|
موقع المستشار - تحقيق : منى ثابت .
ما الذي يحول الإنسان إلى كائن عدواني لا يؤمن سوى بلغة العنف والتخريب للإعلان عن نفسه ومطالبه ؟ .. كيف يتشكل وجدانه وفكره منذ الصغر حتى يصبح عدوانياً ؟ هل هي قدرات يريد الطفل إفراغها ، أم العوامل المحيطة به هي التي تدفعه للعنف والعدوانية ؟ .. وماذا نفعل حتى ننقذ أبناءنا من الوقوع في دوامة العنف والعدوانية والإرهاب ؟ تساؤلات عديدة نحاول الإجابة عليها في هذا التحقيق .
العنف سلوك مكتسب .
في رأي الدكتور إلهامي عبد العزيز أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس أن الطفل الصغير كالعجين المرن يشكل شخصيته جميع العوامل البيئية والأسرية المحيطة به ، لذا على الآباء أن يكونوا على وعي كامل بأن سلوكياتهم السلبية تؤثر على الطفل وتنمي له بعض النزعات العنيفة ، ويجب على الأم أن تهتم بأي سلوك طارئ على طفلها وخاصة إذا ظهرت على الطفل العدوانية والعنف الزائد .
ويضيف: تعتبر العدوانية سلوك مكتسب عبر التعلم و المحاكاة نتيجة للمعايشة الاجتماعية حيث أن الطفل يتعلم الاستجابة للمواقف المختلفة بطرق متعددة قد تكون بالعدوان أو بالتقبل ، و هذا يرجع إلى نوعية العلاقات داخل الأسرة وطبيعة البيئة والعوامل المؤثرة فيها.
فحينما تكون البيئة خالية من المشاجرات والغضب وسرعة الانفعال والعدوان تنمو لدى الطفل عادات المسالة و التحفظ في السلوك ، وينمو السلوك العدواني أكثر لدي الذكور ، ويقل جداً بين الإناث ، ويظهر العنف لدي الأطفال عن طريق استخدام الأيدي أو الأرجل ، بينما الإناث في الغالب عدوانهن لفظي .
الألعاب الجماعية .
وتنصح الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس بضرورة مساعدة الطفل على ممارسة الألعاب الجماعية، فهي من أفضل الوسائل التي يمكنها أن تخفف من العنف لديه ، كذلك إذا كان من النوع الذي يميل للانطواء، فهي تعتبر أيضا وسيلة لتنشئته على حب التعاون والثقة في الآخرين وتكسبه الشعور بالمسئولية تجاه الغير .
كما تنصح كل أم تريد أن تتغلب على طفلها العنيف، أن تقوم بإهدائه مثلاً عصفوراً أو كلبا أو قطة أليفة ، يختارها ويشرف بنفسه على رعايتها وتلبية احتياجاتها ، فهذا يجعله يتحول إلي طفل وجداني يشعر بالألفة والثقة والتعاطف وتبدأ ثقته بالناس تزداد وتدفعه للتعاون مع الآخرين بأمان وعطف .
لا لأسباب العنف .
ويشير الدكتور عادل عبد الله أستاذ ورئيس قسم الصحة النفسية بكلية التربية جامعة الزقازيق إلي أن هناك أسباب متعددة تؤدي إلي عنف الطفل ، منها :
إذا أظهر أحد الوالدين سلوكيات عنيفة عند الغضب، سيعتقد الطفل أن هذه هي الوسيلة الصحيحة للرد على أي موقف مثير للغضب.
كما أن الأطفال لا يولدون وهم يعلمون السلوكيات المقبولة اجتماعياً، فهم يحتاجون دائماً لأن نعلمهم ونذكرهم كيف يعبرون عن أنفسهم بشكل صحيح في كل المواقف،والإخفاق في ذلك سيؤدى إلى صعوبة السيطرة على الطفل.
أيضا عدم الأمان وافتقاد الحب وعدم استقرار الجو الأسرى وما قد يصاحب ذلك من شجار وصراخ يحزن الأطفال ويجعلهم عصبيين ومفتقدين للأمان ، مما يؤدى إلى عنفهم وعدوانيتهم تجاه الأطفال الآخرين.
ويوضح الدكتور عادل عبد الله أن مما يعزز العنف عند الطفل شعوره بسعادة أو ابتسامة والديه أو أحدهما عندما يتصرف بشكل عنيف في موقف معين ، ويخطئ الوالدان حين يظنان أنهما بهذه الطريقة يربيان طفلاً صلباً يستطيع التعامل مع جميع المواقف.
ويحذر من الغضب المكبوت قائلاً : إذا كان الطفل يُمنع دائماً من التعبير عن غضبه، سيشعر بالغيظ والإحباط وسيؤدى ذلك إلى العنف ، لذا يجب أن يكون الهدف هو تعليم الطفل الطرق الصحيحة للتعبير عن المشاعر السلبية وليس تعليمه كيف يكبت مشاعره.
برامج تليفزيونية عنيفة .
كما يحذر من البرامج التليفزيونية العنيفة حيث أنه من المؤكد أن العنف الموجود ببرامج التليفزيون يؤدى إلى عنف الأطفال بثلاث طرق،أولاً، التعلم عن طريق الملاحظة وهو أن يقوم الطفل بتقليد ما يشاهده في التليفزيون.
ثانياً، ضعف الحساسية تجاه العنف وهو عندما يصبح الطفل أقل حساسية تجاه العنف ويشعر أنه شئ طبيعي.
وأخيراً، قلة الموانع ضد العنف لدى الطفل، فمن الطبيعي أن يكون لدى الإنسان موانع داخلية تمنعه من العنف، لكن في هذه الحالة يفقد الطفل هذه الموانع.
ويطالب الدكتور عادل عبد الله بإشباع احتياجات الطفل من الحب والعطف والرعاية والفهم حيث أن عدم توافر ذلك يؤدي في بعض الحالات إلى شعور الطفل بالإحباط مما قد يؤدي إلى العنف خاصة في حالة وجود نموذجاً عنيفا في الأسرة أو إذا لم يتم توجيه الطفل بشكل سليم.
ومن الأمور التي يجب أن يحرص عليها الآباء ، عدم تحفيز مشاعر الغيرة بين الأطفال حيث إن المساواة في المعاملة بين الأطفال وتقسيم الاهتمام والحب بينهم بالتساوي يقلل من الغيرة بينهم.
ومن الأمور التي تؤدي إلى عنف وعدوانية الطفل عنف أصدقائه ، فالأصدقاء لهم تأثير كبير على بعضهم البعض. لذا ينصح د. عادل عبد الله الأم إذا لاحظت أن طفلها يتصرف أعنف من المعتاد، أن تستدعي كل أصدقائه وتحاول ملاحظة إن كان يقلد أحدهم أم لا .
عنف الآباء .
تنصح هبة سعد وكيلة رياض الأطفال بمدرسة الفتح ببنها باتباع بعض الوسائل لعلاج السلوك العنيف لدى الأطفال فتقول :
عنف الأبناء يأتي نتيجة عنف الآباء معهم ، فالولد يتقمص شخصية والده ووالدته ولو أردت أن تشاهد نفسك كأب أو أم ، دع ابنك يلعب مع أقرانه وسوف ترى العجب .. سترى ابنك يتقمص شخصيتك في الكلام والحركة وطريقة الإشارة رفع اليد والمشي .. وبناء على ذلك لابد أن نتغلب على شعورنا كآباء وأمهات بالغضب في المواقف المثيرة ونلجأ إلى الحكمة والمنطق ، ولا نستخدم العقاب البدني ، فاستخدام العقاب البدني يعطى للطفل انطباعاً بأن استخدام العنف أمر مقبول عند الغضب.
وتؤكد هبة سعد أننا نظلم أبناءنا دون أن ندري وتدلل على ذلك بحالة طفل في رياض الأطفال بالمدرسة التي تعمل بها حيث كان دائم العراك والمشاجرة للدرجة التي جعلته يجرح أقرانه وعندما بحثت حالته وجدت أنه يعيش في بيت عائلة جميع أفرادها يضربونه بدءا بالأب ومروراً بالخال والعم وانتهاء بالجد والجدة !!
عنف رياض الأطفال .
كما تؤكد انتشار العنف في رياض الأطفال بشكل بشع وعندما نبحث في السبب نجده يرجع في الأساس إلى البيت حيث يمارس ضد الطفل أشد أنواع الضرب وتشير إلى أنه في بعض الأحيان يأتيها طفل رياض الأطفال 4 سنوات ونصف والكدمات الزرقاء حول عينيه ظاهرة وفي جميع أنحاء جسده الهزيل .
وتنصح هبة سعد بمراقبة البرامج التي يشاهدها الطفل وتحديد كم الوقت الذي يقضيه أمام التليفزيون ، فبرامج الكرتون قائمة على العنف وبصورة مضحكة ترغب فيه وكأنه أمر طبيعي وكذلك الأفلام العنيفة .
كما تنصح بمكافئة السلوك الجيد للطفل والتعبير عن حبنا واهتمامنا به لتشجيعه على التصرف بالشكل الصحيح.
وترسل رسالة إلى كل أم فتقول : نظمى حياة طفلك اليومية لكن لا تثيري نشاطه أكثر من اللازم ، فالطفل يحتاج للاسترخاء،لأن إثارة نشاط طفلك أكثر من اللازم قد يجعله متوتراً ومرهقاً وقد يؤدى في النهاية لإثارة مشاعر العنف لديه.
اجعلي هناك توازناً بين الروتين والاستقلالية ، فإن وجود بعض الروتين في حياة الطفل اليومية يجعل الطفل يعرف ما الذي سيحدث ويساعده على البقاء هادئاً وتحت السيطرة. لكن تمتع الطفل كل يوم ببعض الاستقلالية يعطيه مساحة من الحرية لكي يفعل ما يشاء وفرصة للقيام ببعض الاختيارات لنفسه نوجهها ونرشدها .
|