د.ابراهيم الخضير .
مع التقدم في السن فإن نسبة الأمراض النفسية والعقلية أيضاً تزيد، فالاكتئاب يزيد مع التقدم في العمر وتتضاعف نسبته مع مراحل الشيخوخة، وفي كثير من الأحيان فإن الاكتئاب في سن الشيخوخة لا يأتي بالأعراض التي تأتي في سن الشباب، فكثير من المسنين يأتون بأعراض جسدية وليست أعراض اكتئابية. المسنون عندما يُصابون بالاكتئاب تصبح حياة الذين يعيشون معهم ويرعونهم في غاية الصعوبة، فالأبناء لا يستطيعون تحمل الآباء الذين يعانون من
الاكتئاب.. فالأمر مزعج جداً بالنسبة لهؤلاء الأبناء أو من يُعيل هؤلاء المسنين. لذلك يجب تفهم حالة الأبناء عندما يأتون مرافقين لآبائهم وهم في حالة نفسية سيئة.. يجب أن نُدرك أن الأبناء وزوجاتهم يعانون من صعوبات يجب تفهمها.. وأن لهم حدوداً وقدرات بشرية لتحمل المشاكل النفسية والعقلية للمسن الذي يعيش معهم. لذلك يجب أن يتوزع الأبناء مسؤولية رعاية المسن وأن يأخذ الذين يرعون مسنين إجازة من رعايته.
نأتي الآن إلى واحد من الأمراض المشتركة عقلية وعضوية ونفسية، وهو مرض العته (الخرف) أو مرض الزهايمر وهو مرض كثير الانتشار بين المسنين وقد كتبنا عنه في حلقات سابقة من عيادة ( الرياض )
مرض الزهايمر تبلغ نسبة الإصابة به في الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً ما بين 5 إلى 7٪ وفي الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 85 عاماً فإن نسبة الزهايمر تبلغ حوالي 12٪. ومع هذا المرض تأتي اضطرابات سلوكية وعقلية مثل: الشكوك المرضية، الضلالات بالاعتداءات الجنسية، الهلاوس السمعية والبصرية وكذلك الصراخ. هذه الأعراض تجعل الحياة صعبة بالنسبة لمن يعيش مع كبار السن، خاصة في ضوء التغيرات الاجتماعية، وطرق بناء
المنازل الحديثة التي تجعل من الصعب على الأبناء تحمل الآباء عندما يكونون مصابين باضطرابات سلوكية وعقلية بسبب الكبر في السن، وكذلك انشغال الأبناء والبنات في أعمالهم يزيد من صعوبة رعاية الوالدين، لذلك بدأنا نلاحظ ميل بعض الآباء إلى العيش مستقلين عن أبنائهم، وإن كانت الغالبية العظمى من كبار السن ما زالوا يعيشون مع أقارب من الدرجة الأولى في المملكة حيث بلغت نسبتهم 94٪ بينما من يعيشون مع أقارب من الدرجة الثانية 3,2٪،
حوالي 24٪ شكوا بأن أبناءهم لا يهتمون بهم، كذلك 41٪ شكوا من الوحدة (رسالة ماجستير عن الروابط الأسرية بمشكلات كبار السن، سميرة المشهراوي، جامعة الملك سعود 1998).
ووجدت الباحثة في دراستها بأن هناك علاقة طردية بين سوء معاملة المحيطين بالمسن، والمشاكل النفسية التي يعاني منها وإحساسه بالترابط الأسري.
يجب أن ينظر إلى هذه المشاكل التي تواجه المسنين في ضوء متغيرات في المجتمع تحدث بشكل متسارع، وفي هذه التغيرات يجب أن تقوم الجهات الحكومية وبالذات وزارة الشؤون الاجتماعية، التي يجب أن يكون لها دور في مساعدة الأبناء الذين يرعون آباء كباراً في السن، لا يجب خلط المفاهيم بأن بناء دور للنقاهة لرعاية المسنين يشجع الناس على العقوق، فهناك مسنون ليس لهم أبناء وليس لهم من يرعاهم فهل نترك هؤلاء للمحسنين والجمعيات الخيرية؟ يجب أن يكون هناك دور فعال لوزارة الشؤون الاجتماعية، فبناء دور على مستوى جيد من حيث السكن والأثاث والعاملين به ممن يكونون مدربين على العناية بالمسنين.
إن الوالدين يبقيان من أغلى الأشياء عند الإنسان، وأن طاعتهما ورضاهما يأتيان بعد رضا الله، فيجب على الأبناء أن يستغلوا فرصة وجود والديهم على قيد الحياة ليكونا سبباً في دخول الجنة. إن من ابغض الخصال لأي إنسان هي العقوق وجحد المعروف، فكيف إذا كان هذا العقوق مع الوالدين فإنه أسوأ أنواع العقوق والجحود ونكران الجميل.
إن مشكلة رعاية المسنين مشكلة مزمنة، خاصة مع تزايد أعداد المُعّمرين، وتغير الحياة الاجتماعية، لا يجب أن نأخذ المشكلة بشكل عاطفي، بل يجب التفكير عملياً بحلول منطقية وعملية لرعاة المسنين الذين لا يوجد من يُعيلهم، وأن يكون ذلك بصورة لائقة تحفظ للمسن كرامته وإنسانيته.
المصدر : صحيفة الرياض ، العدد 13941 .
|