موقع المستشار - تحقيق : عبد الرحمن هاشم .
الزواج الحلال قد يكون عرفياً ، أو شفوياً ، أو قانونياً ، ولكنه لا يكون أبداً سرياً وفي غياب الأب أو الأهل .. هكذا حدد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف صيغ العقود الصحيحة والباطلة في الزواج ، وحذر من الخلط الشائع لدى كثير من الناس بين الزواج العرفي وبين السري .. ولأن الحابل اختلط بالنابل, والعرفي اختلط بالسري ، ولأن أرقام المتزوجين عرفيا مرعبة, فدراسة تشير إلى أنهم10% من المصريين أي نحو8 ملايين, وأخري تؤكد أن30% من طلبة الجامعة أزواج في السر.. وثالثة تشير إلى أنهم مليون طالب.. وغيرها من الأرقام ، تقدم نحو 20 نائبا بالبرلمان المصري بطلبات إحاطة ، فزعاً من هذه الظاهرة ، يدقون ناقوس الخطر، لتلافي الشبهات ، ومعالجة الثغرات.. سواء بالعقاب القانوني أو بالحلول الاقتصادية والاجتماعية.. فإلى هذه السطور.
العرفي غير السري .
ناقش مؤخراً مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف صيغ العقود الصحيحة والباطلة في الزواج ، وأشار إلى ثلاثة أنواع :
زواج شرعي غير موثق ، وهو زواج مستوف للأركان والشروط الشرعية من زوج ، وولي ، وشاهدي عدل ، وإشهار للعقد بأي وسيلة من وسائل الإشهار ، والصيغة بشرطها ( الإيجاب والقبول ) مع انتفاء الموانع الشرعية إلا أنه زواج تتم كتابة عقده في ورقة عرفية بواسطة أحد الزوجين أو غيرهما ، أو يتم عقده شفهياً أمام الشهود ، أي أن العقد فيه لم يسجل في وثيقة رسمية قانونية ، وذلك لا يمنع أن الجميع يعلم به من الأهل والجيران ، فيكون عقداً لا تنقصه الصحة ، وتترتب عله جميع الآثار الشرعية ، ولكنه يسبب مشكلات للزوجة والأولاد بالنسبة لحقوقهما .
زواج شرعي موثق ، وهو زواج استوفى الأركان والشروط الشرعية السابقة بالإضافة للشكل القانوني الذي يصر على كتابته في وثيقة رسمية بواسطة الشخص المختص بذلك قانوناً ، فيكون زواجاً يجمع بين الصحة الشرعية والقانونية .
علاقة زنا ( زواج سري ) ، وهو زواج في اعتقاد من يلجأ إليه ، وفيه يحرص الطرفان ( رجل وامرأة ) على أن يكون زواجهما سرياً بعيداً عن الأهل ويتم عقده شفوياً أو كتابة في وجود شخصين أو أكثر وبدون ولي للزوجة أو أهل أو أقارب ويبيح الطرفان لأنفسهما المتعة الحرام بعيداً عن علم الأهل ، وحقيقة هذه العلاقة التي يتداولها الكثير على أنها زواج عرفي أنها ارتكاب لفاحشة الزنا ، ولا يصدق عليها من الأساس وصف الزواج ، فالزواج العرفي شرعاً لا يتم في سرية .
مما سبق يتضح أن مجمع البحوث الإسلامية فرق بين الزواج العرفي وبين السري ، وأنه أكد شرعية الأول " غير الموثق " وحرم الثاني ، وفي ذلك يتحدث الدكتور عبد الفتاح الشيخ رئيس لجنة البحوث الفقهية التي تناولت بالبحث والدراسة الزواج العرفي فيقول : يجب أن نفرق بين الزواج العرفي والسري ، فالأول كما هو معروف ، ينقصه التوثيق فقط ، وهذا حلال ، ولا شيء فيه ، إلا أننا لا نؤيده " اجتماعياً " لعدة أسباب من أهمها ضياع حقوق المرأة والأبناء ومخالفة نظام الدولة في توثيق العقود ، وهذا النوع منتشر حتى الآن في بعض القرى المصرية والصعيد وتجمعات البدو ، وبين الأرامل حتى يحتفظن بمعاشهن ، مع حاجتهن إلى الزواج .
ويضيف الدكتور الشيخ : لذا أناشد المسئولين احتفاظ الأرامل بمعاشهن بعد الزواج ، لسببين ، أولهما : القضاء على رافد من روافد الزواج العرفي والمحافظة على حقوق المرأة .
ثانيهما : إتاحة الفرصة للأرمل للإنفاق على أبنائها ، بما يضمن لها حياة كريمة ، خاصة أن الزيجة الثانية للأرامل ، يكون فيها الزوج – غالباً – سبق له الزواج ، ومحمل بالأعباء المادية ، لذلك فإن الإبقاء على المعاش يعد حماية للمرأة والأيتام .
ويتطرق إلى النوع الثاني ، وهو " السري " المنتشر بين طلبة الجامعات ، ويقول إنه ليس زواجاً ، بل هو من باب الفواحش ، وينبغي مواجهته ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف " كذلك قال : " فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح " أي أن السرية أو حتى الاقتصار على زملاء الدراسة ، أمر يحول الرباط المقدس ، إلى مجرد لعبة ، بل يعد باباً من أبواب الفواحش .
العرفي .. تحت قبة البرلمان !
النائبة ابتسام حبيب تقدمت باقتراح مشروع قانون للبرلمان المصري يجرم الزواج غير الموثق, ينص على:"... يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كاتب وشهود وطرفا عقد الزواج غير الموثق,... ولا يجوز للمحاكم أن تقضي بصحة التوقيع أو بصحة ونفاذ عقد زواج تم بالمخالفة لأحكام التوثيق ".
وكما هو واضح من المادة الجديدة المقترح إضافتها, فإن تجريم الزواج العرفي هو المطلب الأساسي, خروجا من عدة مشكلات ـ كما تشير المذكرة التوضيحية لمشروع القانون ـ أهمها انتشار ظاهرة تزويج الفتيات الصغيرات من أجانب بموجب عقود زواج عرفية, يتوسط فيها سماسرة تخصصوا في هذا الأمر نظير مغانم مالية, مقابل ضياع حقوق الفتاة التي سيقت إلى زواج لم تؤهل له, من زوج غريب عنها وعن بيئتها ويفوق والدها سنا.
هذا فضلا عن استغلال البعض الظروف الاقتصادية للارتباط بفتيات بموجب عقود زواج غير موثقة, تحت تأثير مزاعم ووعود كاذبة, وسرعان ما يتكشف الأمر عن واقع أليم, لا تملك حياله الزوجة إذا هجرها زوجها, سوي طلب الحكم بالتطليق من هذا الزواج العرفي, أو طلب فسخه, دون أن يكون لها حق المطالبة بأي حقوق شرعية, فضلا عما يترتب على ذلك من منازعات بشأن نسب الأطفال.
وتشير المذكرة التوضيحية للمادة المقترحة أيضا إلى إقدام بعض الشباب صغير السن في دور التعليم المختلفة, ودون دراية منهم بمفهوم الزواج ومقاصده ومسئولياته, ودون علم ذويهم, بالارتباط بموجب عقود زواج عرفية, ليس لها من هذا الميثاق الغليظ سوي الاسم, وكذلك ارتباط بعض الشباب بفتيات أو سيدات مسنات من جنسيات أخري, بموجب عقود زواج عرفية, لمجرد الرغبة, في الحصول على نفع مالي, أو متعة زائلة أو توفير فرصة عمل لهم في مصر أو الخارج, وما يترتب على ذلك من آثار وخيمة, خاصة في ظل انعدام الغاية الشرعية من الزواج واختلاف العادات والتقاليد بين الطرفين.. وتشير المذكرة في النهاية, إلى أن الأمر هان على بعض ضعاف النفوس, فاتخذ من ورقة الزواج العرفي غطاء لإخفاء جريمة ممارسة العلاقات غير الشرعية.
ومن أجل المشكلات السابقة رصدت التعديلات المقترحة عقوبة جنائية لمن يخالف أحكام توثيق الزواج, بل وألزمت الفقرة الثانية من نفس المادة المقترحة, كل من ارتبط بزواج غير موثق أو كاتب أو شهود ذلك العقد أن يتقدم خلال ثلاثين يوما من تاريخ نفاذ هذا القانون لإثبات مضمونه في محضر لدي قسم أو مركز الشرطة المختص, ولا يكون هذا المحضر حجة في إثبات الزوجية ما لم يقر بقيامهما طرفا العقد.
لا ضرورة للتعديلات المقترحة .
يختلف الدكتور – محمد رأفت عثمان – عضو مجمع البحوث الإسلامية ، مع التعديلات القانونية المقترحة التي تطالب بتجريم الزواج العرفي ، ويرى أنها تتصادم مع الشريعة الإسلامية ، التي تجيز الزواج دون توثيق ما دام مستوفياً الأركان والشروط .
ويضيف : إن التوثيق ليس ركناً من أركان الزواج ولا شرطاً من شروط صحته ، وإنما لجأ القانون في مصر وغيرها من الدول العربية إلى الاتجاه إلى عدم الاعتراف بالعقد الذي لم يوثق أمام القضاء ، حتى يحث الرجل والمرأة على أن يوثقا عقد زواجهما للمطالبة والمحافظة على الحقوق المترتبة على هذا العقد .
والملاحظ هنا كما يقول الدكتور رأفت أن التوثيق كان الدافع إليه رعاية مصالح المرأة وهي الطرف الأضعف في العقد ، فبإمكان الرجل المتزوج عرفياً ، أن يترك زوجته معلقة ، لا هي زوجة ولا هي مطلقة ، ويتزوج من يشاء ، أما هي فلا تستطيع ذلك لوقوعها تحت طائلة الشرع والقانون . ولهذا كان الاتجاه إلى منع القضاء من نظر دعوى الزوجية عند الإنكار إلا بعقد موثق ، ولكن مع وجود حالات كثيرة اتجهت إلى الزواج العرفي ، وترك الزوجات " معلقات " تدخل المشرع لحل هذه المشكلة ، وهذا ما حدث في القانون رقم 1 لسنة 2000، المتعلق ببعض إجراءات الأحوال الشخصية فأعطى للمرأة الحق في أن تلجأ للقضاء طالبة التفريق بينها وبين زوجها ، ومن حق القاضي أن يحكم بالتطليق إذا أثبتت الزوجة زواجها العرفي بأي ورقة كتابية ، حتى لو كانت مخاطبات خاصة بينها وبين زوجها .
ويضيف : وإن كان القانون قد حل مشكلة الزوجة المعلقة وحكم بتطليقها ، فإن حقوقها تظل مهدرة ، فلم يرتب القانون على هذا التطليق أي حق من حقوق الزوجية ، لا من ناحية النفقة ولا من ناحية الميراث .
ويخلص إلى أن عقد الزواج العرفي يمكن أن يكون صحيحاً شرعاً ، مع غياب التوثيق ، الذي يحفظ حقوق المرأة ، خاصة بعد انتشار شهادة الزور ، وادعاء امرأة أنها زوجة لفلان ، فالقانون أراد أن يسد الباب أمام ضعاف النفوس .
أما المناداة بتجريم وعقاب طرفي الزواج والشهود ، فهو مناف للأحكام الشرعية ، ويجرم حلالاً بحسب قواعد الشرع وأحكامه ، ولا يترتب عليه أضرار بليغة تستدعي هذا العقاب ، وعلينا البحث عن سبل علاج أخرى .
أسباب أخرى .. للزواج العرفي .
ترصد الدكتورة إيمان شريف أستاذة علم النفس الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أسباباً أخرى للزواج العرفي فتقول : إن أسباب إقبال الشباب على الزواج العرفي اقتصادية واجتماعية ، والظروف الاقتصادية وفي مقدمتها البطالة بصفة خاصة تعد المتهم الأول في مشكلة الزواج العرفي ، لأن الزواج الرسمي يحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لتأسيس منزل الزوجية ، وبالتالي فلا بديل عن الزواج العرفي الذي لن يتكلف سوى أقل القليل .
وتضيف أن الأوضاع الاجتماعية هي الأخرى لها اليد الطولي خاصة عدم ترسيخ القيم الاجتماعية الصحيحة في نفوس النشء بالإضافة إلى ما تقدمه وسائل الإعلام من مادة استفزازية خليعة تثير الغرائز في نفوس الشباب ثم لا تتاح الفرصة لإشباعها بطريقة مشروعة .
وتشير إلى أن العادات والتقاليد التي تتمسك بها الأسر من مغالاة في الشبكة والمهر تثقل عاتق الشباب وتصيبه بالعجز ، فينصرف عن الزواج ولا يجد حلاً أمامه إلا أن يتزوج عرفياً .
عدم سماع دعوى الزواج العرفي لا يعني عدم صحته .
في شأن الزواج العرفي يخلط البعض بين عدم سماع دعوى هذا الزواج أو عدم قبولها وبين صحته ، والثابت كما يقول المستشار حسين عبد الله إبراهيم رئيس محكمة الاستئناف السابق – أن الزواج العرفي هو زواج صحيح وينتج آثاره القانونية من حيث ثبوت النسب والحقوق الزوجية ، أما عدم سماع دعوى هذا الزواج أمام المحاكم فلا يعني عدم صحته ، وعلى ذلك فالقول بأنه زنا – كما يقول البعض – هو استخلاص غير سائغ من أصول لا تؤدي إليه ، شرعاً أو قانوناً بما يوجب الالتفات عنه ، حتى لا يلتبس على الأسرة المسلمة فتعيش في ظلال الشك فيما يمس جوهر حياتها ، خصوصاً بعد زيادة حالات الزواج العرفي الذي يلجأ إليه البعض في ظل تعذر الحصول على مسكن ، أو حالات الضرورة التي تلجئ البعض للزواج العرفي حتى تستمر الزوجة في صرف معاش زوجها المتوفى وغير ذلك من حالات مماثلة والتي تثمر أطفالاً مما يعرضهم للضياع في حالة اعتبارهم ثمرة زنا .
|