أ. ميرهان محسن .
الحياة الزوجية لا تسير في كل الأحوال على وتيرة واحدة، وبين هذا وذاك فترات عصيبة تمر بالحياة الزوجية.. لكن يبقى الملل فيروساً يضرب الحياة الزوجية بعنف، وقد يصيبها في مقتل إن لم يتم علاجه..
الملل الزوجي آفة تتعرض لها العلاقة الزوجية وخاصة في ظل طول الفترة التي يرتبط فيها الطرفان، والمحصلة النهائية للواقع الأسري هو الإحساس بالملل الذي يقود إلى التعاسة الزوجية، وليست المشكلة في الإحساس بالملل الزوجي، وإنما تبقى الإشكالية في عدم قدرة البعض على التغلب على هذا الملل الذي يضرب أواصر الحياة الزوجية فيصل بها إلى هاوية الطلاق أحيانًا، وعديدة هي قصص الإحساس بالملل بين الزوجين..
تعترف السيدة منال (زوجة وأم).. أن الملل بدأ يدب في حياتها الزوجية منذ العام الثاني من زواجها؛ إذ تراكمت عدة ظروف منها وفاة والدها، ومشكلاتها المستمرة مع زوجها، والحمل والولادة.. كلها ظروف أدت إلى تزايد الفجوة بينها وبين زوجها بشكل كبير، وهي منهكة بالمسؤوليات والإحباطات وزوجها في عالم "تاني" يريدها هي التي تتغير وهو لا يريد بذل أدنى عطاء..
وتقول منال: كان إحساسي بالملل يتفاقم يومًا بعد يوم، بدأت بنفسي أجذب زوجي للرحلات، والخروج للتغيير خارج المنزل، ولكنني تعبت، أشعر وكأنني أقود طفلاً وأبذل مساعي ومجهودات عظيمة لإقناعه بالخروج أو السفر، أعترف بأنه شخص جيد وهادئ ولكنه تقليدي، ليس له أصدقاء، وبالتالي يريدني أيضًا أن أكون بلا أصدقاء، وساد الصمت حياتنا الزوجية، وحاولت جاهدة أن أطلب منه أن يحتويني بعد وفاة أبي، وأن يشعرني بكياني كزوجة، أخفق وأخفقت حياتنا، والآن نعيش حالة ملل صامتة، ولا أعلم ما هي النهاية، ولكن لا تسأليني عن بذل مزيد من المحاولات لتجديد الحياة الزوجية؛ لأن الخلاصة هي أن من يبذل هذه المساعي لتجديد الحياة الزوجية هما زوجان يرغبان معًا في الاستمرار بسعادة، وليس طرفاً دون آخر، وليس الاستمرار لمجرد الاستمرار..
لكن سهام إسماعيل تقول: "إن الفتور الزوجي أو الطلاق العاطفي والنفسي بين الزوجين هو مشكلة تواجه معظم العلاقات الزوجية، ولكن الذكاء هو في كيفية إدارة الزوجة لآلية الفتور".
فالتحولات التي اجتاحت العالم من حولنا أثرت بشكل أو بآخر على علاقاتنا الاجتماعية، وعلى الرغم من أن مجتمعاتنا الشرقية تتميز بدفء العواطف وحرارة المشاعر، إلاّ أن نسبة كبيرة أصبحت تعاني كالغرب من حاله الفتور، وأصبح الجليد هو الذي يكسو البيوت، وباتت لغة الصمت هي اللغة المعتمدة، وأصبحت هذه النماذج من البيوت تعرف "ببيوت الثلج".. وعلى الرغم من ذلك تضع سهام معظم المسؤولية على الزوجة، وتعتقد أن الحل يتطلب بذل مجهود مضاعف من قبلها لكسر الجليد الذي قد يتراكم في علاقتها بزوجها، بمعنى أن تكون المرأة عامل جذب قوي لزوجها نحو البيت مرة أخرى..
أما أمل إبراهيم (مهندسة كمبيوتر) فقد عبّرت عن رأيها بشكل مختلف عن الإحساس بالملل الزوجي؛ إذ رفعت شعار: نعم للتجديد الزوجي، وتقول: إن الملل الزوجي إحساس طبيعي في تصوري؛ خاصة وأن الرجل بطبعه يشعر بالملل سريعًا وبشكل أكبر من المرأة.
وتشير أمل إلى أن أبرز أسباب الملل الزوجي في رأيها ترجع إلى المرأة بالدرجة الأولى، وخاصة في الفترة التي تلي الزواج مباشرة ومع الحمل والإنجاب وانشغال المرأة بالطفل الجديد، هذا يكون مدعاة لتسرب الملل في العلاقة بين الزوجين.. إذ يشعر الزوج بتجاهل الزوجة له، والزوجة تكون مشغولة بالطفل الجديد، وتشعر أنها وحدها تتحمل عبء الطفل الجديد، والزوج غائب عنها لفترات طويلة؛ إما بسبب الشغل أو الهروب من البيت.. ناهيك عن الروتين اليومي، ورتابة الحياة في المأكل والملبس وكل شيء..
وتواصل أمل حديثها قائلة: ولأنني متزوجة عن حب فإنني لا أترك إحساس الملل يتسرب إلى سريعًا، وأقضي عليه فورًا، لذلك فإن الإجازة بالنسبة لي فرصة جميلة للتجديد والتغير بغض النظر عن المكان، بمعنى أن الإجازة بالسفر أو دون السفر هي فرصة رائعة لتجديد الحب، والمشاعر الجميلة بين الزوجين معًا، كما أنها فرصة للتقريب بين الزوجين خاصة في ظل إيقاع الحياة السريع ومسؤوليات العمل الطاحنة، وتستطرد أمل قائلة: اعتدت السفر والعودة مع زوجي؛ إذ أشعر بارتياح وسعادة أكبر، والعام الوحيد الذي اضطرتني فيه الظروف للسفر بمفردي لم أستطع؛ لأنني اعتدت ألا أفترق عن زوجي في الإجازات.. فمعًا تكون أفضل وأجمل..
الأزواج يتكلمون:
الأزواج بدورهم كانت آراؤهم مختلفة ومسوغاتهم عن الملل أيضًا مختلفة؛ فالرجل كالطفل إذا شعر بالملل فهذا الأمر قد يدفعه بعيدًا عن حدود البيت، ربما إلى الخيانة أو إلى الزواج بأخرى..
حاتم فهمي (طبيب) يرى الأمر من وجهة نظره قائلاً: إن السبب في أن يسود الملل حياة الزوجين هو الروتين القاتل، فالملل إحساس طبيعي يعتري البشر سواء كانوا في علاقة الزواج أم لا، ولكن ربما يزداد الأمر خطورة في علاقة الزواج؛ لأنها علاقة أبدية، فالزوج عادة والزوجة أيضًا يكون لديهما توقعات تجاه الطرف الآخر بأنه سيرسم حياة وردية له، وسيكون الطرف الآخر هو مصدر التغيير والتجديد في الحياة في كل شيء، ولكن مع تعقيدات الحياة، وتزايد المسؤوليات يومًا بعد يوم، تتبدل الصورة وتخيب توقعات كل طرف، لظروف خارجة عن الإرادة؛ وفي تصوّري هنا يأتي دور الزوجة في المقام الأول لتجديد مياه الحياة الزوجية الراكدة، ولابد من مساندة الزوج ووجود مبادرات إيجابية منه حتى لا تشعر الزوجة أنها الوحيدة المسئولة عن ذلك..
ويلتقط إيهاب (محامي) طرف الحديث مؤكدًا على أن الزوجات بأيديهن يضيعن أزواجهن. مشيرًا إلى أن من أبرز أسباب الفتور الزوجي النكد الروتيني للزوجة، والشكوى الدائمة، والتذمر، والمشاكل التي تثيرها بسبب وبلا سبب.
ويواصل إيهاب حديثه قائلاً: إن العلاقة الزوجية هي شراكة بين طرفين، وأي خلل يطرأ على العلاقة سببه أيضًا الطرفان، ولكن أحيانًا يقود القدر بعض الأزواج إلى زوجات يعشقن النكد، وهذا هو حالي، فزوجتي كانت ملاكاً بريئاً قبل الزواج، ولكن بعد الزواج أصبحت عصبية، وصراخ متواصل مع الأطفال، وأصبحت هوايتها النكد.. وطبيعة عملي تفرض على وجودي خارج البيت فترات طويلة، وعندما أعود للبيت عدة ساعات أعيش نفس الحياة مع العصبية والصراخ والروتين اليومي من النكد، في الإجازات أحاول تغيير الروتين بالتجديد والتغيير خارج البيت، ولكن ترافقنا العصبية والنكد لأتفه الأسباب، مللت زوجتي ومللت من حياتي الزوجية، أصبحت أهرب من البيت، وبكل صراحة تعرفت بامرأة أخرى، هي زميلة لي في العمل، وحاليًا أفكر جديًا في الارتباط بها، أنا لم ألجأ للخيانة فسأتزوج على سنه الله ورسوله.. هل لديكم حل آخر؟
الفتور.. مراحل عمرية:
"إذا ساد الصمت في الحياة الزوجية فهذا مؤشر خطير لفتور العلاقة الزوجية، وهو الطريق إلى الطلاق العاطفي".. هذا ما استهل به الدكتور أحمد المجدوب، المستشار الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، قائلاً: إن الفتور في العلاقة الزوجية إحساس طبيعي للغاية وخاصة في ظل وجود طرفين يشتركان في كل تفاصيل الحياة اليومية، وله أسبابه المتعددة في كل مرحلة من مراحل الحياة، ففي بداية الزواج ربما ترجع الأسباب إلى اختلاف الشعور بامتلاك الطرف الآخر الذي كان بمثابة هدف، فالإنسان عندما يظل تراوده الأحلام بامتلاك شيء ما؛ يظل يسعى إليه بكل قوة، ولكن بمجرد أن يملكه يشعر إزاءه بالملل، والأمر ذاته ينطبق إلى حد كبير في العلاقة بين الزوجين حديثي العهد.
أما في السنوات الخمس أو السبع الأولى من الزواج، فإن الملل يكون مبعثه عدم التوافق أصلاً بين الزوجين، روتين الحياة اليومي، عدم التجديد والتغيير، الأعباء النفسية والهموم التي قد تؤثر على الزوجين بسبب ضغوط الحياة، مما يؤثر سلبًا على العلاقة بين الزوجين فيدب الملل في أواصر الزوجين، أما في المرحلة المتأخرة من العمر وبعد التحرر من مسؤوليات الأبناء، هنا تكون الرغبة في التجديد أكبر وخاصة بعد مضي ما يربو على (15 أو 20) عامًا على الزواج، حتى لا يكون الإحساس بالملل مضاعفًا، ويلجأ الأزواج إلى الزواج بصغيرات السن كما نرى.
ويواصل د. المجدوب حديثه قائلاً: الخطورة في مسألة الملل الزوجي هي أن يسود الصمت بين الطرفين وتتراكم الهوة النفسية، ويتفاقم الإحساس بالملل، دون أن يصرح بذلك أي طرف للآخر، وتصبح الحياة بينهما وكأنها تحصيل حاصل، أو حياة زوجية تسير بقوة الدفع.. ومن خلال التجارب الميدانية وُجد أن أحد أبرز الدوافع الأساسية لوصول الزوجين إلى حالة الفتور هو عدم إيجاد صيغة للحوار بين الزوجين، وكأن الحديث عن الإحساس بالملل "عيب"، على الرغم من كونه إحساساً طبيعياً.. ويحذر د. المجدوب من الصمت القاتل بين الزوجين الذي قد يدفع يهما إلى هاوية الطلاق أو العلاقات غير الشرعية، وخاصة لدى الأزواج كنوع من البديل التعويضي للملل في البيت، ويشدد على ضرورة تكاتف الزوجين معًا للتخلص من حالة الفتور في علاقتهما؛ لأن كليهما مسؤول ومنوط ببذل الجهد لاستمرارية الحياة بشكل متجدد..
ملل من نوع آخر:
الملل في العلاقة الحميمة أيضًا يُعدّ أحد أشكال الملل الذي يخجل الكثيرون من الحديث عنه ولكنه واقع، وترى الكاتبة والمستشارة الاجتماعية نجلاء محفوظ في كتابها (أسرار الزواج الناجح) أن الاعتياد والرتابة قد يقتلان الشوق إلى الزوجة في نفس الزوج، والذكاء يقود إلى التغيير منعًا للملل الزوجي، حتى لا تمضي الأيام، وتضعف العلاقة، ويبدأ الشعور بأنه واجب لابد من أدائه، وهنا لابد من التوقف وتدبر أهمية عدم المبالغة في الحديث عن الملل في العلاقة الحميمة،
فالحياة الزوجية يمكن أن تزدهر وتتجدد، ولا بأس بفترات من الملل المؤقت والعابر، أما إذا زاد الملل وأوشك أن يصبح ظاهرة، فلا مفرّ من التغيير في كل شيء؛ في الأجواء المحيطة وفي تغيير ديكور حجرة النوم، بإضافة لمسات خاصة من الورود والإضاءة والاهتمام بأغطية الفراش والوسائد، ولابد من اهتمام المرأة برشاقتها وجمالها والتجديد دائماً في المظهر والملبس والعطر المستخدم، وهذا دور على الزوج أن يتجمل لزوجته من خلال ارتداء ملابس جذابة واستخدام عطر مميز..
مع ضرورة التغيير في مكان وزمان اللقاء الزوجي بأن يكون في الصباح مثلاً وخارج غرفة الزوجين، وينصح الخبراء بضرورة الابتعاد الجسدي من آن لآخر حتى يتجدد الاشتياق، كأن تقضي الزوجة بضعة أيام عند الأهل مثلاً أو أن يسافر الزوج في مهمة عمل وحده، وذلك كله من شأنه تجديد الرغبة، بدلاً من هروب الزوج، أو لجوء الزوجات إلى المشاعر السلبية، والتعويض بالاهتمام بالأطفال أو بالعمل.
أما عن البعد النفسي لمسألة الفتور الزوجي فيحللها الدكتور طارق عبد الله (استشاري الطب النفسي) قائلاً: أن تجربة الإحساس بالفتور الزوجي من الأحاسيس النفسية الصعبة التي تشوب العلاقة بين الطرفين في أي علاقة، ولا شك أن هذا الفتور يؤثر بشكل أو بآخر على نفسية الزوجين، وخاصة إن كانا في بداية حياتهما الزوجية، وغير مدركين بأن إحساس الفتور الزوجي طبيعي، ويمكن التغلب عليه، ولكن بمعالجته سريعًا،
فالمرأة من وجهة نظرها ترى أن زوجها تغير، ولم يعد يحبها مثل فترة الخطبة، وتبدأ تطاردها الهواجس والوساوس، وينتابها الإحساس بالإحباط والفشل المرتقب، والزوج بدوره يشعر بالتوتر والقلق ويراوده الإحساس بخيبة الأمل من تهديد حياته بالفشل والخوف من شبح الطلاق، ويكون الرجل هنا فريسة سهله للوقوع في علاقة شرعية أو غير شرعية مع أخرى.
وينصح د. طارق كلا الزوجين بضرورة الخروج من دائرة الملل وتداعياته النفسية والاجتماعية، ومعالجة الأمر بمرونة وبالحوار البناء، خاصة وأن الحب يمكن أن يتجدد بإضفاء الدفء على العلاقة والإحساس بالأمان، وتأكيد كل طرف على تمسكه بالعلاقة وإمكانية تجديد الحياة بقليل من الجهد، مع الابتعاد عن الروتين والتكرار في جوانب الحياة الزوجية، وإضفاء البهجة وإن كان الدور الكبر للزوجة هنا بلمساتها الأنثوية، إلاّ أن الرجل أيضًا له دور بارز في ذلك..
المصدر : موقع الإسلام اليوم .
|