتعديل قبل عام فقط ومن ثم لم تبد ضرورة لتعديله مرة أخرى بطريقة جزئية.
فعرض المشروع بهذه السرعة يعنى مواجهة أمرين محدقين: أولهما حماية المجلس الحالى من محاولات سحب الثقة، حيث تنادى عدد من النشطاء لجمع توقيعات بطلب عقد جمعية عمومية طارئة تنظر فى سحب الثقة من المجلس نقيبا وأعضاء،
فالمطلوب هو تعجيز المحامين ورفع نصاب العدد المطلوب لصحة انعقاد الجمعية الطارئة ليصبح ٣٠٠٠ بدلا من ٥٠٠، والثانى هو مواجهة احتمال حل المجلس وبطلان انتخابه وهو المحتمل فى أحد الطعون المطروحة على قضاء مجلس الدولة،
وبالتالى الحزب الوطنى يمهد لإمكانية خوض أحد قياداته البارزة لشغل موقع نقيب المحامين فى أى انتخابات مقبلة، وهو الذى يفسر النص الوارد فى المشروع بتعديل نص المادة التى تحدد شروط انتخاب نقيب المحامين وقصرها على أن يكون مقيدا بالنقض عشرين عاما وإسقاط شرطى أن يكون من أصحاب المكاتب، وعشرين سنة متصلة، وبالتالى يجوز ترشيح من لم يمارس المهنة ٢٠ عاما متصلة، بالجملة هذا المشروع يكرس سلطة الحزب الوطنى على نقابة المحامين.