لم تكن معركة مشروع قانون المحاماة خلال الأيام الماضية، التى انقشع غبارها بتدخل الدكتور فتحى سرور على الخط للمرة الثانية ليحول دون تمرير هذا المشروع بعد تصاعد الاحتجاجات فى أوساط المحامين الرافضة لفكرة تمرير مشروع تعديل لقانون ينظم مهنتهم وشؤون نقابتهم دون علمهم، ومن غير أن تراعى مصالحهم- لم تكن هى أول أزمة تعرض للعلاقة بين مجلس نقابة المحامين ودوائر مسؤولة داخل الجمعية العمومية، لكنها الأبرز فى اهتمامات نشطاء المحامين، وهم يرون اجتراء بعض زملائهم المنتخبين على مستقبل الصرح الكبير وموروثاته عبر التاريخ.
تلك هى الفكرة الرئيسة التى ينبغى أن ندندن حولها قبل الولوج لأى نقاط اتفاق أو اختلاف مع مضمون المشروع، ليس هروبا من الحديث حول نصوصه وغاياته وإنما لإعادة الأمر إلى أصله، وهو حق جمهور المحامين فى فحص وصياغة أى مشروع يعنى بهم أو يهدد ممارستهم لمهنتهم أو حقوقهم النقابية بالخطر.
ومن المؤكد أنه ينبغى أن يحسب لمعارضى المجلس الحالى صمتهم طيلة عام مضى، آثروا خلاله منحه فرصة العمل وطرح رؤى نقابية تم التوافق عليها من خلال برامج انتخابية أثناء الانتخابات الأخيرة، رغم كل المؤشرات التى كانت ترسم صورة سلبية لأداء المجلس المنتخب منذ الأيام الأولى لانتخابه.
ولعل من نافلة القول التذكير بأن داخل المجلس عناصر صالحة للعمل النقابى والوطنى حال اختلال عجلة التوازن داخل تشكيلات المجلس دون تمكينها من تفجير طاقاتها بشكل مناسب أو الإسهام فى أنشطة وفعاليات العمل النقابى بصورة سليمة وصحيحة، وهناك عناصر تحاول -رغم كل اللغط الحاصل والفوضى التى تحيط بآداء المجلس -أن تعمل وتبدع، وربما يضيع صنيعها مع غبار الأزمات والتخبط.
لست من خصوم النقيب حمدى خليفة، بل يعلم القاصى والدانى أننى كنت أحد أبرز مؤيديه فى الانتخابات الأخيرة، ورغم ذلك كنت أول من دق ناقوس الخطر سريعا قبل ستة أشهر مضت رأيت بعدها أن أعود إلى صفوف الصامتين تحت تبريرات بعض الأصدقاء بضرورة منح الرجل فرصته كاملة.
يبقى النقيب «خليفة» أسير تربص النقيب السابق سامح عاشور به فى كل شاردة وواردة.. يرجع إليه سبب أى احتجاج وكل تحرك ضده وهو شعور غير صحيح ربما يضر بخليفة دون أن يحقق له أى مكاسب، وعاشور نفسه على مدى دورتين كاملتين تعرض لما لم يتعرض له غيره من هجوم ونقد عنيفين.
يبقى أن أؤكد تقديرى الشخصى للصديق خليفة وأمنياتى له بحسن إدارة الأزمات المتلاحقة التى تحيط بمهامه منذ انتخابه، وأن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، خاصة مع إدراكى وكثيرين حسن نوايا صديقنا خليفة، ورغبته فى تقديم عمل خدمى يحقق المصلحة لعموم المحامين، ولكن النوايا الحسنة وحدها لا تحقق المأمول أو تشفع لتمرير مشروعات نقابية أو السكوت عن انهيارات داخل نقابة الحريات والعمل القومى.
أول ما يجدر الإشارة له فى حوارى النزيه مع نقيبنا خليفة ضرورة الانتباه لدور نقابة المحامين فى خلفية العمل النقابى والقومى والعروبى والسياسى لها فى ضوء موروثها التاريخى كمحطة أمل لكل الحالمين بمناخ سياسى معتدل ليس فى مصر فحسب، بل فى العالم العربى كله الذى ينظر لهذه النقابة نظرة أمل واحترام وتقدير لسابق مجدها وقيمتها فى العمل الوطنى وبحسبانها منبر مَنْ لا منبر له.
النقيب خليفة يتصور أن بعض المزايا الخدمية التى ينجح فى تقديمها للمحامين فى أزماتهم الاقتصادية يمكن أن تساعده فى غض الطرف عن العمل الوطنى والقومى بل السياسى داخل نقابة السياسة والقومية والعروبية، ففشل فى إنجاز تقدم يذكر فى رصيد العمل الخدمى، وقعدت النقابة أيضا عن دورها الوطنى طبعا دون أن يذكرنا سيادته بتبنيه قضية مروة الشربينى أو الشاب المصرى الذى قتل فى لبنان، فالعمل القومى أشمل من هذا بكثير وأوسع نطاقا، رغم أنه يمكننا مناقشة الأداء فى القضيتين السالفتين على نحو ينال من قيمة ومضمون ما بذل لأنه كان أداء قاصرا من نواح عدة.
النقيب «خليفة» يريد عملاً قومياً ووطنياً لا يتعارض مع أجندة النظام أو الحزب الوطنى الذى طالما قال لنا قبل انتخابه إنه لم يكن عضوا نشطا فيه منذ تحرير استمارة العضوية قديما، ولا يرتبط بأى علاقات مع قادته ورموزه قبل أن يوجه الشكر علنا لأمين تنظيم الحزب الوطنى على ما يقدمه من خدمات للحزب!!
النقيب «خليفة» إذاً لا يريد عملا قوميا يضايق الحزب الوطنى أو يتعارض مع سياساته وأهدافه وأجندته!! يريد عملاً قومياً باهتاً لا لون له ولا طعم ولا رائحة، يريد نشاطاً على نوعية النشاط المدرسى أو الطلابى أو الترفيهى بالجملة دون منغصات أو مشكلات أو حساسيات مع أهل الحكم وهو شىء آخر يختلف عن مضمون ما تواتر عليه العمل الوطنى داخلها.