لقد تجاوزنا الألفيتين، ولم نعد نُعد من الجيل الصغير من الآن فصاعدا. وهناك جيل آخر من الأحداث الصغار يستحق أن نعطيه بعض الأهمية، خاصة أننا لا نعلم الكثير عنه، لكن الشيء المؤكد أن ما يقوم به هذا الجيل وما يتوقعه من العالم قد تغير بسرعة.
«كل ذلك بسبب التقنية التي هي ببساطة جزء من حمضهم النووي، التي تشكل كل الأشياء التي حولهم»، كما يقول دايف فيرهاغين المتخصص في نفسية الأطفال والمراهقين في مدينة شارلوت الأميركية.
وبالنسبة لعلماء النفس والاجتماع، وخبراء وسائط الإعلام الذين يقومون بدراسة أفراد الجيل الشاب، فإن أجهزتهم ومعداتهم الرقمية هي التي تميزهم كمجموعة جديدة، عن المتقدمين أكثر في العمر، حتى ولو كان هؤلاء من هواة التقنيات أيضا. وقد تبدو هذه الفروق طفيفة، لكنها تشير إلى بروز جيل جديد فعلا.
ويقول المؤرخ نيل هوي الذي شارك في تأليف عدة كتب عن الأجيال البشرية في حديث لصحيفة «يو إس إيه توداي»، إن الجيل الحالي شرع يصل إلى سن البلوغ، «لكن يبدو أن هناك جيلا آخر يهيئ نفسه لكي يكون مختلفا عنه».
جيل المعلوماتية
وتسمع كاثرين مونتغومري أستاذة الاتصالات في الجامعة الأميركية في واشنطن العاصمة، ومؤلفة كتاب «الجيل الرقمي» قصصا مماثلة من طلابها «الذين يبلغونني أن أشقاءهم الصغار لهم علاقة مختلفة مع هذه التقنيات».
والفرق هنا، كما تقول، أن هؤلاء الصغار لا يتذكرون أي وقت من الأوقات من دون أن يكونوا على اتصال دائم بالعالم الذي توفره مثل هذه التقنيات. فهم يكبرون ويترعرعون مع التوقعات التي تقول بأن تكون حاضرا وموجودا دائما بصورة اجتماعية ما. والفرق بين جيل الألفية والجيل الصغير هذا هو من الوضوح، بالنسبة لعالم النفسي لاري روسين من جامعة كاليفورنيا، بحيث أعلن ولادة الجيل الجديد في كتاب جديد سماه «المتصل ثانية، أو مرة أخرى» الذي يتفهم فيه «جيل المعلوماتية»، والأسلوب الذي يتعلمون بموجبه.
ويضيف أن الخبرة الحياتية التي تهيمن عليها التقنيات بالنسبة لأولئك الذين ولدوا منذ أوائل التسعينات مختلفة تماما عن الألفية (الثانية) التي كتب عنها في كتابه الصادر عام 2007 التي وصفها بـ«جيل المعلوماتية».
«والتقنية تعني نوعا من اتجاه العقل والفكر»، والتي تعني أيضا: «أنا الفرد المستقل»، كما يقول. «فكل الأمور قد فصلت حسب رغباتي وأذواقي الفردية.. من الاختيارات الموسيقية والتلفزيونية إلى غيرها».
ويضيف أن جيل المعلوماتية يشمل اليوم الأحداث والمراهقين في المدارس المتوسطة، لكن من المبكر جدا اعتبار هذا الجيل يضم أيضا طلاب المدارس الابتدائية والأصغر سنا من ذلك.
ومثال على ذلك ويندي نوكس التي هي في الصف السابع في وينشستر في ولاية فيرجينيا، وهي تملك منذ أن كانت في عمر 12 سنة في السنة الماضية هاتفا جوالا تتواصل من خلاله طوال اليوم مع أصدقائها، إلى درجة أنها تضطر قبل خلودها إلى النوم إلى إرسال رسالة نصية للجميع تعلن فيها: «توقفوا عن الاتصال بي. علي الآن أن أخلد إلى النوم».
ويميز روسين 13 صفة مميزة في جيل المعلوماتية أبرزها:
- الحصول، أو التعرف المبكر، على التقنيات.
- المهارة في استخدام المهام المتعددة.
- الرغبة في الحصول أو القيام بالأمور فورا.
- القدرة على استخدام التقنية لإنتاج مجموعة واسعة متنوعة من المحتويات.
وهذه المميزات والصفات ليست غريبة على كيلي كريزيزك 15 سنة الطالبة في القسم الثانوي بولاية كونيكيتيكت.
فهي تقول إن «كثيرين من أصدقائي يضعون الفيديو على مواقع بعضهم بعضا على (فيس بوك)، مستخدمين كاميرات الشبكة (ويبكام)».
ويعتقد روسين أن جيل المعلوماتية يؤمن بأن جميع الأمور ممكنة، وبأنه لا بد أن يقوم أحدهم بابتكار ما يفكرون أو يطمحون إليه، الذي سيتمكنون من تطويعه بعد ذلك حسب احتياجاتهم ورغباتهم.
ومثل هذا الاتصال الدائم مع الأصدقاء والأقران على مدار اليوم، ليس وقفا على المراهقين فحسب، بل يتعدى ذلك أيضا إلى الأطفال في صفوف الثالث والرابع الابتدائي القادرين على استخدام الشبكة أو الهواتف الجوالة للدردشة، كما يقول فيرهاغين. وكثيرون منهم يملك خمسة أجهزة تتنوع بين الهاتف الجوال والكومبيوتر والألعاب وغيرها.
وقد وجد روسين في بحثه أن 35% من الذين تتراوح أعمارهم بين الستة أشهر وثلاث سنوات، يملكون جهازا تلفزيونيا في غرف نومهم، وأن 10% من الذين تتراوح سنهم بين الرابعة والثامنة يملكون جهاز كومبيوتر في غرف النوم، وأن 51% من الذين تتراوح عمرهم بين 9 و12 سنة يملكون هاتفا جوالا.
لا، بل هناك أطفال في سن 18 شهرا يحملون «ماوس» في أيديهم كما يؤكد فيرهاغين. «وهذا ما سيشكل فرقا كبيرا في كيفية عمل أدمغتهم مستقبلا».
ويحاول كثير من الباحثين تقرير ما إذا كانت التقنية قد تتسبب في جعل أدمغة الشباب الصغار تعمل بشكل مختلف. فاستنادا إلى بعض الأبحاث المتعلقة بالقيام بالمهام المتعددة، يميل روسين إلى تصديق مثل هذا التحول في أدمغة الشباب.
ويدرس الباحثون أيضا كيف أن الصغار قبل ذهابهم إلى المدارس يتعاملون مع الوسائط المتعددة، سواء التي أحضرت خصيصا لهم، أو تلك التي يتعرضون لها، عندما يكون الصغار بصحبة والديهم وذويهم في الغرفة ذاتها مستخدمين ألعاب الفيديو، أو جهاز التلفزيون، أو غيره.
ألعاب تفاعلية
وتقول عالمة النفس ساندرا كالفيرت مديرة مركز الوسائط الرقمية الخاص بالأطفال في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة إن كثيرا من ألعاب الكومبيوتر التفاعلي في يومنا هذا مصممة لسن السنتين وما دونها.
«وهذا تغيير كامل في كيفية نشوء الأطفال وتربيتهم. لقد كنا نبدأ معهم بالكتب، واليوم نبدأ مع الوسائط المتعددة من اليوم الأول.
والسبب ليس لأن الكتب قد اختفت، بل لأن الفيديو هو أيضا من الأمور السائدة أيضا» على حد قولها.
ويعتقد روسين أن الفترات التي تحدد الأجيال أخذت تقصر نظرا لسرعة تغير الجيل عن الذي سبقه. فقد كان هناك جيل دعي «بيبي بومرز» امتد 20 سنة بين عامي 1946 و1964.
ثم جاء جيل «إكس» الذي امتد 15 سنة، بين عامي 1965 و1980. وكان أقصر بخمس سنوات.
ثم جاء جيل الألفيتين الذي عرف بـ«واي» الذي امتد عشر سنوات حتى عامنا الحالي. كل ذلك بسبب التقنيات والصرعات المختلفة التي تطبع كل جيل بصفة معينة.
ونظرا لأن هؤلاء الصغار هم أكثر انخراطا في التقنيات منذ نعومة أظفارهم، فإنه يتوجب تغيير النظام التعليمي برمته، كما يشير روسين، لأن القوس البياني للنمو في استخدام التقنيات من قبل الأطفال هو خير دليل على ذلك، وإلا سنخاطر بأن نكون خارجين عن النهج المفروض مع هذا الجيل الجديد، على صعيد تفكيرهم وتقبلهم للتعليم.
«لذا يتوجب علينا توفير الخيارات لهم، لأنهم يريدون عالمهم الفردي الخاص»، كما يقول. «فهم يودون أن يكون كل جزء من المعلومات رهن إشارتهم حال احتياجهم إليه»، استنادا إلى فيرهاغين.
«وهم أقل اهتماما بمعرفة الحقائق، واستيعاب المعلومات، من معرفة كيفية الوصول إليها وتركيبها ودمجها في حياتهم اليومية.
ونحن نتحدث هنا عن أحداث في الصفوف الابتدائية فما فوق، وعن أطفال حتى أصغر سنا، المدركين كيفية الحصول على المعلومة.
وبذلك تتطور أدمغتهم مع القدر الكبير من المعلومات الذي يتلقونها، مع إزالة التفاصيل غير المهمة منها، وبالتالي التركيز على الأجزاء التي يحتاجونها فقط»، على حد قوله.