|
التوازن والوسطية : الطريق إلى الصحة النفسية .
الناقل :
heba
| العمر :43
| الكاتب الأصلى :
أيمن غريب قطب
| المصدر :
www.almostshar.com
التوازن والوسطية : الطريق إلى الصحة النفسية . |
د. أيمن غريب قطب .
يمكن القول أن التوازن والوسطية هما هبة الله إلى الخلق جميعا وللإنسان لكي يحيا حياة سعيدة آمنة مطمئنة.
ولعل التوازن والوسطية لا ينطبقان فقط على المعايير الشخصية والاجتماعية بل هما من نعم الله على الكون كله في كافة مظاهره وأشكاله الطبيعية, فالمتأمل والباحث في مظاهر الكون المختلفة يتبين له أن الله سبحانه وتعالى جعله متوازنا وسطا، كما جعل الدين الإسلامي والأمة الإسلامية أمة وسطا ومتوازنة أيضا . ولعل ذلك أيضا من أسرار بقاء هذا الكون وسعادة هذه الأمة.
والمقابل لمفهوم التوازن والوسطية مفاهيم أخرى على النقيض منها في تأثيرها وفي سلبيتها . ومنها التطرف والعدوان والإرهاب وهي مفاهيم زادت وانتشرت في الآونة الأخيرة على وجه التحديد وعم التباسها وأسيئ تفسيرها وتعدد ت استخداماتها في مواضع ليست ملائمة ولا مناسبة لذلك .
إن سمتي التوازن والوسطية وما يؤديان إليه من تفاعلات لينعكسان على سلوك الإنسان وأنشطته المختلفة ويضفيان عليه هدوءا واستقرارا وسعادة وطمأنينة وأمنا .
والأمر هنا يخضع إلى أن التوازن والوسطية كسلوك تتمثل في عدم الإفراط أو التفريط والإشباع دون نهم وعدم الحرمان بأشكاله. وكلها أشكال ومظاهر لذلك وكذلك بالنسبة للجانب الاجتماعي بما يمثله من سلوك اعتيادي أو مقبول وعدم السلبية أو التقوقع حول الذات أو الابتعاد عن الآخرين وإنما المشاركة والنفع وتبادل المصالح والتفاعل الايجابي أو على الأقل السير علي مبدأ لا ضرر ولا ضرار هواحد المبادئ الإسلامية القويمة .
والسلوك الغير عادي هو السلوك الشاّذ أو غير المقبول. ونحن نربط بين السلوك العادي أو المقبول والسلوك الصحي وبين الصحة النفسية ،إلا أنه في حقيقة الأمر يعد مظهرا من مظاهر الصحة النفسية . فالصحة النفسية هي الحالة النفسية العامة للفرد والسلوك العادي أحد مؤشرات توازنها.
ولعله من المناسب أيضا أن نذكر أن هناك مؤشرات لهذا السلوك الاعتيادي أو المقبول شخصيا واجتماعيا. فأحيانا يعتمد في ذلك بالنسبة للخصائص الطبيعية وبعض السمات الاجتماعية على خاصية التوزيع الاعتدالي حيث جعلها الله سبحانه وتعالى خاصية تتميز بها معظم الخصائص الطبيعية فنجدها تقع في المنتصف
بالنسبة للغالبية العظمى وتقل هذه السمات كلما اتجهنا إلى الأطراف . والتطرف هنا قد يكون سلبيا في احد جوانبه مثل سمتي الذكاء أو الاجتماعية وهذا يتأثر بالطبع باختلاف الظواهر أو المظاهر موضع التحديد , اجتماعية كانت أو شخصية ونفسية وكذلك فإنها أمر نسبي بالنسبة الأفراد والجماعات ومع مرور الأزمان كذلك.
أما المعايير الاجتماعية للتوازن فهي ليست بالضرورة صادقة وإنما هي إذا ما صلحت الجماعة فيمكن أن تكون مؤشرا جيدا للصحة النفسية. فإذا ما اتفقت الجماعة على سلوك حسن ومقبول واعتبرته من الأساليب الصحيحة وساد هذا السلوك بالنسبة للمعايير الأخلاقية والدينية والإنسانية والسلوك الإنساني العام ، كان معيارا مقبولا ومعتدا به .ويتضمن ذلك مدى التزام الفرد بهذا السلوك وما يتوقعه من سلوك اجتماعي مقبول مع الأخذ في الاعتبار طبعا الاختلافات أو التمايزات الاجتماعية والثقافية بين الأفراد والجماعات .
ولا يمكن أن يتم الوصول إلى طريق الصحة النفسية عبر التوازن والوسطية إلا من خلال توافر جوانب السلوك التكيفي الشخصي والاجتماعي والتي تتيح للفرد والجماعة تحقيق أقصى نمو وازدهار ونماء لإمكاناتهما وذلك بالطرق والوسائل الايجابية. فلابد من إتاحة الفرص لكي يتكيف الفرد شخصيا واجتماعيا مع ما يلائمه ويناسبه من إمكانات وفرص شخصية واجتماعية تتيح له أقصى نمو ممكن واستثمار لإمكاناته الشخصية والاجتماعية ليتلاقيا في تحقيق ذاته .
أما إذا لم يتحقق ذلك فقد يتعرض الفرد لجوانب سلبية من السلوك مثل اللامبالاة والعدوانية والتعصب وأشكال من الشذوذ النفسي والاجتماعي.
إن التوازن والوسطية إذا ما تحققا كسمتي شخصية واجتماعية ليعدا هبة من الله للإنسان والجماعة معا لتحقيق الذات الشخصية والاجتماعية في تمازج وانسجام فريد ومن ثم الطريق إلى مظاهر وأشكال الصحة النفسية الايجابية والصحيحة . وهي بذلك تتفق مع مظاهر الطبيعة المختلفة المحيطة بالإنسان في كل مكان من هذا الكون الفسيح وما خلقه الله من سنن كونية واجتماعية تمكنان الفرد والجماعة من أن ينهضا وينموا نموا صحيحا وإتاحة الفرص للتعبير المبدع الخلاق ثقافيا واجتماعيا وفكريا في تمايز يسعد فيه الفرد والجماعة .
|
|